رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في المحاضرة التي ألقاها الصحافي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط باتريك سيل في "الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط" تحت عنوان "حرب أمريكا على الإسلام" في الثامن عشر من شهر نوفمبر الجاري، جرى الحديث عن عدد من النقاط التي تنتهي إلى نتيجة واحدة مؤكدة وهي أن واشنطن في حرب حقيقية ضد الإسلام.
فقد أشار إلى أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في القاهرة معلنا فيه أن بلاده لن تكون في حرب ضد الإسلام، بدل أن يمثل أملا عظيما تحول إلى خيبة عظيمة لأن الرئيس الأمريكي نكص عن وعده كما يقول سيل الذي أشار إلى أن أوباما، الذي بفضل خلفيته، كان أكثر قدرة من غيره لفهم الإسلام واسترضائه بدلا من استعدائه، "لأنه على نحو ما ابن العالم الثالث. فأبوه مسلم، وقد أمضى سنواته الباكرة في إندونيسيا، كما أنه أول رئيس أمريكي أسود. لكنه أيضا "ذلك الفتى الأمريكي" الذي نشأ في هاواي وتعلم في هارفارد وبدأ حياته المهنية في شيكاغو. وربما كان "ينوي" ألا يكون في حرب ضد الإسلام، لكنه لم "يفعل" شيئا بهذا الخصوص غير الكلام".
وبطبيعة الحال كانت النتيجة المترتبة على هذا النكوص، ليس فقط استمرار مشاعر الكراهية لدى الشعوب الإسلامية ضد الغرب، بل تزايد هذه المشاعر التي أرجعها المحاضر إلى ثلاثة أسباب رئيسية، أولها يتعلق بعسكرة السياسة الأمريكية الخارجية، وثانيها يرتبط بالتأييد الأعمى لإسرائيل على مدي أكثر من 40 عاما (طبعا هي أكثر من 60 عاما وليس 40 كما يشير سيل، أي منذ ما قبل قيام الدولة الإسرائيلية) وحمايتها الكاملة لها من أي إجراءات عقابية قد يتخذها مجلس الأمن والفيتو ضد الدولة الفلسطينية. أما ثالث هذه الأسباب فيتمثل في الخوف المَرَضي من الإسلام الذي اجتاح أمريكا وبقية الدول الغربية والذي جاء في إطار محاولات الدول الغربية لإيجاد عدو جديد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي (إمبراطورية الشر) فوجده في العالم الإسلامي.
هنا انتهى التحليل الذي قدمه سيل لتفسير حالة العداء المتبادلة بين الولايات المتحدة والغرب من جهة والعالم الإسلامي من جهة أخرى، والذي قد يكون مناسبا لتوضيح بعضا من ملابسات حالة العداء هذه خلال العقود الأخيرة، لكنه بالتأكيد لا يوضح الأسباب الحقيقية لتلك الحالة التي تمتد جذورها عبر التاريخ وترتبط بنشأة العالم الإسلامي نفسه.
ذلك أن الصراع بين الإسلام كدين وحضارة مع الحضارة الغربية بدأ منذ اللحظات الأولى لانتشار دعوة الإسلام في الجزيرة العربية ومع الرسائل التي أرسلها الرسول صلى الله عليه وسلم لقادة الإمبراطوريات المحيطة بالدولة الإسلامية الوليدة يدعوهم فيها للدخول في الإسلام ومنها الإمبراطورية الرومانية في الغرب. ثم تعزز هذا الصراع عسكريا مع دخول الدولة الإسلامية في صدام عسكري مع خطوط التماس المسيحية في غزوة مؤتة ضد جيش الغساسنة المتحالفين مع الإمبراطورية الرومانية حامية المسيحية في ذلك الوقت.
ومع ازدياد انتشار الإسلام وتوسعه شرقا وغربا واستمرار تهديده لأطراف تلك الإمبراطورية في عهد دولة الخلفاء الراشدين ومن بعدها الدولتين الأموية والعباسية، ثم انطلاقه لتهديد قلب هذه الإمبراطورية فيما بعد، خاصة في عصر الدولة العثمانية، عمل الغرب على مواجهة هذا التهديد القادم بكل وسيلة ممكنة للحفاظ على هويته وكيانه من الذوبان في الإمبراطورية الإسلامية الجديدة كما ذاب غيرها من الإمبراطوريات كالإمبراطورية الفارسية.
وكان من أبرز الوسائل التي اعتمد عليها الغرب للدفاع عن نفسه محاولة تشويه الدين الجديد أمام المجتمعات الغربية من أجل منع أفرادها من التفكير في محاولة استكشاف هذا الدين والتعرف عليه ومن ثم الدخول فيه.
وقد تطورت هذه المحاولات حتى أصبحت علما له قواعد تحكمه وله رواده من مشاهير المثقفين والكتاب الأوروبيين وهو ما عرف بعلم الاستشراق.
ثم تطورت علوم أخرى مرتبطة به أبرزها علم الأنثروبولوجيا الذي عمل بمساعدة علم الاستشراق على تحقيق هدف الدفاع عن الهوية الأوروبية المسيحية، إضافة إلى بناء قاعدة علمية ومعرفية ساعدت فيما بعد الدول الأوروبية في تحقيق سيطرتها على الإمبراطورية الإسلامية بعد إضعافها ثم تفتيتها إلى دول ودويلات صغيرة متشاحنة ومتقاتلة حتى تبقى تابعة لها بعد استقلالها الصوري عن الاحتلال الأوروبي في منتصف القرن العشرين.
بعد نجاح المرحلة الأولى من عملية مواجهة الإسلام عبر تشويهه في أعين أبناء المجتمعات الأوروبية، بدأت المرحلة الثانية التي كانت موجهة إلى الخارج، أي إلى الإمبراطورية الإسلامية ذاتها التي بدأت تشهد ضعفا وانقساما جعلها مطمعا لأعدائها وفي مقدمتهم الأوروبيين.
وخلال هذه المرحلة سعى الأوروبيون إلى السيطرة على هذه الإمبراطورية عبر تشويه صورة الإسلام في عيون المسلمين أنفسهم بصرفهم عن عقيدتهم توطئة لتنصيرهم والسيطرة عليهم، لأنهم كانوا يعلمون جيدا أن قوة المسلمين وعزتهم تكمن في تمسكهم بدينهم. ويظهر ذلك في بحوث المستشرقين حول العقيدة الإسلامية والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، بل القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وقد اعتمدت الدراسات الاستشراقية على عدد من المناهج من أجل تحقيق الهدف الأساسي لها وهو تشويه صورة الإسلام والمسلمين. وكان من أبرز هذه المناهج منهج الإسقاط، الذي يعرفه علماء التحليل النفسي على أنه "حيلة نفسية، يلجأ إليها الشخص كوسيلة للدفاع عن نفسه ضدّ مشاعر غير سارّة في داخله، مثل الشعور بالذنب أو الشعور بالنقص، فيعمد إلى أن ينسب للآخرين أفكاراً ومشاعر وأفعالاً حياله، ثمّ يقوم من خلالها بتبرير نفسه أمام ناظريه".
ومن هنا عمد المثقفون والكتاب الأوروبيون إلى وصف الإسلام والمسلمين بشتى النقائص والجرائم التي تتصف بها حضارتهم ومجتمعاتهم المسيحية، بدءًا من اتهام الإسلام بأنه دين محرف وصولا إلى اتهامه بالإرهاب.
لم يتوقف منهج الإسقاط عند مفكري الغرب ومثقفيهم خاصة المستشرقين منهم ـ والذي تحول إلى قاعدة لعمل الدول والحكومات الغربية ـ عند هذا الحد، بل تواصل واستمر بمرور الزمان وتزايد النقائص والجرائم الغربية ضد العالم، خاصة بعد صعود الحضارة الغربية وسيطرتها على العالم ممثلة في الاستعمار الأوروبي خاصة البريطاني والفرنسي.
وبعد انحسار الدور الإمبراطوري عن أوروبا والذي تسلمته الولايات المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية، انطلقت واشنطن لتستكمل الدور المسيحي الغربي في مواجهة الإسلام والعمل على القضاء عليه. وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لتمثل نقطة انطلاق جديدة لتدمير الإسلام، يقوم خلالها منهج الإسقاط الغربي بوصم الإسلام بجريمة الإرهاب التي نشأت وترعرعت في المجتمعات المسيحية سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، ومارستها وما زالت تمارسها بشتى صورها ضد شعوب العالم المختلفة خاصة الشعوب الإسلامية.
هذا ما لم يقله سيل ولن يقوله أي مفكر غربي إلا إذا كان لديه بقايا من ضمير.. أن الحرب الأمريكية على الإسلام ما هي إلا امتداد لحرب الغرب المسيحي على هذا الدين وحضارته ومنتسبيه من شعوب الشرق.. ولن تنتهي إلا بتسليم إحدى الحضارتين.. الغربية أو الإسلامية.
تعلمون بأنني أتصفح بشكل يومي موقع صحيفة الشرق بل وأستمتع وأنا أتصفحه لتنوعه واهتمامه بأدق الأمور وأصغرها، وهذا... اقرأ المزيد
156
| 20 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت سنتر»، خيارًا ترفيهيًا أو موضة مؤقتة، بل أصبحت جزءًا من... اقرأ المزيد
522
| 20 أكتوبر 2025
لم نكن لنتخيل أن الغباء له هذا الحضور الطاغي بيننا، وأن التفاهة تملك هذا العدد الهائل من الأنصار.... اقرأ المزيد
300
| 20 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
7911
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6948
| 14 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء. فالتعليم يمنح الإطار، بينما التدريب يملأ هذا الإطار بالحياة والفاعلية. في الجامعات تحديدًا، ما زال كثير من الطلاب يتخرجون وهم يحملون شهادات مليئة بالمعرفة النظرية، لكنهم يفتقدون إلى الأدوات التي تمكنهم من دخول سوق العمل بثقة. هنا تكمن الفجوة بين التعليم والتدريب. فبدلاً من أن يُترك الخريج يبحث عن برامج تدريبية بعد التخرج، من الأجدى أن يُغذّى التعليم الجامعي بجرعات تدريبية ممنهجة، وأن يُطرح مسار فرعي بعنوان «إعداد المدرب» ليخرّج طلابًا قادرين على التعلم وتدريب الآخرين معًا. تجارب ناجحة: - ألمانيا: اعتمدت نظام التعليم المزدوج، حيث يقضي الطالب جزءًا من وقته في الجامعة وجزءًا آخر في بيئة العمل والنتيجة سوق عمل كفؤ، ونسب بطالة في أدنى مستوياتها. - كوريا الجنوبية: فرضت التدريب الإلزامي المرتبط بالصناعة، فصار الخريج ملمًا بالنظرية والتطبيق معًا، وكانت النتيجة نهضة صناعية وتقنية عالمية. -كندا: طورت نموذج التعليم التعاوني (Co-op) الذي يدمج الطالب في بيئة العمل خلال سنوات دراسته. هذا أسهم في تخريج طلاب أصحاب خبرة عملية، ووفّر على الدولة تكاليف إعادة التأهيل بعد التخرج. انعكاسات التعليم بلا تدريب: 1. اقتصاديًا: غياب التدريب يزيد الإنفاق الحكومي على إعادة التأهيل. أما إدماج التدريب، فيسرّع اندماج الخريج في السوق ويضاعف الإنتاجية. 2. مهنيًا: الطالب المتدرب يتخرج بخبرة عملية وشبكة علاقات مهنية، ما يمنحه ثقة أكبر وفرصًا أوسع. 3. اجتماعيًا: حين يتقن الشباب المهارات العملية، تقل مستويات الإحباط، ويتحولون من باحثين عن وظيفة إلى صانعين للفرص. حلول عملية مقترحة لقطر: 1. دمج التدريب ضمن المناهج الجامعية: أن تُخصص كل جامعة قطرية 30% من الساعات الدراسية لتطبيقات عملية ميدانية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص واعتماد التدريب كمتطلب تخرج إلزامي لا يقل عن 200 ساعة. 2. إنشاء مجلس وطني للتكامل بين التعليم والتدريب: يضم وزارتي التعليم والعمل وممثلي الجامعات والقطاع الخاص، ليضع سياسات تربط بين الاحتياج الفعلي في السوق ومخرجات التعليم. 3. تفعيل مراكز تدريب جامعية داخلية: تُدار بالشراكة مع مراكز تدريب وطنية، لتوفير بيئات تدريبية تحاكي الواقع العملي. 4. تحفيز القطاع الخاص على التدريب الميداني. منح حوافز ضريبية أو أولوية في المناقصات للشركات التي توفر فرص تدريب جامعي مستدامة. الخلاصة التعليم بلا تدريب يظل معرفة ناقصة، عاجزة عن حمل الأجيال نحو المستقبل. إنّ إدماج التدريب في التعليم الجامعي، وإيجاد تخصصات فرعية في إعداد المدربين، سيضاعف قيمة التعليم ويحوّله إلى أداة لإطلاق الطاقات لا لتخزين المعلومات. فحين يتحول كل متعلم إلى مُمارس، وكل خريج إلى مدرب، سنشهد تحولًا حقيقيًا في جودة رأس المال البشري في قطر، بما يواكب رؤيتها الوطنية ويقودها نحو تنمية مستدامة.
2844
| 16 أكتوبر 2025