رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تعود أصول التنظيم الدولي الراهن إلى أربعينيات القرن الماضي، حينما اجتمعت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، ووضعت قواعد إنشاء منظمة الأمم المتحدة لكي تشكل الكيان المسؤول عن حفظ السلم والأمن الدوليين ومنع نشوب الحروب بين الدول، ولكن المنتصرين حينها عملوا على أن يحتفظوا لأنفسهم بالسلطة العليا في المنظمة الجديدة وبالأخص في مجلس الأمن، بحكم كونه الجهاز الوحيد الذي خول حق استخدام القوة، كما احتفظ المنتصرون لأنفسهم بحق الاعتراض على أي قرار قد تحاول الدول الأخرى تمريره عبر هذا المجلس فيما يتعارض مع مصالحهم. وبفعل هذه التركيبية الاستثنائية لم تستطع المنظمة الدولية أن تعكس قواعد العدالة في كثير من الأزمات، واتسم أداؤها دوما بالتحيز لصالح الدول الكبرى التي وضعت هذه القواعد المجحفة.
واليوم وبعد مرور ما يزيد على الستة عقود من عمر هذه المنظمة برزت أوجه أخرى لقصورها مثل عدم صمود أساسها التنظيمي أمام التغيرات في توازنات القوى الفعلية، فميزان القوى الراهن يتباين بشدة عن ذلك الذي ساد وقت وضع ميثاق المنظمة، والأهم من ذلك أن عددا من الدول التي خرجت منتصرة من الحرب ونصبت من نفسها راعية للسلم والأمن الدوليين لم تعد راغبة في القيام بهذا الدور في عالم اليوم، بل إن من هذه الدول من يصر على حماية المعتدين ويوفر لهم المظلة اللازمة للاستمرار في خرق السلام وانتهاك حرمة الحياة الإنسانية.
هذا التقييم السلبي لأداء المنظمة الدولية يستدعيه موقف بعض أعضائها الدائمين تجاه الأزمة السورية، فالعدوان الذي يمارس بحق الشعب السوري والعجز الفاضح الذي تبديه المنظمة الدولية الأكبر في العالم إزاءه كفيل بإعادة النظر في الوزن الذي يتمتع به هؤلاء الأعضاء داخل هذه المنظمة. فقد تأكد بما لا يدع مجال للشك أن المنظمة الدولية وفقا لتركيبتها الراهنة تعاني من عجز هيكلي عن وقف مسلسل المذابح اليومية التي تجري في المدن السورية، وتساهم، من خلال ممارسات بعض أعضائها الدائمين، في منح نظام الأسد تصريحا مستمرا بالقتل من دون رادع. هذا العجز الهيكلي هو ما يدفع باتجاه إعادة النظر في مدى ملائمة الصيغة الحالية للمنظمة الدولية في التعامل مع ما هو قائم من أزمات ومشكلات ومدى فاعليتها في وضع حلول ناجزة لها.
إن التحول عن الشكل الحالي للمنظمة الدولية وما يمنحه من امتيازات لعدد من الدول، باتجاه شكل جديد أكثر تعبيرا عن قواعد العدالة والمساواة ليس بدعا من الأفعال، فالخبرة التاريخية المعاصرة تبين أنه عقب التعثر الذي عانت منه منظمة دولية سابقة على الأمم المتحدة، تمثلت في عصبة الأمم، لم تتردد الدول الأعضاء بها في الانقلاب عليها بعد أن اتضح لها أنه ليس ثمة مبرر لاستمرارها. فإذا أخذنا في الحسبان أن عصبة الأمم لم تستطع الصمود لأكثر من 25 عاما، فإن من الغريب أن يتم الإصرار على بقاء التنظيم الدولي بصورته الحالية لأكثر من ستة عقود كاملة، رغم كونه واجه من المشكلات ما يتفوق به على مجمل ما تعرضت له العصبة، ورغم حجم التغير الذي لحق بكافة التفاصيل التي صاحبت نشأته الأولى، وأبرزها التغير فى الأوزان النسبية للدول التي اعتبرت نفسها صاحبة حق في التميز على الآخرين وعلى ترسيخ هذا التميز من خلال احتكار حق الاعتراض على ما تتخذه المنظمة من قرارات. فروسيا على سبيل المثال، والتي هي أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وأحد أبرز المعطلين لأي تحرك دولي يستهدف حلحلة الأزمة السورية ووقف نزيف الدماء المستمر بها، لم تعد دولة عظمى بالمعنى الذي كانت عليه وقت إنشاء المنظمة، ولعل أبرز شاهد على ذلك أنها ليست ضمن قائمة العشرة أعضاء الأوائل في قائمة ممولي المنظمة الدولية، فالمشاركة الروسية في تمويل المنظمة الدولية للعام 2010 لم تتجاوز 2.5 مليون دولار، مقارنة بالتمويل الأمريكي الذي فاق 33 مليون دولار. هذا في الوقت الذي يحتل فيه عضوان آخران مصنفان على أنهما من الدول المهزومة في الحرب (اليابان وألمانيا) مكانة متقدمة جدا في تمويل المنظمة (نصيب اليابان حوالي 19 مليون دولار وألمانيا حوالي 12 مليون دولار لنفس العام).
بهذا المعنى يبدو التنظيم الدولي الحالي بحاجة إلى إعادة نظر في أسسه الهيكلية، بما يجعله أقرب إلى تحقيق العدالة، فمن غير المقبول أن تقوم المنظمة الدولية الأكبر في العالم على أساس حفظ السلم والأمن الدوليين فيما هي تقف عاجزة أمام شعب يتعرض لجريمة إبادة، كما أن مسألة العضوية الدائمة هي الأخرى بحاجة إلى إعادة نظر بحيث لا تحتل دولة ما مكانة أكبر مما تستحق؛ وإلا فمن غير المفهوم أن تظل دولة مثل روسيا محتفظة بكافة صلاحيات الدول العظمى في الوقت الذي أضحت فيه مفتقرة إلى المقومات اللازمة لذلك، كما أنه من غير المفهوم أن تمتلك ذات الدولة حق الاعتراض على ما تقرره بقية دول العالم فيما من شأنه أن يحفظ للمجتمع الدولي سلمه واستقراره وذلك استنادا فقط لقوة توافرت لها في مرحلة سالفة ولم تعد قائمة اليوم بنفس الدرجة.
فهل يمكن أن ينتقل ربيع الثورات إلى المنظمة الدولية الأكبر في العالم، بحيث تعبر على نحو أفضل عن قواعد العدالة؟ وهل يمكن إذا تقاعست الحكومات أن تتحرك الشعوب لتبني هذه الدعوة وأخذ زمام المبادرة؟ خاصة أن هذه الشعوب تدرك أكثر من حكامها أن التنظيم الدولي بصورته الراهنة مسئول بشكل مباشر عن استمرار الأزمة في سوريا، وأنه عبر قرارات غير مسؤولة، من دول ليست في المكان الذي تستحقه، يعطي الضوء الأخضر لاستمرار مسلسل القتل الذي فاق في بشاعته جرائم النازي، الذي ما نشأت الأمم المتحدة إلا من أجل ضمان عدم تكرار ظهور شبيه له في المجتمع الدولي، فإذا بنسخة منه تظهر في سوريا، ولكن المفارقة أن نازي العرب يتوجه بعدائه الأعمى تجاه شعبه، وأن من يتولى حمايته هم من ذاقوا على يد قرينه الألماني الأمرين عندما كان يجتاح أراضيهم ويمعن فيهم القتل بلا رادع.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3069
| 21 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
3066
| 20 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء. فالتعليم يمنح الإطار، بينما التدريب يملأ هذا الإطار بالحياة والفاعلية. في الجامعات تحديدًا، ما زال كثير من الطلاب يتخرجون وهم يحملون شهادات مليئة بالمعرفة النظرية، لكنهم يفتقدون إلى الأدوات التي تمكنهم من دخول سوق العمل بثقة. هنا تكمن الفجوة بين التعليم والتدريب. فبدلاً من أن يُترك الخريج يبحث عن برامج تدريبية بعد التخرج، من الأجدى أن يُغذّى التعليم الجامعي بجرعات تدريبية ممنهجة، وأن يُطرح مسار فرعي بعنوان «إعداد المدرب» ليخرّج طلابًا قادرين على التعلم وتدريب الآخرين معًا. تجارب ناجحة: - ألمانيا: اعتمدت نظام التعليم المزدوج، حيث يقضي الطالب جزءًا من وقته في الجامعة وجزءًا آخر في بيئة العمل والنتيجة سوق عمل كفؤ، ونسب بطالة في أدنى مستوياتها. - كوريا الجنوبية: فرضت التدريب الإلزامي المرتبط بالصناعة، فصار الخريج ملمًا بالنظرية والتطبيق معًا، وكانت النتيجة نهضة صناعية وتقنية عالمية. -كندا: طورت نموذج التعليم التعاوني (Co-op) الذي يدمج الطالب في بيئة العمل خلال سنوات دراسته. هذا أسهم في تخريج طلاب أصحاب خبرة عملية، ووفّر على الدولة تكاليف إعادة التأهيل بعد التخرج. انعكاسات التعليم بلا تدريب: 1. اقتصاديًا: غياب التدريب يزيد الإنفاق الحكومي على إعادة التأهيل. أما إدماج التدريب، فيسرّع اندماج الخريج في السوق ويضاعف الإنتاجية. 2. مهنيًا: الطالب المتدرب يتخرج بخبرة عملية وشبكة علاقات مهنية، ما يمنحه ثقة أكبر وفرصًا أوسع. 3. اجتماعيًا: حين يتقن الشباب المهارات العملية، تقل مستويات الإحباط، ويتحولون من باحثين عن وظيفة إلى صانعين للفرص. حلول عملية مقترحة لقطر: 1. دمج التدريب ضمن المناهج الجامعية: أن تُخصص كل جامعة قطرية 30% من الساعات الدراسية لتطبيقات عملية ميدانية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص واعتماد التدريب كمتطلب تخرج إلزامي لا يقل عن 200 ساعة. 2. إنشاء مجلس وطني للتكامل بين التعليم والتدريب: يضم وزارتي التعليم والعمل وممثلي الجامعات والقطاع الخاص، ليضع سياسات تربط بين الاحتياج الفعلي في السوق ومخرجات التعليم. 3. تفعيل مراكز تدريب جامعية داخلية: تُدار بالشراكة مع مراكز تدريب وطنية، لتوفير بيئات تدريبية تحاكي الواقع العملي. 4. تحفيز القطاع الخاص على التدريب الميداني. منح حوافز ضريبية أو أولوية في المناقصات للشركات التي توفر فرص تدريب جامعي مستدامة. الخلاصة التعليم بلا تدريب يظل معرفة ناقصة، عاجزة عن حمل الأجيال نحو المستقبل. إنّ إدماج التدريب في التعليم الجامعي، وإيجاد تخصصات فرعية في إعداد المدربين، سيضاعف قيمة التعليم ويحوّله إلى أداة لإطلاق الطاقات لا لتخزين المعلومات. فحين يتحول كل متعلم إلى مُمارس، وكل خريج إلى مدرب، سنشهد تحولًا حقيقيًا في جودة رأس المال البشري في قطر، بما يواكب رؤيتها الوطنية ويقودها نحو تنمية مستدامة.
2856
| 16 أكتوبر 2025