رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ها هو ذا اليوم عوداً فتياً، يتفجر عنفواناً وطاقة، واندفاعاً وشغفاً بالاكتشاف والمغامرة، ها هو وقد اشتد ساعده واتقد صلابة وجسارة، وتحول من ريشة تتلاقفها رياح الفكر والعادات والتقاليد والأوامر الملقاة على مسمعه من هنا وهناك، إلى أسد يزأر فيهتز في سماء صوته كل ما قد كان الآخرون يحاولون تغذيته به من مختلف الآراء والمعتقدات، فيفرغ كل ما امتلأت به أحشاء عقله في وجه المجتمع، وهكذا يسير المجتمع في دوامة تعاقب الأجيال، التي تحاول باستماته إثبات أن كل ما خيَّم في أذهانها صحيحاً، أو ربما عانت من جائحة الازدواجية التي تفتك بروح وعقل أصحابها، في محاولة للتكيف فيما تؤمن به وتصدقه منفردة، وما تركن إليه الجماعة، أو ربما قاسى شتات الفكر وشقاءه، في تعديل وترميم ما اهترأ وسمل من مفاهيم وتصورات معقوفة.
وعندما أتى إلى هذه الحياة كان يتوقع أن تطوقه أذرع الأيام بالحنان، وتطبطب عليه في حضن دافئ كالذي تكوَن فيه، لم يكن يتخيل أبداً، تلك القسوة التي كانت تتربص به في كل زاوية من زوايا العمر، وتلك العقد العضال التي كان عليه أن يتحمل عبء حلحلتها والتخلص منها أو القبول بها والتعايش معها، ومن أكثر تلك العقد فتكاً، وأوسعها انتشاراً، وشراسة هي عقدة الناس، التي كانت ولا تزال تقبض على تدابير حياته بقبضة فولاذية، وممتلكة لمشيئتها امتلاك السلطان لروح عبيده، سراقة للذة التي فقدها عندما فقد حقه البديهي المتفرد في البت في كل شائبة تحاول أن تأخذ حيزاً في وجوده، كما زاحمته في تشكيل البيانات التي يرسم من خلالها خريطة طريقه في هذه الحياة، وأصبحت بعداً أساسياً متناقضاً في بلورتها، متحصنة بسلطة العرف، ونفوذ التأثر والتأثير، الذي يوجد نوع من التقليد القهري لإرضاء حاجات نفسية عميقة الجراح، كأنها ردم محموم للهوات السحيقة التي تتسع داخل النفس، فيتوهم بذلك الشعور المزيف بالثقة العالية بالنفس، والرضا الذاتي. ومقابل ذلك تمنعه من الاستمتاع بشكل الحياة التي يتطلع إلى عيشها، فتولد حالة من توهان الذات وتمزقها أشلاء متناثرة بين فكي الرغبة الفردية والإرادة الجمعية. فتبدأ الأسئلة التي تلح دون هوادة، وتطارد الفكر كالأرواح الشريرة التي تفرض سطوتها على العقل فيبقى في حالة هلوسة مزمنة، فتنازع الأفكار بأسئلتها التي لا تهدأ قبل أي أمر يقبل على فعله: ماذا سيقول الناس لو... ؟ ماذا ستكون ردة فعلهم لو... ؟ كيف ستكون نظرتهم لك لو... ؟ كثير من "الولولات" تولول وتطبل على رأسه تقدر أحداث حياته، ويعجز السهد جفونه، فمذ مبتدأ تكوينه كبرعم زهري نضر، يتحصل على التطعيمات الضرورية بأهم قواعد الأمن والسلامة للتوافق مع مجتمعه، وكيف يحافظ على المعادلة المقدسة الأبرز، فهو يعيش حياته في محاولة لشراء ود الناس، كأصل استثماري ضروري للمضي قدماً في إجراءات دخوله لهذا المجتمع التنافسي، فيتعلم في أولى صولاته معنى الانحناء لرغبات لا توافق رغباته، ومبادئ تخالف مبادئه، واعتقادات وموروثات تعقد يديه بقدميه، فكل خطوة يتخذها في هذا السبيل تعمق حدة التنافر مع الرغبات المطموسة في داخله، ومع ذلك يستمر خانعاً، لعل استسلامه يسد فراغات حياته، ويرمم ثغراتها، ويعوض من خلاله نقص شخصيته، فقد يسرف من الوقت والمال لكي يلبس ما يعجبهم، ويقرر أن يستدين حتى يقتني سيارة جديدة فارهة، وآخر طراز، ذات رقم مميز، حتى ينال شرف ذلك الإحساس الكاذب بالامتلاء والزهو بينهم، ويبحث عن التخصص الذي يقبله الناس ويعتز به في محيطهم، ويتجاهل التخصص الذي يناسب ميوله، ليتمتع بفرصة لإثراء هذا الميول، وبالتالي يتفجر الإبداع بين يديه، وما أحوج الوطن للمبدعين، وأصحاب المهارات المتخصصة، فقد فاض قطاع العمل بالتخصصات الرتيبة التي لا تضيف أي قيمة تذكر، ولا تنهض بالتطلعات الكفيلة بخدمة الوطن، وإخوته من بني البشر، ولا ينفك ينفق الأموال ويبذر الثروات للتفاخر والتباهي أمام القطيع الذي اختار أن يختبئ تحت عباءته، سلسلة من التنازلات يقدمها طوعاً ليحيا حياة لم يختَرها، بينما هي أشبه بثوب مزخرف فصل بطريقة عشوائية اختلط فيه الحابل بالنابل، فيكابد في البحث عن طريقة للبسه ليكون مناسباً له. فماذا لو تحولت الغاية من معناها الضيق التافه إلى المعنى الأشمل الأعمق؟ من رضا الناس إلى رضا الله أولاً ورضا نفسه ثانياً وخدمة البشرية ثالثاً، في إجابة عن الأسئلة: ما الجديد الذي سأضيفه لمجتمعي؟ وما هي قيمتي السوقية في هذه الساقية؟ وكيف أكون مفيداً لهذا العالم؟
وما يزيد الأمر مرارة، أنه يتماهى برشاقة مع هذه العقدة بل ويبرع في حلحلتها بطريقته، والتفنن في مسايرتها، بل ويكون سلسلة عقد وليدة ومبتكرة لا متناهية، فلا يجد بأساً أن يمشي حاملاً مفهومها معه في كل مكان، فهي واحدة من أساليب الحياة واللايف ستايل الذي جُبل عليه مهما كان تأثيرها وغداً، وأساليبها سافلة معتوهة، فيسير في حلقات من العقد تصل معه إلى دائرة العمل، فالناس يعجبهم صاحب الوظيفة المرموقة، الأمر الذي يدفع صاحبنا بأن يفعل أي شيء حتى يصل إلى منصب يشرفه بين الناس، فيغيب عنه أن المنصب يشرف بالإنسان لا العكس، وهذا من غباء العقول ومضيها في فجورها، فيشرع في تقديم مساهمته في إفساد الأرض بطريقته الخاصة، وقد نُهي عن ذلك من صاحب الأمر جل جلاله، وقد يكون في هذه الحال مغيباً لا يدرك ما يفعل، فمتى أدرك المخدر ما يفعل؟! فيظلم هذا، ويمنع عن ذاك، ويستبيح ما ليس له، ويطال ذلك أساسيات المهنة فهو يجامل ويداهن على حساب الواجب، فالعمل يأتي في نهاية سلم اهتماماته، فإرضاء رؤسائه الكبار هو الهدف الجوهري الذي يسعى خلفه، وبالتالي فأمام إغراء المناصب وسحر السلطة وإدمان التسلط، يسهل عليه خيانة الأمانة، ثم أن للأمانة أشكالا وصورا، فصيانة الحق العام أمانة، وحفظ حقوق العاملين أمانة، واتخاذ القرار الأفضل للمصلحة العامة أمانة، والمحافظة على مبادئ العمل أمانة، والمساواة بين الفرص أمانة، ومن يجعل الدنيا والناس مبلغ همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، فمن لحق الناس حتى يرضوا عنه فلن يطاله سوى السب وغضب الرب، فإرضاؤهم من المعجزات، فقد ميز الله كل إنسان بشكل وفكر مختلف عن الآخر، فإذا كان الاختلاف هو الفطرة فكيف سيجتمع الكل على الجزم بأمر ما دون وجود من يعارض ويمنع ويجادل؟! وقد يعلم تمام العلم أن ما يفعله هو الخطأ بعينه ولكنه ينهزم أمام إرادة الناس وقناعاتهم، وتنتحر أي فكرة أمام شراسة أعرافهم البائسة، فهم قضاة الدنيا ومفتوها، ولذا وصل حكم طاعتهم حد الوجوب.
فلكل مطالب بالحرية، مناد لمبادئها، مستبسلاً في تطبيقها، أنت كمن يكتب شريعته على الرمال، فآثارها تتلاشى قبل أن تجيب عن السؤال: هل حررت رقبتك من عبودية البشر؟ هل قهرت أغلال السعي عند سلطان الناس؟
ما كان لم ينقذ غزة
ارتفعت حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى 71 ألفا و266 شهيدا... اقرأ المزيد
63
| 29 ديسمبر 2025
معجم الدوحة التاريخي
يعدّ معجم الدوحة التاريخي للغة العربية الذي انطلق عام 2013، أحد أكبر المشاريع اللغوية والعالمية، إذ يوثّق تاريخ... اقرأ المزيد
54
| 29 ديسمبر 2025
يمرّ العام من دون أن ألوح له بيدي
يقترب العام من نهايته، لا بوصفه تاريخًا على الحائط، ولا رقمًا يتبدّل في أعلى الصفحة، بل ككائنٍ خفيفٍ... اقرأ المزيد
60
| 29 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
1974
| 24 ديسمبر 2025
حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي والريان دون استئذان. هذا اللقاء يحمل في طيّاته أكثر من مجرد ثلاث نقاط؛ إنها مواجهة تاريخية، يرافقها جدل جماهيري ممتد لسنوات، وسؤال لم يُحسم حتى اليوم: من يملك القاعدة الجماهيرية الأكبر؟ في هذا المقال، سنبتعد عن التكتيك والخطط الفنية، لنركز على الحضور الجماهيري وتأثيره القوي على اللاعبين. هذا التأثير يتجسد في ردود الأفعال نفسها: حيث يشدد الرياني على أن "الرهيب" هو صاحب الحضور الأوسع، بينما يرد العرباوي بثقة: "جمهورنا الرقم الأصعب، وهو ما يصنع الفارق". مع كل موسم، يتجدد النقاش، ويشتعل أكثر مع كل مواجهة مباشرة، مؤكدًا أن المعركة في المدرجات لا تقل أهمية عن المعركة على أرضية الملعب. لكن هذه المرة، الحكم سيكون واضحًا: في مدرجات استاد الثمامة. هنا فقط سيظهر الوزن الحقيقي لكل قاعدة جماهيرية، من سيملأ المقاعد؟ من سيخلق الأجواء، ويحوّل الهتافات إلى دعم معنوي يحافظ على اندفاع الفريق ويزيده قوة؟ هل سيتمكن الريان من إثبات أن جماهيريته لا تُنافس؟ أم سيؤكد العربي مجددًا أن الحضور الكبير لا يُقاس بالكلام بل بالفعل؟ بين الهتافات والدعم المعنوي، يتجدد النقاش حول من يحضر أكثر في المباريات المهمة، الريان أم العربي؟ ومن يمتلك القدرة على تحويل المدرج إلى قوة إضافية تدفع فريقه للأمام؟ هذه المباراة تتجاوز التسعين دقيقة، وتتخطى حدود النتيجة. إنها مواجهة انتماء وحضور، واختبار حقيقي لقوة التأثير الجماهيري. كلمة أخيرة: يا جماهير العربي والريان، من المدرجات يبدأ النصر الحقيقي، أنتم الحكاية والصوت الذي يهز الملاعب، احضروا واملأوا المقاعد ودعوا هتافكم يصنع المستحيل، هذه المباراة تُخاض بالشغف وتُحسم بالعزيمة وتكتمل بكم.
1332
| 28 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
1140
| 22 ديسمبر 2025