رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

تقارير وحوارات

282

رباب وفوزية.. أختان من سوريا تعيشان في عالمين منفصلين

27 أبريل 2015 , 05:56م
alsharq
بيروت – وكالات

في مدينة صغيرة جنوبي بيروت لا تألو فوزية جهدا في الحفاظ على نظافة شقتها المتواضعة، رغم جدرانها المتداعية والنوافذ المغطاة بالبلاستيك.

ويعيش معها في الشقة المكونة من ثلاث حجرات للنوم 12 شخصا آخرين من بينهم أطفالها الخمسة، والجميع مثلها لاجئون من سوريا.

كل يوم تقريبا تستقبل فوزية رسائل على الهاتف المحمول من شقيقتها الأصغر رباب التي تعيش في ألمانيا.

هربت الشقيقتان من وطنهما قبل ثلاثة أعوام ويصور تباعدهما المصائر التي حلت بملايين السوريين، ممن اضطرتهم الحرب الأهلية الدائرة منذ أربع سنوات للخروج من بلدهم.

فرباب أرملة تبلغ من العمر 42 عاما وهي أم لاثنين في سن المراهقة أصبحت من بين بضعة آلاف من السوريين الذين اختارهم بلد أوروبي غني لإعادة توطينهم، ويعيش الثلاثة في منزل مريح ويحصلون على تعليم مجاني وتأمين صحي.

أما فوزية التي تكبرها بعشر سنوات فكان مصيرها مختلفا، فهي في لبنان واحدة من أكثر من مليون سوري ليس لهم حق قانوني في العمل ولا يحصلون على مساعدات تذكر، وقالت إنها لا تستطيع هي وأولادها العودة لسوريا فقد أبلغها جيرانها في سوريا أن واجهة المبنى الذي تقع فيه شقتهم قد نسفت.

قامر آلاف غيرهم من السوريين بدفع بضعة آلاف من الدولارات لمهربي البشر من أجل ركوب سفن مهترئة، لتعبر بهم إلى حياة أفضل على الجانب الآخر من البحر المتوسط.

وتقول فوزية "أفكر في الذهاب إلى أوروبا، لكني لا أفكر في الذهاب في مركب لأن حياة عائلتي أغلى علي بكثير".

وتقول منظمة الهجرة الدولية إن 42323 مهاجرا من سوريا كانوا من بين 170 ألف مهاجر وصلوا إلى إيطاليا بحرا في العام الماضي، وتقول إيطاليا إن حوالي 2000 مهاجر قضوا نحبهم في البحر منذ بداية العام الجاري.

وتوضح بيانات الأمم المتحدة إن فرص حصول لاجئ على إعادة التوطين رسميا في بلد غني مثل ألمانيا ضئيلة تبلغ نحو 0.5 %، ويعيش نحو 90 % من أربعة ملايين لاجئ سوري في لبنان وتركيا والأردن، وتصف الأمم المتحدة أزمة اللاجئين السوريين بأنها أسوأ أزمة للاجئين منذ الحرب العالمية الثانية.

وقد وعدت ألمانيا وكندا أكثر بلدين سخاء بين الدول الغنية باستيعاب 30 ألف و11300 لاجئ على الترتيب لكن هذا لم يتحقق حتى الآن، وقبلت بريطانيا التي تدعم مقاتلي المعارضة السورية 143 لاجئا، أما روسيا التي تؤيد الجيش السوري واليابان صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم فلم تقبلا أحدا من اللاجئين.

وهذا يضع أمثال فوزية أمام خيار صعب: فإما أن تشق حياتها في لبنان أو تعود أدراجها للحرب أو تغامر بعبور البحر.

ولفوزية مثل رباب عينان زرقاوان وصوت رخيم به بحة وهي تشعر بسعادة غامرة لأن المقام استقر بأختها الأصغر في أوروبا.

وكانت علاقة حميمة تربط بين الشقيقتين في صغرهما حتى أن أسرتهما كانت تعتبرهما أمينتين على الأسرار، وقالت فوزية إن الاتصال المنتظم بينهما اليوم نعمة ونقمة في آن واحد إذ أنه يكشف عن الاستقرار الذي تتمتع به رباب وقد لا تعرفه هي.

وقالت فوزية "هي تخرج للتسوق وتشتري الحاجيات لبيتها، وتجلس في البيت وأولادها يذهبون للمدرسة، بيتها منظم وتشعر بالأمان".

بدأت الأختان رحلة الهروب من الحرب عام 2012، هربت رباب أولا من بيتها حيث كانت تعيش في مدينة حمص التي عمها الدمار الآن، وبعد بضعة أشهر هربت فوزية التي كانت تعيش في منطقة زراعية وسط بساتين خارج دمشق.

ومثل كثير من السوريين لجأت الاثنتان في البداية للإقامة مع أقارب لهما في سوريا ثم نفد ما لديهما من مال واتسع نطاق الحرب.

اتجهت رباب إلى لبنان، في البداية رفض المسؤولون السماح لها بالدخول واضطرت للرجوع بابنتها وابنها إلى دمشق لاستيفاء الأوراق، وأثناء وجودها في دمشق أصيب الابن بجروح في انفجار.

أما فوزية فثابرت، وسيطر مقاتلو المعارضة على المنطقة وردت الحكومة بغارات جوية، وفي وقت لاحق من ذلك العام أصيبت المنطقة بصواريخ تحتوي على غاز السارين وهو من غازات الأعصاب.

وبنهاية عام 2012 كانت الشقيقتان قد عبرتا إلى لبنان.

ويعيش كثير من اللاجئين في بيوت مستأجرة أو مع عائلات أخرى، وتتهم وسائل الإعلام اللبنانية وبعض الشخصيات السياسية اللاجئين بإيواء متشددين إسلاميين. ويقول آخرون إن اللاجئين يستحوذون على الوظائف ويقبلون أجورا منخفضة ويشغلون أماكن العلاج في المستشفيات.

عاشت أسرة رباب في مرآب رطب تفوح من أركانه رائحة الوقود دون مياه ودون كهرباء، وقالت إن "الحياة أصبحت مستحيلة"، وكانت قد سجلت أسرتها لدى الأمم المتحدة كلاجئين لكنها كانت تشعر بألا حقوق لها.

أما فوزية فكانت أفضل حظا، فقد وجدت هي وزوجها النحيف ذو الشارب الفضي الكثيف عملا في التخلص من الحشائش في حقول أحد المزارعين.

وأصبح لرباب شقة مفروشة أرضياتها من الخشب وجدرانها حديثة الطلاء، وأمامها أشجار في الخارج وكنيسة قديمة على تل، ومن خلال نوافذ الشقة تستطيع رؤية ملعب وحديقة أزهار أنيقة لدى الجيران.

وقالت وهي تجلس إلى مائدة في مطبخها الذي طليت الخزانة فيه باللون الأزرق "كان الأمر أشبه بولادتنا من جديد".

وفي لبنان تستخدم فوزية آلة حياكة قديمة من نوع سنجر لحياكة الملابس للاجئين الآخرين، وقالت إن إيجار شقتها في الدور الرابع يبلغ 300 دولار شهريا، وأضافت أنها تستطيع بالكاد تدبير ثمن الدواء.

وتتمنى فوزية لو استطاعت اللحاق بشقيقتها وتقول "كانت فرصة لأولادي ليرحلوا".

مساحة إعلانية