رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
"الانتصار مهم … لكن الأهم المحافظة عليه" ولا سبيل لتحقيق ذلك إلا بـ "النجاح" ولا نجاح دون تحول مؤسسي منهجي، حثيث، من ثقافة "الثورة" إلى إطار "الدولة"… وقد تحقق ذلك على الصعيد المؤسسي، وحديثي اليوم عن تشكيل حكومة سورية جديدة بعد أربعة أشهر فقط من يوم "الفتح" في 8 كانون أول / ديسمبر 2024.
تشكلت الحكومة في ظل تحديات هائلة، بعضها تركة ثقيلة للغاية من تراكمات دولة قمعية فاشلة، والأخرى ردات فعل أطراف خارجية انتهازية مارقة تحسست من التغيير الحاصل، وبعضها يعنى بالخبرة والتجربة، وبعضها يعنى بالجانب النفسي ووعي المواطن …. وأخرى تعنى بالموقف الدولي… كل ذلك في ظل أوضاع معيشية خانقة، تحديات متنوعة تضع الحكومة الوليدة أمام امتحان عسير! حيث تتجه الأنظار إلى الفريق الوزاري ومدى قدرته على مواجهة تلك التحديات، ونظام الحكم ناشئ وهو بحاجة إلى سنوات من الخبرة في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والعمرانية والسياسية والاجتماعية وغيرها، فإن التساؤلات تُطرح حول مدى قدرة الحكومة على تحقيق أي تقدم فعلي.
لا شك أن النظام الجديد حريص جداً على تحقيق فارق ملموس وعلى جناح السرعة في الخدمات ومستوى المعيشة، وسوف يسعى جاهداً إلى عدم تضييع أية فرصة يمكن من خلالها استقطاب أية وسائل أو موارد متاحة لتحقيق هذا الغرض… أما المواطن على الجانب الآخر،، وبعد أن تمتع بالحرية واستعاد الكرامة لأول مرة بعد عقود من القمع والتمييز والنهب المنظم، ووضع ثقته بالنظام الجديد، فإنه يترقب اليوم التالي وقد أشرق على وضع جديد، لا تنقطع فيه الكهرباء، ولا يتوقف تدفق ماء الشرب، لقمة العيش كافية، وحبة الدواء متيسرة، وخدمات التعليم والصحة والبلديات متاحة، وهو لم يعد مضطراً للقلق على معيشته، صحته وأمنه، بل بات معنيا بالمشاركة في تحسين جودة الحياة، والانخراط في برامج العصرنة والتحديث…. آمال مشروعة، لكنها في حسابات الميدان يستحيل تحقيقها بين عشية وضحاها، ليس لقصور في الرؤى بل لسبب النقص الحاد في الإمكانيات، في الوسائل والأدوات…. دعونا نحلل التحديات ذات الصلة بهذا الحديث.
* اقتصاد مدمر وشح في الموارد:
• غلاء المعيشة وارتفاع معدلات التضخم.
• ضعف الإنتاج المحلي، وعدم سيطرة الحكومة على
عوائد النفط الخام.
• الاعتماد على الحلفاء الخارجيين في ظل
تراجع الدعم الدولي.
• ازدياد الاعتماد على الأسواق السوداء.
• انتشار الفساد الاقتصادي.
• أما ما يتعلق بالخدمات الأساسية:
• تفاقم أزمة الكهرباء والمياه والوقود.
• انهيار النظام الصحي ونقص الأدوية والمعدات الطبية.
• انهيار النظام التعليمي.
ولنا أن نتصور عظم التحدي الذي يواجه الحكومة الوليدة، وقد وجدت نفسها في بحر من الأزمات والمشاكل، ومطلوب منها أن تجد لها الحلول وتحدث الفارق في اليوم التالي!! وهي بذات الوقت تواجه رزمة من عقوبات اقتصادية قاسية ورثتها من النظام البائد!
بالطبع هذا غير ممكن، إن لم يكن مستحيلا.
لكني أقول إن الأزمات الحادة، عادة ما تصنع المعجزات، بالركون إلى وسائل مبتكرة وغير تقليدية، رؤية ثاقبة، إرادة صلبة، وقرارات صعبة، ونفس طويل، ومرونة عالية، يرافقها تفهم شعبي، لا ينتظر عصا موسى، ولا ملك سليمان، بل تدبير يوسف حيث نجح في الإفلات من سنوات القحط السبع، بحسن تدبيره، وجودة تخطيطه، ونظافة يده، بعد أن خزن حاصل سنوات الرخاء، واعتنى بالاستهلاك ورشّده، وعبر المرحلة، على قاعدة القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود.
من الضروري أن تصل الصورة الحقيقية المجردة إلى الناس بكل شفافية وبلا رتوش، المواطن ليس بحاجة إلى شعارات رنانّة ولا وعود وردية زائفة، وفي هذا الوقت بالذات، حيث الـظرف حرج والزمن محدود لا نوظفه للتثقيف بالأيدولوجيات، لن يقتنع به الفقير المعدم ولا المريض ولا الطفل المشرد ولا العاطل عن العمل ولا المرأة الثكلى… (باختصار اعتماد مقاربة المفكر مهاتير محمد).
* الواقع هو الذي يتكلم ومن غير الممكن حجب الشمس بغربال أمّا البديل؟ فالمصارحة ومشاركة الناس بالحقائق، في خطاب عقلاني لا مبالغة فيه ولا تهويل… إن إدراك المواطن لواقع الحال، وتفهمه لعظم التحديات، وتقديره للجهود المبذولة، من شأنه أن يعمق الصلة بالنظام، وهذا مطلوب لمسألتين، الأولى ترتبط بالوضع الأمني والحاجة الماسة إلى تعاون المواطن مع السلطة، والثانية بالمشاركة الطوعية مع الحكومة في تفكيك وحل الأزمات، وترميم وإعادة بناء الوطن لاحقاً.
ندرة الموارد والإمكانيات تفاقمها العقوبات الاقتصادية، وعلى الرغم من أنها فقدت جدواها ومبرراتها بتغيير النظام، إلا أن الأطراف الدولية ذات الصلة ما زالت تصر على ديمومتها وتوظفها كورقة ضغط وابتزاز، وتحاول أن تقايض رفعها بتنازلات ربما مؤلمة من جانب النظام الجديد، والمطلوب ممارسة الحكمة وإستراتيجية النفس الطويل، والبحث عن أساليب وطرق مبتكرة يمكن من خلالها التخفيف عن آثارها، ولدينا في هذا المجال تجارب دول عديدة استطاعت بذكائها وصبرها ومثابرتها الالتفاف على عقوبات مشابهة أو حتى أقسى منها، لكني هنا لا أعفي الدول الحليفة لسوريا الجديدة أن تساهم بقوة في رفع هذه العقوبات بأسرع وقت ممكن.
* لن تنجح الحكومة الجديدة، حتى تثبت لشعبها فعلاً أنها قادرة على المهمة، كما أنها تتمتع بسجل نزاهة نظيف، وهنا أوصي أن يشهر الرئيس وأعضاء الحكومة ذمتهم المالية أمام الشعب السوري، بحيث يجري تحديثها بإقرار سنوي، كما أوصي بإخضاع الأداء للرقابة والحوكمة، وقد تشكلت الحكومة في غياب مجلس نيابي منتخب، لهذا لابد من دعم تأسيس أجهزة فعّالة للرقابة، كالصحافة الحرة، منظمات مجتمع مدني، مراكز بحثية تعنى بالرأي العام، تجري استفتاء دوريا لقياس مدى رضا الناس وقناعتهم بإجراءات الحكومة، لكن المهم في تصوري هو تأسيس جهاز مستقل للرقابة يشكل من خارج الصندوق من حكماء ومفكرين وقامات متنوعة معروفة من المعارضة لم يشاركوا في الحكومة، لماذا لا يكون لهم موقع في الرقابة وممارسة الحوكمة باسم: (المنتدى الوطني السوري) …!!
* ملاحظات آمل الإفادة منها، والحكومة الجديدة كما أعتقد ستبقى بحاجة للاستماع إلى تجاربي وتجارب غيري من أصحاب الخبرة في مختلف التخصصات والشعب السوري زاخر في هذا المجال، والأمل أن تنهض الحكومة بمهماتها على الوجه الأمثل، متوكلة على الله، ولا تستمع لمقولة (اتسع الفتق على الراتق) كذريعة للعجز أو الفشل.
مرحلة صعبة، لكني على يقين بأن من صنع النصر يوم الثامن من كانون ثاني/ ديسمبر قادر على تطويره والمحافظة عليه.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
● سياسي من العراق
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
ليش ما يمديك؟! بينما ممداني زهران، الشاب ذو الأصول الأوغندية، صار اليوم عمدة نيويورك. لم يولد هناك، بل جاءها مهاجرًا يحمل حلمه في حقيبة سفر، بلا جنسية ولا انتماء رسمي. حصل على الجنسية الأمريكية عام 2018، وبعد سبع سنوات فقط أصبح نائبًا في برلمان ولاية نيويورك وأحد أبرز الأصوات الشابة في المشهد السياسي الأمريكي. عمره اليوم 34 سنة فقط، لكنه أصبح نموذجًا يُثبت أن الإرادة حين تتجذر في النفس وتُروّى بالجد والاجتهاد، تصنع المعجزات.ولا حاجة لأن احكي عن معاناة شابٍ مهاجرٍ في مدينةٍ كـنيويورك، بكل ما تحمله من صعوباتٍ وتحدياتٍ اجتماعية واقتصادية. والآن ماذا عنك أنت؟ ما الذي ينقصك؟ هل تفتقد التعليم؟ قطر وفّرت لك واحدًا من أفضل أنظمة التعليم في الشرق الأوسط والعالم، وجلبت إليك أرقى الجامعات العالمية تخدمك من امام عتبة بيتك، بينما آلاف الشباب في نيويورك يدفعون مبالغ طائلة فقط ليحصلوا على مقعد جامعي… وربما لا يجدونه. هل تفتقد الأمان؟ قطر تُعد من أكثر دول العالم أمانًا وفقًا لمؤشرات الأمن الدولية لعام 2025، بينما تسجّل نيويورك معدلات جريمة مرتفعة تجعل من الحياة اليومية تحديًا حقيقيًا. هل تفتقد جودة الحياة؟ قطر من أنظف وأجمل دول العالم، ببنية تحتية حديثة، وطرق ذكية، ومترو متطور يربط المدن بدقة ونظام. أما نيويورك، فتعاني من ازدحامٍ وضوضاءٍ وتراجعٍ في الخدمات العامة، والفرق يُرى بالعين المجردة. هل تفتقد الدعم والرعاية؟ قطر من أعلى دول العالم في متوسط دخل الفرد، بينما في شوارع نيويورك ترى المشردين والمدمنين ينامون على الأرصفة. أما في قطر، فالدعم لا يقتصر على الجانب المادي فقط، بل يمتد إلى الرعاية الصحية المتقدمة التي أصبحت من الأفضل عالميًا. فالنظام الصحي القطري يُعد من الأكثر تطورًا في المنطقة، بمستشفياتٍ حديثةٍ ومعايير طبيةٍ عالمية، ورقمنةٍ شاملةٍ للخدمات الصحية تسهّل وصول كل مواطنٍ ومقيمٍ إلى العلاج بأعلى جودة وفي أسرع وقت. وتُعد مؤسسة حمد الطبية ومستشفى سدرة للطب ومراكز الأبحاث والمراكز الصحية المنتشرة في كل مدينة نموذجًا لاهتمام الدولة بصحة الإنسان باعتبارها أولوية وطنية. إنها دولة تجعل من كرامة الإنسان وصحته وتعليمه أساسًا للتنمية، لا ترفًا أما الفرص، فحدّث ولا حرج. بلدك تستثمر في شبابها بلا حدود وتفتح لهم كل الأبواب داخلياً وخارجياً في كل مؤسسات الدولة وقطاعاتها. وهذا ليس كلاماً نظرياً بل هناك تطبيق عملي وقدوة حاضرة. فقطر أميرها شاب، ووزيرها شباب، وأركان دولتها شباب محاطون بالخبرات والكفاءات. أما هناك، في نيويورك، فالشباب يقاتلون وسط منافسة شرسة لا ترحم، فقط ليجدوا لأنفسهم مكانًا… أو فرصةً ليتنفسوا الهواء. فما هو عذرك إذًا؟ ممداني نجح لأنه عمل على نفسه، ولأن أسرته زرعت فيه حب المسؤولية والاجتهاد. أما أنت، فأنت اليوم في وطنٍ منحك ( الجنة التي في الأرض ) وكل ما يتمناه غيرك: الأمن والأمان والرغد في العيش والتعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية التي تُحلم بها شعوب الأرض. الفرق ليس في الظروف، بل في القرار. هو قرر أن يبدأ… وأنت ما زلت تنتظر “اللحظة المناسبة”. لا تنتظر الغد، فالغد لا يصنعه إلا من بدأ اليوم. لا تقول ما أمداني.. لأنه لن يمديك بعد هذا كله.. وإذا تقاعست نفسك تذكر ممداني الحقيقي.
17220
| 11 نوفمبر 2025
العلاقة العضوية بين الحلم الإسرائيلي والحلم الأمريكي تجعل من تهاوي الحلم الإسرائيلي سبباً في انهيار الحلم الأمريكي في حال لم يفصل بينهما، فمن الحلم تُشتق السردية، وانهيار الحلم يؤدي إلى تلاشي السردية، وهذا بدوره يمس مفهوم الوجودية. تحطّم الحلم الإسرائيلي أدى إلى اختراق الدستور الأمريكي، من حرية التعبير إلى الولاء لأمريكا، وحتى سنِّ القوانين التي تناقض الدستور الأمريكي، ومن الملاحقات إلى عدم القدرة على الحديث، إلى تراجع الديمقراطية وفقدان الولاء للدولة من قبل السياسيين. لقد انتقلت الحرب من الشرق الأوسط بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة الأمريكية والعاصمة واشنطن، ما بين المواطنين الامريكان الذين ولاؤهم لأمريكا وشعارهم «أمريكا أولاً»، وبين الامريكان الذين يدينون بالولاء لإسرائيل وشعارهم «إسرائيل أولاً». هكذا صار الطوفان يطرق أبواب الداخل الأمريكي، كاشفاً هشاشة السردية وانقسام الحلم ذاته. وفي خضم تشكل نظام عالمي جديد في طور النشوء، سعى الرئيس الأمريكي ترامب لتموضع أمريكي في أفضل صيغة ممكنة وذلك من خلال شخصيته ومن خلال رؤيته الخاصة التي ترى أن الوقت قد حان لأمريكا لان تكون علاقاتها مباشرة بالعالم العربي والعالم الإسلامي وبقية العالم كما حدث في زيارته للخليج وآسيا وعلاقاته بالصين. لم تعد الحسابات التقليدية التي نشأت من مخلفات الاستعمار وما بعد الحرب العالمية الثانية قادرة على استيعاب التغيرات الكبيرة والمتلاحقة في المنطقة أو على المستوى الدولي والعالمي، فأوروبا في تراجع صناعي ولم تعد قادرة على منافسة الصين لا تقنيا ولا صناعيا، والولايات المتحدة لم تعد قادرة على القيام بدور شرطي العالم. لقد كبر العالم وأصبحت أمريكا جزءًا من النظام العالمي بعد أن كانت تهيمن عليه. وفي حالة التحول هذه، تبحث أمريكا عن الإجابات، والإجابات الحاضرة اليوم هي إجابات السيد ترامب. فهو يرى أن العلاقة المباشرة أصبحت هي الأساس، سواء في مواجهة الصين سياسياً واقتصادياً أو تقنياً، ولم يعد الكيان قادراً على القيام بما وُكِّل إليه من قبل الدول الاستعمارية في مرحلة سايكس بيكو وما بعد الحرب العالمية الثانية، فالمكانة الاقتصادية ومشاريع التنمية تجاوز قدرات الكيان واصبح من مصلحة أمريكا العلاقات المباشرة. ومع تيقن أمريكا بعدم القدرة على إعادة تشكيل الشرق الأوسط ما بعد سايكس بيكو، وبعد الفشل في سوريا وليبيا والعراق ولبنان وقطاع غزة، ومع عدم قدرة الكيان على الهيمنة أو السيطرة، أصبح هذا الكيان منتجاً لعدم الاستقرار ومضرّاً بمصالح أمريكا وبمصلحته في حد ذاته. لذلك أصبح تدخل صانع القرار الأمريكي ضرورة لتجاوز مهمة الكيان الوظيفية التي وُكِّلت إليه أمراً حتمياً لتمكين أمريكا من إعادة تشكيل تموضعها في النظام العالمي القادم. ومن هنا نرى أهمية زيارة ترامب لدول الخليج والحديث عن التريليونات في تعبير واضح لعدم حاجة أمريكا لوكيل أو وسيط مع دول المنطقة مع بروز حاجتها لدولة قطر وعلاقاتها الحميمة بأمير قطر ورئيس مجلس الوزراء، وقدرة قطر على أن تكون ضابط الأمن والسلم الدولي والعالمي والمحور الرئيس لاقطاب المنطقة تركيا ايران والفاعلين في المنطقة من المقاومة وحتى سوريا، سواء على مستوى النزاعات الدولية من أفغانستان إلى إيران إلى القرن الإفريقي وإلى غزة. فقد أصبحت دولة قطر مركز حراك الولايات المتحدة ومركز اهتمامها، خاصة في بناء دور امريكا القادم في علاقاتها مع العرب، ومع الدول الخليجية، ومع تركيا، وحتى مستقبلاً مع إيران والشعب الفلسطيني، ومن أجل حماية أوروبا والغرب واستمرار تدفق الطاقة والطاقة النظيفة واستمرار تدفق الاستثمارات، خاصة من الصناديق السيادية، والقدرة على الولوج إلى الأسواق الخليجية، وهذا أصبح أولوية بالنسبة لصانع القرار في الولايات المتحدة. ان قوة ومكانة دول الخليج ومستويات التنمية جعلت من ترامب مؤمنا بأن علاقات مباشرة مع العرب وبالخصوص مع دول الخليج من مصلحة أمريكا وتتجاوز إسرائيل.
8664
| 10 نوفمبر 2025
في عالم تتسابق فيه الدول لجذب رؤوس الأموال وتحفيز الاستثمار تبنّت دولة قطر نموذجًا قانونيًا لمنح فرص الإقامة للأجانب بضوابط قانونية محددة، أبرزها ما ورد في المادة (7) من قرار مجلس الوزراء رقم (28) لسنة 2020 والذي ينظم منح الإقامة للأجانب من خلال التملك العقاري في قطر، فقد فتحت الباب أمام غير القطريين للحصول على الإقامة عبر تملك العقارات أو الانتفاع بها، وفق شروط دقيقة. ويأتي هذا التوجه ضمن سياسة الدولة في تشجيع الاستثمار العقاري، وضخ المزيد من الاستثمارات في السوق العقارية المحلية، ويساهم في تحقيق رؤية قطر التنموية التي تسعى لجعل البلاد وجهة إقليمية رائدة للاستثمار والعيش الكريم. من شروط الحصول على الإقامة العقارية في دولة قطر لملاك العقارات غير القطريين، وأن يكون مؤهلاً للحصول على إقامة دائمة، كما وضع القانون شروطا واضحة ولابد من توافرها، بأن يشترط أن يقيم المستثمر داخل دولة قطر مدة لا تقل عن 90 يومًا في السنة، سواء كانت إقامة متصلة أو متقطعة حتى تستمر الإقامة في سريانها، ولاسيما أن تكون قيمة العقار لا تقل 730 ألف ريال قطري ويتم تقييم العقار وفقًا للقيمة السوقية المعتمدة من إدارة التسجيل العقاري بوزارة العدل ولا يقتصر ذلك فقط على قيمة الشراء المتفق عليه بين الطرفين، وإضافة على ذلك إذا بلغت قيمة العقار 3 ملايين و650 ألف ريال قطري أو أكثر فإن المالك المنتفع به يُمنح امتيازات إضافية لحاملي الإقامة الدائمة وتشمل التعليم الحكومي والرعاية الصحية وبعض التسهيلات الاستثمارية، وتظهر هذه الشروط ضمان جدية المستثمر. ويشدد القانون على أهمية إقامة مالك العقار في الدولة لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر من كل عام متصلة أو متواصلة، ويُقصد من هذا الشرط ضمان ارتباط حامل الإقامة العقارية فعليًا بدولة قطر، وعدم الاقتصار على التملك من الخارج دون تواجد فعلي، وفي الحالات الاستثنائية التي يتعذر فيها على المالك تحقيق شرط الـ90 يومًا بسبب ظروف قاهرة أو ضرورات خاصة تتيح اللوائح إمكانية تقديم طلب استثناء أو عذر رسمي للجهات المعنية، على سبيل المثال يمكن للمالك التقدم بطلب “تصريح عودة مقيم” لدى وزارة الداخلية إذا اضطر للبقاء خارج قطر مدة طويلة تتجاوز المسموح به، وذلك حفاظًا على صلاحية إقامته، يمنح تصريح العودة للمقيم فرصة عدم إسقاط إقامته عند تجاوز المدة المحددة للبقاء خارج البلاد والتي تكون عادة 6 أشهر كحد أقصى للإقامة العادية، حيث يتم توضيح أسباب الغياب وتقديم المستندات الداعمة للحصول على موافقة استثنائية، وبهذا الإجراء القانوني يمكن للمالك الحفاظ على إقامة العقار الخاصة به رغم عدم استيفائه شرط 90 يومًا في السنة في بعض الحالات الاستثنائية، شريطة موافقة الجهات الرسمية المختصة على العذر المقدم وفق الأصول القانونية. وفي سياق تحديد قيمة العقار المعتمد لهذا الغرض، أوضح القانون أن المرجعية تكون للقيمة السوقية التي تعتمدها إدارة التسجيل العقاري بوزارة العدل، وليس فقط سعر الشراء المُعلن، بمعنى آخر تحتسب أهلية العقار لمنح الإقامة بناءً على تقييم رسمي يعكس القيمة السوقية الحقيقية للعقار، هذا الإجراء يهدف إلى ضمان النزاهة وعدم التحايل في تقدير قيمة العقارات المطلوبة للحصول على الإقامة، وفي حال اختلف التقييم الرسمي عن سعر الشراء بشكل يؤثر على استيفاء شرط الحد الأدنى للقيمة، يمكن للمستثمر العقاري التقدم بطلب اعتراض أو إعادة تقييم لدى الجهات المختصة، لتصحيح أي تفاوت محتمل في تقدير قيمة العقار، وتتم عملية الاعتراض عبر تقديم المستندات والبيانات اللازمة لإعادة تقييم العقار من قبل إدارة التسجيل العقاري، حرصًا على أن يحصل المالك على حقه في التقييم العادل الذي يؤهله للإقامة العقارية إذا انطبقت الشروط. أما في حال قيام المالك ببيع العقار الذي منح بموجبه الإقامة، فإن رخصة الإقامة العقارية المرتبطة بهذا العقار تصبح مهددة بالإلغاء تلقائيًا لزوال سبب منحها، ولتفادي فقدان الإقامة فورًا حددت السلطات مهلة زمنية تمنح للمالك السابق من تاريخ بيع العقار، وذلك ليقوم خلالها إما بشراء عقار بديل يستوفي الشروط أو بتغيير وضع إقامته إلى كفالة أخرى مشروعة، وتبلغ مدة المهلة الممنوحة 3 أشهر من تاريخ بيع العقار، فإذا تمكن خلالها من شراء عقار بديل للقيمة المحددة 730 ألف ريال قطري على الأقل ونقل ملكيته باسمه، يستطيع حينها نقل الإقامة العقارية إلى العقار الجديد والاستمرار بالتمتع بها دون انقطاع، أما إذا انقضت المهلة دون شراء عقار جديد للشروط أو ترتيب كفالة إقامة بديلة مثل الانتقال لكفالة عمل، فإن الإقامة العقارية تُلغى بانتهاء تلك المهلة لانتهاء سبب استحقاقها، هذا التنظيم يمنح المستثمر الجاد فرصة لإعادة ترتيب أوضاعه دون إخلال فوري باستقراره في البلاد، وفي الوقت ذاته يضمن عدم بقاء الإقامة بدون أساس قانوني مستمر. الجدير بالذكر أن القانون نفسه ميّز امتيازات إضافية للمستثمرين العقاريين الذين تبلغ قيمة ممتلكاتهم العقارية حدًا أعلى، فبحسب المادة (7) سالفة الذكر، إذا وصلت القيمة السوقية للعقار الذي يمتلكه الأجنبي إلى 3,650,000 ريال قطري أو أكثر ما يعادل مليون دولار أمريكي تقريبًا، فإن مالك العقار يحظى بامتيازات إقامة دائمة مماثلة لتلك التي يتمتع بها حامل بطاقة الإقامة الدائمة، وتشمل هذه الامتيازات التعليم والصحة المجانية في المؤسسات الحكومية لأفراد أسرته، إضافة إلى تسهيلات في مجال الاستثمار والمعاملات التجارية، وبذلك يعد حافزًا كبيرًا للمستثمرين الراغبين في مزايا طويلة الأمد.
8376
| 13 نوفمبر 2025