رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

خالد الحروب

خالد الحروب

مساحة إعلانية

مقالات

485

خالد الحروب

تونس: "عبقرية التوافق" أو النظام القديم

10 نوفمبر 2014 , 01:23ص

الانتخابات الرئاسية التونسية القادمة يوم 23 نوفمبر القادم تشكل منعطفا كبيرا في التجربة التونسية الديمقراطية التي يراقبها العرب ويرون فيها التجربة الوحيدة الناجحة حتى في تجارب الربيع العربي، النجاح الحذر للتجربة أسبابه عديدة وليس الآن مجال نقاشه، وهي في مجملها أسباب تولدت عن السياق التونسي المدني وآلياته الداخلية، وعقلانية "خريطة طريق" ما بعد الإطاحة بابن علي، ثم المراقبة اللصيقة لما كان يحدث في بلدان عربية أخرى والاستفادة منها (مصر. وليبيا على وجه الخصوص). مقاربات إسلاميي تونس ورشدهم أسهمت في الحفاظ على مسار ما بعد الثورة توافقيا. وأطفأت كثيرا من احتمالات الانفجار هنا وهناك، وتخلي حركة النهضة عن الحكومة في مرحلة من المراحل لصالح تشكيل حكومة تكنوقراط تقود البلاد إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية عكس نضجاً متفوقا في صفوف الإسلاميين في تونس عندما نقارن ممارساتهم بإخوان مصر مثلاً أو تطرف إسلاميي ليبيا. في سجالات الإسلاميين مع بعضهم البعض ومع خصومهم ثمة جدل عريض كان يُثار دوما بين خياري "المغالبة" و"المشاركة" في الحكم. أنصار "المغالبة" هو الأكثر تطرفا وتوترا والظانون بأن مسألة الحكم نزهة لا أكثر ولا أقل أنصار "المشاركة" هم الأكثر عقلانية وهم من كانوا ومازالوا يدركون أن قيادة أي بلد ليست كقيادة أي حزب أو تنظيم، وأن ما ينطبق على "الجماعة" لا يمكن أن ينطبق على البلاد بأسرها، "مغالبة" الإخوان في مصر قادت إلى كوارث سياسية، و"مشاركة" النهضة في تونس قادت إلى التطبيق العملي والناجح لمقاربة "التوافق الوطني".

و"التوافق" ليس أمرا سهلاً وميسورا لأنه يعني التنازل والمساومة والبحث عن أرضيات مشتركة، والابتعاد عن الغرور السياسي الذي يوفره الفوز الانتخابي. والظافرية الانتخابية تأتي بمقادير هائلة من الثمالة التي تعمي المُنتصر عن رؤية الأمور على حجومها الحقيقية، ذلك أن الفوز النسبي الانتخابي الذي يكون لا يكون إلا بنسبة مئوية ضئيلة، يتحول إلى "نصر مؤزر" يمنح صاحبه الحق الحصري للنطق باسم الشعب والبلاد. والتنطع لإعادة كتابة الدستور، وصوغ المجتمع، وسوى ذلك. والقيادات، حتى العقلانية منها، يُسكرها النصر الانتخابي خاصة مع تسييد الشعارات الكبرى وضغط القواعد الحزبية التي تكون قد انتظرت مثل هذه اللحظة طويلاً.

على المستوى الوطني الأعم لا يبدو أن هناك مقاربة ناجحة سوى مقاربة التوافق قادرة على احتلال الحقبة الانتقالية التي تلي أي سقوط أي نظام استبدادي. ذلك أن المسارعة للقفز إلى انتخابات يكون الهدف منها حسم "القيادة الوطنية" لتؤول إلى قوة معينة تتصدى للحكم منفردة لا يحقق الانتقال الديمقراطي المطلوب، ليست هذه نظرية جديدة في التقعيد لمراحل الانتقال الديمقراطي بل هي النمط الأكثر نجاحاً في التجارب العالمية (خاصة الأمريكية اللاتينية). حال الدول والمجتمعات الخارجة من الاستبداد تكون خليطا من الهشاشة الوطنية، وفقدان القواسم المشتركة العميقة (ما عدا قاسم العداء للنظام الاستبدادي)، وغياب التجربة السياسية والديمقراطية الحقيقية التي لم تكن لتتيحها عقود السلطوية والانسداد السياسي، يُضاف إلى ذلك أن الخصومات الأيديولوجية والسياسية التي تنشأ في الصف الوطني، رغم توحده على خصومة المُستبد، تنفلت من كل قيودها في مرحلة التحرر الثوري، وقد تتحول إلى آلات تدمير حقيقية إن لم يتم ترشيدها ولجم انفلاتاتها الهوجاء. على هذا، تكون نقطة البداية في حقبة التوافق الوطني، وكما طُبقت في التجربة التونسية، الاتفاق على الدستور الجامع، وهو اتفاق يجب أن يسبق الانتخابات التشريعية والرئاسية، وعلى أساس الدستور التوافقي تنطلق العملية السياسية بمساراتها المتعددة، أما كتابة الدستور بعد إجراء الانتخابات التشريعية أو الرئاسية فسوف يقود إلى التشكيك في حياديته واستمرار الاتهامات المُتبادلة بشأنه وبأنه كتب تحت تأثير الغالبية التي فازت بالبرلمان، أو القوة المسيطرة على الحكم (مثلاً، الدستوران المصريان اللذان صيغا بعد ثورة يوليو تعرضا ومازالا يتعرضان للنقض وتهم الانحياز وعدم الحيادية).

قطعت التجربة التونسية إلى الآن أشواطا كبيرة ورائعة، وآخرها الانتخابات البرلمانية، ونتائج تلك الانتخابات تعزز منطق التوافق لأنها أشارت إلى عدم إمكانية أي حزب من الأحزاب الإنفراد بالحكم، وتفرض منهج المشاركة وإنشاء حكومة تآلف وطني، الشيء المقلق، مع ذلك، إن كثيرين يخشون أن يكون حزب نداء تونس هو حصان طروادة الذي يتسلل تحته النظام القديم برموزه وعفنه وفساده، من حق التونسيين أن يعلنوا عن تلك الخشية بأكبر صراحة ممكنة وبأعلى الصوت، وعلى نداء تونس أن يثبت العكس، ومصدر الخشية الثانية أن تتسلل الثمالة إلى نداء تونس وتنحو باتجاه إقصاء النهضة عن المشاركة في الحكم والنزوع نحو الإقصاء والتهميش عبر التحالف مع الأحزاب الليبرالية والعلمانية الأخرى، فتنقطع مسيرة التوافق الضرورية والمطلوبة والملحة في الفترة الانتقالية، في المراحل القادمة وبعد أن يترسخ المسار الديمقراطي تصبح خيارات الحزب الفائز بالانتخابات إزاء التحكم بالسلطة معقولة ومفهومة، لأنها ستقوم على أرضية صلبة، لكن الآن مازالت تلك الأرضية طرية ولا تتحمل انفرادات الأحزاب الأيديولوجية بالحكم والسلطة.

التخوفات التي تُثار حول "نداء تونس" قد تتعزز في حال فوز القائد السبسي بالانتخابات الرئاسية، وهذا يجب أن يدفع القوى الأخرى المنافسة للتوافق لإنجاح مرشح يعبر عن الربيع التونسي، وحتى يعادل فوز نداء تونس بالانتخابات التشريعية ويعود المشهد السياسي التونسي إلى نقطة توازن القوى التي تفرض على الجميع البقاء في منطق "التوافق"، فوز القائد السبسي بالانتخابات الرئاسية يكسر ذلك التوازن، ويزيد من إغراء قوى النظام القديم كي تعود بقوة إلى الساحة، وهذه المرة على رافعة الديمقراطية والانتخابات. وإن حصل هذا فإن التجربة اليتيمة التي نعتز بها في المنطقة العربية تدخل مرحلة الخطر الحقيقي.

اقرأ المزيد

alsharq مرحلة جديدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة

أصدر حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، القانون رقم (22) لسنة 2025... اقرأ المزيد

270

| 08 أكتوبر 2025

alsharq بكم نكون.. ولا نكون إلا بكم

لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة التنمية، بل كان دائماً هو الأصل والجوهر، فهو الخليفة في... اقرأ المزيد

1389

| 08 أكتوبر 2025

alsharq قراءة في العقل الأمريكي.. كيف هندس ترامب صفقة غزة؟

بعد عامين تنفست غزة فيها الصعداء مع الاعلان الأمريكي عن اتفاق بين حماس واسرائيل، ليكسر دوامة الحرب التي... اقرأ المزيد

258

| 08 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية