رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

علي بن راشد المحري المهندي

مساحة إعلانية

مقالات

86567

علي بن راشد المحري المهندي

جدي وجدتي

01 يونيو 2018 , 01:02ص

الجد والجدة هما نور في كل بيت وُجِدا فيه، ورحمة أهداها الله للأحفاد، فترى السكينة، وهدوء النفس يملأ قلبيهما، ويعاملان الجميع بعطف وحنان، فقد عانيا في الدنيا وسارا فيها طويلًا حتى اكتسبا من الخبرات ما يجعلهما هادئي النفس مطمئني البال، كما أنهما أكثر أهل البيت عبادةً لله، فقد زادت عبادتهما لله بزيادة عمرهما بعكس أبنائهما أو أحفادهما، لذلك فقد اكتسبا قدرًا من الرحمة والبركة.
هما بركة البيت فينبغي علينا الحفاظ عليها ما استطعنا، فكلما عملنا على رعايتهما وحمايتهما أثابنا الله بذلك عظيم الأجر والثواب.
الجدان وقد خط رأسهما المشيب وضعف جسدهما، واحتاجا لمن يرعاهما، فمن لهما سوى الأبناء والأحفاد؟! لذلك علينا ألا نملَّ أو نتضجَّر من خدمتهما، فهما لم يبقَ لهما من العمر الكثير، وإن بقي، فعلينا أن نخدمهما بحب ومودة ورحمة، ففي ذلك رضا لله عز وجل ورضا لهما.
كما أن خدمتهما فرض علينا فقد وصانا عليهما ربنا الكريم في قوله تعالي: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا" كما أمرنا بالدعاء لهما.
فأقْبِل على جدك وجدتك في هذا الشهر الكريم، واغتنم الفرصةَ، وبادر أنت وإخوتك في خدمتهما وتحملهما في كبرهما وطلباتهما.
ما يلفت النظر وما يأسف له القلب أن بعض الناس إذا كبر آباؤهم وصاروا أجدادًا لأولادهما، وثقلت عليهم خدمتهم تزمَّروا وتأففوا منهم، وربما منهم من تطاول عليهم بالسب والشتم والضرب أحيانًا!!
ألم تكن هذه أمك التي ربَّتْك وتحمَّلت في صِغَرك وتعثرت في عثراتك لتكبر وتنجب لها هؤلاء الأحفاد، التي لم تكل ولم تمل من مواصلة رعاية أبنائك؟
ربما منهما من شق عليه صيام رمضان أو أذن له الطبيب بالإفطار، فاحتاج الرعاية الكاملة في نهار رمضان من طعام وشراب، فلا تتركهما بحجة صيامك، فرعايتهما في صيامك وإطعامك لهما الطعامَ بيدك وبطِيب نفسٍ لهو تمامٌ لصيامك وأكبر ثوابًا عند الله.
الجد والجدة في كبرهما يحتاجان للرعاية أكثر من أي وقت آخر، بل يحتاجان لوجود الأسرة كلها بجوارهما ويتبادلان أطراف الحديث معهما، لا يُحبان الجلوس بمفردهما فيشعران بغربة ووحدة، لأنهما في ذلك الوقت ترقُّ مشاعرهما ويعلمان بدنو أجلهما، فعلينا ألا نشعرهما بفراغ أو وحدة على قدر المستطاع، ونشاركهما الحديث من بداية يومهما حتى نهايته وذلك بطيب نفس وصدر رحب، لا عن غضب وضيق نفس. ولقد حثنا رسولنا الكريم على ذلك حيث قال — صلى الله عليه وسلم —: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» رواه الترمذي وحسَّنه. ومن الإحسان إليهما أيضًا: صحبتهما بسفر أو نزهة إذا كانا قادرين على ذلك، من باب الترويح عنهما، وخصوصًا حينما يكون ذلك إلى أداء عمرة أو حج، فتفوز برضاهما والإحسان إليهما ورعايتهما وأداء طاعة. فما أجمله من عمل! وما أجمله من ثواب!
وأنتم أيها الأحفاد انتبهوا جيدًا لهؤلاء الأجداد فهم بركة لكم والدعاء مستجاب عندهم، فلا تتركوا الفرصة تتفلَّت من بين أيديكم، واستفيدوا من خبراتهما في الحياة فهما كنزا خبرات، ونصائح لا نهاية لها.
فأنصتوا إليهما جيدًا ولا تكِلُّوا من ذلك، فمما يؤسف أيضا هذه الأيام أننا نجد كثيرًا من الشباب ينفرون من أجدادهم وجداتهم ولا يجلسون معهم، ويكرهون حديثهم الطويل، أو يجلسون بجوارهما صامتين لا حوار بينهم، شغلتهم هواتفهم ومحادثاتهم عبر الإنترنت التي لا جدوى منها في معظم الأحيان.
لو تعلمون أيها الشباب ما يقدمه لكم أجدادكم من خير ونصيحة راشدة وخبراتِ حياة مفيدة ما تركتموهم لحظة.
وأعود في حديثي مرة أخرى إلى الآباء، فإن وجود الجد والجدة في البيت درس عملي للبر والإحسان تقدمانه لأبنائكم، فإذا رأى الأبناء منكما الرعاية والاهتمام والرفق والبر في تعاملكم معهم فسوف يشبون وينشأون على ما رأوكم تفعلونه، وهذا ما سيفعلونه معكم — إن شاء الله —، والعكس صحيح فإذا تأففتم ونهرتم وتعاملتم بقسوةٍ وفجورٍ فسوف تتعاملون بنفس المعاملة، (فكما تدين تدان) انتبه جيدًا من هذا الأمر كي لا تتحسَّر على لحظة من لحظات وجودهما بجوارك وتقول: يا ليتني أحسنتُ إليهما يا ليتني قدمتُ إليهما البر والعطف، فستقعد ملومًا محسورًا، تتحسر ندمًا وتتذوق مرارة تلك المعاملة وما كان يشعر به آباؤك عندما كنتَ تُسيء لهما، وليس ذلك فقط العقاب ولكن هناك عقاب أكبر في الآخرة ينتظرك.
أمر صعب يجب الانتباه إليه جيدًا، فالجد والجدة بركة ونور البيت بل فرصة يجب على كل مسلم ذكي استغلالها أحسن استغلال حتى لا يندم وقت لا ينفع ندم، واستغلوا الشهر الكريم وأكثروا وبالغوا في البر والإحسان إليهما وقدموا إليهما كلَّ ما يحتاجان إليه ويحبانه ويرضون عنه إلا ما كان في معصية الله تعالى فلا طاعة فيه.
ومن كان قد فقد أحد أجداده أو كليهما، فليبادر بالإحسان إليهما في قبرهما، فيتصدق لهما وحبذا صدقة جارية، أو يقوم بالعمرة أو الحج لهما، أو إن لم يستطع فيكتفي بالدعاء والاستغفار لهما، والإكثار من ذلك في شهر رمضان المبارك حيث يتضاعف الثواب.

مساحة إعلانية