تقارير وحوارات

1602

يسري: التجديد لا يكون في ثوابت الدين وإنما في تجلياتها وبيانها

أكد الدكتور محمد يسري إبراهيم نائب رئيس رابطة علماء المسلمين أن التجديد ينشأ من عندنا لا من غيرنا، ويأمر به علماء الإسلام ودعاته والمصلحون، لا يأتمرون به بأمر شرق أو غرب.

وأضاف في حوار "للشرق" أنه إذا كان الذين يطالبون بالتجديد من غير أهل ملتنا ومن غير الناصحين لأمتنا فإن هؤلاء لا تقبل منهم دعوة التجديد لأنها سوف تكون مشوبة بما عندهم من عقائد وتصورات وأفكار بل وأغراض وأهداف تتعارض مع التجديد الشرعي الذي أمرنا به.

وقال إن التجديد لا يكون في ثوابت الدين وإنما التجديد يكون في تجلياتها وبيانها ولا يكون التجديد بأمر أحد خارج دائرة الإسلام، وإنما بأمر أهل الإسلام، ودعاة الإسلام، والثقات من العلماء وفيما يلي نص الحوار..

* فضيلة الشيخ ونحن الآن في رمضان نسأل هل يحتاج الخطاب الديني للتجديد؟

* التجديد في دين الله عز وجل مشروع بالمأمور به حيث قال المصطفى صلى الله عليه وسلم إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل قرن من يجدد لها دينها إذن هناك تجديد شرعي مأمور به في سنة النبي هذا التجديد إذا وقفنا على ملامحه وتعرفنا عليه، فإنه سيكون تجديداً شرعياً، لكنه لا يكون بإحداث أصول جديدة، أو ابتداع دين من عندنا، إنما هو تجديد في عهد المسلمين بدينهم، تجديد لما اندثر من الأصول، أو لما ران عليه الإهمال من قواعد هذا الدين، فيقوم المجدد بنفض الغبار الذي تراكم على هذه الثوابت، وتلك القواعد، فيجليها مرة أخرى على حقيقتها الأولى، ويعيدها بيضاء نقية ناصعة كما كانت زمن التجديد السابق.

ولقد عد بعض العلماء عمر بن عبد العزيز المجدد الأول لأنه كان على رأس القرن، ثم قيل إن الشافعي هو المجدد الذي بعده، ثم بعد ذلك يأتي تجديد متعدد ومتنوع، لا يأتي بجديد وإنما يكون تجديدا بالعهد والثوابت، واستحداث لوسائل اجتهادية، بها يتم البلاغ ويتم نشر الإسلام السمح، وهذا هو المعنى الذي نقبله من التجديد.

* ومن يقوم بالتجديد؟

* التجديد ينشأ من عندنا لا من غيرنا، ويأمر به علماء الإسلام ودعاته والمصلحون، لا يأتمرون به بأمر شرق أو غرب، أما إذا كان الذين يطالبون بالتجديد من غير أهل ملتنا، ومن غير الناصحين لأمتنا فإن هؤلاء لا تقبل منهم دعوة التجديد لأنها سوف تكون مشوبة بما عندهم من عقائد وتصورات وأفكار بل وأغراض وأهداف تتعارض مع التجديد الشرعي الذي أمرنا به.

الجهات خمس هي الأولى - كثرة المقروء من القرآن والمتلو مصدقاً لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها -أما الجهة الثانية فهي طول زمن القراءة لأنه كلما كانت التلاوة أطول كلما كان الأجر أكثر- الجهة الثالثة المهارة بتلاوة القرآن فأجر الماهر بالقرآن من السفرة الكرام البررة -الجهة الرابعة هي جهة التفكر والتدبر قال تعالى (أفلا يتدبرون القرآن) أما الجهة الأخيرة فهي جهة كثرة النيات الصالحة فالأعمال تتفاضل بحسب النيات.

والتجديد لا يكون في ثوابت الدين وإنما التجديد يكون في تجلياتها وبيانها، ولا يكون التجديد بأمر أحد خارج دائرة الإسلام، وإنما بأمر أهل الإسلام، ودعاة الإسلام، والثقات من العلماء.

* كيف نعرف من يريد التجديد بنية حسنة ومن هو مغرض ..وخاصة مع وجود من ينتمون لديننا لكنهم يريدون به السوء؟

* لدينا ثوابت في كتاب ربنا وسنة نبينا أولية، فمن الثوابت الأولية قول المولى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) فإذا كان الذين يطلبونك من غير ملتنا فإن تجديدهم عليه علامات استفهام كثيرة، إذن كلام غير المسلمين عن التجديد كلام عليه تحفظ مع ما عندنا من مسلمات القرآن (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردونكم عن دينكم) فيُنتبه إلى هذه الجهة أولاً.

* وما هو المقصد من التجديد؟

* المقصد من التجديد هو ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي.

ومن خلال الحديث يفهم أن التجديد هو أن نعود على مثل ما كان عليه النبي وأصحابه، متى؟ في كل زمان، وأين؟ في كل مكان.

فوظيفة التجديد الثابتة أن تعيدنا إلى ما كان عليه رسول الله وما كان عليه أصحابه.

* قد يقول قائل هل تريدنا من هذا التجديد أن نعود إلى وسائل المواصلات في عهد النبي وأن نأكل نفس الأطعمة؟

* كل هذا لا يراد، وكل هذا من الإغراض المرفوض، إنما التجديد أن نعود إلى أصول الدين وقواعده، وثوابته، وضوابطه، ومحكماته وهذا لا يتغير مع تغير الزمان والمكان.

فالعودة إلى ما كان عليه رسول الله من العقيدة والشريعة والأخلاق والآداب والفضائل كل هذا تناله يد التجديد وهو مجال صالح للتجديد وأما ما هو من جنس العادات التي تقبل التغير في عهد أو في زمنه عن زمن غيره فهذه لا علاقة للتجديد به، فتجديد الناس بملبوساتهم أو مطعوماتهم، أو وسائل رفاهيتهم، كل ذلك لا علاقة له بالتجديد، وإنما التجديد يدعو للانتفاع بها والاستفادة منها.

* لماذا شرع الله شهر رمضان؟

* الله عز وجل قال (وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون) فغاية الخلق تحقيق عبودية الخالق سبحانه وتعالى، إذن وجودنا في هذه الحياة لنعبد الله، وإذا قال قائل ولِمَ نعبد الله؟ فالجواب لكي تتحقق حكمة أخرى وهي التقوى مصداقا لقوله تعالى في أول نداء له (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) فجعل غاية العبادة تحصيل التقوى، فغاية الخلق تحصيل العبادة، وغاية العبادة تحصيل التقوى.

إن قال قائل لماذا خص الله شهر رمضان بهذه المزايا وتلك الفضائل، نقول قال الله تعالى (وربك يخلق ما يشاء ويختار) فهو سبحانه الذي يفاضل بين الأزمنة والأمكنة والأشخاص.

ففي الأشخاص قال (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) وفي الأمكنة (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً) أما رمضان فهو الزمان المعظم، والحكمة في ذلك بينة قال تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) فسبب تعظيم رمضان تعظيم أيامه بالصيام وتشريف لياليه بالقيام هو ماذا؟ هو أنه الميقات الزماني لنزول القرآن.

إذن الحكمة أنه متنزل كتاب الله ومهبط وحي الله والتوقيت الزماني، لنزول كتاب الله، ليس فقط القرآن ولكن كل كتاب أنزله الله من السماء فإنه أنزله في رمضان ففي الحديث أن الله عز وجل أنزل في أوله التوراة وصحف إبراهيم وفي وسطه أنزل الإنجيل والزبور وفي آخره أنزل القرآن لأجل هذا كان الاعتناء بالقرآن في رمضان فوق كل اعتناء.

* وكيف يكون الاعتناء بالقرآن في رمضان؟

* لقد وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم يحتفي بالقرآن في رمضان احتفاء لا يكون في غيره، حتى إنه لينقطع معتكفاً ليتدارس مع جبريل القرآن، ففي كل سنة يعرض القرآن عليه، وفي السنة التي قبض فيها صلى الله عليه وسلم عرض القرآن عرضتين، حيث اعتكف في آخر رمضان عشرين ليلة لذا فالصحابة كانوا يدركون ذلك عن النبي.

والصحابة منهم من كان يختم القرآن في ليلة مثل عثمان بن عفان، وأثر عن بعض الصحابة والتابعين أنه كان له في رمضان ختمتان واحدة ليلية وأخرى نهارية وهذا مأثور عن الإمام الشافعي.

* أيهما أفضل أجراً كثرة القراءة أم التدبر والتأني وما هي الجهات التي يتعلق بها الأجر في تلاوة القرآن؟

* الجهات خمس هي الأولى - كثرة المقروء من القرآن والمتلو مصدقاً لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها -أما الجهة الثانية فهي طول زمن القراءة لأنه كلما كانت التلاوة أطول كلما كان الأجر أكثر- الجهة الثالثة المهارة بتلاوة القرآن فأجر الماهر بالقرآن من السفرة الكرام البررة -الجهة الرابعة هي جهة التفكر والتدبر قال تعالى (أفلا يتدبرون القرآن) أما الجهة الأخيرة فهي جهة كثرة النيات الصالحة فالأعمال تتفاضل بحسب النيات.

* قال تعالى (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) فهل من سبقونا كانوا يصومون؟

* هذه الآية القرآنية تدل على أن الصيام عبادة شاقة ميسرة، فقوله كما كتب على الذين من قبلكم أي أنك تشارك في عبادة صامها الأنبياء من قبل وصامتها كل أمة من قبلنا.

* من صام رمضان إيمانا واحتسابا ..كيف تنظرون لهذا الحديث؟

* النبي صلى الله عليه وسلم ذكر مواهب رمضان وحسناته وبركاته فهي فوق أن تحصى وأن تعد فالنبي قال من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وفي رواية وما تأخر فالله تعالى يعين العبد في أول رمضان قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنان وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ومردت الجن وهذا من معونة الله تعالى لعباده في رمضان، ومن هبات هذا الشهر للصائمين، وماذا أيضاً؟ لله عند كل فطر عتقاء من النار وإذا ما العبد مات يؤنسه الصيام والقرآن، وإذا حشر يشفع له أيضا القرآن والصيام، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن والصيام يشفعان لصاحبهما يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشراب في النهار فشفعنى فيه، ويقول القرآن أي رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال النبي فيَشفعان أو يُشفعان.

* وهل تنتهي بركات الصيام عند ذلك؟

* لا تنتهي بركاته أبداً حتى يدخل العبد الجنان من باب الريان، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم إن في الجنة باباً يقال له الريان لا يدخله إلا الصائمون، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل أحد إلا الصائمون.

* ما حكم الشرع في من يصوم لكنه لا يصلي؟

الصيام عبادة مؤقتة، والعبودية لله هي العبادة الدائمة، فمن جاء بالعبادة المؤقتة ولم يأت بالعبادة الدائمة لم تقبل منه المؤقتة، أما من جاء بالعبادة الدائمة ثم جاء بالعبادات المؤقتة في وقتها فهذا هو الذي على رجاء القبول، وتأمل نبينا حين قال رب صائم لم يكن له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم لم يكن له من قيامه إلا التعب والسهر.

* متى يمتنع الصائم عن الأكل والشرب هل في بداية الأذان أم أثناء الأذان؟

* إذا علم الصائم أن الأذان يكون مع أول الوقت بالفعل فإن عليه أن يمتنع عن الأكل والشرب بمجرد سماع المؤذن يقول الله أكبر، أما إذا علم أن الأذان يكون قبل الوقت لمدة وجيزة أو يسيرة، فإن له أن يأكل أثناء الأذان فإذا فرغ المؤذن امتنع عن الأكل والشرب، وهذا مرتبط بعمل الصائم هل الأذان في أول الوقت أم يكون قبل الوقت، فإذا تأكد أن الأذان قبل الوقت يجب عليه أن يمتنع عن الشرب والأكل بمجرد قول المؤذن الله أكبر، إلا في حالة واحدة وهي أن يرتفع الأذان والإناء على فمه، أو يؤذن وهو يشرب فله أن يتم أكله أو شربه قبل أن يفرغ المؤذن من الأذان.

* كيف تنظر لزيادة المسلسلات والبرامج الترفيهية في رمضان وشغل الناس بها بعيداً عن العبادات والدروس الدينية؟

* من بركات رمضان أنه يقاتل عنا شياطين الجن، لكنه لا يقاتل عدو الإنسان من الإنس، وبقي الإنسان يجاهد شياطين الإنس الذين يغوونك لعدم الوصول لبركة رمضان ،وإلى ثواب رمضان، وإلى فضل رمضان

فشياطين الإنس يسوؤهم أن يتقرب الناس لربهم وأن يعود الناس لخالقهم وأن يتزودوا بزاد الإيمان والتقوى لذا فهم يعاكسون ويعاندون إرادة الله عز وجل وإرادة الصالحين في التقرب إلى الله في هذا الشهر فهم يملأون الشهر بالموبقات والذنوب والسيئات التي تكون سبباً في أن يحول بين الناس وبين قبول الصيام وسبباً يمنع الناس إلى الوصول لحقيقة الصيام والتي هي التقوى، التي جعلها الله غاية، وهذا بالطبع من حرب شياطين الإنس لأولياء الله تعالى، فلابد من مجاهدة هؤلاء.

* وكيف تكون مجاهدة هؤلاء؟

* تكون مجاهدتهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك بإشاعة القول بأن هذه المسلسلات محرمة في كل وقت، وهي في رمضان أشد تحريماً، أيضاً إشاعة القول أن هذه الأغاني الهابطة محرمة في كل وقت وفي رمضان أشد إثماً وجرماً وتحريماً وهكذا يجب أن يرتفع صوت الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ليعلوا فوق صوت هؤلاء الذين يدعون الناس للرذيلة بدلاً من الفضيلة، والذين يشيعون الفاحشة بدلا من الطهر.

* أخيراً كيف تنظر لحال الأمة حاليا في رمضان؟

* أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة مرحومة، وهي أمة منصورة وهي أمة ظافرة، وسيبقى فيها الخير إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لكنها في هذه الأيام في مخاض شديد، هذا المخاض يتبعه ويصحبه آلام كثيرة وكبيرة، لكنها علامة صحة، لأن المريض الذي مات لا يشعر بالألم، أما من فيه حياة فإن الجراح تؤلمه، حتى وإن كانت هذه الجراح تثخنه، فالأمة برغم أن الجراح تثخنها لكنها تقاوم وتجاهد أعداءها، وأعداء الله عز وجل وأعداء دينها.

ومن يقارن بين الأمة اليوم وبين الأمة من خمسين سنة أو ستين سنة يجد الفرق شاسعاً والبون واسعاً فمن ستين سنة فلسطين تحتل والآن فلسطين تقاوم، من ستين سنة غزة تنتهك، واليوم غزة تنتصر، من ستين سنة الحجاب غائب عن نساء المسلمين، واليوم هو ينتشر في جامعاتها وكل موقع من مواقع العمل والدراسة، أيضاً من ستين سنة لم تكن مدارس الدعوة منتشرة في الأمة والآن هي تعج بهذه المدارس العلمية والدعوية على مختلف مشاربها.

وهذا دليل على أن الله يريد لهذه الأمة خيراً، برغم الجراح، التي لا تزيدها إلا إصراراً ولا تزيدها إلا ثباتاً.