رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محسن الهاجري

محسن الهاجري

مساحة إعلانية

مقالات

4028

محسن الهاجري

إعلام كاذب وقضاء فاسد

15 مايو 2014 , 12:11ص

يعتمد كل حاكم طاغية وكل حكومة ظالمة على عنصرين ووسيلتين رئيستين هما الإعلام الكاذب والقضاء الفاسد، فبهما يقوى الطغاة ومن خلالهما يبطشون وعن طريقهما يظلمون شعوبهم، وإن أردنا أن نشبههما بشكل آخر نقول بأنهما – أي الإعلام الكاذب والقضاء الفاسد – بمثابة رِجلين يقف بهما كل طاغية وكل حكومة ظالمة على الأرض ويمشي بهما بين الناس وبمثابة يدين تبطشان وتضربان بقوّة كل من يعترض الحاكم أو يأبى الانصياع لأوامره بل والخنوع والخضوع والركوع والإذلال بين يديه.

وقد بدى جليّاً أن هذين العنصرين أو هاتين الأداتين راسختين وضاربتين بجذورهما أعماق الأرض في كثير من دول العالم العربي والإسلامي تحديداً، بل أصبح العالم العربي على وجه الخصوص مضرب أمثال الأمم وحكاية تتندر بها شعوب العالم وتتسلّى من كثرة ما يحدث فيه من ظلم وطغيان على يد حكّام استولوا على خيرات بلادهم واستنزفوها بعد أن استولوا على الحكم في بلادهم.. كلٌ حسب طريقته ومغامراته البطولية التي تشابه مغامرات "الكاوبوي أو رعاة البقر" حين يسيطرون على "قطعان" البقر أو الأغنام وسط صرخات غوغائية همجية!

ولا أزعم هنا أن العالم لم يشهد حكّاماً طغاة أو ملوكاً جبابرة إلا في عالمنا العربي والإسلامي فقد كان هناك من الطغاة والظلمة الكثير في أنحاء العالم في أماكن متفرقة وأوقات متعددة ولكننا إذا نظرنا إلى وضع عالمنا العربي تحديداً – قبل وبعد ثورات الربيع العربي – نجد أن هناك كثافة في عدد الطغاة وفي مدة حكمهم كذلك حيث ابتليت الأمة العربية والإسلامية بحكّام جثموا على صدرها لعشرات السنين وهم يعيثون فساداً وظلماً وسرقة لخيرات بلادهم مستعينين بذلك كما أسلفنا بإعلام كاذب ومضلل للرأي العام ومزيّف للحقائق وبقضاء فاسد تضيع فيه الحقوق وتهان فيه الكرامة ويتلاشى فيه العدل.

إن الأمة العربية عانت في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والعراق وغيرها من الدول من سلسلة تعاقبت عليها من الطغاة والجبابرة الذين عاثوا فيها فساداً لا لقوّتهم الحقيقية ولا لعقولهم الذكيّة وإنما لهيمنتهم على الإعلام والقضاء فمن خلال الإعلام الكاذب ضلّلوا الشعوب وجعلوها تنشغل في توافه الأمور كالفن والرياضة وفي مستنقعات الرذيلة وأدران المنكرات ريثما يقوم الحاكم وبطانته وأسرته وحزبه بسرقة أكبر قدر ممكن من خيرات بلاده وبالتعاون مع أكبر قدر ممكن من الأعداء والمرتزقة الذين يتقاسمون معهم تلك الخيرات في مقابل دعم إعلامي أو سياسي دولي أو قوّة عسكرية وحماية دولية، ومن خلال الإعلام الكاذب أيضاً صنعوا للطغاة صورة مغايرة عن الواقع فمجّدوا أعمالهم الإنسانية "الشكلية" وأخفوا جرائمهم الوحشية "الفعلية" كما قاموا بتضخيم كل عملٍ صغير قاموا به وتهوين كل جرمٍ كبير ارتكبوه حتى أصبحت أخبارهم تستحوذ على أغلب نشرات الأخبار بل وصنعوا منهم طغاة قبل أن يصبحوا طغاة بالفعل عندما عظّموا في شخصية الحاكم أن الوطن يساوي الحاكم وأن الحاكم يساوي الوطن وأن الشعب يطيع ويسمع ولا رأي له ولا صوت في وجود أمر الحاكم وقراراته.

ومن خلال القضاء الفاسد وطّد الحكام الظلمة حكمهم عندما ضاعت حقوق الناس في شؤونهم الخاصّة فأصبح المواطن في تلك الدول يعرف أن طريق المحكمة لن يجلب له حقّه ممن ظلمه بل إنه سيجلب له المزيد من الذلّة والمهانة وهضم الحقوق إذ لاعجب أن ينصر القاضي الظالم على المظلوم بل وأن يحكم بسجن المظلوم أو جلده أو ربما يأمر بالاستيلاء على ما تبقّى من ممتلكاته ليحظى القاضي بنصيبه كذلك من تلك السرقات ناهيك عن الرشاوى التي تمكّنت من المحاكم والقضاة حتى أصبحت المحاكم ودور القضاء من أفظع الأماكن وأشدّها سلباً للحقوق وضياعاً للعدل.

وإذا كان حديثي السابق انشائياً فضفاضاً في الحديث عن ذلك الإعلام الكاذب والقضاء الفاسد فإنه يبدو جليّاً واضحاً في يومنا الحاضر عندما يستعرض أحدنا مايجري من أحداث مؤلمة ومحزنة بشكل يومي في مصر وما يحدث من خلال الإعلام والقضاء المصري الذي أصبح مثالاً للكذب والظلم من فرط تمجيده للسيسي وظلمه للشعب المصري وليس الإخوان المسلمين فحسب، فالإعلام المصري أصبح مثالاً مخزياً للكذب في عصر الحقائق الدامغة والأدلّة القاطعة والمعلومات الصحيحة ولهذا فإننا لا نستغرب أن يقوم السيسي بإغلاق كل القنوات الإسلامية الهادفة والقنوات الأخرى الصادقة لأن الطغاة يضيقون ذرعاً بسماع أصوات لا تمجّدهم ولا ترضي غرورهم وفي الوقت نفسه تفضحهم وتكشف حقيقتهم!

بقي أن نقول بأن الإعلام الكاذب قد يكون خطره أكثر من القضاء الفاسد ذلك لأن الإعلام المزيّف للحقائق هو العنصر الأول في صناعة الكذب وتشويه الحقائق ثم يأتي القضاء ليستكمل ما بدأه ذلك الإعلام من كذب وخداع، وبقي أن نقول كذلك بأن هناك دولاً قد لا تعاني الآن من وجود طغاة ولا من ظلمة وإنما قد تتأثر بنهج ذلك الإعلام الكاذب في تلك الدول فتبدأ في تمجيد الحاكم وتقديس شخصيّته حتى يصبح الحاكم ظالماً وتصبح الحكومة فاسدة نتيجة قيام الإعلام بتضخيم الإيجابيات وتهميش السلبيات وإظهار الصورة للحاكم أن بلاده وشعبه لا يعانون من شيء وأنهم يعيشون حياة مترفة بينما الواقع يقول عكس ذلك..وهكذا فإن الإعلام قد يصنع الطغاة في دول أخرى إذا ما انتهج نهج الكذب والتضليل للرأي العام..ونهج المدح والتمجيد المبالغ فيه للحاكم أوالحكومة.

مساحة إعلانية