رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
السؤال المطروح على الساحة داخل المجتمع القطري ويتناقله في هذه الايام الصغير قبل الكبير هو: هل تصريح رئيس جامعة قطر والمنشور في صحافتنا المحلية قبل ايام هدفه حفظ ماء الوجه، أو جاء للدفاع عن النفس لتغيير وجهة النظر التي ذهب اليها رئيس الجامعة حول المهمة التي أوكلت اليه للتغيير في جامعة قطر منذ سنة 2003 م وحتى الآن؟ واذا كان الرئيس يعتقد بأنه أصاب الهدف ونجح في تغيير الجامعة من الصفر — كما يقول — فان من يجيب على هذا السؤال هو المجتمع والرأي العام وليس من اوكلت اليه مهمة التطوير.. ثم ان النجاح او الفشل لا يقيمهما الرئيس؛ لانه ليس صاحب الاختصاص بالاجابة على ذلك السؤال!!
قد يقول قائل بأن جامعة قطر الوطنية بدأت بشكل غير رسمي في اوائل سنة 1973 م مع إنشاء كلية التربية والمعلمين، ثم جاء تأسيس "جامعة قطر" بشكل رسمي وبقرار صادر في عهد الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر في تلك السنة، تم بدء العطاء.
غياب التقطير أهم قضية في الجامعة الوطنية:
شئنا أم أبينا، فان قضية "التقطير" في جامعة قطر الوطنية "تبقى هي القضية الاساسية والحاسمة، بعيدا عن أية تشنجات وبعقلانية مدروسة يقابلها هدوء في الطرح والنقاش لوضع النقط على الحروف، لكونها مسألة لا ينبغي السكوت عنها، او تغييبها في مثل هذه الظروف، واتذكر انني كتبت العديد من المقالات في السابق عن هذا الشأن، ولكن ادارة الجامعة كانت تفضل عدم التجاوب مع ما يكتب عبر الصحافة، أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومنها عبر "تويتر" بشكل خاص الذي ينشر جميع الآراء دون قيد او شرط؛ لانه لا يخضع للرقابة، بعكس الحال مع صحافتنا المحلية التي تحذف فيها بعض المقالات حتى لو كانت تنصب في الصالح العام — في بعض الاحيان — لانها تتعارض مع توجهاتها ومصالحها وبخاصة في جلب الاعلان التجاري من قبل الجهات التي توجه اليها بعض الانتقادات الصحفية. ومن هنا فان المصلحة الوطنية يجب ان تكون فوق كل اعتبار من اجل بناء صحافة حرة لا تعتمد على الاعلان التجاري قبل الاعتماد على نشر حرية الرأي الحر والبناء لخدمة الوطن والمواطن والمقيم.
** إدارة الجامعة لا تتقبل نقد الصحافة
من الواضح عبر مسيرة ادارة الجامعة الحالية منذ 2003 وحتى عام 2013، انها ادارة لا تتقبل الرأي البناء وتعيش في كوكب آخر، وغدت ادارة لا تتقبل نقد الصحافة وتعتقد بان ما تقوم به هو الصواب، وهذه كارثة اكاديمية تتحملها الادارة الحالية؛ لانها تعتقد بانها على صواب وغيرها على خطأ!! وقد كانت صحيفة الشرق عبر العقد الماضي بأكمله (2003 — 2013) من الصحف الرائدة التي كانت الاكثر حرصا على توجيه سهام النقد البناء للادارة بهدف التغيير والالتزام بالتقطير وعدم استبعاد الطلبة والموظفين والاساتذة القطريين من جامعة قطر الوطنية، ولكن ادارة الجامعة كانت تعطي اغلب الكتاب "الأذن الصمخا" كما يقول التعبير الشعبي. لانها تعتقد بأنها على صواب وغيرها على خطأ. وانظروا الى بعض المقالات المنشورة في الشرق لكبار الكتاب فيها مثل — مقالات الدكتور محمد الكبيسي ومنها مقال بعنوان "من يحمي القطري من القطري؟" انتقد فيه رئيس جامعة قطر الحالي؛ لأنه قام بإنهاء خدمته من العمل في جامعة قطر وهو في سن التاسعة والخمسين وقبل ان يكمل سن الستين.
— مقالات الكاتب الدكتور جاسم الخويطر، حيث اخبرني شخصيا اكثر من مرة بأنه انتقد ادارة الجامعة الحالية لعدم مواكبة التغيير والعمل على عملية التقطير، وقال: لقد قامت الشرق بحجب احد مقالاته حيث انتقد فيه ادارة جامعة قطر حيث نشر له احد المقالات النقدية للجامعة وامتنعت الشرق من نشر الجزء الثاني منه في العام الماضي!
— مقالات الكاتبة مريم الخاطر كانت الاكثر تسليطا للضوء على عيوب ومآخذ ادارة الجامعة في التقطير وسوء التخطيط لبناء الجامعة الوطنية وذكر بعض التجاوزات الادارية والاكاديمية في هذه المؤسسة ومنها طرد الطلبة القطريين على حساب التخطيط السليم، وآخرها كان مقالها المنشور يوم الخميس الماضي بتاريخ 28 نوفمبر 2013 بالشرق والذي ردت فيه على تصريح رئيس جامعة قطر غير المسؤول حول القطريين!! والذي أثار الكثير من الغضب والسخط عبر شبكات التواصل الاجتماعي ولم تتحدث عنه الصحف الرسمية بشيء من التفصيل!!
— مقالات كاتب هذه السطور التي نادت بالتقطير وعدم ترك الجامعة الوطنية للوافدين يصولون ويجولون فيها دون اي اعتبار للمواطنين الذين يجب ان يحملوا لواء ادارة هذه الجامعة من الألف الى الياء وهو مالم يحدث منذ عام 2003 الى 2013 وادارة الجامعة الحالية تعرف انها على خطأ ولكنها لا تريد الاستماع لهذ الرأي. هذا بجانب حجب الكثير من مقالاتنا عبر هذا المنبر لأسباب غير منطقية.
إعلانات الجامعة التجارية في الشوارع والصحف
من الواضح ان ادارة جامعة قطر الحالية سعت خلال السنوات الاخيرة الى تحسين صورتها عبر وسائل الاعلام من خلال الاعلانات التجارية (مدفوعة الاجر) عبر الاعلان عن اسماء من تخرج من الجامعة وتبوأ بعض المناصب او المراكز، مع اختيار بعض الاسماء بشكل عشوائي وبشكل غير مدروس أحيانا، وواضح ان هذه الخطوة هي خطوة مقلدة من احدى الجامعات، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فان الادارة الحالية لا تلجأ الى تكثيف هذه الاعلانات الا عندما تتورط ادارة جامعة قطر الحالية في ازمة من الازمات عبر الصحافة او توجه اليها سهام النقد بالفشل في السير بالجامعة الى نفق مظلم، او الى الاستهزاء بالقطريين وتغييب التقطير في الجامعة، بدليل ان اغلب القطريين قد تركوا الجامعة منذ سنوات بدءا من سنة 2003 م وحتى الآن، فمنهم من استقال ومنهم من انهى تعاقده ومنهم من حرم من الترقية العلمية بسبب التصرفات الغريبة لأحد نواب رئيس الجامعة السابقين وبعلم الجميع.
نعود للموضوع الأصلي وهو الاعلانات التجارية التي تخص الجامعة في الشوارع والصحف، حيث يلاحظ ان مثل هذه الاعلانات اذا كانت تسهم في اثراء الصحف ووسائل الاعلام الاخرى، فان هذا الشيء يسهم في نفس الوقت في هدر المال العام واموال الدولة التي بلغت مليارات الريالات التي صرفتها الدولة عليها خلال السنوات العشر الاخيرة، لان مثل هذه الاعلانات لا تخدم الجامعة الوطنية رغم انها تشير الى بعض الكفاءات القطرية التي يستحق بعضها التقدير والاحترام، بينما الحقيقة تقول: ان ادارة الجامعة الحالية تحاول التغطية على عيوبها؛ لانها تنشر صور بعض القطريين، وهي في نفس الوقت لا تطبق التقطير وبخاصة في مجال اعضاء هيئة التدريس — مجال الكوادر الادارية — مجال رؤساء الاقسام وعمداء الكليات ورؤساء الوحدات العلمية وغيرها. أي ان ادارة الجامعة تستعين بـ "القطريين" من الخريجين متى تشاء، بينما تخلو اليوم من القطريين في ادارتها واساتذتها وموظفيها من المواطنين؟! وهذا قمة في التناقض والازدواجية في العمل وعدم الالتزام بالتقطير، امر غريب فعلا من ادارة الجامعة الحالية!! ومن هنا: لابد من ان تهب رياح التغيير على ادارة جامعة قطر الحالية، وهذا رأي الغالبية في الشارع القطري بتمني قدوم ادارة شابة تساير التقطير وتطبق رؤية قطر الوطنية 2030 بحذافيرها مع اعطاء المواطنين حق العمل سواء كانوا اداريين أو موظفين أو طلبة أو أعضاء هيئة تدريس، وكذلك منح الطلبة القطريين حق التعليم دون غيرهم فلهم الاولوية!؟!. ويبقى الزام ادارة جامعة قطر الوطنية بالتقطير من قبل مجلس الوزراء الموقر ومجلس امناء جامعة قطر لكي يشعر الجميع بأننا ننعم بجامعة وطنية قطرية بنسبة 100 %.
** كلمة أخيرة
نختم مقالنا بما أكدت عليه الكاتبة الزميلة مريم راشد الخاطر عبر منبر الشرق بتاريخ 28 /11/2013 م حين قالت: تحدثت رئيسة جامعة قطر في دولة من دول الكومنولث عن جامعتها وأساءت الى شعب وطنها بوعي أو دون وعي، هذا في الوقت الذي تعاني فيه دولة قطر من رصد حملة دولية اعلامية عليها وعلى العمالة فيها تزعمتها رائدة تاج الكومنولث وبناتها، حملة أهون بكثير من مجيء الإهانة على لسان "بني جلدتها " ممن طردوا طلابا من خطتهم بجريرة خطة ومعايير لم توضع لهم من قبل.. ووفقا لتقديرنا لشخصية أكاديمية دؤوبة العمل، نقدر لها الجهود المبذولة في رفع معايير التعليم الجامعي وتطبيق الجودة وان اختلفنا في حيثيات تطبيقها، ونظرا لأن تلك المقولة صادرة من شخصية نسائية قطرية في موقع ريادي وفي محفل دولي، مقولة لم تضِف وللأسف سوى
"اتهام جزافي بل إهانة للمواطنين" اضم صوتي الى صوت المطالبين باعتذار لبق.
تأثير الاستقرار الأمني في القدرة على بناء علاقات قوية مع الدول الأخرى والمشاركات الفعالة المؤثرة السليمة الهادفة الإيجابية... اقرأ المزيد
48
| 13 سبتمبر 2025
هل تعلم أن لا وعيك قد يؤدي بك للمساءلة الجنائية؟ مع الجيل الجديد يظهر ضعف الإدراك لدى العديد... اقرأ المزيد
45
| 13 سبتمبر 2025
قطر دولة آمنة ومسالمة، تقود الوساطة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، وأصبحت ركنا أساسيا في فض النزاعات حول العالم،... اقرأ المزيد
48
| 13 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ماذا لو اهتزت الدوحة؟ ماذا لو تحوّل الأمان إلى صدمة؟ (تخيل) أن (جهة ما) استهدفت مقرًا سكنيًا لحركة (ما) في قلب العاصمة، بلا سابق إنذار.الضربة لا تهز مبنى وحسب، بل تهز النفوس، والمجتمع، والتعليم، والجامعات… وحتى صورة المستقبل. هنا السؤال الذي يفرض نفسه؟ إذا اهتزت الدوحة.... من يهتز أولاً ؟ اهتزاز المجتمع… بين الصدمة والصلابة: المجتمع بكامله يدخل في اختبار جماعي عند الأزمات. يولد القلق، ويضعف الإحساس بالأمان، لكن في الوقت نفسه تتكشف فرص لصناعة الصلابة المجتمعية. هذه الصلابة تبدأ من وعي المواطن، وتنمو عبر التعليم وتترسخ عبر ثقافة المسؤولية المشتركة بين الدولة والأفراد. اهتزاز الأمن النفسي… الشرخ الخفي: الأمن النفسي هو الركيزة الأولى لأي مجتمع مستقر. فإذا تصدّع هذا الركن، انهارت معه القدرة على التفكير المتوازن، واتسعت دوائر الخوف والارتباك. الأزمات لا تقتل بالجراح المباشرة وحدها، بل بما تزرعه في النفوس من قلق وشعور بالعجز. أما آن الأوان أن يُنظر إلى الأمن النفسي كأولوية وطنية لا تقل عن الأمن العسكري أو الاقتصادي؟ إنه صمام الأمان الذي يحدد قدرة المجتمع على الصمود أمام أي صدمة، وهو الخط الفاصل بين مجتمع ينهار عند أول اهتزاز، ومجتمع يُعيد ترتيب نفسه ليقف أكثر قوة. الأزمات تكشف هشاشة أو قوة المناهج. التعليم لم يعد مجرد رياضيات وعلوم، بل مهارات حياة، كيف يتعامل الطالب مع الخوف؟ كيف يحافظ على اتزانه النفسي وسط الصدمات؟ وكيف يتحول من ضحية محتملة إلى جزء من الحل؟ المطلوب أن تتحول المناهج إلى منصات لتعليم مهارات التكيف والوعي الأمني. الجامعات القطرية مطالبة بتطوير برامج أكاديمية في الأمن وإدارة الكوارث، وإنشاء مراكز بحث تدرس انعكاسات الأزمات على المجتمع والنفس البشرية. لم تعد الجامعة مجرد منارة للعلم، بل أصبحت درع وعي يحمي المجتمع ويُسهم في استقراره. الاستقرار ليس معطى أبديًا، بل بناء يومي يتطلب وعيًا، تعليما، وتأهيلاً نفسيًا وأمنيًا. هذه الصدمة الافتراضية قد تتحول إلى فرصة وطنية لإعادة التأسيس، مناهج أعمق، جامعات أقوى، وأكاديميات أمنية تندمج في صميم العملية التعليمية. لماذا تؤجل دراسة العلوم السياسية حتى تُطرح كتخصص جامعي، وكأنها شأن خاص بالنخبة أو الباحثين. الوعي السياسي في جوهره وعي وطني، يبدأ من المراحل الدراسية الأولى، مثلما يدرس الطالب الجغرافيا أو التاريخ. إدراج مبادئ العلوم السياسية في المناهج المبكرة يمنح الطلبة أدوات لفهم العالم من حولهم، يعزز انتماءهم الوطني، ويُنمّي لديهم القدرة على قراءة الأزمات والتعامل معها بوعي لا بردود فعل عاطفية. إنه استثمار طويل المدى في جيل يعرف كيف يحمي وطنه بالمعرفة، قبل أن يذود عنه بالفعل. فالدرس الأكبر أن الأزمات، مهما كانت قاسية، قد تُعيد صياغة المستقبل على أسس أصلب وأعمق.إن الرسالة ليست مجرد تحذير افتراضي، بل نداء وطني. أما آن الأوان أن نُعيد صياغة حاضرنا لنضمن مستقبلنا؟ وفي قطر، حيث تحفل الساحة بقيادات واعية، قادرة على اتخاذ قرارات جوهرية، يظل الأمل كبيرًا بأن نُحوّل التحديات إلى فرص، وأن نصوغ من زمن التسارع تاريخًا جديدًا يليق بوطن لا يعرف التراجع.
1572
| 11 سبتمبر 2025
ما جرى بالأمس لم يكن حدثًا عابرًا، بل هجوم أيقظ الضمائر وأسقط الأقنعة، الضربة الصهيونية التي استهدفت مقرًا لقيادات المقاومة أثناء اجتماع لبحث مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير، لم تكن مجرد اعتداء عسكري جبان، بل إعلانًا صريحًا بأن هذا الكيان الغاصب قد فقد أوراقه السياسية، ولم يعد يملك سوى منطق العصابة المنفلتة التي لا تعبأ بالقوانين ولا تحترم سيادة الدول ولا تراعي أبسط الأعراف الإنسانية. لقد انكشفت البربرية على حقيقتها، الدولة التي حاولت أن تفرض هيبتها بالحديد والنار، كشفت عن ضعفها وانكسارها أمام العالم، لم يعد في جعبتها إلا لغة الغدر وضربات عشوائية لا تفرّق بين مدني وعسكري، ولا بين أرض محايدة وأرض محتلة، ولا بين عدو ووسيط، تلك العلامات الواضحة لا تعني إلا شيئًا واحدًا: الانهيار من الداخل بعد سقوط صورتها في الخارج. نحن أمام لحظة فارقة، لحظة اختبار للتاريخ: هل سنرتقي إلى مستوى المسؤولية ونحوّل هذا الحدث غير المسبوق إلى بداية لصحوة عربية وإسلامية؟ هل سنشكّل جبهة موحّدة مع شرفاء العالم لنضع حدًا للتواطؤ والتطبيع، ونطرد سفراء الاحتلال من عواصمنا، ونغلق الأبواب التي فُتحت لهم تحت شعارات مضللة لم تجلب سوى الوهم والعار؟ أم سنمضي كأن شيئًا لم يكن؟ إنها فرصة ذهبية لإعادة ترتيب البيت العربي من الداخل، ليست القضية قضية قطر وحدها، بل قضية كل شبر عربي مهدّد اليوم بانتهاك السيادة، وغدًا بالاحتلال الصريح، لقد أثبتت التجارب أن هذا الكيان لا يفهم إلا لغة الردع، ولا يقرأ إلا معادلات القوة، وكل لحظة تأخير تعني مزيدًا من الاستباحة والاستهانة بحقوقنا وكرامتنا. نحن أمة تمتلك أغلب موارد الطاقة ومفاتيح طرق التجارة العالمية، ومع ذلك تُعامل كأطراف ضعيفة في معادلة الصراع، آن الأوان أن نتحرك لا بخطابات رنانة ولا بيانات جوفاء، بل بمواقف عملية تُعيد الهيبة إلى هذه الأمة. لقد أراد الاحتلال من وراء هذه العملية الغادرة أن يوجّه رسالة مرتبطة بمقترح ترامب، مفادها أن لا صوت يعلو فوق صوته، لكن الرد الحقيقي يجب أن يكون أوضح: السيادة لا تُستباح، والقرار لا يُملى من واشنطن ولا من تل أبيب. الغدر هو آخر أوراقهم… فلنجعل وحدتنا أول أوراقنا.
1269
| 10 سبتمبر 2025
على رمالها وسواحلها الهادئة كهدوء أهلها الطيبين حيث لا يعلو صوت فوق هدير وأزيز المعدات والآلات، وعلى منصات النفط والغاز العملاقة العائمة فوق أمواج مياه الخليج، تتجسد قصة إنسان صنع بجهده وعرقه وتضحياته جزءًا من مجد هذا الوطن الغالي. يجلس اليوم في عقده السابع، هادئًا ممسكًا بسبحته على إحدى أريكات كورنيش الدوحة الاسمنتية، يناظر الأفق البعيد وناطحات السحاب، بينما تتلون السماء بوهج الغروب وأطياف الشفق الساحرة، شارد الذهن في ذكريات الماضي الجميل يلفها عباءة الفخر والعزة والحنين. إنها رحلة “مهندس قطري”، امتدت لأكثر من أربعة عقود، سطر خلالها ملحمة من التحدي والصبر والإصرار، وكان شاهدًا على أبرز التحولات في تاريخ بلاده الصناعي. لم تكن تلك المرحلة مفروشة بالورود والرياحين؛ ففي سبعينيات القرن الماضي، كانت قطر تضع لبناتها الأولى في التنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما بكميات تجارية. وكان هذا المهندس الشاب جزءًا من تلك النخبة، فلم تكن شهادته الأكاديمية وحدها سلاحه، بل كانت همته العالية وإرادته الصلبة. عمل جنبًا إلى جنب مع زملائه من العرب والآسيويين والأوروبيين، وعمالقة الشركات الصناعة العالمية IOCs, مثل بي بي، يارا (هيدور )، كوبي ستيل،شل، توتال، إكسون موبيل، وشيفرون، وغيرهم، لم تكن هذه الشركات مجرد جهات عمل، بل كانت بحق جامعات ميدانية نقلت إليه وإلى أبناء قطر المخلصين أعلى معايير الدقة والاحترافية والإبداع. في القطاع الصناعي، تعلم فنون الإدارة والإشراف على تلك المصانع العملاقة بكل إتقان وكفاءة على سبيل المثال، اكتسب من الإدارة اليابانية مبدأ “كايزن” (Kaizen)، وتشرب من الادارة الأمريكية “التصنيع الرشيق” (Lean Manufacturing)، ومن الإدارة الأوروبية أجاد أتقان مبدأ “السلامة أولًا” (Safety First). ولكن الأهم من ذلك كان ترسيخ قيم الالتزام، والتسامح، والرقي في التعامل مع الآخرين، فكانت هذه الأسس التي صنعت بيئة عمل متماسكة كالعائلة الواحدة، على الرغم من اختلاف مشاربها الثقافية والعرقية ”Ethnicity”. كانت التحديات هي المحك الحقيقي؛ فالعمل في قطاع الطاقة والصناعة يعني التصدي للمخاطر المهنية اليومية.كالتعامل مع غازات ذات الضغوط العالية التي قد تتجاوز 1000 بار، ودرجات الحرارة التي قد تصل وتتجاوز 900 درجة مئوية، بالإضافة إلى التعامل مع المواد السائلة شديدة الخطورة والصلبة، والعمل تحت لهيب حرارة الصيف ورطوبته العالية. ومرورًا بالظروف القاسية والعزلة العائلية والاجتماعية لفترات طويلة على المنصات البحرية والجزر الصناعية العائمة ( Production Offshore Platforms ). وفي تلك الظروف، كانت اليقظة والدقة هاجسًا دائمًا من أجل السلامة والعودة إلى الأهل والأحبة.هناك، بعيدًا عن دفء الأسرة تذوب الفوارق بين الجنسيات والألوان والثقافات، ليصبح الزميل أخًا وشريكًا في الهدف. لم تكسر هذه الظروف الرجال، بل صقلتهم، وحولتهم إلى قادة قادرين على اتخاذ القرارات المصيرية والحاسمة. ولا نستثني في هذا السياق الإداريين الأفاضل، حيث كان الوصول إلى أعلى هرم الادارة متاحًا بلا حواجز ولا مواعيد مسبقة، فكانوا هم السند الحقيقي والخفي الذي جعل الإدارة حلقةً داعمة وفاعلة تكمل منظومة الجهد الجماعي بين العمل الميداني والمكتبي. ولم تتوقف رحلة هذا المهندس عند حدود الوطن؛ فبعد أن اكتسب خبرة واسعة، حمل راية بلاده إلى أنحاء العالم، من أمريكا إلى آسيا وأوروبا، مشرفًا على مشاريع كبرى، وكان خير سفير للكفاءات القطرية. كانت تلك البعثات والمهمات اغترابًا طوعيًا، وثمنًا دُفع في سبيل اكتساب معاير الريادة العالمية. ورغم صعوبات البعد عن الوطن وحواجز اللغة، أثبت أن “المهندس القطري” قادر على المنافسة وإضافة قيمة في أي مكان ومشروع يذهب إليه. يجلس هذا المهندس الخبير المخضرم اليوم ليس كشاهد على عصر فحسب، بل كمدرسة ومرجعية وطنية يجب استغلالها ومهمته الحالية لا تقل أهمية عن سابقاتها؛ فهو ينقل للأجيال الحاضرة العلم والتقنية الهندسية، ومعهما ينقل إرثًا من القيم: الأخلاق، والإخلاص، والولاء، والدقة، والابتكار. لقد غدا جسرًا انتقلت عبره أفضل الممارسات العالمية لتندمج مع الهوية القطرية الأصيلة، وتشكل نموذج المهندس العالمي الذي لا يتخلى عن جذوره. إن قصة هذا المهندس هي دليل على أن الثروة الحقيقية لا تكمن في باطن الأرض، بل في عقول أبنائها. لقد حول ذاك الجيل الرائد التحدي إلى فرصة، والفرصة إلى إنجاز، والإنجاز إلى إرث خالد تفتخر به الأجيال القادمة. أخيرًا وليس اخرا، تحية إجلال وتقدير إلى رواد الصناعة والطاقة في بلادنا. الذين حوّلوا الصحراء وسواحلها إلى مصانع شامخة ببهائها تتلألأ ليلًا كالجواهر واللآلئ الثمينة، أُقبّل جباههم التي خاضت التحديات وحملت مسؤولية بناء صرح نفخر به امام الجميع والأجيال القادمة، بكل شموخ وأنفة. وأسأل الله أن يتغمد من رحل منهم بواسع رحمته، وأن يوفق الأحياء منهم والأجيال القادمة، ليواصلوا حمل راية العز والفخر. دام عز هذا الوطن ودامت سواعد رجاله الأوفياء ودمتم ……والسلام.
1146
| 08 سبتمبر 2025