رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
وضعت دولة قطر أول أسس التقنية المستخدمة في الطاقة الشمسية والمتجددة بإنشائها عددا من المشروعات لإنتاج الطاقة البيئية، وهي المرتكزات المبدئية التي تعنى بالدراسات البحثية وإمكانات التطبيق في هذا المجال قبل البدء في الإنتاج الفعلي للطاقات المتنوعة.
وتعتبر أول منشأة اختبار متخصصة في الطاقة الشمسية التي افتتحتها سمو حرم الأمير، وإطلاق مشروع لإنتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية، بمثابة البدايات العملية لإجراء التطبيقات الميدانية على مقدرات البيئة من الشمس والرياح وحرارة الأرض والرطوبة والأمطار.
فالإعداد البحثي واستشراف الميدان وإجراء الدراسات الأولية ترسيخ للأسس التي تنتهجها مؤسسات الطاقة فيما بعد، إذ إنّ الأبحاث العلمية تبنى على دراسات متعمقة قبل إطلاقها أو إقامة مشروعات عليها.
فقد أطلقت قطر تزامناً مع مؤتمر التجمع الدولي للتغير المناخي مشروعين رائدين هما منشأة اختبار للطاقة الشمسية، وإنتاج الطاقة الكهربائية من الشمس، ويهدفان إلى التفكير برؤية مستنيرة في البحث عن مصادر حيوية ووفيرة للدخل وتنويع الأنشطة الاقتصادية، وتنوع في إنتاج الطاقة باعتبارها مكملا لطاقتي النفط والغاز، وابتكار وسائل بيئية تخدم حياة المجتمعات.
وتختص منشأة الاختبار والتي أنشئت على مساحة "35"ألف متر مربع داخل واحة العلوم والتكنولوجيا بالمدينة التعليمية، بدراسة آثار الرطوبة والحرارة والغبار على أداء معدات الطاقة الشمسية ومعالجة التحديات المختلفة مثل الاستخدام الفعال للمياه في تنظيف أنظمة الطاقة الشمسية.
هذه المنشأة نتاج خبرات مشتركة بين واحة العلوم والتكنولوجيا ومركز "غرين غلف" و "شيفرون" لاختبار تكنولوجيات الطاقة، والتي ستقوم بتحديد الآليات اللازمة للتطبيق قبل البدء فيها.
كما ستدعم تلك المنشأة نشر فكرة استخدام الطاقة الشمسية في منطقة الخليج من خلال توفير معلومات لخطة واسعة النطاق لإنتاج الطاقة الشمسية، إلى جانب أنها تعطي معلومات وفيرة عن التطبيقات الأخرى في تكنولوجيا التبريد الشمسي وتحلية المياه وغيرها.
المشروع الثاني ما أعلنته وزارة الطاقة القطرية عن إطلاق مشروع لإنتاج الطاقة الكهربائية من الشمسية الذي تصل طاقته الإنتاجية إلى "200"ميغاوات، وبعدة تقنيات مثل الألواح الكهروضوئية والمراكز الشمسية على مدى السنوات القادمة، وسيغطي المشروع "2%" من كامل إنتاج الدولة من الطاقة المتجددة في 2020، وهذا بمثابة تحول تدريجي في ابتكار أساليب أكثر استدامة.
ويعتمد هذا المشروع على معطيات حبا الله تعالى لدولتنا هي الثراء الشمسي في قطر والخليج مما يجعلها مصدراً متجدداً للطاقة، وقاعدة دراسات بحثية مسبقة هي سياسات الدولة الرامية إلى تنويع المصادر، والاستفادة المثلى من مواردها المتاحة، وتحسين كفاءة إنتاجيات الصناعة فيها، وتوطين التكنولوجيات، ودعم مشروعات الربط الكهربائي، وإعادة هيكلة سوق الطاقة بما يتوافق مع الاحتياج العالمي لها.
وبينت وزارة الطاقة في دراسة لها أنّ الدولة تتمتع بثراء شمسي هائل لكونها تقع في الحزام الشمسي الذي يوفر ساعات طويلة من السطوع الشمسي، وهذا يؤهلها للريادة في مجال الطاقة الشمسية، ويؤكد ذلك ما تشير إليه قمة الطاقة الدولية للطاقات المتجددة إلى أنّ كل كيلو متر مربع في دول مجلس التعاون الخليجي يتلقى طاقة شمسية تصل إلى ما يعادل "1،5"مليون برميل نفط سنوياً.
أما المعطيات العلمية فيحددها عاملان أساسيان هما تطور التقنية المتصلة بالطاقة الشمسية وزيادة كفاءة الألواح الضوئية، وصغر المساحة التي تحتاجها، والثاني هو التوقعات العالمية بانخفاض تكلفة تقنيات الألواح الشمسية إلى "40%" خلال السنوات القادمة.
والسؤال الذي يطرح نفسه.. لماذا بدأت الخبرات الدولية تبحث عن مصادر متجددة للطاقة؟ وما الدور المستقبلي المنوط بها؟. بكل تأكيد سيكون هناك دور حقيقي للطاقات المتجددة في التركيبة الاقتصادية للدول، مما يسهم في توسيع الإنتاج الاقتصادي المعتمد على النفط والغاز، إذ إنّ الجهود الدولية بدأت مبادراتها بوتيرة سريعة بعد التأثيرات المناخية التي لحقت بالعديد من المزارع والأراضي الخصبة، وقد تابعنا مؤخراً موجة الجفاف التي ضربت مزارع أمريكا وروسيا والفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق آسيا، وموجات الحرارة العالية التي تسببت في إهلاك الأخضر واليابس.
فالظروف المناخية التي تعيشها المجتمعات باتت في حاجة إلى البدء في إرساء مشروعات بحثية لبناء بنية تحتية من المعلومات حول الطاقات الكونية من الشمس والرياح والحرارة والأمطار.
وإذا تحدثنا عن دول مجلس التعاون تحديداً فقد أدركت منذ زمن مبكر أهمية تنويع الاقتصاد بالتحول إلى الاقتصاد المتجدد، لمساهمته في توسعة القاعدة الإنتاجية لطاقتي الغاز والنفط، وسعياً للحد من تأثيرات الإنتاج الصناعي، وهي ماضية اليوم في تأسيس بنية قوية من المدن الطاقة مثل مدينة قطر للطاقة ومدينة الملك عبدالله للطاقة ومدينة مصدر الإماراتية للطاقة المتجددة.
فالسوق الخليجية تستقطب مشروعات عملاقة في مجالات المياه والكهرباء والنقل والمعرفة، والتي ترتكز في أساسها على الطاقة، فدول الخليج تستثمر قرابة "571" مليار دولار في الطاقة والمياه والاتصالات حتى 2016.
تشير دراسة ميدانية إلى أنّ دول الخليج خصصت أكثر من "100" بليون دولار لمشاريع المياه في 2011وحتى 2016 بهدف تحسين التقنيات، وتخطط دولة الإمارات العربية المتحدة لإقامة مشاريع معالجة المياه المهدرة، وجاري التخطيط لإنشاء مشاريع بدول الخليج باستخدام الطاقتين الشمسية والرياح بقدرة إجمالية تزيد عن "900" ميجاوات، وتخطط السعودية لاستثمار "100"بليون دولار في مصادر الطاقة النظيفة على مدى العشر السنوات القادمة.
ولعل أبرز الطموحات الخليجية التي سترى النور خلال العقد القادم هو اتحاد الربط الكهربائي بين دول التعاون، الذي كلف "1،4"بليون دولار، حيث ستتمكن المنطقة من توزيع الكهرباء بتوازن دون هدر، مما يتيح أمامها سبل الاستفادة من شبكة الربط في مشاريع الطاقة المتجددة، وهذا في حد ذاته ترجمة عملية للطاقة النظيفة.
وتؤكد الدراسات أنّ القدرات البحثية والصناعية التي تتمتع بها المنطقة قادرة على الإسهام بفعالية في حل المشكلات المناخية، وقادرة أيضاً على الإيفاء باحتياجات "80%" من إمدادات الطاقة العالمية خلال العقود القادمة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5316
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ «استيراد المعلّب»، حيث يتم استقدام برامج أو قوالب تدريبية جاهزة من بعض الدول الخليجية المجاورة لعرضها على وزارات أو مؤسسات في قطر، رغم وجود كفاءات محلية وجهات تدريبية قادرة على تقديم محتوى أكثر أصالة وفاعلية. الفكرة بحد ذاتها ليست إشكالية، فالتبادل المعرفي مطلوب، والتعاون الخليجي قيمة مضافة. لكن الإشكال يكمن في الاختزال: أن يكون الخيار الأول هو الحل المستورد، بينما تبقى القدرات المحلية في موقع المتفرج. أين الخلل؟ حين تأتي وفود خارجية وتعرض برامج جاهزة، غالبًا ما يتم التعامل معها باندفاع هذا المشهد قد يعطي انطباعًا مضللًا بأن ما تم تقديمه هو «ابتكار خارجي» لا يمكننا بلوغه داخليًا، بينما الحقيقة أن في قطر كفاءات بشرية ومؤسسات تدريبية تمتلك القدرة على الإبداع والتطوير. والمفارقة أن لدينا في قطر جهات رسمية مسؤولة عن التدريب وتحت مظلتها عشرات المراكز المحلية، لكن السؤال: لماذا لا تقوم هذه المظلات بدورها في حماية القطاع؟ لماذا تُترك الوزارات لتتسابق نحو البرامج المستوردة من الخارج، بل إن بعضها يُستورد دون أي اعتماد دولي حقيقي، غياب هذا الدور الرقابي والحامي يفتح الباب واسعًا أمام تهميش الكفاءات الوطنية. وتزداد الصورة حدة حين نرى المراكز التدريبية الخارجية تتسابق في نشر صورها مع المسؤولين عبر المنصات الاجتماعية، معلنةً أنها وقّعت اتفاقيات مع الوزارة الفلانية لتقديم برنامج تدريبي أو تربوي، وكأن الساحة القطرية تخلو من المفكرين التربويين أو من الكفاءات الوطنية في مجال التدريب. هذا المشهد لا يسيء فقط إلى مكانة المراكز المحلية، بل يضعف ثقة المجتمع بقدراته الذاتية. منطق الأولويات الأصل أن يكون هناك تسلسل منطقي: 1. أولًا: البحث عن الإمكانات المحلية، وإعطاء الفرصة للكوادر القطرية لتقديم حلولهم وبرامجهم. 2. ثانيًا: إن لم تتوفر الخبرة محليًا، يتم النظر إلى الاستعانة بالخبرة الخليجية أو الدولية كخيار داعم لا كبديل دائم. بهذا الترتيب نحافظ على مكانة الكفاءات الوطنية، ونعزز من ثقة المؤسسات بقدراتها، ونوجه السوق نحو الإبداع المحلي. انعكاسات «استيراد المعلّب: - اقتصادياً: الاعتماد المفرط على الخارج يستنزف الموارد المالية ويضعف من استدامة السوق المحلي للتدريب. - مهنياً: يحبط الكفاءات المحلية التي ترى نفسها مهمشة رغم جاهزيتها. - اجتماعياً: يرسخ فكرة أن النجاح لا يأتي إلا من الخارج، في حين أن بناء الثقة بالمؤسسات الوطنية هو أحد ركائز الاستقلال المجتمعي. ما الحل؟ الحل ليس في الانغلاق، بل في إعادة ضبط البوصلة: وضع آلية واضحة في الوزارات والمؤسسات تقضي بطرح أي مشروع تدريبي أولًا على المراكز المحلية. - تمكين المظلات المسؤولة عن التدريب من ممارسة دورها في حماية المراكز ومنع تجاوزها. - جعل الاستعانة بالبرامج المستوردة خيارًا تكميليًا عند الحاجة، لا قرارًا تلقائيًا. الخلاصة: «استيراد المعلّب» قد يكون مريحًا على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد يضعف مناعة المؤسسات ويعطل القدرات الوطنية. إننا بحاجة إلى عقلية ترى في الكفاءة القطرية الخيار الأول، لا الأخير. فالطموح الحقيقي ليس في أن نستحسن ما يأتي من الخارج ونستعجل نشر صورته، بل في أن نُصدر نحن للعالم نموذجًا فريدًا ينبع من بيئتنا، ويعكس قدرتنا على بناء المستقبل بأيدينا.
4368
| 02 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
3669
| 05 أكتوبر 2025