رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عربي ودولي

1162

أهالي إدلب السورية يصنعون الحياة من مخلفات الحرب

19 ديسمبر 2022 , 07:00ص
alsharq
إدلب - سونيا العلي

بالقرب من مدفأة صنعها من بقايا صاروخ يجلس وليد العيدو (35 عاماً) مع أطفاله، لينالوا بعض الدفء، معبرين بذلك عن إرادتهم التي لا تنكسر، وحبهم للحياة والتمسك بها، وعن ذلك يقول العيدو لــ «الشرق»: «حتى لا يبقى أطفالي دون مدفأة في الشتاء، حولت هذا الصاروخ إلى مدفأة محلية الصنع، تتناسب مع أوضاعنا المعيشية المتردية، فنحن لن نستسلم للفقر وقسوة الحرب، بل نبحث من وحي الحاجة عن وسائل بديلة تضمن لنا البقاء».

ويستقبل أهالي إدلب فصل الشتاء وسط ظروف حياتية صعبة نتيجة الارتفاع الحاد في أسعار المدافئ الجاهزة والمحروقات وتردي الأوضاع المعيشية ونقص في أدنى مقومات الحياة، الأمر الذي دفع عائلات لتحويل الصواريخ والقذائف التي يطلقها النظام السوري على المدنيين والأحياء السكنية إلى مدافئ لمواجهة البرد، حيث يجمعون مختلف أنواع القذائف ويعملون على تفكيكها رغم خطورتها للاستفادة من حديدها.

أحمد الحسين (36 عاماً) من ريف إدلب، يعمل حداداً، ويمتلك خبرة جيدة في تحويل مخلفات الحرب إلى مدافئ وعن ذلك يقول: «يصل سعر أقل مدفأة جاهزة إلى 100 دولار أمريكي، وهو مبلغ يعجز الكثيرون عن تأمينه في ظل النزوح والفقر وشح فرص العمل، وبما أن الحاجة أم الاختراع، فقد تمكنا من تحويل آلة القتل والدمار إلى مصدر رزق وأشياء تنفع الناس».

 

 

وعن كيفية التعامل مع الصواريخ والقذائف يضيف: «نجمع القذائف والصواريخ من ركام البيوت المدمرة، ثم نقوم بتفريغها من المواد المتفجرة التي نبيعها عادة لأصحاب المقالع الحجرية، لاستخدامها في تفجير الصخور وتفتيتها، فيما نستفيد من الحديد بتحويله إلى مدافئ نظراً لمتانته وتحمله لدرجات الحرارة المرتفعة. مؤكداً أن حديد الصواريخ يتميز برخص ثمنه، إضافة إلى نوعيته الجيدة، ما يجعله يتحمل وسائل التدفئة البديلة كالفحم والحطب والبيرين».

ويقوم الحسين بقص القذيفة من الطرف الأسفل والأعلى ويعيد تصنيعها لتكون مدفأة، مستفيداً من سماكة المعدن المستخدم فيها، وبقائه لفترات طويلة، وعدم حاجته لأي كلفة مادية سوى أجور التصنيع.

من جهته عبد الله العيس (44 عاماً) نازح من مدينة معرة النعمان إلى مدينة سرمين، أب لخمسة أبناء، عثر على صاروخ بالقرب من منزله، فحوله بتكاليف بسيطة إلى مدفأة تعمل على الفحم، وعن ذلك يقول: «غلاء أسعار المدافئ، واستغلال التجار للطلبات المتزايدة في فصل الشتاء، حرمني وأسرتي من شراء مدفأة جديدة، فكان لا بد من البحث عن بديل رخيص نسبياً، فوجدت أن الأكثر ملاءمة هو بقايا الصواريخ والقنابل التي يلقيها الطيران الحربي على قرانا وبلداتنا». ويشير أن الكثير من أهالي إدلب يعملون في جمع الخردة بما فيها مخلفات الحرب، ويقومون ببيعها للحدادين وورش التصنيع، ليتم تحويلها إلى أشياء متنوعة منها بوابير الكاز والمدافئ. ويؤكد العيس أن أهالي إدلب لم يسخروا مخلفات الحرب فحسب في الحصول على الدفء، بل قاموا أيضاً بإيجاد بدائل عن المحروقات بسبب غلاء أسعارها وندرة وجودها، فمنهم من استخدم البيرين وهو بقايا الزيتون بعد عصره، من خلال تجفيفه وكبسه بقوالب خاصة، فيما لجأ آخرون لاستخدام الفحم الناتج عن عملية تكرير النفط بطرق بدائية، والأكثر حظاً لجأ إلى استخدام الحطب أو قشور الفستق الحلبي والبندق والمشمش وغيرها.

 

 

وائل الصالح (50 عاماً) أحد أهالي مدينة إدلب، يرجع السبب الأساسي في الاستفادة من مخلفات الحرب إلى الفقر والغلاء وعجز الكثير من العوائل عن شراء مدافئ رغم البرد الشديد. ويلفت أن ظروف الحرب القاسية علمت الأهالي طرقاً جديدة للتدفئة، حيث عمل غالبية السكان على إيجاد بدائل تناسب واقعهم المؤلم بهدف تأمين الدفء الذي يعد من أكثر ما يؤرقهم، ويضيف على أعبائهم حملاً إضافياً، مؤكداً أن وسائل بدائية عادت للظهور من جديد، وتم ابتكار وسائل أخرى نتيجة الحاجة لاستخدامها في مواجهة البرد وموجات الصقيع، منها صناعة مواد للتدفئة من روث الحيوانات، أو نشارة الكرتون، أو ملابس البالة، رغم الأدخنة والروائح الكريهة والأضرار التي تنجم عن استخدامها. وتجدر الإشارة أن الأمطار الغزيرة التي شهدتها مناطق شمال غرب سوريا منذ بداية فصل الشتاء أدت إلى تسجيل أضرار ضمن مخيمات النازحين المنتشرة في المنطقة بحسب «فريق منسقو استجابة سوريا»، حيث سببت أضراراً ضمن 16 مخيماً، معظمها ناتج عن دخول المياه إلى الخيام وتجمع المياه في الطرقات.

وأكد الفريق أن نسبة العجز داخل قطاع المخيمات بلغ 72.8 %، وحث جميع المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة على توسيع مشاريع الشتاء وإعطاء الأولوية الأكبر لقطاع المخيمات، والعمل على تلافي فجوات التمويل الكبيرة الموجودة حالياً، وذلك لتأمين الدعم اللازم لأكثر من 1.8 مليون مدني في المخيمات، تضرر منهم بشكل مباشر أكثر من 43 % خلال العام الماضي نتيجة العوامل الجوية.

رغم الحرب التي أضفت على حياتهم الحزن والشقاء لم يستسلم أهالي إدلب لقسوة واقعهم، بل استعاضوا عن الحاجات التي فقدوها أو عجزوا عن شرائها بتسخير الواقع المحيط بأقل التكاليف، فحتى أدوات الموت ومخلفات الحرب باتت مدافئ تقيهم وأطفالهم من برد الشتاء.

مساحة إعلانية