رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

579

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة

يا قادة أمتنا.. بلغ السيل الزبى

14 سبتمبر 2025 , 03:03ص

حين ننظر إلى الدعم الغربي لذلك الكيان المحتل، ندرك أنه ليس حبًا في إسرائيل ولا إيمانًا بعدالة قضيتها، بقدر ما تمثّل خط الدفاع الأول عن مصالحهم في منطقتنا، لقد منحوها دعمًا لا محدودًا ليضمنوا أمنهم واستمرار نفوذهم، ولتحقيق أهدافهم الإستراتيجية، ومن هذا المنطلق، علينا نحن العرب أن نتعامل مع القضية الفلسطينية بالمنطق ذاته، سواء آمنا بها أم لم نؤمن، وسواء اتفقنا مع المقاومة أم اختلفنا، تبقى فلسطين خط الدفاع الأول عنا جميعًا أمام المشروع الصهيوني، دعمها وحصول شعبها على دولته المستقلة هو حماية لنا قبل أن يكون نصرة لهم، لأن هذا الكيان المغتصب لن يتوقف عند حدود فلسطين، بل سيتجاوزها إلى أراضينا إذا ما أُتيح له المجال، إنها قضية مصيرية، أحببنا المقاومة أم لم نحبها، ودعمها هو دعم لأنفسنا ومستقبل أوطاننا.

إن المشهد بعد الاعتداء على قطر ليس كما قبله، فمظاهر الخلل التي كانت خافية في تحالفاتنا أصبحت اليوم خطيرة ولم يعد التهاون أو التعويل على الحماية الأجنبية مقبولاً، ومن ناحية أخرى، لم يكن الخذلان الغربي بعيدًا عن هذا المشهد، فبعض الدول التي تقدم نفسها كضامن للأمن، تركت الدول التي اشترت سلاحها بمليارات الدولارات تواجه مصيرها وحدها، هذه الحقيقة تؤكد أن الأسلحة ليست ضامنة للأمن، بل أدوات لفرض الهيمنة واستنزاف الموارد وكسب الوقت. 

لم تكن العربدة الإسرائيلية الأخيرة مجرد تجاوز عابر، بل إعلان صارخ بأن المواثيق الدولية لم تعد تقيدها، وأن سيادة الدول العربية والإسلامية لا تحظى بالاحترام، إن انتهاك السيادة العربية والإسلامية المتكرر كشف زيف التوازنات الإقليمية وأكد أن انتظار حماية من الخارج أو عدالة دولية ليس سوى وهم خادع.

لقد أثار الاعتداء الصهيوني على قطر العديد من التساؤلات، السؤال الأول: ما مصير ملف المفاوضات؟ إن الاعتداء يضع هذه الجهود أمام اختبار قاسٍ ويهدد الثقة بجدوى المسار التفاوضي، والسؤال الثاني: هل سنعيد النظر في الأنظمة الدفاعية الغربية؟ أم سنواصل ضخ الأموال لشراء منظومات متأخرة عن الأنظمة الهجومية الإسرائيلية بجيلين على الأقل، ثم ما الرسالة التي أراد الصهاينة إيصالها إلى دول المنطقة بعد معاهدات واتفاقيات السلام؟ إن قصف منطقة سكنية مدنية في إحدى العواصم الخليجية لرسالة واضحة بمدى الاستهتار الصهيوني بنا جميعًا، سواء من انخرط في القضية الفلسطينية أو نأي بنفسه عنها، ونتساءل كذلك عن تفسير الغموض والارتباك للموقف الغربي في الدقائق الأولى من الحدث؟ ألا يثير ذلك تساؤلات حول تحالفاتنا ويستدعي استراتيجيات بديلة وشراكات جديدة؟

والسؤال الأهم هو: كيف سترد المنطقة على هذا الاعتداء؟ كيف نواجه هذا الخطر المحدق بنا ونحن كعرب نعيش تشرذمًا لم يشهده التاريخ؟ بيننا حروب طاحنة وأزمات خانقة، وتوترات حدودية، وخلافات مذهبية وعرقية، لا يأمن بعضنا بعضا، العلاقات بيننا ضعيفة إلى درجة لا يمكن الاستثمار فيها أو الاتكال عليها، كيف يمكن لاثنتين وعشرين دولة عربية، لكل منها بوصلتها الخاصة، لا تسعى إحداها إلى التكامل مع الآخر، أن تواجه الخطر الداهم؟ إن جميع الأدوات السياسية والدبلوماسية، الدفاعية، الاقتصادية، والإعلامية متاحة، لكن تبقى الإرادة الموحّدة هي الفيصل.

يا قادة أمتنا، إن هذا الكيان المارق الجاثم على أرض فلسطين المحتلة، لا يعبأ بمواقفكم المنددة، ولا ينتظر بياناتكم الشاجبة، فهو لا يفرق بين من جعل القضية الفلسطينية قضيته المركزية ودافع عنها بكل قوة، وبين من اكتفى بالصمت أو التفرج، سيعمل هذا الكيان جاهدًا، وبدعم غربي سافر، على فرض هيمنته، غير مكترث بمعاهدات السلام المزعوم، حينها لن يعبأ بديانتكم أو طوائفكم أو أعراقكم، ولن يميز بين مسلم أو مسيحي عربي، ولا بين سني وشيعي، ولن تعصمكم المسافات ولا التحالفات. 

إن الاستيلاء على الأراضي العربية ليس مخططا سياسيا قابلا للمراجعة بل عقيدة راسخة مستمدة من تعاليم توراتية كما جاء في سفر (التثنية الإصحاح 11) يقول «كُلُّ مَكَانٍ تَدُوسُهُ بُطُونُ أَقْدَامِكُمْ يَكُونُ لَكُمْ»، لذا فهم يستدرجون ضحاياهم إلى معاهدات فارغة المضمون لتكون فيما بعد وسيلة للهيمنة والاستغلال وسلب الإرادة والسيادة.

أيها القادة، بدلًا من الاستمرار في هدر الثروات على أسلحة دفاعية ليس بإمكانها مواجهة العدو المحتمل في المنطقة، حان الوقت لتوجيه هذه الأموال لترميم الوحدة العربية وبناء منظومة حماية ذاتية، والبحث عن شراكات جديدة، فالمليارات التي تُهدر في أسواق الغرب يمكن أن تبني جسور الثقة بين العواصم العربية، وتعيد للقضية الفلسطينية مكانتها في قلب المشروع العربي.

نحن بحاجة ماسة أولًا لإعادة هيكلة منظماتنا العربية والإسلامية، ووضعها في المسار الصحيح، بحاجة لضخ دماء جديدة من شباب هذه الأمة، علينا أن نجعلها أكثر ديناميكية وكفاءة، أكثر فاعلية ومبادرة، وأكثر تأثيرًا في الساحة الدولية، وبحاجة أيضًا لأن نتبنى إستراتيجية «الضغط السلبي»، ومن أدواتها التكتل الجيوسياسي، والاقتصادي، وتبني مواقف موحدة، وتشكيل جبهة دفاع مشتركة لا تسمح بانتهاك سيادة أي دولة عربية، لا في أراضيها ولا أجوائها ولا بحارها، وأن الأموال التي تُهدر اليوم على شراء السلاح وأنظمة الدفاع من الغرب تُصرف على هذا المشروع، فهو وحده القادر على تحييد المعتدي وبناء حماية حقيقية وكرامة مستدامة للأمة.

مساحة إعلانية