رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محليات

102259

الشرق تنشر قصصاً ومواقف لمعلمين قطريين جعلتهم يتركون مهنة التدريس للأبد!

20 فبراير 2022 , 05:33م
alsharq
صورة تعبيرية لمعلم أثناء تأدية عمله
أحمد إبراهيم:

 

نوعية هي الجهود الحكومية التي تسعى لتوطين مهنة التعليم في قطر، ومنح المعلم القطري ميزات لا توجد في مهن أخرى، إلا أنه وبرغم هذه الجهود النوعية والمميزات المالية، نصدم يوميا بواقع بات ملموساً في المجتمع وهو ترك الكثيرين من المعلمين القطريين لمهن التعليم، الأمر الذي دفعنا للبحث حول أسباب هذا الترك ودوافعه والتعمق فيه ومحاولة إيصال صورة أوضح للمشكلة الحقيقة للمعنين بهدف إيجاد حلول ناجعة لما فيه مصلحة المعلم والمنظومة التعليمة بشكل عام.

في خلال بحثنا تواصلنا مع عدد من المعلمين السابقين والحاليين، وتحدثوا لنا عن الأسباب الحقيقية التي تدفع المعلم القطري لترك مهنة التدريس والاستقالة للبحث عن مهنة أخرى أكثر راحة و أقل ضغطا ، فكانت الإجابات محصورة في عدة عوامل على شكل قصص من المعاناة الواقعية التي يمر بها المدرس يوميا، من ضغوط نفسية وأعباء عملية، إضافة إلى ما يلقونه من استهانة بعض أفراد المجتمع بالمعلم وعدم تقديره، للحد الذي وصل فيه الأمر إلى شكاية المدرس في مخافر الشرطة في حالات حدثت بالفعل دفعت الكثيرين لتقديم استقالاتهم وترك المهنة للأبد.

 

هيا الدوسري: إهانة المعلم وشعوره بعدم الأمان أسباب تدفعه لترك المهنة

تقول الأستاذة والمربية هيا ضابت الدوسري مديرة مدرسة الشيحانية سابقا إن المعلم اليوم في مدارسنا فقد هيبته وقيمته، وبات الخوف يحيط به أثناء أداء عمله لأن أي تصرف مع أي طالب قد يعرضه لإجراء إداري وربما لعقاب لا تحمد نتائجه.

تتحدث الأستاذة هيا عن مواقف شهدتها أثناء ممارستها مهنة التدريس لأكثر من 20 عاماً، منها تلفظ الطلاب بألفاظ غير لائقة في وجه المعلمين، ومنهم من يهدد مدرسه علنا أمام باقي الطلاب بألفاظ مثل "أنت قد هالكلمة" وغيرها من الكلمات غير اللائقة، وتوجيه الإهانات للمدرس دون رادع، مشيرة إلى أن السياسة السلوكية المتبعة في مدارسنا دائما في صف الطالب وفي صف أولياء الأمور، وعندما يتصعد الموقف يكون المعلم هو الحلقة الأضعف، مما يتسبب بحالة من الخوف لدى المعلم، في حال تلفظه بأي شيء يمكن أن يساء فهمه ويعرضه للتهديد، تقول الأستاذة هيا:  للأسف وصلنا إلى يوم يهدد فيه المعلم ويهان أمام طلابه".

تبين مديرة مدرسة الشيحانية سابقاً أن الأسباب التي تدفع المعلم القطري إلى ترك مهنة التدريس عديدة، ولعل أبرزها هي الضغط الشديد الذي يتعرض له أثناء أداء مهامه والشد العصبي الذي يتعرض له، إضافة إلى التعنت الذي يلقاه من بعض الإدارات المدرسية وفقدان المرونة، والتكليفات التي تفوق قدرة البشر الطبيعيين، مما يدفع المعلم القطري لتقديم استقالته فور حصوله على أي وظيفة أخرى غير التعليم، فمهما كانت المزايا التي يتم تقديمها للمعلم فإن الفشل في الحفاظ عليه يدفعه للهرب من التدريس.

تشرح الأستاذة هيا في حديثها لموقع الشرق جانب تقول بأنه مهم للغاية، وهو توزيع وقت الدوام والتعامل بمرونة خاصة مع المدرسات الأمهات، فهن يداومن من الساعة 7 صباحاً حتى الساعة 2 ظهرا، وعند البحث في عدد الحصص التي يعطوها نجدهن يدرسن 3 حصص أو أربع، وهنا تقول الأستاذة هيا لماذا لا يتم حصر وقت الدوام بالتنسيق مع عدد الحصص؟ مما يسمح للمدرسة أن تعود لبيتها وأطفالها وزوجها وتعطيهم بعض من وقتها، بدل العودة الساعة 3 ظهراً وهي منهكة ومتعبة وغير قادرة على تأدية واجباتها الزوجية والعائلية، مما يدفعها للاستغناء عن مهنة التعليم والجلوس في بيتها.

 

عبد الله شمس: المشكلة في "الدولة العميقة" بوزارة التربية وليس في رأس الهرم

في تقريرنا انتقلنا للحديث مع الأستاذ عبد الله شمس وهو المدير السابق لمدرسة قطر التقنية، حيث أكد أن ما يعانيه المعلم في مدارسنا سببه الرئيسي هو مطالبة المعلم بالشكليات أكثر من مطالبته بجوهر التعليم نفسه، مذكراً أن شكل التعليم في السابق كان يركز على تقديم أفضل مستوى تعليمي للطالب وما كان يطلب منه الأوراق الكثيرة والأمور الإدارية المعقدة كما الآن، متسائلا من يعطي هذه التوجيهات التي ترهق المدرس في المدرسة وخارج المدرسة مما يضعه تحت ضغط نفسي عالي.

يقول الأستاذ عبد الله أنا الآن خارج منظومة التعليم وليس لدي أي مشكلة مع أحد، ولكني أنقل لكم واقع عاصرته، فالضغوط التي يعيشها المدرس مقارنة بالمقابل المادي الذي يتحصل عليه تحتاج إلى الكثير من إعادة النظر، وإن لم نستطع رفع الراتب فعلى الأقل علينا النظر في الإجراءات الورقية التي ترهق المدرس، لأن هناك خلل بالتأكيد، وهذا يحتاج لأشخاص ذو خبرة، فالمشكلة ليست في تغير رأس الهرم وإنما في الدولة العميقة في وزارة التربية. ويضيف: الخلل إن كشف ستظهر الكثير من الحقائق..

قمنا بسؤاله كيف يمكن كشف هذا الخلل في حال وجوده؟

أجاب: بداية من المهم على المسؤولين في التعليم أن يكونوا قريبين من الميدان وتشكيل لجنة من الميدان نفسه وليس من أناس جالسين في مكاتبهم، ويقررون دون معرفة ما يتطلبه ميدان العمل التعليمي ، ويجب اختيار النواب الأكاديميين مع منسقي المواد وعمل نقاشات والخروج بدراسة وتطبيقها بمهنية وشفافية.

وهناك شيء مهم جداً يقول الأستاذ عبد الله: عندما تشكل لجنة من الوزارة يجب اختيار من هم ذو كفاءة وصفات معينة وخبرة كافية دون التعامل بتعالي وبنظرة أنا الكبير وأنتم الصغار، يجب على من يأتي من الوزارة أن يتمتع بالمرونة وتقبل النقد وسماع آراء الآخرين.

يتساءل الأستاذ عبد الله كيف يجر المدرس لمخافر الشرطة؟

ويجيب: إن عوامل عزوف الكثيرين عن مهنة التدريس عديدة، ولكن أكثرها غرابة هي الإهانة التي يتعرض لها أي معلم إذا قام بنهر أو تأنيب طالب من طلابه، ويذهب الطالب أو ولي أمره إلى مراكز الشرطة ليشتكوا على المعلم و "جرجرته" في مراكز الشرطة وهي قصص تحدث حقاً، وهذه الأمر مرفوض تماماً، فلا يجوز أن تحل هذه المشاكل بين الطالب وأستاذه عند وزارة الداخلية ولكن من المفروض أن تبقى في إطار وزارة التعليم، وهي المناط بها أن تأخذ حق هذا الطالب إن كان له حق، أما أن يجر المعلم إلى مراكز الشرطة هذا أمر معيب ولا يجوز أن يحدث مع معلمينا وفي مدارسنا، بل على العكس، من المفروض أن يحظى المعلم بحصانة تحميه من الإهانة و "الجرجرة"من مركز شرطة لآخر.

 

مريم العوضي: "أراهنكم" إن استمر المعلمون الجدد في مهنة التدريس!!

الأستاذة مريم العوضي مديرة مدرسة هند بنت أبي سفيان سابقا بدأت حديثها لموقع الشرق بالقول إن من يدخل مهنة التدريس الآن من القطريين يدخلونها لسببين: أولها حبا في مهنة التدريس، وثانيها أن بعض الأسر ما زالات ترفض العمل إلا في مهنة التدريس، وأما باقي المؤهلين لممارسة مهنة التعليم فأول ما يفكرون فيه هو الاستقالة والأسباب لذلك كثيرة.

أول هذه الأسباب أن المعلم هو الموظف الوحيد الذي لا ينتهي دوامه عند الساعة 2 ظهراً، ثانيها أن سوق العمل يوفر وظائف وبمميزات عالية دون ضغط نفسي ولا إرهاق يومي، وثالث الأسباب أن المعلم في مدارسنا لا تتوفر له الحماية ولا الحصانة ولا الدعم.

تشرح العوضي رؤيتها للأسباب التي تدفع المعلم القطري في تقديم استقالته وتقول: خلال الفترة القادمة سترتفع نسبة المعلمين والمعلمات القطريين في مدارسنا، وذلك بسبب التعاون الرائع بين جامعة قطر ووزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، ولكني "أراهنكم" إن استمر هؤلاء الشباب في مهنة التعليم إن بقي الوضع على ما هو عليه... والمطلوب هو وضع خطط مدروسة وأساليب علمية تمنع هؤلاء المعلمين الجدد من الاستقالة وتمنحهم فرص ومميزات للإكمال ولاستمرار.

 

قادمون على مرحلة لن نجد فيها معلم قطري واحد في مدارسنا

في حديثها ترى الأستاذة مريم العوضي أن الفترة القادمة سنبحث عن معلم قطري واحد لأبنائنا ولن نجده، فكيف يمكن للمعلم أن يشعر بقيمته ومكانته وهو "يتبهدل" من تلميذ صف أول لم يكمل السابعة من عمره؟ كيف نقبل أن تقام الدنيا على رأس المعلم ولا تقعد إذا اشتكى عليه طالب أو ولي أمره لسبب بسيط ؟ للأسف في مدارسنا انعدام شبه تام للآمان الوظيفي ولا توجد حصانة ولا يوجد دعم ولا يوجد حماية للمعلم القطري وغير القطري.

المعلم مربي تقول العوضي، والمربي بطبيعة الحال يجازي ويعاقب، فهل يصح أن تكون معلما ومربياً وتهان إن عاقبت من تربيه؟!! وتضيف: ما عاد لدينا معلمين في مدارسنا، ولكن مجرد مدرسين ينتظرون الراتب آخر الشهر ليتمكنوا من تلبية التزامات حياتهم.

سألنا الأستاذة مريم عن الأثار السلبية الواقعة على المجتمع القطري في حال فقدان المعلم القطري في مدارسنا؟ وقالت:

الآثار السلبية لفقدان المعلم القطري في مدارسنا ستكون كارثية على مجتمعنا في المستقبل، لأن المعلم القطري يعمل لأجل أبنائنا القطريين وغير القطريين، حياتنا وتراثنا، حاضرنا وماضينا، لا ينقلها إلا المعلم القطري الذي يعمل ويسعى لأن يتدرج ويتطور ليكون قائداً، بينما غير القطري، ومع كل الشكر والتقدير والاحترام لهم، له هدف معين سيصل إليه ويرحل.

 

وضحى المري: سأقدم استقالتي إن استمر الوضع على ما هو عليه

رحبت الأستاذة وضحة المري معلمة في مدرسة عبدالحميد الدايل النموذجية للبنين بالمشاركة والحديث في هذا التقرير وقالت اتمنى أن يصل صوتي لسعادة السيدة بثينة بنت علي الجبر النعيمي وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي، فالمتطلبات الكثيرة التي يتم تكليف المعلم بها تدفعه دائما للتفكر بالاستقالة، فلم تعد الأولية هي تعليم الطلاب ولكن الأولوية باتت في تنفيذ متطلبات أخرى كتقديم تقارير شاقة ومتعبة عن الورش والتطوير وأمور ليس لها أي علاقة بالتعليم ولا تصب في مصلحة الطالب.

وقالت الأستاذة وضحى: أنا يطلب مني مهام إدارية وأقوم بالمناوبات وأكلف باعتماد صف، كل ذلك في دوام واحد، أليس من المفروض تعيين من يقوم بهذه المهام الإدارية؟ الشيء الثاني هو إجبار المعلم بالبقاء في المدرسة حتى الساعة 2 ظهراً حتى ولو انتهى دوام الطلاب الساعة 12:30 ظهراً، فلماذا هذا التعنت الذي يدفع المعلمة إلى التقصير في أداء واجبات بيتها وأطفالها وزوجها.

تقول الأستاذة وضحى أنها حقاً تفكر بتقديم استقالتها منذ مدة طويلة إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فلم أعد أتحمل كل هذا الجهد والتعب والضغط النفسي الذي يفوق الاحتمال ويستنزف كل طاقتي.

مساحة إعلانية