رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كنت في جلسة مع زملاء صحفيين حين تطرق الحديث إلى الأسهم وتدهور الأسعار خلال الشهور القليلة الماضية، واتفق رأي الجميع على أن السوق لا يعكس حقيقة الواقع الاقتصادي لدول المنطقة. إذ أن جميع المؤشرات الاقتصادية إيجابية في مجملها، فأسعار البترول ضخت بلايين الريالات في ميزانيات دول الخليج، ونتائج أداء الشركات أفضل بكثير من السنوات السابقة. إلا أن مؤشر الأسهم أبى إلا أن يسير في الاتجاه المعاكس .
وكانت أسباب التراجع متباينة إلى درجة عدم توافق رأيين بين الموجودين. إلا أن ما لفت انتباهي هو رأي صحفي متخصص في الاقتصاد إذ قال: إن منطقة الخليج وبالأخص دول مجلس التعاون مستهدفة منذ هجرة الكثير من الأموال العربية من أمريكا وأوروبا وعودتها للاستثمار في المنطقة بعد أحداث 11 سبتمبر والسياسات الأمريكية التي تلتها خاصة فيما يتعلق بتجميد أموال أفراد ودول.
ويقول إنه كان يتابع - بحكم تخصصه - الكثير من التقارير الاقتصادية التي تتحدث عن خسارة أمريكا للكثير من الأموال العربية التي كانت تستهدفها كأفضل ملاذ للاستثمار، وخسارتها بشكل أكبر لأموال البترو دولار التي وصلت إلى مستويات قياسية خلال الفترة الماضية والتي وجدت ملاذاً في منطقة الخليج وأسواق أوروبا وآسيا.
ويرى بعض المحللين أن الولايات المتحدة ستعمد إلى كل الوسائل لإعادة ضخ أموال البترو دولار إلى أسواقها. وسيكون ذلك على شقين: زعزعة اقتصادية وأخرى سياسية.
وأنه لاحظ - والكلام مازال للزميل - ان بعض التقارير التي كانت تصدر من مؤسسات معينة كانت تشكك في اقتصادات المنطقة وبالأخص أسواق المال في الوقت الذي كانت فيه أغلب التقارير الأخرى والمؤشرات إيجابية بشكل كبير.
وكانت التحاليل السلبية لبعض تلك التقارير لا تستند إلى أي مقومات وأسس اقتصادية لإبراز تلك النظرة المتشائمة للمنطقة.
وفي تحليله هو، فإن التشكيك في أسواق المال كان جزءا من عملية الزعزعة الاقتصادية التي كانت تستهدف المنطقة لدفع رؤوس الأموال للبحث عن ملاذ أكثر أمناً في المنطقة.
أما الزعزعة السياسية فهي افتعال الأزمة مع إيران والتهديد بحرب أخرى في المنطقة، وعدم قبول أمريكا بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إيران للوصول إلى حل (قبلت الأسبوع الماضي بشروط). إذ أن الإخلال بالاستقرار السياسي وتهديد المنطقة بحرب أخرى، سيدفعان برؤوس الأموال للبحث عن ملاذ آخر ومناخ أنسب للاستثمار.
قطر في ظل قيادة سمو أمير البلاد المفدى وولي عهده الأمين استثمرت المليارات في صناعات ومشاريع ستدر على البلاد بإذن الله أرباحاً ستجاري الدخل المتحقق من قطاع البترول، وهذا سيضاعف النمو الاقتصادي الذي تشهده الدولة إلى مستويات غير مسبوقة. ونحن كمساهمين موعودون بفترة ذهبية قادمة بإذن الله لا تتطلب إلا صبراً قليلاً لتؤتي ثمارها.
• فاصلة أخيرة: يذكر أحد الزملاء أنه مع طفرة سوق الدوحة للأوراق المالية، طلب منه ابنه الذي يدرس في الخارج مبلغاً من المال للمتاجرة في الأسهم، وكان يتابع السوق بيعاً وشراءً عن طريق الإنترنت. وانه بعد تدهور الأسعار لعدة أشهر فقد اهتمامه بالسوق نظراً لأن مقومات ومفاهيم اقتصاد أسواق المال الذي يدرسه في الجامعة لا تنطبق على بورصة الدوحة، إذ أن المؤشر كثيراً ما يتجه عكس الاتجاه المفترض . وأنه قرر التوقف عن متابعة السوق لحين عودة المنطق السليم إلى عقول المتعاملين، وأنه يأمل أن يصوم المتعاملون عن البيع لمدة شهر حتى يعود السوق إلى عافيته.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
التوطين أو التقطير ليس مجرد رقم أو نسبة أو شعار يوضع على الوظائف بأسماء قطرية، بل هو مشروع وطني استراتيجي شامل يهدف إلى بناء مستقبل مستقر ومزدهر للبلاد وأجيالها، تقوده الكفاءات الوطنية في مختلف مجالات الحياة والخدمات اليومية. إنها استراتيجية طموحة تؤمن بقدرات الشباب وتفتح أمامهم آفاق الإبداع الوظيفي في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص على وجه الخصوص. ولكي ينجح هذا المسار، لا بد أن يقوم على ركائز أساسية: “التخصصية” في اختيار الكوادر المناسبة لتلبية احتياجات سوق العمل، و“التدريب” الذي يصقل المواهب، و“التأهيل” الذي يرسخ الخبرات، و“التشجيع” الذي يعزز الثقة بالنفس، إضافة إلى “المتابعة والإرشاد” لضمان استمرارية الأداء وتحقيق الأهداف. فالمطلوب ليس فقط إعداد موظف ماهر، بل صناعة جيل قادر على المنافسة بما يمتلكه من مهارات عملية وفنية وإبداعية وقيادية، وحتى أخلاقية. ومع ذلك، ما زالت بعض المؤسسات، خصوصًا في القطاع الخاص، تعاني من ضعف في توظيف الكوادر الوطنية المؤهلة. التحدي الحقيقي لا يكمن في غياب الكفاءات، بل في ضعف البيئات الحاضنة ورفضها لاستيعاب هذه الطاقات. من هنا، يصبح من الضروري أن تستثمر الشركات في الكوادر الوطنية، وأن تجعل هدف التوطين من أولويات مجالس إدارتها، مع إلزام الرؤساء التنفيذيين بوضعه ضمن أهدافهم الاستراتيجية (Vision) ومنحهم الدعم الكافي لتحقيق هذا الهدف. ولا يقتصر التوطين على الموظفين فحسب؛ إذ شملت التشريعات الأخيرة إشراك المتقاعدين القطريين الأكفاء القادرين على العطاء، باعتبارهم رصيدًا وطنيًا لا يستهان به من الخبرات العملية. هؤلاء يشكلون قيمة مضافة للشركات، خصوصًا في القطاع الخاص، بما يقدمونه من استشارات وخبرات تراكمية تقلل من الحاجة إلى الخبراء الأجانب والمكاتب الاستشارية المكلفة. إنهم بمثابة عامل محفّز (Catalyst) قادر على تدريب الأجيال ونقل المعرفة دون أن يشكلوا عبئًا ماليًا إضافيًا على المؤسسات. وفي هذا السياق، جاء صدور القرار الأميري السامي رقم (27) لسنة 2025 بإنشاء جائزة قطر للتوطين في القطاع الخاص ليشكل دفعة إضافية ومحفزًا قويًا لتشجيع المؤسسات على تعزيز جهودها في استقطاب الكفاءات الوطنية، وإبراز دورها في دعم التنمية المستدامة من خلال التوطين الفعّال. وتبرز تجربة قطر للطاقة (QatarEnergy) كنموذج ملهم لنجاح عملية التوطين. فقد تمكنت، رغم الصعوبات في بداياتها منذ انطلاقة الخطة الوطنية لتقطير (Qatarization) في قطاع الطاقة والصناعة قبل أكثر من 24 عامًا، من بناء كادر وطني مؤهل على أعلى المستويات. لم تكتفِ باستقطاب الكوادر الوطنية وابتعاثها لأفضل الجامعات العالمية في التخصصات المطلوبة، بل تحولت إلى ما يشبه “جامعة” تخرّج القادة الأكفاء المتميزين بالالتزام والكفاءة. لقد أثبتت أن التوطين الفعّال لا يحتاج إلى ميزانيات ضخمة أو مكاتب استشارية باهظة، بل إلى رؤية واضحة، والتزام راسخ، وإيمان صادق بقدرات الشباب. ومن هنا أصبحت قطر للطاقة ليست مجرد شركة، بل في الحقيقة “مدرسة” لصناعة الكوادر الوطنية القادرة على قيادة المستقبل بثقة واقتدار. ويُسجَّل لوزير الطاقة أنه يترأس بنفسه جميع اجتماعات لجنة التقطير (التوطين) السنوية، ويشرف ويعتمد الخطة الاستراتيجية لقطاع الطاقة والصناعة للسنوات القادمة. وخلال هذه الاجتماعات يتم تكريم الشركات والمؤسسات التي حققت تقدمًا وتميزًا ملحوظًا في جهودها لعملية التقطير وفق معايير محددة، مما يعزز روح المنافسة الإيجابية بين المؤسسات ويحفزها على تطوير برامجها الوطنية. إن التوطين ليس سياسة حكومية فحسب، بل هو واجب وطني وديني ومسؤولية أخلاقية تقع على عاتق كل مسؤول. فالنجاح الحقيقي لا يُقاس بالأرقام والإحصاءات فقط، بل يُبنى على العلاقة الإنسانية بين المسؤول والموظف. علينا أن نتعامل مع الموظف القطري، خصوصًا الشاب الذي تنقصه الخبرة، لا كـ”مرؤوس” أو “منافس”، بل كـ”صديق” و”شريك”. عندما يُمنح الثقة ويُعامل بروح الدعم، تتفتح أمامه آفاق لا حدود لها. صحيح أن الأمر يتطلب وقتًا وصبرًا وجهدًا، وقد تصاحبه أخطاء، لكن تمامًا كما نتعامل مع أبنائنا، يجب أن نوجّه ونصحّح بروح من الحكمة والاحتواء. إن بناء الثقة هو الاستثمار الأهم. فعندما يثق الموظف بقائده ويشعر بالدعم والمساندة، يبذل أقصى جهده لتجاوز التحديات. وفي المقابل، يمكن أن ينهار هذا الجسر بكلمة عابرة أو موقف محبط واحد. لذلك، يُقاس نجاح المسؤول الحقيقي بقدرته على تحويل الموظف الشاب من موظف مبتدئ إلى “قائد محترف”. هذه العلاقة الإنسانية هي الركيزة الأساسية لبناء كوادر وطنية واثقة قادرة على قيادة المستقبل وتحقيق التنمية المستهدفه. وفي الختام، يظل السؤال مطروحًا: هل يمكن لتجربة “قطر للطاقة” الاستثنائية الناجحة أن تكون نموذجًا يُطبّق على نطاق واسع في جميع القطاعات ومؤسسات ووزارات الدولة؟ دمتم …. والسلام ختام
1272
| 02 سبتمبر 2025
على رمالها وسواحلها الهادئة كهدوء أهلها الطيبين حيث لا يعلو صوت فوق هدير وأزيز المعدات والآلات، وعلى منصات النفط والغاز العملاقة العائمة فوق أمواج مياه الخليج، تتجسد قصة إنسان صنع بجهده وعرقه وتضحياته جزءًا من مجد هذا الوطن الغالي. يجلس اليوم في عقده السابع، هادئًا ممسكًا بسبحته على إحدى أريكات كورنيش الدوحة الاسمنتية، يناظر الأفق البعيد وناطحات السحاب، بينما تتلون السماء بوهج الغروب وأطياف الشفق الساحرة، شارد الذهن في ذكريات الماضي الجميل يلفها عباءة الفخر والعزة والحنين. إنها رحلة “مهندس قطري”، امتدت لأكثر من أربعة عقود، سطر خلالها ملحمة من التحدي والصبر والإصرار، وكان شاهدًا على أبرز التحولات في تاريخ بلاده الصناعي. لم تكن تلك المرحلة مفروشة بالورود والرياحين؛ ففي سبعينيات القرن الماضي، كانت قطر تضع لبناتها الأولى في التنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما بكميات تجارية. وكان هذا المهندس الشاب جزءًا من تلك النخبة، فلم تكن شهادته الأكاديمية وحدها سلاحه، بل كانت همته العالية وإرادته الصلبة. عمل جنبًا إلى جنب مع زملائه من العرب والآسيويين والأوروبيين، وعمالقة الشركات الصناعة العالمية IOCs, مثل بي بي، يارا (هيدور )، كوبي ستيل،شل، توتال، إكسون موبيل، وشيفرون، وغيرهم، لم تكن هذه الشركات مجرد جهات عمل، بل كانت بحق جامعات ميدانية نقلت إليه وإلى أبناء قطر المخلصين أعلى معايير الدقة والاحترافية والإبداع. في القطاع الصناعي، تعلم فنون الإدارة والإشراف على تلك المصانع العملاقة بكل إتقان وكفاءة على سبيل المثال، اكتسب من الإدارة اليابانية مبدأ “كايزن” (Kaizen)، وتشرب من الادارة الأمريكية “التصنيع الرشيق” (Lean Manufacturing)، ومن الإدارة الأوروبية أجاد أتقان مبدأ “السلامة أولًا” (Safety First). ولكن الأهم من ذلك كان ترسيخ قيم الالتزام، والتسامح، والرقي في التعامل مع الآخرين، فكانت هذه الأسس التي صنعت بيئة عمل متماسكة كالعائلة الواحدة، على الرغم من اختلاف مشاربها الثقافية والعرقية ”Ethnicity”. كانت التحديات هي المحك الحقيقي؛ فالعمل في قطاع الطاقة والصناعة يعني التصدي للمخاطر المهنية اليومية.كالتعامل مع غازات ذات الضغوط العالية التي قد تتجاوز 1000 بار، ودرجات الحرارة التي قد تصل وتتجاوز 900 درجة مئوية، بالإضافة إلى التعامل مع المواد السائلة شديدة الخطورة والصلبة، والعمل تحت لهيب حرارة الصيف ورطوبته العالية. ومرورًا بالظروف القاسية والعزلة العائلية والاجتماعية لفترات طويلة على المنصات البحرية والجزر الصناعية العائمة ( Production Offshore Platforms ). وفي تلك الظروف، كانت اليقظة والدقة هاجسًا دائمًا من أجل السلامة والعودة إلى الأهل والأحبة.هناك، بعيدًا عن دفء الأسرة تذوب الفوارق بين الجنسيات والألوان والثقافات، ليصبح الزميل أخًا وشريكًا في الهدف. لم تكسر هذه الظروف الرجال، بل صقلتهم، وحولتهم إلى قادة قادرين على اتخاذ القرارات المصيرية والحاسمة. ولا نستثني في هذا السياق الإداريين الأفاضل، حيث كان الوصول إلى أعلى هرم الادارة متاحًا بلا حواجز ولا مواعيد مسبقة، فكانوا هم السند الحقيقي والخفي الذي جعل الإدارة حلقةً داعمة وفاعلة تكمل منظومة الجهد الجماعي بين العمل الميداني والمكتبي. ولم تتوقف رحلة هذا المهندس عند حدود الوطن؛ فبعد أن اكتسب خبرة واسعة، حمل راية بلاده إلى أنحاء العالم، من أمريكا إلى آسيا وأوروبا، مشرفًا على مشاريع كبرى، وكان خير سفير للكفاءات القطرية. كانت تلك البعثات والمهمات اغترابًا طوعيًا، وثمنًا دُفع في سبيل اكتساب معاير الريادة العالمية. ورغم صعوبات البعد عن الوطن وحواجز اللغة، أثبت أن “المهندس القطري” قادر على المنافسة وإضافة قيمة في أي مكان ومشروع يذهب إليه. يجلس هذا المهندس الخبير المخضرم اليوم ليس كشاهد على عصر فحسب، بل كمدرسة ومرجعية وطنية يجب استغلالها ومهمته الحالية لا تقل أهمية عن سابقاتها؛ فهو ينقل للأجيال الحاضرة العلم والتقنية الهندسية، ومعهما ينقل إرثًا من القيم: الأخلاق، والإخلاص، والولاء، والدقة، والابتكار. لقد غدا جسرًا انتقلت عبره أفضل الممارسات العالمية لتندمج مع الهوية القطرية الأصيلة، وتشكل نموذج المهندس العالمي الذي لا يتخلى عن جذوره. إن قصة هذا المهندس هي دليل على أن الثروة الحقيقية لا تكمن في باطن الأرض، بل في عقول أبنائها. لقد حول ذاك الجيل الرائد التحدي إلى فرصة، والفرصة إلى إنجاز، والإنجاز إلى إرث خالد تفتخر به الأجيال القادمة. أخيرًا وليس اخرا، تحية إجلال وتقدير إلى رواد الصناعة والطاقة في بلادنا. الذين حوّلوا الصحراء وسواحلها إلى مصانع شامخة ببهائها تتلألأ ليلًا كالجواهر واللآلئ الثمينة، أُقبّل جباههم التي خاضت التحديات وحملت مسؤولية بناء صرح نفخر به امام الجميع والأجيال القادمة، بكل شموخ وأنفة. وأسأل الله أن يتغمد من رحل منهم بواسع رحمته، وأن يوفق الأحياء منهم والأجيال القادمة، ليواصلوا حمل راية العز والفخر. دام عز هذا الوطن ودامت سواعد رجاله الأوفياء ودمتم ……والسلام.
1053
| 08 سبتمبر 2025
في السنوات الأخيرة، غَصَّت الساحة التدريبية بأسماء وشعارات و»مدربين» يملأون الفضاء ضجيجًا أكثر مما يملأونه أثرًا والسؤال المؤلم: (هل ما زال المدرب هو من يقود منهجية التدريب، أم صارت المنهجية تقوده؟) لقد تحوّل التدريب عند بعضهم إلى مهنة بلا هوية؛ نسخة باهتة من دورات مقتبسة، عناوين رنانة، ومحتوى مكرّر يُساق من قاعة إلى أخرى دون تطوير أو إضافة، ( كعلكة تم مضغها ويعاد تغليفها) مدربون يبحثون عن الأضواء قبل أن يبحثوا عن الفائدة، وعن الشهادات الورقية قبل أن يسألوا (ماذا سأترك من أثر في عقل المتدرب)؟ الأدهى من ذلك، أن «سوق إعداد المدربين» صار يفرخ مئات ممن يظنون أن الحصول على دورة قصيرة – لا تتجاوز أحيانًا أيامًا معدودة – يجعلهم مؤهلين لحمل لقب «مدرّب» وما إن ينالوا الشهادة حتى يهرعوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليعلنوا أنفسهم «معدّين»، ويبيعوا وهمًا جديدًا لمن بعدهم فتجد من لم يُجرّب التدريب يومًا، يعلن عن برامج لإعداد مدربين جدد! إنها دائرة مفرغة من التقليد، تُشبه إلى حدٍّ بعيد بيع الماء في (حارة السقّائين). لقد فقدت بعض القاعات هيبتها، وصارت أشبه بمسرح استعراض شخصي، حيث يتفنن البعض في الإلقاء أكثر مما يتقن جوهر التدريب، والأنكى أن هؤلاء لا يستندون إلى فلسفة واضحة أو رؤية متكاملة لا يعرفون شيئًا عن المنهجيات الحديثة مثل: • التعلم القائم على المشروعات (Project-Based Learning). • التدريب المدمج (Blended Training) • التعلم بالخبرة (Experiential Learning) كل ما يعرفونه هو إعادة تدوير شرائح «باوربوينت» مرّ عليها عقد من الزمن. في الدول المتقدمة، لا يُمنح المدرب صفة «مدرب محترف» إلا إذا امتلك سجلًا معرفيًا وتجربة عملية مدعومة بمشاريع حقيقية. ففي كندا مثلًا، لا يُعتمد المدرب المحترف إلا بعد اجتياز معايير صارمة، منها الساعات التدريبية الفعلية، والتقييم الدوري، والالتزام بأخلاقيات المهنة أما عندنا، فالمسألة – للأسف – صارت في بعض الأحيان مجرد رسوم تُدفع، وشهادة تُطبع، وصورة تُنشر على «إنستغرام»! فهل يمكن أن نسمي هذا تدريبًا؟ أم هو أقرب إلى وهمٍ جماعي تُسوّقه دورات عابرة بلا هوية؟ إن المدرب الحقيقي هو من يمسك بزمام المنهجية، لا من تنساق خطواته خلف موضة أو برنامج مستورد، هو من يبني هويته على رؤية، وفلسفته على علم، وممارسته على تراكم تجربة أما أولئك الذين يستبدلون «المعرفة» بالعروض الدعائية، و»المسؤولية» بالبحث عن الألقاب، فهم لا يصنعون تدريبًا، بل يساهمون في إفراغ المهنة من مضمونها. اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تحتاج الساحة التدريبية إلى غربلة، إلى إعادة الاعتبار لمنهجية التدريب بوصفها علمًا ورسالة، لا تجارة موسمية والسؤال الذي يجب أن يطرحه كل مدرب على نفسه قبل أن يقف أمام المتدربين: هل أنا أملك زمام المنهجية… أم أنني مجرد تابع في قافلة بلا هوية؟
882
| 04 سبتمبر 2025