رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
(1)
بمجرد علمي أن وزير الداخلية الجديد ينتمي لمحافظة المنوفية قفز إلى ذهني على الفور ما يلاحظه كل المصريين منذ عصر السادات، حيث سطع نجم المنوفية في معظم مؤسسات الدولة وأصبحت المنوفية رمزا للسلطة ولعل جميعنا يذكر أن وزراء الداخلية زكي بدر وأحمد رشدي وعبد الحليم موسى ينتمون أيضا للمنوفية، كما لا يمكن أن ننسى كمال الشاذلي مايسترو برلمان مبارك ومؤدب المعارضة ومربيها!! ولن ننسى أبدا نموذج سمير رجب الذي يجري استنساخه الآن في كل وسائل الإعلام المرئية والمقروءة على السواء.
وهذا يعود بنا إلى الرسالة التي تلقاها المجتمع المصري في مقابل عملية الاحتلال لكل المؤسسات بهذه الطريقة والتي قوبلت بكمٍّ هائل من النكات بدأت بتفسير هذا الاتجاه لتعبئة كل المؤسسات بمن ينتمون للمنوفية وذلك في عصر السادات ومن بعده مبارك ثم انتقلت للرفض والمقاومة لهذا الاتجاه.. وقد جاء التفسير الأبلغ والذي يرتبط بحالتنا السياسية الحالية، أن أهل المنوفية يتميزون بالانضباط الميري والاستجابة السريعة لنداء الجيش وهو ما عبرت عنه الأهزوجة الشعبية: ضرب البروجي في تلا.. طلعت شبين تلاتات.. سمعت قويسنا الخبر.. استدعت الإجازات.. طلع الحمار من الدرا.. قاله تمام يا سادات.. رد السادات يا حمار.. الجمع مش بالبلغ.. الجمع بالبيادات!!
والأهزوجة هنا تجعل النداء الذي يصدر من مركز "تلا" شمال المحافظة سببا في استنفار المحافظة كلها حتى جنوبها "منوف" ولا يأتي الاستدعاء على أي نحو وإنما على هيئة صفوف منتظمة "تلاتات" والأبلغ من ذلك هو تأكيد السادات عليهم ألا يكون الجمع إلا بالبيادات!!
ثم انتقل المجتمع بعد ذلك لرفض هذا النهج في الحكم عن طريق النكات المصرية المعهودة وهنا أذكر "شاويشا" منوفيا في سجن ليمان طرة وكان ضمن دفعة نهاية الثمانينيات التي جاء بها وزير الداخلية زكي بدر، وكنا نسميهم بالفعل أبناء زكي بدر، لتحل محل الدفعة العتيقة التي استلمت السجون منذ العصر الملكي وكان هذا الشاويش يتمتع بذكاء نادر بين أقرانه وكنت أعتبره صديقا مهما، لأنه كان يتابع كثيرا من الشؤون المصرية وصاحب نكتة سياسية وقد صارحته مرة بحالة "المنيفة" التي تجري لكل المؤسسات، فإذا به يعدني بنكته يومية عن المنوفية تفسر لي المشهد وبالفعل كنت أنتظر خدمته التي كانت 3 مرات في الأسبوع لأتلقى نكتة اليوم!! وكان بمجرد أن يصل بالمفتاح إلى باب زنزانتي أكون واقفا في انتظار نكتة اليوم والتي كانت تستغرق من الضحك الكثير!!
والغريب أنه من وفرة مخزون النكات المنوفية عنده كان إذا تم نقله إلى عنبر آخر بعيدا عن العنبر السياسي، كان ينتهز أي فرصة ليأتي إلى عنبرنا بالنكتة ثم ينصرف إلى عنبره!!
كما تذكرت على إثر تعيين الوزير المنوفي الجديد واقعة طريفة وقعت أثناء سجني في عصر مبارك عند ترحيلي من سجن ليمان طرة إلى سجن الزقازيق في صيف عام 1990 وكان برفقتي عدد من الزملاء المرحلين وكنا قد تعودنا منذ اعتقالنا عام 1981 أن نعمل على توصيل صوتنا ورسالتنا للشعب المصري مهما كلفنا ذلك وكأننا كنا نودع الحياة ونريد أن نبلغ ما ننقذ به ضمائرنا ونؤدي ما رأيناه واجبا علينا تجاه أمتنا.
وكان من بين الوسائل التي تعودنا عليها في ذلك أننا لم نكن ندع فرصة لرؤية "اﻷسفلت"، هكذا يسميه المعتقلون كناية عن الشارع، لأي غرض، سواء كان أثناء الترحيلات للمحاكم أو للسجون اﻷخرى أو للمستشفيات أو حتى الجامعات حينما كان مسموحا باﻻمتحان بها، إلا وقطعنا الطريق كله هتافا، وإن بدا في شكل صراخ تحذيري من المصير الذي ينتظر اﻷمة لو استسلمت لهذا الطغيان وكان من أكثر الهتافات التي هزت وجداني في تلك الفترة: "نعم سنموت ولكننا.. سنقتلع الظلم من أرضنا"، وكنا في الحقيقة لدينا أمل كبير في أن نغير الأوضاع في مصر ونرفع عن شعبها هذا الذل والفقر طويل الأمد ولم تكن تمر بمصر ظروف سياسية إلا واستثمرناها عن طريق الهتاف لصالح ما نراه توعية لشعبنا من الكوارث السياسية التي تحيق بالوطن في ظل استمرار حكم الاستبداد وتحكم المفسدين ومن ثمّ دعونا للانتفاض على هذه الأوضاع الفاسدة.
وقد حاولت الأجهزة الأمنية في نهاية الثمانينيات أن توقف هذه الهتافات بأي شكل، خاصة أن معظمها كان مركزا ومصوبا تجاه شخص مبارك وسياساته الغاشمة، فلم يستطيعوا ذلك فانتهزوا فرصة قرب موعد الإفراج عن فوج من الزملاء عام 1988 كانت قد انتهت محكوميتهم فأرادوا أن يستغلوها فرصة للضغط عليهم من أجل إيقاف الهتافات وإلا سيوقف الإفراج عن الجميع بقرار نيابة يحيلهم لمحاكمة بتهمة إهانة رئيس الجمهورية وقاموا بالفعل بإبلاغنا بذلك، فاستمرت الهتافات كما هي، بل زاد حماسها، فتمت إحالة أول مجموعة للنيابة بتهمة سب وقذف رئيس الجمهورية ولم يكونوا يعلمون أنها تهمة نسعى إليها ونفتخر بها، فذهب الجميع للنيابة معترفا بالجريمة مصمما على كتابة الهتافات التي نرددها في محضر النيابة!! فلم يكن هذا الفوج متلهفا للخروج من السجن بقدر ما كان متلهفا لحكم سجن جديد بتهمة سب وقذف السيد رئيس الجمهورية محمد حسني مبارك!!
وكانت المفاجأة أن اكتشفت الرئاسة بعد كل هذه الإجراءات أنه لا يجوز رفع هذه الدعوى إلا بطلب مباشر من رئيس الجمهورية نفسه وهو ما يتعارض مع ما كان حريصا عليه حينها، وما كان مرسوما له بدقه من قبل راسمي سياساته، وهو ألا يقف في خصومة مباشرة مع أحد، فتم حفظ القضية واستمرت الهتافات التي يعتبرها النظام سبا وقذفا للسيد رئيس الجمهورية!!
في أحد هذه الترحيلات والذي كان من سجن ليمان طرة إلى سجن الزقازيق، قطعنا الطريق كله هتافا، خاصة كلما اقتربنا من الجمهور أو حتى السيارات المجاورة لسيارة الترحيلات. وكنا نندد في هتافاتنا بحكم مبارك وظلم مؤسساته، خاصة الداخلية، وبيعه لكل مقدرات مصر ولاسيَّما للكيان الصهيوني.
وكان من حظنا أن الهتاف الأخير الذي كنا نردده أمام سجن الزقازيق لحين فتح الأبواب لدخولنا هو: "إسلامية إسلامية.. لا شرقية ولا غربية"، وتصادف أن استمر الهتاف حتى فتحت أبواب السجن وبدأنا في النزول من سيارة الترحيلات ودخلنا ما يسمى بالتشهيلات وأغلق باب السجن العمومي.
وبدأ الصولات الخبراء بشؤون السجون يقومون بمهامهم الروتينية من تسجيل في الدفاتر وتفتيش الضيوف الجدد!! وهؤلاء لم تكن قد تخلت الداخلية عنهم بعد، رغم أن معظمهم يعمل منذ العهد الملكي ومازالت الداخلية تمدد لهم لأنهم كانوا يتمتعون بصفات نادرة من التمسك بالميري والغيرة على كل تعليماته ربما أكثر من ضباط السجون أنفسهم وكان كثير منهم من المنوفية أيضا.
ورغم بدايات الإجراءات إلا أن الشباب كان لا يزال يهتف الهتاف الأخير "إسلامية إسلامية.. لا شرقية ولا غربية" وكان هذا الاستمرار في الهتاف في وعي الشباب صورة من صور رد الفعل المقاوم والرافض لحفلات الاستقبال!! التي كانوا يستقبلوننا بها في فترات سابقة بالضرب والزحف والتنكيل في ذات الأماكن وكأننا كنا نستثمر هذه الهتافات لنقول للسجانة إننا لم نركع ولم نستسلم لجبروتكم، كما كنا نريد أن نؤكد أننا أصحاب رسالة، كما أننا لم ننس السحل والتنكيل الذي لاقيناه في ساحات السجون وعلى أبوابها، والحقيقة أنني كنت أعتبرها صورة من صور استعادة الكرامة والهيبة وقد كانت الهتافات بالفعل تؤرقهم ويتمنون أن تنتهي بأي شكل..
لمحت أثناء الإجراءات أن الصول الممسك بالدفتر والقلم ويقف متخندقا خلف كتلة خراسانية كبيرة ويكتب أسماءنا، أنه كان يكتب بعصبية شديدة وبجواره صول آخر متهلل من الضحك، يكاد أن يغرق فيه، ومع ذلك فقد بدت عليه علامات المكر والدهاء، ثم فجأة انتفض الصول الممسك بالدفتر ونحن نهتف "لا شرقية ولا غربية"، قائلا: و"لا منوفية"!! ثم ضرب الدفتر الكبير بالأرض ثم انهال ضربا على الصول الذي يضحك!!
فكانت أول مهامنا في سجن الزقازيق هي أن أوقفنا الهتاف وبدأنا في فض الشجار الذي هز هيبة الشرطة ومرغ بالباريهات الميري التراب.. والحقيقة أنني لم أفهم لماذا وقع هذا الشجار فجأة ودون مقدمات ولم أدرك علاقة هتافنا بهذه المعركة إلا عندما نبهني لذلك أحد زملائي الشرقاوية والذي كان يعرف مظاهر الخلاف بين الشرقاوية والمنايفة والذي جعل الصول المنوفي يتخيل أن هتاف لا شرقية ولا غربية هو هجوم على محافظتي الشرقية والغربية وأن هذا الهتاف بالضرورة هو لحساب المنوفية!!
قفزت إلى ذهني مع ذكرى هذه الواقعة عدة علاقات وإن كنت أفضل صياغتها في هيئة تساؤلات:
هل هناك صراع دفين على النفوذ داخل مؤسسات الدولة بين أهل المنوفية وأهل الشرقية؟
وهل لذلك علاقة بأن يقوم وزير الدفاع المنوفي عبد الفتاح السيسي بالمكر بأول رئيس شرقاوي يصل لكرسي الحكم وهو د. محمد مرسي، ثم ينقلب عليه هذا الانقلاب المدوي ويظفر فعلا بقصر الرئاسة؟!
ثم هل وزير الداخلية المنوفي الجديد مجدي عبد الغفار تم اختياره مصادفة بعد أن تمت إحالته للمعاش، أم أن هناك منظومة حكم ذات طابع معين يجري بناؤها؟!، خاصة أن أهم أركان الحكم الحالي ينتمون لمحافظة المنوفية ابتداء من رئيس النظام عبد الفتاح السيسي ثم رئيس الوزراء إبراهيم محلب ووزير الدفاع صدقي صبحي وأخيرا وزير الداخلية مجدي عبد الغفار.
اليوم الوطني.. تجديد الولاء وتعزيز الهوية الوطنية
يحل اليوم الوطني لدولة قطر في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، بوصفه مناسبة تتجاوز حدود الاحتفال... اقرأ المزيد
39
| 14 ديسمبر 2025
التوازن السكاني.. ودوره في ارتفاع نسبة المواطنة
لم نضع أقدامنا في أي موقع خدماتي أو في المجمعات التجارية أو الأماكن السياحية الا ونجد أفواجًا بشرية... اقرأ المزيد
93
| 14 ديسمبر 2025
جائزة سمو الشيخ تميم .. نحو عالم أكثر نزاهة وعدلاً
تمثل جائزة «سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد» نموذجاً رائداً على المستوى... اقرأ المزيد
51
| 14 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2463
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2280
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1200
| 09 ديسمبر 2025