رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ختمت مقال الأسبوع الماضي في الشرق «لم تعد أمريكا التي يعرفها الأمريكيون والعالم...» محذراً من خطورة الانزلاق لصراع مفتوح بين الولايات المتحدة وحلفائها وجيرانها من كندا إلى بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي بتراجع الثقة والتشكيك بمواقف إدارة ترامب الحليف الرئيسي للغرب والذي شكل وقاد النظام العالمي على مدى ثمانين عاما في أعقاب الحرب العالمية الثانية ومؤسساته وهيئاته إلى حليف ينتقد ويشكك ويقرّع وحتى يهدد ويتوعد الحلفاء وآخرها كما يشهدون ومعهم بقية دول وشعوب العالم بذهول فرض تعريفات ورسوم جمركية على بضائع الحلفاء والأصدقاء والجيران بشكل غير مسبوق على 185 دولة. ما يستنزف اقتصادات تلك الدول ويفجر حربا تجارية تزيد الغلاء وارتفاع الأسعار، والبطالة والتضخم بانعكاسات سلبية تؤثر على الاقتصاد العالمي.
علّقت في مقالي الأسبوع الماضي بأن ما يقوم به ترامب بتكتيك الضغط المتصاعد ورفع سقف المطالب لدرجة تستفز وتستنزف الخصم وحتى لو كان حليفاً- لدفعه للتنازل - وهذا بات نهجاً واضحاً في أسلوب ترامب التفاوضي قبل لأن يتراجع جزئيا ويتوصل لحلول وسط. وهذا ما يقوم به مع كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي والدنمارك حول انتزاع جزيرة غرينلاند وحتى رسالة التهديد والوعيد الشهيرة التي أرسلها ترامب إلى إيران منتصف شهر مارس الماضي بمنح إيران فترة شهرين للتفاوض بشكل مباشر مع الولايات المتحدة حول برنامج إيران النووي، وإلا تتحمل إيران مسؤولية ما يحدث!! وبرغم حشود ترامب العسكرية وإرسال قطع بحرية ومقاتلات الشبح B2 وحاملة طائرات ثانية «كارل فنسون» وتسريب للصحيفة البريطانية ذي ميل عن التحضير لضربة عسكرية على منشآت إيران النووية، ما يدفع المنطقة لحافة هاوية أمنية. وكل ذلك ضمن أوراق ضغط على إيران لكن إيران ردت بتحدٍ برفض التفاوض المباشر والترحيب بالتفاوض غير المباشر، طالما أبقت سياسة إدارة ترامب «الضغوط الأقسى» على إيران ولم ترفع العقوبات.
ولكن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت رفع الرسوم والتعريفات الجمركية لمستويات غير مسبوقة شملت الحلفاء وحتى الدول الفقيرة التي تتمتع بفائض لمصلحتهم بالتبادل التجاري مع الولايات المتحدة الأمريكية. فارتفعت الرسوم الجمركية على البضائع الواردة من دول مجلس التعاون الخليجي وإيران وتركيا ومصر إلى 10 %. كما ارتفعت الرسوم الجمركية على البضائع الواردة من الصين إلى 54 %، و46 % على فيتنام، و44 % على سريلانكا، و37 % على بنغلاديش، و25 % على كوريا الجنوبية، و24 % على اليابان، و20 % على الاتحاد الأوروبي!! وحتى 17 % على إسرائيل! بينما لم ترتفع الرسوم الجمركية على البضائع الواردة من روسيا وكوبا!!
تدفع سياسة ترامب الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية لحافة الصراع والفوضى. ويجمع الكثير من الاقتصاديين على أن رسوم ترامب الجمركية ستتسبب بأزمة اقتصادية حادة وتؤدي لتباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع الأسعار خاصة وأن دول الاتحاد الأوروبي والصين والدول المتضررة من رفع ترامب الرسوم الجمركية على بضائعهم. وأعلن باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي «البنك المركزي» الذي يضغط ترامب عليه لخفض قيمة الفائدة «إن رفع ترامب الرسوم الجمركية أكبر مما كان متوقعاً، وتهدد بارتفاع نسبة التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي» ولذلك تسود الضبابية ومخاوف عدم اليقين.
كما يعمق مخاوف الحرب التجارية حتمية من الدول المتضررة شركاتها وتجارتها مع الولايات المتحدة للرد بالمثل ورفع الرسوم الجمركية على البضائع الأمريكية الواردة إلى دولهم وخاصة السيارات والعربات (25 %) والإلكترونيات والرقاقات الإلكترونية وحتى القمح والخضار والفواكه والدواجن والمشروبات الروحية وغيرها. لذلك أعلنت الصين رفع الرسوم الجمركية المتبادلة بدءا من 10 أبريل إلى 34 % على جميع واردات البضائع الأمريكية. ما سينعكس سلبا على الشركات والمصانع والمنتجات الزراعية واللحوم الأمريكية!
ستتسبب الحرب التجارية بارتدادات جيبوبولتيك على الاقتصاد العالمي بتباطؤ الاقتصاديات الأمريكية والصينية والآسيوية والأوروبية، كما ستخفض الطلب على الطاقة من نفط وغاز وخاصة إلى الصين وآسيا، وسيتسبب ذلك بانخفاض سعر برميل النفط والغاز الخليجي!! وهذا يعني انخفاض مداخيل الدول الخليجية!!
أجرت وكالة رويترز مقارنات على سلع وبضائع مستوردة من الصين إلى الولايات المتحدة وأظهرت الفارق الكبير بارتفاع كلفة المنتج مثل جهاز هاتف نقال بحوالي 700 دولار. كما تظهر تقارير ارتفاع أسعار السيارات بين 2000 إلى 20 ألف دولار للسيارة!! ويتحمل المستهلك الأمريكي ارتفاع الكلفة لجميع البضائع وحتى مشتريات البقالة والسوبر ماركت سيكلف الأسرة الأمريكية زيادة بـ 2100 دولار أمريكي سنويا.
من المتعارف عليه أن المستهلك يدفع فارق ارتفاع الرسوم الجمركية وليس كما يعتقد عدد كبير من أتباع ترامب، من يدفع فارق زيادة الرسوم الجمركية هي الدول المصدرة والشركات، بإضافة فارق ارتفاع الأسعار على السلع للمستهلكين.
يدّعي ترامب والمسؤولون الأمريكيون أن رفع قيم الرسوم الجمركية فعّال ويعمل ولكن في مرحلته الأولى سيكون مؤلما!! وشبّه ترامب قبل أيام رفع الرسوم الجمركية بنجاح عملية لمريض، لكنه بدأ بالتعافي!! وأن الأسواق ستتأقلم مع رفع الرسوم. لكن تلك المقاربة والمنطق يتعارضان مع تحذير الخبراء والمستشارين الاقتصاديين وحتى قيادات الحزب الديمقراطي وبعض النواب وأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، بدأوا يقلقون من تداعيات وخطورة رفع الرسوم!
ختمت مقالي الأسبوع الماضي مؤكداً «لم ينتخب 49.7 % من الأمريكيين ترامب لأولوياته المعكوسة، ولطردهم من وظائفهم، وقمع حرياتهم ومعاداة جيرانهم وحلفائهم ورفع أسعار السلع والتضخم. ودعم حرب إبادة إسرائيل للفلسطينيين! واستفزاز واستعداء الحلفاء، وبعضهم صوتوا لترامب واليوم نادمون!! لنتائج سياساته الاقتصادية وزيادة الرسوم الجمركية المتبادلة والرد برفع الرسوم على البضائع الأمريكية وآثار ارتفاع الأسعار السلبية.
بسبب نتائج سياسات ترامب تتراجع شعبيته لـ 49 % في استطلاعات الرأي!! ويعزف الأوروبيون والكنديون ومستثمرون وطلاب وسياح عن التعامل مع أمريكا، وزيارة وحتى الدراسة في أمريكا!! «لم تعد أمريكا التي نعرفها ويعرفها الأمريكيون والعالم... لذلك يفقد الحلفاء والأمريكيون الثقة بأمريكا ترامب»!!
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تويتر @docshayji
@docshyji
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
7902
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6777
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3501
| 12 أكتوبر 2025