رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محليات

5828

جامع المدينة التعليمية منارة تضيء ليالي الدوحة الرمضانية

23 يونيو 2015 , 02:22م
alsharq
محمد زهران - الدوحة - بوابة الشرق

بصوتٍ عذب وخشوعٍ خالط قلوب الحاضرين، أَمَّ القارئ محمد البراك جموع المصلين في رابع أيام رمضان بمسجد المدينة التعليمية؛ ذلك الصرح المعماري البديع الذي يشع منه النور ويخاطب أرواح الساجدين، ليتوقف القلم عاجزاً عن ترجمة مشاعر الخشوع وروح السكينة التي تحوم في أرجائه، إنها أجواء من الرحمة وبحور من الإيمان..

كلما حاولنا نقل ما يدور في أعماقها لكم من خلال الكلمة نكتشف أننا مازلنا نعبث في رمال الشاطئ، كل ذلك كان ضمن إطار الفعاليات الرمضانية لمؤسسة قطر، والتي تهدف لترسيخ روحانيات الشهر الفضيل واحياء لياليه الجلية بعطر السُّنَّة النبوية المشرفة،

ولمسجد المدينة التعليمة رسالة واضحة يبعثها من خلال تصميم مبناه الفريد، الذي عكف عليه المعماريون 24 مليون ساعة من العمل الدؤوب، ليزيحوا بعدها الستار عن منارة تجمع بين العلم والإيمان، تمتد دروبها على مساحة 15 مليون متر مربع. ويضم المبنى قاعات دراسية وواحة اكاديمية تابعة لكلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة، هذا بجانب منطقة عامة ومنطقة أخرى لمكاتب هيئة التدريس، ومواقف شاسعة للسيارات، بالإضافة إلى الجامع الذي يتسع لـ 1850 مُصليا ينقسمون لـ 1500 في الطابق الأول للرجال و350 في الطابق الثاني للنساء، بالإضافة إلى 1800 مُصلٍ في الباحة الخارجية، ومكتبة تضم 100 ألف كتاب تتراص على رفوفها التي تنضح بالعلم، وبذلك نستطيع أن نؤكد أن هذا المبنى العملاق التابع للمدينة التعليمية، هو مدينة داخل المدينة

ومن هنا نقول: إذا كانت العاصمة الفرنسية تسمى مدينة النور لانطلاق الثورة التنويرية من بين ضلوعها، والتحرر من قيود الكنيسة وفصل الدين عن الدولة في القرن الثامن عشر، فإن الدوحة على غرار باريس هي مدينة النور الجديدة للقرن الواحد والعشرين، إلا أن الوضع القطري يختلف تماماً؛ فالدولة تعلن عن بداية عصر جديد يحمل شعار العلم والإيمان والتصاق الدين بالدولة، من أجل مستقبل مستنير، وهذا ما تهدف إليه قيادات الوطن، وتسعى لتحقيقه من خلال رؤية قطر الثاقبة 2030.

العلوم الحديثة

وفي تصريحات خاصة لـ "الشرق" قال القارئ محمد البراك: إن قطر تزاوج بشكل تحمد عليه بين العلوم الحديثة وتعاليم الدين الاسلامي، حيث إن العلم بمختلف أنواعه جزء لا يتجزأ من الاسلام العظيم، ويؤكد أن دولة قطر تسير في الاتجاه الصحيح، كما يأمر الله ورسوله صل الله عليه وسلم.

ويشيد فضيلته بالنهضة العملاقة التي تشهدها قطر في مجال العمارة الإسلامية، ويختتم الشيخ محمد البراك حديثه، وهو يرجو من الله دوام النعمة على شعب، وحكومة قطر وجميع البقاع الإسلامية. والجدير بالذكر أن القارئ البراك بدأ صلاة العشاء بتلاوة تخطف القلوب للآية الكريمة: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر.."، ليشعل بذلك أشجان المصلين الذين تقطعت أفئدتهم حسرة وندما على ما كنا نعيشه في الأعالي، وكيف أصبح حالنا من ضعف وهوان، ويشير البراك لأسباب انتفاضة الأمة من سباتها مجدداً في أول ركعة من صلاة التراويح، بتلاوته آية: "ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون".. فسبب النصر هو تقوى الله وخشيته، ولعل العلم من أهم اسباب خشية الله، كيف لا وهو الذي يقول: "إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ "، فالعلم هو محور كل شيء وبه نفوز بالدنيا والآخرة.

جولة بين الأروقة

بالرغم من حداثة اللغة المعمارية التي يتكلم بها المسجد، إلا أنه ظل مستنداً إلى القيم المعمارية الإسلامية التى أبدعها المسلمون منذ مئات السنين، فترى الخط الكوفي الجميل يلفت الأنظار على جدران المسجد وأعمدته، وما يثير الانتباه والدهشة هو عبقرية التصميم الفريد، فالمسجد قائم على خمسة أعمدة تمثل أركان الإسلام الخمسة، ويقول المهندس جاسم محمد تلفت المدير التنفيذي لمجموعة الادارة العامة للمشاريع الرئيسية، والادارة العامة للمرافق والصحة والأمن والبيئة، بخصوص هذا الشأن: إن فكرة رفع الجامع على خمسة أعمدة التي تمثل أركان الإسلام الخمسة، فكرة مقصودة نريد من خلالها أن نقول: إذا هدمنا إحدى تلك الأعمدة التي ترفع المسجد فإن المسجد سيخر منهدماً، وكذلك هو الحال مع أركان الإسلام، فإذا هدمنا منها ركناً هدمنا بذلك الدين كله.

وتتلألأ حروف الآيات على تلك الأعمدة الخمسة، فالعمود الأول مسطر عليه آية: "ولله على الناس ححج البيت من استطاع إليه سبيلا"، والثاني: "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً"، والثالث: "فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات"، أما الرابع فمكتوب عليه: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"، والخامس: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميعٌ عليم".. أما بخصوص المحراب الذي يلتف على جداره بحروف من الذهب آية: "فَوَلِّ وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره".

هذا الإبداع على غرار ثقافة الرقي في الدخول والخروج من المسجد، الذي لفت أنظارنا فالمئات تتوافد إلى المسجد لينالوا نفحة من نفحات الشهر الفضيل، وبالرغم من كثافة عدد المصلين إلا أنه يستحيل أن تشاهد بعثرة الأحذية أمام المسجد، فالأحذية توضع في مكان مرقم تجنباً لتدافع المصلين وتجمهرهم أمام الأبواب، مما قد يعرقل الخروج والدخول.

الوضوء يسيل أنهاراً

يقول ربيع عبدالحي الزبير رئيس المرافق والخدمات المساندة بكلية الدراسات الإسلامية جامعة حمد بن خليفة: إن مياه الوضوء تتجمع لتكون شلالاً من المياه يتجه في مسار واحد، إلى الحديقة الخارجية ليتفرع منه أربعة أنهار على عدد أنهار الجنة الأربعة الخمر واللبن والعسل والماء، لتروي تلك الأنهار الحدائق الخارجية حول المبنى، إضافة إلى الحدائق الداخلية. ويضيف الزبير: هكذا يأمرنا الإسلام بالاقتصاد وترشيد المياه، ويدلل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تسرف في الماء ولو كنت على نهر جار". ومما يثير الانتباه والإعجاب أن هناك مساحات خضراء، وأشجاراً تحتضن المبنى، لتؤكد على أن رؤية قطر للمستقبل هي رؤية خضراء ناعمة مطمئنة، صديقة للبيئة، تعتمد على الطاقة المتجددة وإعادة التدوير واستغلال المخلفات، كما شاهدنا في إعادة استخدام مياة الوضوء واستغلالها في الزراعة. وهذا ما عبر عنه ربيع الزبير بأن رؤية قطر رؤية إسلامية مستنيرة؛ فالتشجير والتعمير من مقاصد الشرع الحنيف، الذي أمرنا بالاهتمام بالمساحات الخضراء، ويدلل بحديث الرسول صل الله عليه وسلم: "إن قامت القيامة على أحدكم وفي يده فسيلة فليغرسها". ويواصل حديثه قائلاً: إن تعمير المساجد على وجه الخصوص واجب على كل مسلم"، إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر".

مساحة إعلانية