رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كما هو معروف بأنه عندما تصاب الأفعى بجرح مهما كان صغيراً، يأتي النمل بهدوئه المعروف وصبره المعهود واستبساله في تحقيق هدفه في نخره للجرح مهما كانت التضحيات ويقوم بعمله الذي يتقنه، وما يغيظ الأفعى، وهى تشاهد بعينيها نهايتها، وكيف يتم التهامها قطعة وراء قطعة هو صغر وضعف عدوها أمام جبروتها وقدراتها الهائلة، وتصاب الأفعى الجريحة بحالة هياج شديد، فتراها تتخبط بعنف وتقتل بحركاتها الهوجاء الكثير من النمل الملتصق بجلدها، إلا أن النمل، ومهما استغرق من وقت وقدم من تضحيات، ينتصر حتماً في نهاية الأمر، الأفعى الصهيونية البغيضة الآن تتلوى أمام أعيننا وما يغيظها هو أن ابطال المقاومة التي ترى أنهم اقزام أمام جبروتها تلتهم قطعة وراء قطعة وتستنزف قواهم التي يتباهوا بها أمام العالم وفي نفس الوقت يطلبون الدعم من الدول التي تمدهم بالسلاح، وهذا يدل على ان الجرح الذي أصاب الكيان الصهيوني بالغ وأليم، وقد تنجو هذه المرة وقد لا تنجو ولكن في كل الأحوال تم وشم جسدها بعلامة جديدة من أبطال المقاومة الفتية.
راجمات الطوفان الجارحة
ما قدمته وتقدمه يوميا المقاومة الفلسطينية بكل المقاييس يعتبر عملا بطوليا سيسجله التاريخ بأحرف من نور رغم عواقبه المؤلمة على أهلنا في غزة، وكانت كلمة المقاومة هي العليا، وأن الشعب الفلسطيني إن لم يحتفل من حقه أن يحتفل بالنصر على جبروت الدولة المحتلة التي أصبحت كالأفعى تتلوى وجرحها يغور يوما بعد يوم، ونعلم تماما أن أي انتصار للمقاومة في غزة يرسم كل سنة الطريق نحو القدس والأقصى ويعبد الطريق لعودة المشردين واللاجئين إلى أرضهم وديارهم، وأن الشعب الفلسطيني صنع ملحمة تكتب في التاريخ، وأن الشهداء سيكونون وقود هذا النصر، وأن طوفان الأقصى الذي تسبب في جرح الكيان الصهيوني يمثل تاجا لكل مسلم وعربي حر يدعو الى تحرير الأقصى من دنس الصهاينة القتلى، وسيكتب لأبطال غزة بأن الطوفان أعاد الاعتبار للقضية وأحيا الشارع من جديد لأبناء الأمة العربية والإسلامية، قبل أن يتوعد في كون المعركة القادمة ستكون في القدس.
أليس من العار أن يلوم البعض منا القتيل ويشيد بالقاتل؟ أليس شيئا مخجلاً أن يصبح اللص صاحب حق ويصبح المظلوم هو الظالم؟ أليس من الجبن أن نترك الضحية غارقة في دمائها ولا نعاقب القاتل؟ من يصدق أن هناك من يدين المقاومة وهم أصحاب حق، ويشمت بالضحايا وهم شرفاء هذه الأمة؟ شيء عجيب أن يدين البعض ما حدث في 7 أكتوبر، ويلقى اللوم على من أعاد القضية إلى ذاكرة العالم بعد أن طواها النسيان، هل يمكن أن نلوم الشرف وندين البطولة؟ بأي حق تخرج الأصوات وتشوه الحقيقة وتجرم الحق وتشيد بالباطل؟ أن ما حدث يوم 7 أكتوبر لم يكن مغامرة، ولكنه انتفاضة ضمائر أمام عالم أصابته غشاوة الظلم.. كنت أتصور أن تحتفل الشعوب العربية بشهداء 7 أكتوبر، وأن يكون الاحتفال بهذا التاريخ صحوة أمة استسلمت وهانت على نفسها، وكانت على الناس أهون، كنت أتصور أن يكون أول درس في مدارسنا وأول خطبة في المساجد العربية وأول قداس في كنائس العرب عن أطفال غزة وضحايا لبنان، وهؤلاء الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، إن الدماء التي تدفقت في ربوع مساجد غزة وكنائسها كانت صرخة حق ونداء ضمائر وبركان غضب أمام زمان عاجز وأمة مغلوبة ومحتل غاصب، الصمت جريمة، والاستسلام هوان، وإدانة الحق عار، وويل لكل من فرط وهادن وباع نفسه للشيطان. كان 7 أكتوبر طوفان الأقصى نقطة في تاريخ أمة ومعجزة في حياة شعب، يأبى أن يستسلم، سلام على الشهداء مع الأنبياء والصديقين والصالحين باذنه الله.
كسرة أخيرة
في خضم ما يعيشه الشعب القطري من صحوة وطنية بمشاركته في الاستفتاء بالتعديلات الدستورية بمبادرة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الأمير المفدى لكي يشارك الشعب في رسم مستقبله، أصدر سموه الكريم تعديلا وزاريا على بعض المناصب، ومن هنا نشيد بالتجديد في تبادل تحمل المسؤوليات، وأود في هذه السانحة أن أبارك لسعادة الشيخ سعود بن عبدالرحمن بن حسن بن علي آل ثاني بتوليه حقيبة وزارة الدفاع ونائبا لرئيس مجلس الوزراء، وهذا اختيار صادف أهله لما أثبته سعادته من جدارة في المناصب التي اعتلاها مؤخراً، كما أبارك لسعادة السيدة/ بثينة بنت علي الجبر النعيمي، التي تولت منصب وزيرة للتنمية الاجتماعية والأسرة بعد أن أثبتت جدارتها في وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي واستحقت بأن تقوم بدور أكبر نحو مجتمعها وتساهم في تنميته وتطوير أدوات رعاية الأسر والأفراد لمجابهة الحياة، وامرأة أخرى أثبتت جدارتها في المحافل الدولية ورسمت صورة جميلة لبلادنا في مناصبها السابقة الا وهي سعادة السيدة/ لولوة بنت راشد بن محمد الخاطر التي تم تعيينها وزيرة للتربية والتعليم والتعليم العالي لتقوم بدورها في الرقي بهذا القطاع الحيوي والهام الذي تألقت فيه دولة قطر واعتلت صدارة دول الشرق الأوسط في التعليم، كما أهنىء سعادة السيد/ منصور بن إبراهيم بن سعد آل محمود، وزيراً للصحة العامة، ونتقدم بوافر الشكر لسعادة الدكتورة حنان الكواري التي أثبتت جدارتها في هذا المنصب، كما نبارك ونهنئ سعادة الشيخ/ فيصل بن ثاني بن فيصل آل ثاني، وزيراً للتجارة والصناعة، والتعيين الذي صادف أهله كرجل أعمال لديه الخبرة الطويلة في هذا المجال وسنرى إنجازات كبيرة لهذه الوزارة في ظل توليه هذا المنصب الهام، ونبارك لسعادة الشيخ/ محمد بن عبدالله بن محمد آل ثاني، وزيراً للمواصلات، الذي اثبت جدارته في منصبه السابق كرئيس تنفيذي لجهاز قطر للاستثمار الذي حقق نجاحا كبيرا في استثمارات الدولة في الداخل والخارج، وهو الرجل المناسب في هذا المنصب لما لهذه الوزارة من مهام حيوية ومشاريع استراتيجية مستقبلية تنتظرها الدولة وتعتبر الأساس للنهضة والتطوير العمراني الذي تنشده قيادتنا الرشيدة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4503
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3369
| 29 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون أعمق، لكن الوجدان لا يتحمل كل هذه الأوجاع. في الوقت الذي نقف في قلب الحسرة ونحن نطالع ذلك الجرح النازف في غزة دون أن نستطيع إيقاف نزفه، يتملكنا الشعور أحيانًا بأنها المأساة الوحيدة في أمتنا وذلك من فرط هولها وشدتها، ويسقط منا سهوًا الالتفات إلى مصائبها الأخرى، تأتي أزمة السودان في صدارة هذه المآسي. أوجاع السودان كثيرة ومتعددة، كلها بحاجة لأن تكون حاضرة دائما في الوجدان العربي الإسلامي، لكن أولاها في الوقت الراهن مأساة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تخضع منذ العاشر من يونيو/حزيران 2024 لحصار خانق فرضته قوات الدعم السريع للضغط على الجيش الوطني السوداني. سكان مدينة الفاشر يفتك بهم الجوع والقصف المدفعي اليومي الذي يحول دون دخول المساعدات الإنسانية، في ظل ضعف التعاطي العربي مع القضية وتجاهل دولي تام لهذه المأساة، على الرغم من أنها تقترب من الإدراج في صفحات الإبادة الجماعية. قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) التي تحاصر الفاشر، تسيطر على أربع ولايات من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور، لذا تقصف بوحشية مدينة الفاشر عاصمة الولاية الخامسة (شمال دارفور)، التي تمثل أكثر من نصف مساحة الإقليم وتعادل حوالي 12 بالمائة من مساحة السودان، وذلك بهدف إتمام السيطرة على الإقليم بأسره. إضافة إلى الوضع الكارثي للمدنيين في الفاشر بسبب الحصار والقصف الهمجي، ينذر سقوط الفاشر ووقوعها بقبضة ميلشيات الدعم السريع، بكارثة عظمى للسودان بشكل عام. الفاشر ليست مدينة عادية في أهميتها، فهي مفتاح السيطرة على مساحات إستراتيجية واسعة تصل إلى حدود تشاد وليبيا، وهي كذلك تقع على الطرق المؤدية بين شرق وغرب السودان، بما يعني أن سيطرة قوات الدعم عليها سيحول دون قيام دولة مركزية، وفرض واقع عسكري يتحكم في جغرافيا المنطقة، إضافة إلى أن السيطرة عليها ستؤمن لقوات الدعم ممرات تهريب الأسلحة. سيطرة قوات حميدتي على الفاشر يؤمن لها كذلك خطوط الإمداد ويقوي شوكتها ويجعل الولاية مركزا لمهاجمة الولايات الأخرى والسيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني. لذا نستطيع الجزم، بأن الفاشر هي آخر الخطوط الفاصلة بين سودان موحد وسودان مجزأ، ولن يكون مجرد سقوط مدينة، بل انهيار وحدة الدولة السودانية، والذي سيتحول إلى شمال مركزي تحت سيطرة الجيش، وغرب تحت سلطة الميلشيات، وشرق تتجاذبه الانقسامات والنزعات القبلية، وجنوب منهك مهمش. إذا سقطت الفاشر، فإن الخطورة ستتجاوز حينئذ القتال بين الجيش وميليشيات الدعم، فمن أخطر تداعيات سقوط الفاشر – لا قدر الله - انفجار الصراع الإثني في السودان الذي يكتظ بالتنوع الإثني والقبائل المسلحة مختلفة الولاءات، لأن هذا البلد يرقد على بركان تسليح الهوية، وفي هذه الحال سيمتد الصراع الإثني بلا شك إلى الدول المجاورة. الدول العربية، والدول المحيطة بالسودان وعلى رأسها مصر، منوطة بالعمل الفوري الجاد على منع سقوط الفاشر والذي يعني تفتيت وحدة السودان وما له من تداعيات على الجوار، وذلك عبر مسارين، الأول هو كسر هذا الحصار على المدينة وإدخال المساعدات، والثاني تقدم الدعم العسكري واللوجستي للجيش السوداني المنهك لفرض سيطرته التامة على ولاية شمال دارفور ومنع سقوطها في أيدي حميدتي، والضغط كذلك على الدول والجهات التي تدعم ميلشيات الدعم السريع المتمردة. وعلى المستوى الشعبي، يتعين على نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وضع مأساة الفاشر والملف السوداني بشكل عام في بؤرة الاهتمام، وتسليط الضوء على الأحوال الكارثية التي يعانيها أهل المدينة، وأهميتها الإستراتيجية وخطورة سقوطها في أيدي قوات الدعم على وحدة السودان، لتكوين رأي عام عربي ضاغط على الأنظمة والحكومات العربية لسرعة التدخل، إضافة إلى لفت أنظار الشعوب الغربية إلى هذه المأساة لإحراج حكوماتها والعمل على التدخل الفوري لإدخال المساعدات الإنسانية.
1341
| 28 سبتمبر 2025