رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

وجيدة القحطاني

• ناشطة اجتماعية

مساحة إعلانية

مقالات

1827

وجيدة القحطاني

البعد الإنساني: عمق العلاقات وأساس التقدم

14 أكتوبر 2024 , 02:00ص

في عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي وتزداد فيه الفجوات الاجتماعية، يبقى البعد الإنساني أساسياً لا يمكن تجاهله، كما قال غاندي «الإنسان هو الذي يجب أن يكتسب القيم، وليس القيم التي يجب أن تكتسب الإنسان»، هذه الكلمات تلخص أهمية الحفاظ على القيم الإنسانية في مواجهة التحديات المعاصرة، يتطلب البعد الإنساني أن نتذكر دائماً أننا لسنا مجرد أرقام أو معطيات، بل نحن قصص وحكايات مليئة بالتجارب والمشاعر، إن فهم هذا البعد يمكن أن يعزز من تواصلنا ويدعم بناء مجتمعات أكثر إنسانية وتعاوناً.

وفى تعريف بسيط للبعد الإنساني، اعتقد أنه تعبير عن القيم والمبادئ التي تربط الأفراد والمجتمعات، ويتضمن التعاطف، والاحترام، والتفاهم، ويركز على الجوانب الإنسانية التي تجعل الحياة ذات مغزى، ويعكس الحاجة إلى التواصل والارتباط العميق بين الناس، في حياتنا اليومية، بل يُعتبر البعد الإنساني أساس العلاقات الاجتماعية، ومفتاحًا لتطوير مجتمعات صحية ومتوازنة.

والبعد الإنساني أحد أهم جوانب البناء الإيماني، فقد أولى ديننا الحنيف الجانب الإنساني عناية خاصة، فكرَّم الإنسان على إطلاق إنسانيته بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه أو لغته، فقال سبحانه: « وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ «، وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول:» يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ ربَّكم واحِدٌ، ألَا لا فَضْلَ لعَرَبيٍّ على عَجَميٍّ، ولا لعَجَميٍّ على عَرَبيٍّ، ولا لأحمَرَ على أسْوَدَ، ولا لأسْوَدَ على أحمَرَ إلَّا بالتَّقْوى، إنَّ أكْرَمَكم عندَ اللهِ أتقاكم.

وتتأثر العلاقات الاجتماعية بشكل كبير بالبعد الإنساني، التفاعل الإيجابي، مثل الاحترام المتبادل والاستماع الفعّال، يعزز الثقة ويؤدي إلى علاقات أكثر استدامة، فالأفراد الذين يشعرون بتقدير الآخرين يميلون إلى بناء علاقات قوية، مما يساهم في دعم التماسك الاجتماعي، في المقابل، نقص البعد الإنساني، مثل التحيز والتمييز، يؤدي إلى التفكك والعداء، لذا، من المهم تعزيز القيم الإنسانية في العلاقات الاجتماعية لضمان مجتمعات متناغمة.

في بيئة العمل، يلعب البعد الإنساني دورًا محوريًا في تحقيق الإنتاجية والروح المعنوية، عندما يشعر الموظفون بالتقدير والاحترام، فإنهم يكونون أكثر التزامًا وإنتاجية، تعزيز ثقافة العمل القائمة على التعاون والدعم المتبادل يعزز الإبداع ويساعد على مواجهة التحديات بشكل أكثر فعالية، المؤسسات التي تضع البعد الإنساني في صميم استراتيجياتها تُظهر مستويات أعلى من الرضا الوظيفي، مما ينعكس إيجابًا على أداء العمل.

الفنون والثقافة أيضا تعكس البعد الإنساني بطرق متعددة، من خلال الأدب، والموسيقى، والفنون البصرية، يُعبّر الفنانون عن مشاعرهم وتجاربهم الإنسانية، مما يساهم في تعزيز القيم الإنسانية مثل الحب، والتسامح، والصمود، تعزز هذه الأعمال فهمنا المتبادل وتجعلنا أكثر تعاطفًا مع الآخرين، كما تلعب الثقافة دورًا في الحفاظ على الهوية الإنسانية وتعزيز الانتماء للمجتمعات.

ومع التقدم التكنولوجي والعولمة، تواجه الإنسانية تحديات جديدة تهدد البعد الإنساني، تزايد الاعتماد على التكنولوجيا قد يؤدي إلى تقليل التفاعل الشخصي، مما يؤثر سلبًا على العلاقات الاجتماعية، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تُسهم العولمة في إضعاف الروابط الثقافية والمحلية، مما يزيد من الفجوة بين الأفراد، لذا من الضروري مواجهة هذه التحديات من خلال تعزيز التفاعل الإنساني، والعودة إلى القيم الأساسية التي تربطنا ببعضنا.

التعليم والتربية هما أدوات رئيسية لتعزيز البعد الإنساني، من خلال التعليم، يمكن تعزيز القيم الإنسانية مثل التسامح، والاحترام، والتعاطف منذ سن مبكرة، المناهج الدراسية التي تركز على تطوير المهارات الاجتماعية والعاطفية تُسهم في بناء مجتمع متماسك وقادر على التفاعل الإيجابي، إن تعليم الأطفال كيفية فهم مشاعر الآخرين والاستجابة لها بشكل صحيح هو جزء أساسي من تشكيل شخصية متوازنة وإنسانية.

كما أن البعد الإنساني له تأثير عميق على الصحة النفسية والرفاهية، العلاقات القوية والداعمة تُسهم في تحسين الصحة النفسية وتقليل معدلات القلق والاكتئاب، التعاطف والتواصل الإنساني يُساعدان الأفراد على تجاوز الأوقات الصعبة ويعززان شعور الانتماء، الفهم الروحي للإنسانية يعزز الرفاهية العامة، حيث يشعر الأفراد بأن لديهم دورًا ومعنى في حياتهم.

وهناك العديد من الشخصيات والحركات التي تعزز البعد الإنساني في المجتمع، من أمثال غاندي، الذي دعا إلى السلم والتسامح، هذه النماذج تلهم الأجيال الجديدة للمشاركة في بناء عالم أفضل، وتعكس قوة البعد الإنساني في إحداث التغيير.

بل إن هناك العديد من المواقف في حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم التي تعكس البعد الإنساني، منها التعامل مع الجيران فكان الرسول يُظهر حسن الجوار، حيث كان يُوصي بحسن معاملة الجيران، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم. فقد قال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».، والتعاطف مع الفقراء والمحتاجين: كان الرسول يُعطي من ماله ويحث أصحابه على تقديم العون للمحتاجين. كان يدعو إلى مشاركة الطعام والمال مع الفقراء، مما يعكس قيم التعاطف والإيثار.

وأعطى الرسول أهمية كبيرة للنساء، حيث كان يُعامل زوجاته وأسرته بكل احترام، كما أوصى بحسن معاملة النساء ورفع مكانتهن في المجتمع، وفي موقفه مع قريش، عندما دخل مكة بعد سنوات من الصراع، عفا عن أعدائه الذين آذوه. قال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، مما يعكس سمو الأخلاق والتسامح، وأظهر الرسول اهتمامه بالحيوانات، حيث كان يُحذر من إهمالها أو الإساءة إليها، فقد قال: «في كل كبد رطبة أجر».، وكان رسول الله يستمع إلى هموم ومشاكل الناس، ويُعطي كل فرد فرصة للتعبير عن رأيه أو مشكلته، مما يعكس احترامه لإنسانية كل فرد.

ختاما.. إن البعد الإنساني يمثل جوهر تجربتنا كأفراد ومجتمعات، يتطلب الحفاظ على هذا البعد تعزيز قيم التعاطف، والاحترام، والتفاهم عبر جميع مجالات الحياة، من خلال العمل الجماعي والمبادرات الواعية، يمكننا بناء مجتمعات مزدهرة ومتوازنة، تُظهر إنسانيتنا وتُعزز من تواصلنا العميق.

 

 

مساحة إعلانية