رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
التزاماً بمبدأ الرأي والرأي الآخر، والحرية التي مُنحت للدكتور المسفر أن يكتب مقالاً بتاريخ 11/4/2023يتطاول فيه على رجل دولة له مكانته أينما حلّ، فإنني ومن نفس الموقع أردّ عليه: وأقول: إن تطاوله على الرئيس/ محمود عباس، رئيس دولة فلسطين، بما يمتلك من كارزما قيادية مميزة، استطاع خلال أصعب سنوات النضال أن يعبر بسفينة فلسطين إلى الأمان، رغم العواصف العاتية من القريب والبعيد، والعدو، وممن يدّعون أنهم أصدقاء، ومن أفواه وأقلام حاقدة، لا تزن الأمور بميزان المنطق والحسابات الإقليمية والدولية التي تعيشها الدول والشعوب، فهذا لا يجوز أبداً، ولا يحق لعديد الأسباب.
يا دكتور المسفر، سيادة الرئيس هو إنسان، وليس نبي يُوحى إليه ليقول الصواب دوماً، يصيب ويخطئ، ولكنه الأكثر صواباً في قراره، والأكثر حنكة في تصرفاته، والأكثر توازناً في علاقاته، وإذا كان هذا منهجه وديدنه، فنحن شعب فلسطين لا نقبل أن يتدخل في شؤوننا أحد، مهما كان، فنحن كما نقول «لسنا ابن البطة العرجة» يُسمح لمن هبّ ودبّ أن يمس رئيسنا بسوء، أو أن تظنون بنا الهوان، فلنا كبرياؤنا، ومكانتنا، ويكفي أننا كنعانيون، نمتلك ما لا يمتلكه كثير من الناس وربما تعيها جيدا.
(1)
أرجو منك قراءة تاريخ فلسطين كيف كُنا عوناً لكل شعوب الأرض، لكن الله أكرمنا باستعمار لا قِبل لأي دولة حتى العظمى بتحملهم، لهذا يحاولون طردهم إلى الأرض التي يجب أن يكونوا عليها، لتحقيق وعد الله، ولهذا جاء قوله تعالى: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا وقال تعالى: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوٓءَ ٱلْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ» أتعرف مَن هم؟ إنهم الفلسطينيون والرئيس منهم. وإذا قرأت معنى العذاب، فستجده ذا معان مختلفة، ونحن اليوم مَن نسومهم سوء العذاب.
وإنني من هنا أدعوك يا سيادة الدكتور المسفر/ أن تجفف قلمك، وتكفّ عن النيل من فلسطين ورموزها ورجالاتها، ألمْ يكفك النيل من الشهيد ياسر عرفات في عديد المقالات قبل وبعد استشهاده، ونلت منه علنا في عديد المناسبات، وكنا نقول، لعله يقول، رحمه الله، ونقول: ربنا يهديه إلى الرشد والصواب. ثم بدأت بالنيل من سيادة الأخ الرئيس/ محمود عباس في مقالات سابقة، واليوم تأتي لتطلب منه التنحي.
(2)
يا أيها الدكتور المسفر أهيب بك وأناشدك، أن تتنحى أنت عن الكتابة، فلا يحق لك أبدا أن تطلب من رئيس دولة لست من أبنائها ولن تكون، أن يتنحى، فهل أنت مَن انتخبه، وهل أنت أحرص على فلسطين منه، ومن شعبها؟ وهل أنك من المنافحين عن القدس، ومن سكانها لتطلب منه ذلك؟ وهل أنت من المرابطين في القدس، أو ممن أوقد سراجاً في الأقصى؟ لا أعتقد. وهل أنت ممن يتبرع للرئيس براتبه، أو يمد يد العون لأي إنسان في فلسطين كي تطلب هذا الطلب؟ حتى وإن كنت تقدم، فلا يحق لك ولا لغيرك مهما كان أن يطلب هذا الطلب، فأنت لست الوصي على الرئيس الذي تم انتخابه انتخاباً حراً نزيها، ولست الوصي على شعب فلسطين، أو حتى على طفل لم يولد بعد، ثم هل أنت مَن يعيّن ويُنحي.؟ فاتق الله يا رجل، واكتب بما يدفع عجلة الحياة في فلسطين إلى الأمام مثل معظم الكتّاب القطريين «المركز القطري للصحافة» الذين أصدروا بياناً يوم الأربعاء يدين جرائم إسرائيل.
الدكتور المسفر، رئيسنا شأن فلسطيني خاص وخالص، وشأن الشعب الصامد المرابط، وشأن الأسرى والشهداء، وشأن الطفل الفلسطيني الذي لم يولد بعد، وأيضا شأن الشهداء الأبطال الذين ارتقوا في ساحات النضال، فنحن نترحم على شهدائنا، ونعتز بهم، ونكرمهم وعائلاتهم، فأرجوك أن تكفّ لسانك وقلمك عن هذه التُرهات التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
(3)
الدكتور المسفر، إذا كان الرئيس قد بلغ من الكبر عتيا، فهذا أمر الله، ونقول، اللهم أطل في عمره من أجل فلسطين، فما زال بكل عنفوانه، وقوته الفكرية، والتحليلية، فكم من الزعماء بلغوا من الكِبر عتيا، وجميعهم والحمد لله يمتلكون القدرة على الحديث، وإدارة دفة الحكم في دولهم باقتدار، ورئيسنا واحد من هؤلاء الزعماء الذين يمتلكون ذاكرة وقّادة، وفهماً عالياً، وتحليلاً دقيقاً، ورؤية واضحة، وبصيرة قادرة على وضع الأمور في نصابها.
إذا جالسته – ولا يريد منك - تشعر أولاً بامتلاكه ذاكرة وقّادة، وقدرة على الحديث شائقة، وممتعة، ومفيدة سواء تحدث في السياسة أو الاقتصاد، أو التاريخ، أو الثقافة بشكل عام، وتقديري يمتلك ناصية مميزة لا يمتلكها إلا قليل من الزعماء والأمراء، ليس بشهادة كاتب أو محاضر، أو سياسي، بل بشهادة كل الزعماء دون استثناء.
(4)
إن إدارة الحكم تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي الذي يُكرس جل عمله في أساليبَ للنيل من الفلسطيني بأي شكل من الأشكال، في أرضه، وماله، وحياته، وزراعته، وصناعته، وسفره، وزيتونه، وكل ما يمكن أن تتصور ليست أمراً هينا، فصراعنا يا دكتور ليس صراعاً على المال، ولا على الحياة، بل صراعنا من أجل الأرض، ومن أجل القدس، ومن أجل فلسطين بأسرها، فتخيل كيف يكون هذا الصراع – ولا أعتقد أنك تتخيل - بين الحق الذي نحمله ونؤمن به، والباطل، الذي يدّعون أنه حق لهم، وبمساعدة العديد من الأنظمة التي تعيق مسيرة الانتصارات السياسية في كافة المحافل الخارجية التي حققتها وزارة الخارجية الفلسطينية، والتي أعتقد أنك لم تقرأها خاصة خلال العقد الأخير. إنها يا دكتور تركمات، لن يتأخر حصادها.
والله يا دكتور، لن أفيدك بماهية وظيفة الرئيس محمود عباس، التي طلبت، ولا وظيفة السلطة الفلسطينية، لأنك لو فهمت، فربما يختلف ميزان العقل لديك، لهذا، إن العاقل هو مَن يستطع أن يتفهم كافة التفاصل. خاصة إذا كنا جميعا تحت الاحتلال الإسرائيلي.
(5)
أستغرب تماماً مما تقول حول الأموال التي تُغدقها دول الخليج على السلطة الفلسطينية، بالله عليك اذكر لي دولة تغدق هذه الأموال خلال هذه السنوات الأخيرة، عدا دولة قطر، وأقولها ليس لأنني منذ أكثر من أربعة عقود أعيش فيها، ولكنني أعلم ما لا تعلم بهذا الخصوص، وعليه أرجوك في المقال القادم أن تحدد بالأرقام قيمة المبالغ التي تُدفع والدول التي تقدمها، وهذا لا يعني أنها صائمة عن دعمنا في كافة المجالات والمحافل عربيا وعالمياً، فلها ولكل الدول العربية التحية بمقدار مساهماتهم مع الحق الفلسطيني.
يا دكتور، أوروبا لا تدفع لفلسطين «نقدا» وإنما مشاريع محددة، وتوقع الاتفاقيات مع رئاسة الوزراء والوزراء ضمن آليات وضوابط تحكمها الشفافية العالية جداً، وإلا لَما استمروا في الدعم منذ «أوسلو» المليء بالشوائب، إلى اليوم، وبدون مقابل، بعكس بعض الدول التي تريد أن تدعم، ولكنها تريد ثمناً للدعم، حتى وإن كان الثمن على حساب الوطن، ولكن القيادة ترفض ذلك، مما سبب وما زال بضائقة مالية لا يعلمها إلا الله.
(6)
استغرب تحليلك وتفنيدك بيان الخارجية الأخير بهذه السطحية، وأنك لم تستوعب المغزى منه، والذي أشاد به كل صُناع القرار، مع المعارضين والموالين بأنه تحذير علينا أن نأخذه في الاعتبار حتى لا نُفاجأ لاحقاً بما ستصير عليه الأمور بعد أعياد الفصح.
نأتي إلى « دايتون» هذا الكلام المكرور في أكثر من 5 مقالات، ونفس الكلام، « قواتك الأمنية (تربية دايتون) إذا كان الأمر كذلك، فدايتون انتهى، ومن دربهم تقاعدوا، ولكن في كل دول العالم تقوم كوادر عسكرية لها تجارب، وقدرات وإمكانيات، بتدريب الآخرين، وهذا طبيعي جداً، فعلى سبيل المثال (أوكرانيا أرسلت جنوداً لبريطانيا وألمانيا وأمريكا ) ليتدربوا على السلاح الجديد ليحاربوا به روسيا.
وسابقاً، كانت القيادة ترسل شبابها للتدريب في الصين والاتحاد السوفيتي، وكوبا وكوريا الشمالية، ودول أوروبا الشرقية كلها، فهل هؤلاء أصبحوا تابعين لهذه الدول.
وجميع طائرات الدول العربية الحربية هي صناعات أمريكية، أو روسية، أو أوروبية، ويقوم على تدريبهم من نفس الدول المصنّعة لهذه الطائرات، أرجوك دقق وحلل كما يحلل سيادة الرئيس حتى لا تقع في الخطأ.
طلابنا يتعلمون في كل جامعات أوروبا وأمريكا، فهل يصبحون تابعين لهذه الدول.
أخي المسفر: أقول لك: قدّم لي السلاح، أو انزع سلاح الجيش الاسرائيلي، ثم اترك شعبنا الفلسطيني ودون ظهير عربي إلا الشرفاء من الأمة، وسندعوك للصلاة في الأقصى خلال أسبوع أو أقل، ولكن دون تأشيرة، لأن القدس وطن المسلمين والمسيحيين واليهود جميعاً، ولن تكون غير هذا أبداً، لأن نبينا عليه الصلاة والسلام صلّى بالأنبياء في القدس.
إن انتفاضة العالم مع فلسطين حق وواجب، وما قاموا به هو واجب ديني ووطني وقومي أولاً وأخيرا،. ولكني أقتبس من صحيفة الشرق القطرية «المركز القطري للصحافة يستنكر الصمت الدولي، وتوفير غطاء سياسي عالمي لدولة الاحتلال».
(7)
يا دكتور، هل طلب منا العالم أن يمدنا بالسلاح ورفضنا، وهل طلب منا قصف إسرائيل ورفضنا، وهل طلب منا تسيير جحافل إلى الحدود ورفضنا، فهم – إسرائيل تمتلك كل أنواع الأسلحة حتى النووي، ونحن نملك الإرادة والحق، فشهداؤنا نعتز بهم ونفاخر، ولا نُحصيهم عددا من أجل إبراز العجز لدينا، وعدم قدرة الرئيس على حماية شعبه، بل من أجل نيل شرف الشهادة، فصراعنا أبديّ، ونحن ولله الحمد نُقدّم الشهداء منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين، وإلى اليوم، وأحاول هنا أن أفتح ذاكرتكم، ففي عام 1956 يوم 3-9/9 قتل الاحتلال (750) رجلاً وامرأة في أكبر مجزرة بتاريخ فلسطين، بمدينة خان يونس، ومازلنا صامدين، وكم هي المجازر التي ارتكبها على مدار هذه السنوات، فهي أكثر بكثير مما يقوم به الاحتلال الآن ومازلنا صامدين، لأننا أصحاب حق، وإرادة.
(8)
نحن يا دكتور مسفر بحاجة إلى قلم نزيه، وفكر متقد، ولغة إيجابية موجهة إلى الفلسطينيين، دفاعاً عن المرابطين والمرابطات في القدس، والمصلى المراواني الذي شهد التنكيل بالسيدات النشامى، بحاجة إلى إشهار سيف الحق ضد الاحتلال بقلمك ليستشعر أن الكل مع فلسطين. بصدق يا دكتور نحن بحاجة إلى كلمة سواء لننقذ وطن الأنبياء، والشهداء، وأضرحة صحابة الرسول، لنتحرك سوياً من أجل انقاذ فلسطين، فلا داعي أبدا ليد تناضل ويستشهد أبناؤها بشرف وحب وإقبال، وهذا ما وعدنا الله به، وما خصنا فيه رب العالمين، وهناك قلم يقطر حقداً، وسلبية متخفياً وراء عجزه وعجز الآخرين..
يا دكتور: لقد تكالبت علينا أمم، وشعوب وأنظمة من أجل النيل منا، تكالبوا علينا لصالح العدو، ولكننا في قرارة أنفسنا أننا شعب لن يُقهر، ولن ينهزم، ولن يفرط في حق من حقوقه مهما امتد بنا الزمن، ففلسطين التي كانت مساحتها (27) ألف كيلو متر مربع، ستعود هذه المساحة بكاملها إذا كانت الأمة كلها تقف سنداً قوياً من أجل الحق الإسلامي والفلسطيني، فهل تكون أنت جزءاً من هذه الأمة. أرجو ذلك، لسبب بسيط، لأنك قومي فقط.
إنني في نهاية مقالتي أدعوك أن تتنحى عن الكتابة، لأنك أصبحت خالي الوفاض من كلام مُقنع.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6192
| 24 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
5067
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3756
| 21 أكتوبر 2025