رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من المؤكد أن وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة .. ووراء كل تربية عظيمة معلم متميز .. ولا شك أن رسالة المعلم ( ولا أقول عمله أو وظيفته ) رسالة سامية حملها الأنبياء والمصلحون والعلماء .. وحتى لو جاز أن نقول أن عمل المعلم وظيفة .. فهى وظيفة راقية تحمل فى طياتها عملا نبيلا وثوابا عظيما .. ويكفى المعلم فخرا أنه يبقى له فى ميزان حياته علم نافع عَلًمَه لغيره من خلال إخلاصه لعمله الذى هو فى ذات الوقت إخلاص لله .
وانا يعجبنى كثيرا قول المفكر الكبير جبران خليل جبران أن الأوطان تقوم على كاهل ثلاث .. فلاح يغذيها وجندى يحميها ومعلم يربيها .. والمعلم أيضا هو من يزرع بذرة الأمل والوطنية الحقة ويسقيها بالتشجيع والمثابرة ويغرس بذور الإنتماء والسماحة والوسطية .. وفى ذات الوقت هو من يحمى المبادئ والأخلاق .. بل أكثر من ذلك هو من يستطيع بخبرته وبصيرته أن يلتقط الموهوبين من تلاميذه فى المجالات المختلفة مثل الشعر والأدب والفنون والعلوم والرياضيات .. وأكثر من هذا يتبناهم ويرشدهم لإختبارات المستقبل والتى غالبا ما تكون صائبة .
ولقد كانت الدول العربية هى رائدة العمل الإجتماعى وبالتالى التعليمى حتى أنه من البديهى أن القوى الناعمة كانت تستند من الناحية التاريخية على التعليم قبل سواه .. وحتى لو كان هناك من يقول أن النهضة العربية الحديثة بدأت بنقل الأساليب العصرية والتقاليد الأوروبية إلينا كما حدث فى مصر إبان حكم محمد على باشا فى بداية القرن التاسع عشر على سبيل المثال .. وهو كلام مردود عليه بأننا كان لدينا الأزهر الذى كان – ولا يزال – منارة للتعليم من كافة أنحاء العالم .. وهو نفس ما يحدث فى الأراضى المقدسة من مساجد تقُام فيها الشعائر إلى جانب الدروس وحلقات العلم .
والرأى الراجح أنه لا يوجد إتجاه واحد لنقل العلوم أو المعرفة .. ولكنها مسألة تبادلية ويكفى أن نذكر أن نظام الكليات المختلفة فى الجامعات جاء تقليدا لنظام " الأروقة " الأزهرية أو الظاهرة الأزهرية الشهيرة " شيخ العامود " والتى كانت سائدة كذلك فى مساجد مكة والمدينة غيرها أثناء وبعد عهد الخلفاء الراشدين وإستمرت لعهود طويلة من الزمن .
وفى جميع الأحوال فإنه فى جميع الأحوال وفى كل العصور نجد أن المعلم هو العصب والأساس الذى تقوم عليه العملية التعليمية .. وبالتالى هو وراء عظمة الأمم وسر تقدمها كما أسلفنا .
ولا شك أن الدول العربية جميعها مطالبة بمسايرة الدول المتقدمة فى الناحية التعليمية ليس فى أنظمة التعليم فقط بل فى طرق تدريب المعلمين والنهوض بهم من كافة النواحى معتمدين على النظرية الحديثة والتى فحواها :
- أن رأس مال الطالب هو ما يأخذه عن معلمه من " مبادئ وخلق كريم " .. أما ما يأخذه الطالب بعد ذلك من علم على يد معلمه فهو " ربح وفائدة " .. وطبعا رأس المال مقدم على الربح والفائدة .
فإذا أضفنا إلى ذلك النظرية التربوية التى أصبحت تتقدم ما عداها من نظريات والتى فحواها :
- أن أساس التدريس أن يتعود الطالب ألا يعتمد على المدرس .
تأسيسا على هذا فإنه يجب تدريب المعلم وتوعيته بأنه يجب عليه أن يكون المعلم نفسه مبدعا وذلك بأن يجعل من درسه شيئا ممتعا يساعد الطلاب على كيفية التفكير والإبداع مستخدما أسلوب التشجيع والتحفيز وزرع بذرة الأمل فى طلابه وتعهدها بالرعاية حتى تؤتى ثمارها .
وأخيرا فإننى العبد لله كاتب هذه السطور أقف إحتراما لكل معلم وأدعو الجميع – كبارهم قبل صغارهم – أن يشاركوننى فى ذلك الشعور الرائع بأن دور المعلم القدوة فى حياتنا لا يقل أهمية عن دور الأب إن لم يكن يفوقه فى بعض الأحيان كما عاصره من هم فى نفس عمرى ومن سبقونى .. ونحن لا نزال نتذكر أساتذتنا بهيئتهم الموقرة وكلماتهم المؤثرة وعباراتهم التى كانت تنفذ إلى قلوبنا وعقولنا ولازلنا نتذكرها حتى الآن وكأنها قيلت لنا بالأمس فقط .
تحية تقدير وإجلال إلى كل معلم أخذ على عاتقه رسالة العلم وأخذ بيد غيره إلى طريق النور .. ولعلى بهذا المقال المتواضع أكون قد إستطعت أن أوفى المعلم بعض حقه .. فإلى اللقاء فى موضوع جديد ومقال قادم بحول الله .
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
2415
| 26 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2334
| 25 سبتمبر 2025
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2331
| 22 سبتمبر 2025