رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا ننكر أن معظم الاقتصادات في الدول النامية، ومنها الدول العربية أو معظمها تعاني من الضعف والهشاشة، ومن ثم عدم القدرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية المتكررة والتي قد تُصدر إليها من الخارج، بالإضافة إلى ما تعانيه في الأساس من مشاكل متنوعة ومتجذرة منذ سنوات والتي يصاحبها ضروب من الفساد المالي والإداري في مستويات مختلفة تنعكس جميعها على الأداء الاقتصادي، ما يزيد من معاناة المجتمع بكل طوائفه وفئاته، خاصة أن الأزمات الاقتصادية تتوالى كانعكاس للتوترات السياسية والنزاعات والصراعات الداخلية والدولية التي أثرت مباشرة على سلاسل الإمداد على مستوى العالم ومن ثم النقص الحاد في المواد الغذائية والطاقة ومكونات الصناعات المحلية، وهبوط أسعار الأصول المالية، مع تجاوز معدلات التضخم للمستويات العالمية المسجلة منذ عدة عقود وتفاقم أعباء تكلفة المعيشة، وتأثر الأنشطة الاستثمارية بعد ارتفاع أسعار الفائدة على الاقتراض، وزيادة أقساط التأمين وتكلفة الشحن وزيادة مخاطر الملاحة البحرية، وتعثر الشركات وتسريح الأيدي العاملة وتفاقم أعداد البطالة، وقد ظهر ذلك جليا بداية من جائحة كوفيد - 19 ثم مع الحرب في أوكرانيا وأخيرا طوفان الأقصى، ويكفي أنه منذ حرب روسيا وأوكرانيا فقط، تكبد الاقتصاد العالمي خسائر تصل إلى 2.8 تريليون دولار في عام 2023، مع تراجع النمو الاقتصادي إلى 2.2 %
وفي ظل هذه الحالة نجد الإشكالية الأكبر وهى كيف تتعامل الدول النامية مع هذا الوضع وكيف تواجه هذه الأزمات بدلا من الاستسلام لها ؟ بعد أن اعتمدت لسنوات طويلة على الاستيراد من الخارج، واستسلمت لذلك بدون الاهتمام بمواردها الطبيعية والبشرية من خلال التركيز على العمل والإنتاج والإنتاجية كعناصر حماية من التداعيات غير المتوقعة، فضلا عن أنها السبيل الوحيد إلى التقدم، حيث أصبح المقياس في ذلك هو العمل وارتفاع الإنتاجية التي تدفع الاقتصاد إلى الصمود وتحدي الأزمات وتخطي آثارها السلبية ومن ثم التفوق عليها، وقد نجحت الدول الكبرى في ذلك بعد أن تركت خلفها كل الكوارث التي حلت بها والأزمات التي تعرضت لها، وركزت على بناء الفرد لتحسين إنتاجيته حتى يُمكن للمنشأة إنتاج قدر من السلع أو المنتجات والخدمات بذات الجودة أو أفضل بوحدات أقل من عوامل الإنتاج المتاحة في ذات الفترة الزمنية أو أقل مع توفير الوقت والجهد وتقليص الأخطاء والمحافظة على الآلات والمعدات وتوفير أو ترشيد الخامات ومدخلات الإنتاج وخفض التكاليف والنفقات، التي تزيد من القدرات التنافسية في الوحدات الخدمية أو الإنتاجية، باعتبار أن الإنتاجية هي محصلة العلاقة الإيجابية التفاعلية مع مفردات ووحدات العملية الإنتاجية
لذلك جاءت أهمية تجويد الإنتاجية في كل المجالات وتحسينها في الدول الصناعية المتقدمة وكانت من أهم دعائم التقدم، لارتباطها الوثيق بُحسن استغلال وإدارة الموارد للحصول على أكبر عائد أو أفضل خدمة، ويبدو العكس جليا في الدول النامية التي لم تهتم جيدا بهذه المقاييس على مستويات متعددة مثل العامل الذي تنعكس إنتاجيته على العمل الذي يؤديه مباشرة، من خلال ما يعطيه من جهد وعلم وخبرة ومهارة.
وكذلك تجويد الإنتاجية للمؤسسات أو الشركات لأنها تعبر عن كفاءة الإدارة في الاستغلال الأمثل للموارد والإمكانات المتاحة، للحصول على أحسن وأفضل النتائج الممكنة.
ومن جهة فلأن الإنتاجية هي انعكاس لأداء كافة الأجهزة على الاقتصاد القومي، من خلال قياس متوسط أدائها الذي يلقي بظلاله إيجابا أو سلبا على رفاهية المجتمع والمواطنين لذلك فإن المجتمعات التي تحاول النهوض والتقدم وتحقيق رفاهية شعوبها عليها التدقيق في اختيار العوامل المؤثرة على الإنتاجية من النواحي الفنية والتكنولوجيا، إلى جانب العوامل التنظيمية والإدارية، والعوامل الإنسانية، والسيكولوجية وحقوق العمال والتشريعات المنظمة لسوق العمل وفض المنازعات والتحكيم والاهتمام بالدراسات والأبحاث العلمية في مجال رفع الإنتاجية، والتخطيط والرقابة، وتحليل التكاليف كأسلوب لتلافي الإهدار أو الفقد والضياع في المال العام، وكذلك الحرص على ضمان الرعاية النفسية والصحية والحياة الكريمة للعمال وأسرهم قبل وبعد تقاعدهم وحرية التعبير والعمل النقابي، وكلها محفزات لدافعية العمل والإنتاج والإتقان.
لذلك علينا أن ندرك أهمية التركيز على الاستفادة من مقومات التقدم الذي يبدأ من نجاح إدارة الموارد المتاحة في إنشاء قاعد صناعية متطورة، تعتمد أولا وأخيرا على تحسين الإنتاجية، للأيدي العاملة التي تمثل رأس المال البشري وهو المحور الأهم والأساسي في قيام وبناء الحضارات وتقدم الأمم.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6540
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6423
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3138
| 23 أكتوبر 2025