رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من قال تلك المقولة ؟! إنها مريم عليها السلام، ومتى قالتها؟! عندما جاءها المخاض أي "الطلق" وأعراض الولادة وهي تحمل عيسى عليه السلام في بطنها، قالتها بعد أن استسلمت لأمر الله تعالى " قال كذلكِ قال ربكِ هو عليّ هيّن، ولنجعله آيةً للناس ورحمة منّا وكان أمراً مقضيا" عندما أخبرها جبريل عليه السلام الروح الأمين والمَلَكُ العظيم الذي وكّل بالوحي وبكل أمر عظيم من الله تعالى، فلم يكن هناك بدٌّ لها من الاستسلام والإيمان المطلق لأمر الله تعالى بعد قوله "وكان أمراً مقضيا" وهكذا شأن المؤمنين الذين ليس لهم الخيرة من أمرهم شيئاً عندما يأتي أمر الله إلا القبول والتسليم المطلق.. وكذلك فعل إبراهيم عليه السلام عندما أُمر بقتل ابنه اسماعيل عليه السلام وكذلك فعل نوح عليه السلام عندما أُمر بصنع السفية وحمل كل من آمن معه ومن أزواج الطيور والحيوانات، وكذلك فعل لوط عليه السلام عندما أُمر بالخروج من قريته وعدم الالتفات خلفه وترك امرأته مع قومه يصيبها ما أصابهم.. وهكذا فعل كل الأنبياء والصالحين من عباد الله المؤمنين المنقادين لأمر الله تعالى.
"ياليتني متّ قبل هذا"... قالتها مريم عليها السلام في ذلك الموقف العصيب والمحنة الكبرى التي تعرّضت لها وهي تخشى على نفسها وتفكّر في تلك اللحظة العصيبة والفتنة العظيمة التي ستواجه بها قومها عندما تأتيهم بمولود صغير دون أن يمسسها بشرّ ولم تك بغيّاً وإنما كانت مثالاً للطهر والتقوى والعبادة يُضرب إلى يوم القيامة..
قالتها مريم عليها السلام رغم أنها تنفذ أمر الله تعالى ورغم أنها حُبلى بنبي كريم مرسل، فهو روح الله وكلمته ألقاها إلى بني إسرائيل، فهو ليس بجنين عادي ولا مولود طبيعي وإنما آية من آيات الله العظمى في هذا الكون، وبالرغم من كل ذلّك... قالتها وكان الموقف أشد عليها وأقسى عندما أُمرت أيضاً بعدم الحديث مع قومها وعدم النطق بكلمة واحدة لتبرير موقفها! إذ أن العقل البشري سينادي بأعلى صوته صارخاً ومتعلّقاً بالأسباب "وكيف تدافع عن نفسها بدون أن تتكلم؟!" فتأتي المعجزة الأخرى تباعاً للمعجزة الأولى من رب السماوات والأرض وخالق كل شيء ومسبب الأسباب.. فيتكلم المولود في مهده "قال إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبياً، وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيّاً، وبرّاً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً".
إذاً، فتلك مقولةُ من آمنت بكلمة الله وأسلمت له وأذعنت لذلك الأمر السماوي! فكيف بمن عصى الله تعالى ويرتكب الذنوب تلو الذنوب يوماً بعد آخر.. وهو في غفلة من أمره.. حتى إذا هداه الله وتاب عليه واستذكر ماضيه ومعاصيه وذاق طعم الندم والحسرة واعتصر قلبه ألماً وندماً على ما مضى من أيام وسنوات ضاعت من عمره في غير مرضاة الله؟!، فكيف بمن يعيش بقيّة حياته وهو يستذكر ماضيه وذنوبه ومعاصيه ويقول في نفسه "كيف ألقى الله بهذه المعاصي والذنوب والسيئات؟!"، ياله من موقف عظيم يتساقط فيه لحم الوجوه خجلاً وخوفاً من الله تعالى بعد أن يقف المرء بين يدي خالقه وهو يحاسبه على كل صغيرة وكبيرة فعلها في حياته.. بل على كل مثقال ذرة من خير أو شر! إنه لن يواجه قومه كما واجهت مريم عليها السلام قومها في موقف عصيب.. وإنما سيواجه الله تعالى في موقف أشدّ هولاً منه.. كما أنه لن يأتي كما أتت مريم عليها السلام وهي تحمل عيسى عليه السلام بين ذراعيها.. وإنما سيأتي بذنوب كالجبال يحملها فوق ظهره.
إذا كانت تلك مقولة الطاهرة المطهّرة المؤمنة العابدة " ياليتني مت قبل هذا" فماذا سيقول من زنى وفعل الفواحش؟! وماذا ستقول من زنت أو حملت سفاحاً؟! وماذا سيقول من ترك الصلاة عمداً؟ً وماذا سيقول من منع الزكاة؟! وماذا سيقول من شرب الخمر وارتكب المحرّمات؟! وماذا سيقول من كذب وخان الأمانة والعهد أو اغتاب وخاض في أعراض إخوانه؟! وماذا سيقول من قتل نفساً مؤمنة عمداً بغير حق؟! وماذا سيقول من آذى المؤمنين بلسانه ويده؟! حين نلقى الله بذنوبنا أجمعين.. ويحاسبنا فرادى! ياله من موقف عصيب تشيب له الولدان ويتمنى المرء لو كان ترابا، حين يلقى الله كلَ مسؤول يحمل أوزار رعيّته الذين ضيّعهم، وحين يلقى الله كل راعٍ ليُسأل عن رعيّته، وحين يلقى الله كل عبد فيُسأل عن عمره وشبابه وماله وعلمه.. ماذا فعل بهم جميعاً؟!
إذا كانت تلك مقولة مريم عليها السلام الطاهرة المطهّرة التي خضعت لأوامر الله وصدّقت بكلمات ربها وكانت من القانتين حينما أرادت أن تضع عيسى عليه السلام وقد تمنّت في تلك اللحظة العصيبة الموت على أن تلقى قومها وخشيت أن يقذفونها بالفاحشة وأن تواجههم في ذلك الموقف العصيب وتلك الفتنة العظيمة، وكما أشار العلماء بأنها حتى في تلك المقولة لم تقلها سخطاً واعتراضاً على قدر الله، وإنما كما أسلفنا خوفاً من ذلك الموقف العظيم وهي بذلك تمنّت الموت كما يقول العلماء عندما يخشى المرء على نفسه الفتنة فإنه يجوز له تمنّي الموت كما فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما وقعت له المحن في آخر حياته قال "اللهم توفّني إليك"، وكما قال يوسف عليه السلام "توفّني مسلماً وألحقني بالصالحين" أو كما قال سحرة فرعون بعد أن آمنوا بالله عندما هددهم فرعون بالقتل "ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفّنا مسلمين".. إذا كانت تلك مقولة مريم عليها السلام .."ياليتني متّ قبل هذا" فماذا سنقول نحن المذنبون الملطّخون بالسيئات والأدران عندما نتذكر بعد حينٍ ذنوبنا في لحظات الندم والتوبة والعودة إلى الله حينها يتمنى المرء منّا الموت أو يتمنّى أنه لو لم يفعل تلك المعصية أو الذنب أو يتمنّى أنه لو لم يسلم إلا بعد تلك اللحظة.. كما تمنّى أسامة بن زيد رضي الله عنه بعد أن قتل الرجل الذي قال "لا إله إلا الله" ثم تمنّى أنه لو لم يسلم إلا بعد تلك اللحظة كل لا تبدأ محاسبته الفعلية يوم القيامة إلا لحظة دخوله الإسلام.
هي ليست دعوة لليأس والقنوط من رحمة الله أو الانتحار والعياذ بالله، وإنما هي لحظة تأمل وتفكَر في آيات الله تعالى وفي القصص القرآني الذي ما ضُرب لنا من باب اللغو حاشا لله تعالى وإنما من باب العظة والعبرة، فهل سنقف وقفات أمام معاصينا وذنوبنا الماضية ونذرف دموع الندم والتوبة عليها؟! وهل ستموت النفس الأمّارة بالسوء في داخلنا ونكبت أنفاسها قبل أن توردنا جهنم في يوم القيامة؟! وهل سنوقظ النفس المطمئنة واللوّامة في داخلنا التي تحضَ صاحبها على فعل الخير حتى تدخله الجنة في يوم القيامة؟! وهل سنقبل على الحياة بروح جديدة بعد تلك الروح التي عاشت في المعاصي والذنوب .. حتى نلقى الله تعالى وهو راضٍ عنا.. نسأله سبحانه أن يغفر لنا وللمسلمين ما مضى ويصلح لنا ما بقي من أعمارنا.. اللهم آمين.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
ليش ما يمديك؟! بينما ممداني زهران، الشاب ذو الأصول الأوغندية، صار اليوم عمدة نيويورك. لم يولد هناك، بل جاءها مهاجرًا يحمل حلمه في حقيبة سفر، بلا جنسية ولا انتماء رسمي. حصل على الجنسية الأمريكية عام 2018، وبعد سبع سنوات فقط أصبح نائبًا في برلمان ولاية نيويورك وأحد أبرز الأصوات الشابة في المشهد السياسي الأمريكي. عمره اليوم 34 سنة فقط، لكنه أصبح نموذجًا يُثبت أن الإرادة حين تتجذر في النفس وتُروّى بالجد والاجتهاد، تصنع المعجزات.ولا حاجة لأن احكي عن معاناة شابٍ مهاجرٍ في مدينةٍ كـنيويورك، بكل ما تحمله من صعوباتٍ وتحدياتٍ اجتماعية واقتصادية. والآن ماذا عنك أنت؟ ما الذي ينقصك؟ هل تفتقد التعليم؟ قطر وفّرت لك واحدًا من أفضل أنظمة التعليم في الشرق الأوسط والعالم، وجلبت إليك أرقى الجامعات العالمية تخدمك من امام عتبة بيتك، بينما آلاف الشباب في نيويورك يدفعون مبالغ طائلة فقط ليحصلوا على مقعد جامعي… وربما لا يجدونه. هل تفتقد الأمان؟ قطر تُعد من أكثر دول العالم أمانًا وفقًا لمؤشرات الأمن الدولية لعام 2025، بينما تسجّل نيويورك معدلات جريمة مرتفعة تجعل من الحياة اليومية تحديًا حقيقيًا. هل تفتقد جودة الحياة؟ قطر من أنظف وأجمل دول العالم، ببنية تحتية حديثة، وطرق ذكية، ومترو متطور يربط المدن بدقة ونظام. أما نيويورك، فتعاني من ازدحامٍ وضوضاءٍ وتراجعٍ في الخدمات العامة، والفرق يُرى بالعين المجردة. هل تفتقد الدعم والرعاية؟ قطر من أعلى دول العالم في متوسط دخل الفرد، بينما في شوارع نيويورك ترى المشردين والمدمنين ينامون على الأرصفة. أما في قطر، فالدعم لا يقتصر على الجانب المادي فقط، بل يمتد إلى الرعاية الصحية المتقدمة التي أصبحت من الأفضل عالميًا. فالنظام الصحي القطري يُعد من الأكثر تطورًا في المنطقة، بمستشفياتٍ حديثةٍ ومعايير طبيةٍ عالمية، ورقمنةٍ شاملةٍ للخدمات الصحية تسهّل وصول كل مواطنٍ ومقيمٍ إلى العلاج بأعلى جودة وفي أسرع وقت. وتُعد مؤسسة حمد الطبية ومستشفى سدرة للطب ومراكز الأبحاث والمراكز الصحية المنتشرة في كل مدينة نموذجًا لاهتمام الدولة بصحة الإنسان باعتبارها أولوية وطنية. إنها دولة تجعل من كرامة الإنسان وصحته وتعليمه أساسًا للتنمية، لا ترفًا أما الفرص، فحدّث ولا حرج. بلدك تستثمر في شبابها بلا حدود وتفتح لهم كل الأبواب داخلياً وخارجياً في كل مؤسسات الدولة وقطاعاتها. وهذا ليس كلاماً نظرياً بل هناك تطبيق عملي وقدوة حاضرة. فقطر أميرها شاب، ووزيرها شباب، وأركان دولتها شباب محاطون بالخبرات والكفاءات. أما هناك، في نيويورك، فالشباب يقاتلون وسط منافسة شرسة لا ترحم، فقط ليجدوا لأنفسهم مكانًا… أو فرصةً ليتنفسوا الهواء. فما هو عذرك إذًا؟ ممداني نجح لأنه عمل على نفسه، ولأن أسرته زرعت فيه حب المسؤولية والاجتهاد. أما أنت، فأنت اليوم في وطنٍ منحك ( الجنة التي في الأرض ) وكل ما يتمناه غيرك: الأمن والأمان والرغد في العيش والتعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية التي تُحلم بها شعوب الأرض. الفرق ليس في الظروف، بل في القرار. هو قرر أن يبدأ… وأنت ما زلت تنتظر “اللحظة المناسبة”. لا تنتظر الغد، فالغد لا يصنعه إلا من بدأ اليوم. لا تقول ما أمداني.. لأنه لن يمديك بعد هذا كله.. وإذا تقاعست نفسك تذكر ممداني الحقيقي.
16920
| 11 نوفمبر 2025
ماذا يعني أن يُفاجأ أولياء أمور بقرار مدارس أجنبية رائدة في الدوحة بزيادة تتراوح بين 30% و75% أُعلن عنها في تاريخ 20 أكتوبر الماضي ويجب تطبيقها في الفصل الدراسي الثاني على وجه السرعة؟! ماذا يعني أن يجد هؤلاء الآباء أنفسهم أمام قرار لا يساعدهم على نقل أبنائهم لمدارس أجنبية أخرى في الفصل الدراسي الثاني ومن المفترض أن يدفعوا مبلغ 17 ألف ريال قطري عوضا عن سبعة آلاف ريال كانت تدفع بجانب الكوبون التعليمي لكل طالب قطري الذي يُقدّر بـ 28 ألف ريال وباتت زيادة العشرة آلاف ريال تمثل عبئا على رب الأسرة فجأة بعد أن أصبحت 17 ألف ريال ودون إشعار مسبق؟! ولم هذا القرار والطلاب على وشك إنهاء الفصل الأول وإدارات هذه المدارس تعلم بأن الآباء سوف يمتثلون في النهاية لهذا القرار غير المبرر له لصعوبة إلحاق أبنائهم إلى مدارس أجنبية أخرى أقل في التكاليف التي زادت فجأة ودون إنذار مسبق لطلب الزيادة في مخالفة واضحة للتعميم رقم (21/2023) وكأنها تلزم الآباء إما أن تدفعوا أو اتركوا أبناءكم في البيوت في هذا الوقت الحرج مع بداية الفصل الثاني رغم أن هذه المدرسة قامت بمخالفة تنظيمية كونها لم تنشر جدول الرسوم المعتمدة للسنة الدراسية كاملة مخالفة لتعميم رقم (11/2025) وفرضت رسوما إضافية غير معتمدة عند تقديم التسجيل أو الاختبارات أو التسجيل والموارد كما فرضت رسوما غير قانونية على اختبارات قبول مرحلتي الروضة والتمهيدي مخالفة لتعميم عام 2022؟!. كل ما قيل أعلاه هي مجموعة شكاوى كثيرة وعاجلة من أولياء الأمور تقدموا بها لوزارة التربية والتعليم بعد أن قامت مدارس عالمية أجنبية في قطر بفرض هذه الزيادة في الرسوم بواقع 17 ألفا يجب أن يدفعها كل ولي أمر من حر ماله بجانب ما يُصرف للطالب من كوبون تعليمي بقيمة 28 ألف ريال بعد أن كان يدفع سبعة آلاف ريال فقط بجانب الكوبون كل عام فهل هذا معقول؟! وبات السؤال الأكبر الذي يعلق عليه أولياء الأمور هل بات التعليم مجانيا فعلا لأبنائنا في ظل هذه التجاوزات التي تمارسها إدارات المدارس الأجنبية التي تحظى بعدد كبير من الطلبة القطريين ولم اختارت أن تكون هذه الزيادة في منتصف السنة الدراسية رغم علمها بأن هذا الأمر يربك الآباء ويضعهم في دائرة سوء التخطيط من حيث إيجاد مدارس بديلة في هذا الوقت الحرج من العام الدراسي ناهيكم عن إرباكهم بدفع 17 ألف ريال لكل طالب بعد أن كانت سبعة آلاف ريال فقط بينما كان مبلغ الكوبون التعليمي من الدولة يسد بباقي الرسوم المطلوبة؟! أنا شخصيا أجد الأمر مربكا للغاية وإصرار هيئات هذه الإدارات على أنها حصلت على موافقة الوزارة على هذه الزيادات في الرسوم يزيد الحيرة لدينا أكثر خصوصا وأنه لم يخرج مصدر رسمي من الوزارة ليرد على هذه الشكاوى التي وصلت لإدارات هذه المدارس بجانب ما يتم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي من أسئلة تنتظر إجابات من المعنيين في الوزارة وعلى رأسها سعادة السيدة لولوة الخاطر التي تلقى احتراما وتقديرا لها ولجهودها التي بذلتها منذ استلامها هذا المنصب القدير بشخصية مثلها. ولذا فإننا نأمل من سعادتها أن تجد حلا سريعا وناجعا لفحوى هذه المشكلة التي تؤرق بيوت كثير من المواطنين القطريين الذين يلتحق أبناؤهم بهذه المدارس التي تقع تحت مظلة الوزارة من قريب ومن بعيد وهي ليست بالمشكلة التي يجب أن تنتظر لأن مستقبل الأبناء يقف على قرار يطيح بقرارات الزيادة غير المسبوقة والتي لم يتم إخطار الآباء بها قبل بدء العام الدراسي لترتيب أوراق أبنائهم قبل التحاقهم بهذه المدارس الماضية في قراراتها الفجائية وغير مبالية بكم الاعتراض الذي تواجهه بصورة يومية من الآباء وعليه فإننا على ثقة بأن وزارة التربية والتعليم سوف تعطي زخما إيجابيا للشكاوى كما نأمل بإذن الله.
7884
| 11 نوفمبر 2025
العلاقة العضوية بين الحلم الإسرائيلي والحلم الأمريكي تجعل من تهاوي الحلم الإسرائيلي سبباً في انهيار الحلم الأمريكي في حال لم يفصل بينهما، فمن الحلم تُشتق السردية، وانهيار الحلم يؤدي إلى تلاشي السردية، وهذا بدوره يمس مفهوم الوجودية. تحطّم الحلم الإسرائيلي أدى إلى اختراق الدستور الأمريكي، من حرية التعبير إلى الولاء لأمريكا، وحتى سنِّ القوانين التي تناقض الدستور الأمريكي، ومن الملاحقات إلى عدم القدرة على الحديث، إلى تراجع الديمقراطية وفقدان الولاء للدولة من قبل السياسيين. لقد انتقلت الحرب من الشرق الأوسط بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة الأمريكية والعاصمة واشنطن، ما بين المواطنين الامريكان الذين ولاؤهم لأمريكا وشعارهم «أمريكا أولاً»، وبين الامريكان الذين يدينون بالولاء لإسرائيل وشعارهم «إسرائيل أولاً». هكذا صار الطوفان يطرق أبواب الداخل الأمريكي، كاشفاً هشاشة السردية وانقسام الحلم ذاته. وفي خضم تشكل نظام عالمي جديد في طور النشوء، سعى الرئيس الأمريكي ترامب لتموضع أمريكي في أفضل صيغة ممكنة وذلك من خلال شخصيته ومن خلال رؤيته الخاصة التي ترى أن الوقت قد حان لأمريكا لان تكون علاقاتها مباشرة بالعالم العربي والعالم الإسلامي وبقية العالم كما حدث في زيارته للخليج وآسيا وعلاقاته بالصين. لم تعد الحسابات التقليدية التي نشأت من مخلفات الاستعمار وما بعد الحرب العالمية الثانية قادرة على استيعاب التغيرات الكبيرة والمتلاحقة في المنطقة أو على المستوى الدولي والعالمي، فأوروبا في تراجع صناعي ولم تعد قادرة على منافسة الصين لا تقنيا ولا صناعيا، والولايات المتحدة لم تعد قادرة على القيام بدور شرطي العالم. لقد كبر العالم وأصبحت أمريكا جزءًا من النظام العالمي بعد أن كانت تهيمن عليه. وفي حالة التحول هذه، تبحث أمريكا عن الإجابات، والإجابات الحاضرة اليوم هي إجابات السيد ترامب. فهو يرى أن العلاقة المباشرة أصبحت هي الأساس، سواء في مواجهة الصين سياسياً واقتصادياً أو تقنياً، ولم يعد الكيان قادراً على القيام بما وُكِّل إليه من قبل الدول الاستعمارية في مرحلة سايكس بيكو وما بعد الحرب العالمية الثانية، فالمكانة الاقتصادية ومشاريع التنمية تجاوز قدرات الكيان واصبح من مصلحة أمريكا العلاقات المباشرة. ومع تيقن أمريكا بعدم القدرة على إعادة تشكيل الشرق الأوسط ما بعد سايكس بيكو، وبعد الفشل في سوريا وليبيا والعراق ولبنان وقطاع غزة، ومع عدم قدرة الكيان على الهيمنة أو السيطرة، أصبح هذا الكيان منتجاً لعدم الاستقرار ومضرّاً بمصالح أمريكا وبمصلحته في حد ذاته. لذلك أصبح تدخل صانع القرار الأمريكي ضرورة لتجاوز مهمة الكيان الوظيفية التي وُكِّلت إليه أمراً حتمياً لتمكين أمريكا من إعادة تشكيل تموضعها في النظام العالمي القادم. ومن هنا نرى أهمية زيارة ترامب لدول الخليج والحديث عن التريليونات في تعبير واضح لعدم حاجة أمريكا لوكيل أو وسيط مع دول المنطقة مع بروز حاجتها لدولة قطر وعلاقاتها الحميمة بأمير قطر ورئيس مجلس الوزراء، وقدرة قطر على أن تكون ضابط الأمن والسلم الدولي والعالمي والمحور الرئيس لاقطاب المنطقة تركيا ايران والفاعلين في المنطقة من المقاومة وحتى سوريا، سواء على مستوى النزاعات الدولية من أفغانستان إلى إيران إلى القرن الإفريقي وإلى غزة. فقد أصبحت دولة قطر مركز حراك الولايات المتحدة ومركز اهتمامها، خاصة في بناء دور امريكا القادم في علاقاتها مع العرب، ومع الدول الخليجية، ومع تركيا، وحتى مستقبلاً مع إيران والشعب الفلسطيني، ومن أجل حماية أوروبا والغرب واستمرار تدفق الطاقة والطاقة النظيفة واستمرار تدفق الاستثمارات، خاصة من الصناديق السيادية، والقدرة على الولوج إلى الأسواق الخليجية، وهذا أصبح أولوية بالنسبة لصانع القرار في الولايات المتحدة. ان قوة ومكانة دول الخليج ومستويات التنمية جعلت من ترامب مؤمنا بأن علاقات مباشرة مع العرب وبالخصوص مع دول الخليج من مصلحة أمريكا وتتجاوز إسرائيل.
5871
| 10 نوفمبر 2025