رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
رغم قصره غزير في حكمته! الكتاب الذي استعان المؤلف في مقدمته برجاء الفيلسوف أبو حيان التوحيدي التوفيق من الله، وهو يجمع بين دفتيه ما استعذب من نصوص قرأها لأصحابها من مفكرين وأدباء، والذين «عركتهم تجارب الحياة» بدورهم، فجادوا بما خبروا، وراموا به نفع البرية، وقد كان من خلود حكمتهم ما جاوز حدود المكان والزمان، فبقي محفوراً في وجدان من خَلَفهم، وذهب مأثور أقوالهم مضرب الأمثال. ومن هنا، اتخذ المؤلف لكتابه عنوان (معركة الحياة: رحلة البحث عن الذات)، راجياً أن يكون بمثابة منارة يستهدي بها قارئه، إن بدا طريقه وعراً طويلاً!
فيظهر على أول الطريق الأديب لطفي المنفلوطي، وهو يرى «أن السعادة ينبوع يتفجّر من القلب، لا غيث يهطل من السماء»، ومتى ما كانت نفس المرء راضية كريمة وعفيفة، حمل سعادته في قلبه أينما حلّ، في قصر أو في كوخ، في جمع كان أو في عزلة. ثم يظهر المفكّر عباس العقاد والذي برر شغفه بالقراءة بقوله «لا أحب الكتب لأنني زاهد في الحياة، ولكن لأن حياة واحدة لا تكفيني»، فالمرء تكفي معدته زاد، وجسده يكفيه حلّة، وهو لا يحلّ في مكانين مهما تنقّل، إلا أنه بحصاد الفكر والشعور والخيال يجمع أكثر من حياة في عمر واحد. يأتي بعده المفكّر أحمد الزيات الذي يدين لمذهبه في الحياة، سلامة صدره ولين جانبه، فقد ترك الخلق للخالق، لا ينتقد ولا يعارض ولا يجادل، فإن آب إليه من ضرّه تقبّله ولم يعاتبه، وهو يقول «وأي نفع ارتجيه من تعكير ما راق وإشعال ما خمد»، وقد أسقط الماضي من حاضره فور انقطاعه، واتخذ الإيثار وسيلة لإدخال السرور على قلب صاحبه لا لأن يتصدر به المجالس. أما الحب إذا سُأل عنه المفكر د. مصطفى محمود، فسيقول: «موجود ولكن نادر»، إنما هو «ثمرة توفيق إلهي وليس ثمرة اجتهاد شخصي»، والنفوس إن كانت عامرة بالخير والجمال، تنسجم وتتآلف وتتراحم بالفطرة، ثم تكمّل بعضها بعضاً.. في حين كان جلّ ما يخشاه الأديب الساخر توفيق الحكيم، تعدد الهدف وحيرة الإرادة، وهو يرى «أن المقصود من الهدف هو السير نحوه لا بلوغه»، وقد اعتبر (القدر) كائنا هائلا يسخر من أولئك الذين يظنون أنهم بلغوا أهدافهم، في حين لا يعترض طريق أولئك الذين يسيرون ويعملون. أما الروائي إحسان عبدالقدوس، فيعتقد أن البحث عن الراحة في مكان هادئ مدعاة لإرهاق أكبر للعقل وللأعصاب، ففي نظره «الراحة الحقيقية هي أن ترتاح من نفسك»، أي بأن يجد المرء ما يشغله عن نفسه في حياته، فإنما متاعبه ومشاكله وأشباحه تكمن في داخله، ومتى ما خلا بنفسه واجهته، ودبّ في عقله الضجيج، وأصابه التعب من جديد. غير أن الصحفي عبدالوهاب مطاوع يوصي هذا المرء بألا يسمم روحه فيكره من بغى عليه بلا ذنب، إذ ما عليه إلا أن يتجاهل وجوده ويدخّر اللحظة التي يطوف فيها بخياله «للتفكير فيمن تحبهم، لاستعادة وجوههم ورنين أصواتهم في مخيلتك». ثم يرى الشاعر محمد هيكل، بعد أن أتم دراسته وانخرط في الحياة، الكثير ممن ينجح فيها قد خالف المبادئ والقواعد والقوانين، غير أن أحدهم لا يلبث حتى يتعرض لمتاعب كثيرة يهدم بها حياته، لذا فهو يؤكد «أن التشبث بما نؤمن أنه الحق، والدفاع صادقاً، وسلوك سبيلنا في الحياة على هداه، ذلك هو الذي يرضي ضميرنا ويبعث الطمأنينة إلى نفوسنا». ومن بعده، توصي المفكرة د. هبة عزت ابنها، حفظ حقه في الرد وعدم تسليم عقله لأحد، لاسيما تجّار الدين والفكر والسلاح والسياسة، فإن حَفِظت الطاعة المبصرة الدنيا وأقامت الدين، فالعمياء منها تهدمها «والله وحده هو الأعلى والأعلم، فلا تتخذ أرباباً من دون الله» هكذا توصي ابنها. أما الكاتب المسرحي ممدوح عدوان، فيعتقد بحاجتنا إلى الجنون، ففي نظره «نحن أمة خالية من المجانين الحقيقيين، وهذا أكبر عيوبنا»، فبما أن العالم من حولنا مقيت وخانق ومرفوض، ومحاولة الجميع الظهور بمظهر العاقل يحيل الوضع إلى بلادة دائمة، فالجرأة على هكذا وضع في هكذا أمة يُعد جنوناً بالقطع، غير أنه كفيل بالإصلاح طالما أنه يكشف حقيقتنا الخائفة والخانعة. أما أديب المهجر جبران خليل جبران فقد اتخذ له من نفسه واعظا، تلك النفس التي علمته فن الإصغاء للأصوات التي لا تنطقها الألسنة، فشرع ينصت للسكينة ويستمع لأجواقها وهي «منشدة أغاني الدهور، مرتلة تسابيح الفضاء، معلنة أسرار الغيب»، بعد أن كان لا يعي سوى الضجة والصياح من حوله. غير أن الأديب إبراهيم نصرالله، يعلم بعلم الجنود عن سر حب المناضلين للحرية، وإن ارتقوا شهداء «فهم طيور الدنيا الجميلة»، لذا ترى أولئك الجنود متأهبين دائماً لاستهدافهم أينما كانوا، لا لكي يقتلوهم بل ليقتلوا الحرية الكامنة فيهم.
ختاماً، وكما شبّه المؤلف رحلة الإنسان في البحث عن الذات في هذه الحياة بـ (معركة)، فمعارك الإنسان تتشابه قطعاً، وفي قصصه دائماً عبرة لأولي الألباب.
(70 مليون طن من الركام والأنقاض وأكثر من 20,000 من القنابل التي لم تنفجر في قطاع غزة) ربما... اقرأ المزيد
261
| 19 أكتوبر 2025
أعادت الطائرات المسيّرة رسم مشهد الحروب الحديثة، فلم تعد مجرد أدوات تقنية، بل أصبحت قوة بنيوية تغيّر موازين... اقرأ المزيد
153
| 19 أكتوبر 2025
المرحلة الثانية من وقف الحرب لا تُشبه الهدوء، بل تشبه الصمت الذي يسبق الانفجار. هي مرحلة تتزيّن بالحديث... اقرأ المزيد
138
| 19 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
7902
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6792
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3504
| 12 أكتوبر 2025