رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ضمن نشاطات مركز أصدقاء البيئة / الخيمة الخضراء، خلال شهر رمضان المبارك، تم تنظيم لقاءٍ علمي حول (المناهج التعليمية ودورها في تعزيز الهُويَّة). ولقد تحدّث متخصصون، من الأكاديميين والمعلمين، حول دور التعليم في تعزيز الهُوية، وملابسات الهُوية ذاتها. وأثرى اللقاءَ وجودُ معلمين لهم دور كبير في تعليم النشءِ في دولة قطر، وكانوا محل حفاوة وتكريم من الحضور.
وبرأينا أن التعليم - في دولة قطر – قد مرّ بمراحلَ ومحطاتٍ متعددة، لكل منها جوانبُ إيجابية وأخرى سلبية، ولكلٍ من (مُريدي) المحطات رؤى ووجهات نظر تدعم إيجابية المحطة التي دافع عنها، وترفض دعم المحطة التي لا يدافع عنها.
ولئن كان الرأيُ الغالب في اللقاء أن مناهج التعليم وطرق التدريس والمناخ العام للتعليم في الماضي، كانت أكثرة قوة وجدّية وتأثيراً، عما درج عليه الحال خلال العشرين أو الثلاثين عاماً الماضية. وقد يكون مرد ذلك، أن غالبية الحضور والمشاركين في اللقاء هم من عاصروا وتتلمذوا على يد أساتذة المحطات القديمة، بكل ما فيها من جدّية وصرامة واحترام كامل للمدرس؛ بعكس الحال في الظروف التي أعقبت تلك المرحلة، حيث ما تم وصفه بـ (التعليم الحديث)، وضرورة مراعاة شعور الطالب، وعدم "تعقيده" بالدروس الطويلة والواجبات الشاقة، بل ودعوته لمواجهة الأستاذ، بل ووصل الأمر إلى التسامح مع الطالب الذي يعتدي على الأستاذ أو يخرّب سيارته، بحكم أن الطالب تجتاحهُ ظروف نفسية لابد من مراعاتها، وهذا موضوع طويل لا نود الاسترسال فيه.
ماذا حصل بعد ثلاثين عاماً من المدارس المستقلة أو الخاصة، وتواري التعليم الخاص؟
من الشواهد الواضحة اليوم، والتي نواجهها في مستوى الجامعة أو الكليات، ما يلي:
1- ضعف الثقافة العامة، وضعف الإلمام بالتاريخ العربي والإسلامي ورموزه، تماماً كما هو الحال مع الضعف في مستوى الآداب والفنون بصورة عامة.
2- ضعف اللغة العربية – وبدرجة واضحة – ودخول لغة الإنترنت المُختصرة والضعيفة في حل الواجبات أو وضع أوراق العمل البحثية! كون تلك المدارس لم تحفل كثيرًا بالتأسيس الجيد في اللغة العربية، وكثيرًا ما واجهنا طلبة وطالبات يطلبون منا عدم وضع أسئلة مقالية في الامتحانات والاكتفاء بأسئلة ( صح/ خطأ، أو الاختيارات الثلاثة (Multiple Choices). كما أن إعداد أوراق البحث، قضية أخرى، والأستاذة الكرام يدركون كيفية إعداد وتقديم مثل تلك الأوراق. وبعد تجربتي التي امتدت لأكثر من 35 عامًا في التدريس الجامعي، أرى عدم نجاعة تضمين الدرجات لأوراق عمل تُعمل خارج الفصل، لأنها مضيعة للوقت ولا يستفيد منها إلا قلة قليلة من الطلبة، كون الغالبية من الطلبة تلجأ إلى وسائل غير إيجابية في هذا الخصوص.
3- وإذا تتبعنا خط عمر الطفل، وحتى يتخرج من الثانوية، نجده كالتالي:
أ – في مرحلة الروضة، يقضي الطفل ثلاث سنوات – ولربما أكثر- في بيئة مختلفة عن البيئة المحلية، سواء كانت عربية أم أجنبية، ومعظم الأُسر تُريدها أن تكون أجنبية، حتى يتعلم الطفل اللغة الإنجليزية! وهذا اتجاه أثبت عدم نجاعته، لأنه حتى لو ضمن الطالب وظيفة بحكم إجادته اللغة الإنجليزية، إلا أن في حقيقة الأمر،" يتغَرّب" عن واقعه ووطنه ومجتمعه – نحن هنا نتحدث عن تكوّن الهُوية – لأنه لم يُلم بتاريخه المحلي والإقليمي والعربي والإسلامي، ولا يعرف علماء الأمة ولا أدباءها ولا فنانيها، كما أنه لا يتذوق النتاج الإبداعي لرموز الأمة، بل وقد يكون منفصلا عن هموم الأمة، حتى في النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
ب – في المنزل، لا يقضي الطفل مع والديه نصف الوقت الذي يقضيه مع (المُساعدة) في المنزل! والتي لها ثقافتها الخاصة، ولغتها، وأساليبها في التعامل. وإذا ما افترضنا أن الوالدين يعملان منذ الثامنة وحتى الرابعة عصرا، (8 ساعات يوميا) ، ويكون الطفل خلالها في الروضة، أو المدرسة الخاصة (من الساعة 8- 3 عصراً) ، يتحدث الإنجليزية مع المدرسة ومع زملائه، ويخوضون في أحاديث بعيدة كل البُعد عن هموم المجتمع وتاريخه وتراثه، ثمن يأتي إلى المنزل وتتلقفه (المُساعدة) بلغتها الإنجليزية أوالآسيوية، وتُلقّنه عاداتها وتقاليدها، ولا تمر عليه لحظة يقرأ القرآن، أو يتعرف على سلوكيات ومبادئ الإسلام أو العادات العربية الأصيلة، وتأتي الأم مُنهكة من العمل كي تنام، بعد أن أكلت وجبتها في الكافتيريا، وأكل الأطفال مع مربيتهم، في الوقت الذي يلتصق الطفل بشاشة التلفزيون أو (الآيباد)، يشاهد أفلامًا وبرامج أجنبية، وخوارق، ويتعرض لثقافات ومفاهيم أجنبية – غير موجودة في واقعه – فإن ذلك يُحدث (الاغتراب) الذي نُحذّر منه. وتصل الساعة إلى السابعة مساءً، حيث يأوي هذا الطفل إلى فراشه استعداداً ليوم دراسي في الغد! بالله عليكم، كم من الوقت قضاهُ هذا الطفل مع أسرته؟ وكم من المعلومات كسبها منهما؟ في مقابل الكم الهائل الذي اكتسبهُ من الروضة أو المدرسة، ومن المُساعدة ، ومن الأجهزة الإلكترونية !؟ هذا، إذا ما أضفنا لذلك أن الأم، عندما تنهض من قيلولتها تُناظر المرآة ، وتتعدّل كي تخرج، دون أولادها أو طفلها – الذي يجب أن ينام عند السابعة استعداداً للمدرسة! فكم من الوقت قضاهُ هذا الطفل مع والدته؟ أو مع أبيه، الذي قد يكون مشغولا في المجلس مع أصدقائه، أو يكون خارج المنزل!.
- في المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، إذا ما أُدخل الشاب مدرسة خاصة، فما هي المناهج التي يتعلمها هذا الشاب، بعد أن درس المناهج الإنجليزية – لثلاث أو أربع سنوات – وهي مناهج مبُسّطة وسطحية في الأغلب، ولا تتلمس احتياجات الطالب وخصوصية مجتمعه، مقارنة بمرحلة الستينيات والسبعينيات؟ ألا يُحدث هذا التضاد نكسة في عقل الطالب، ونفوراً من المدرسة؟
- في المرحلة الجامعية، يأتي الشاب أو الشابة بعد أن درَسا المناهج بالإنجليزية في الأغلب، ويواجه الطالب صعوبة في استيعاب شرح المدرس – باللغة العربية – كونه يدرس في مجال الإنسانيات، مثلاً ! فهو لا يستطيع كتابة خمسة سطور دونما أخطاء إملائية أو نحوية! أي أن المستوى الذي وصل به إلى الجامعة لم يكن يؤهله لدخول الجامعة أو الكلية! كما أن هذا الطالب لا يشارك في الفصل، خوفاً من أن يُخطئ، ولا يستطيع التعبير عن آرائه، كونه اعتمد الإنجليزية، أو لغة الإنترنت الخاطئة. وإذا ما أضفنا لذلك، عدم قدرة الطالب على تحديد ماذا يريد، ولا يدرك اتجاهاته أو ميوله، كي يدخل أحد التخصصات، نجده " يتوهُ" من كلية إلى أخرى، ومن تخصص لآخر، فكيف نطالب هذا الطالب بحفظ الهُوية؟
نحن نعتقد أن الهُويَّة هي اندماج بين الإنسان والأرض، وتعتمد في الأساس على الدين والمُعتقد، وما يستتبعهما من مبادئ وسلوكيات، ثم تأتي العلائق الأخرى التي تنتجها الأرض، من حب الوطن، والدفاع عنه، اللغة ومحوريتها في الانتماء للأرض، التراث والإنتاج الأدبي – الشفاهي والمكتوب – والنماذج المعروفة للإنتاج الثقافي المادي، ورموز الثقافة التي تصبّ في معين الهوية، العَلّم، النشيد الوطني وغيرها. وتندمج هنا الهُويَّة بالوطنية، والتي تختلف بالطبع عن المواطنة، وهذا مبحث آخر. والهُويَّة اصطلاحًا هي (مجموعة المُميزات التي يمتلكها الأفراد، وتساهم في جعلهم يُحققون صفة التفرد عن غيرهم، وقد تكون هذه المُميزات مشتركة بين جماعة من الناس، سواء ضمن المجتمع، أو الدولة. ومن التعريفات الأخرى لمصطلح الهُوية: أنها كل شيء مشترك بين أفراد مجموعة محددة، أو شريحة اجتماعية تساهم في بناء محيط عام، وتنقسم الهُوية إلى ثلاثة أقسام: الهُويَّة الوطنية، الهُويَّة الثقافية، الهُويَّة العُمْرية. (www.mawdoo3.com).
السؤال الآن: هل تساهم مناهج ووسائل التعليم في تعزيز الهُويَّة؟ إن المعطيات التي وردت أعلاه تُجيب بالنفي! كما يلعب الإعلام دوراً مؤثراً في تعزيز أو تشويه الهُوَّية، وإذا ما علِمنا أن واقع التلقي في العالم – هذه الأيام – يتمثل في الآتي:
1- 65 % من برامج الإذاعة باللغة الإنجليزية
2- 70 % من الأفلام ناطقة باللغة الإنجليزية
3- 90 % من الوثائق المُخزنة في الإنترنت باللغة الإنجليزية
4- 85 % من المكالمات الهاتفية باللغة الإنجليزية
(د. نبيل علي، اللغة العربية وعصر المعلومات.. التحديات والفرص) ورقة قدمت إلى ندوة ( اللغة والهُوية.. دول الخليج العربي أنموذجاً) ، وزارة الثقافة والفنون والتراث، الدوحة، 2009). فإننا حتمًا أمام مسؤولية كبيرة لم تفد معها كل تلك المؤتمرات والندوات التي عُقدت منذ الثمانينيات لتطوير التعليم!
وإذا ما أضفنا لذلك، المدة التي يقضيها الشاب أو الشابة على الإنترنت، يستخدمان اللغة الإنجليزية، أو يتراسلان باللغة الإنجليزية، دون أن يفتح احدهما كتابًا باللغة العربية، أو يتصفح جريدة عربية، فإننا أمام تحدٍ واضح يُضيف إلى "تهديد" الهُوية العربية، بل ويساهم في تلاشيها.
هامش: في استبيان أجريته على طلبة وطالبات كلية المجتمع، تبيّن ان المبحوثين (حوالي 50 فرداً) لا يشاهدون التلفزيون المحلي ولا يقرّأون الصحف المحلية!
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2466
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2280
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1200
| 09 ديسمبر 2025