رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عربي ودولي

568

الحرب تجر المنطقة إلى مصير مجهول وأزمة متعددة المستويات..

صحف عالمية: نتنياهو يستثمر الضربة سياسياً.. والعالم يدفع الثمن

15 يونيو 2025 , 07:00ص
alsharq
❖ عواطف بن علي

مع اندلاع المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، دخل الشرق الأوسط طورًا جديدًا من التصعيد غير المسبوق، يحمل في طياته تداعيات تتجاوز السياسة والأمن لتطال الأسواق العالمية، والطاقة، والتوازنات الجيوسياسية. المقالات الصادرة عن أبرز الصحف المالية العالمية تكشف أن هذه الحرب ليست فقط صراعًا عسكريًا، بل أزمة متعددة المستويات تهدد استقرار سلاسل الإمداد، وأسواق النفط، وتوازنات القوى في قلب المنطقة.

- السيناريوهات الأسوأ

في تقرير تحليلي، تناولت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» جملة من السيناريوهات الأسوأ التي قد تحدث في حال تصاعد وتوسّع القتال الدائر حالياً بين إسرائيل وإيران، والذي ما زال – حتى اللحظة – يقتصر على الدولتين وسط دعوات دولية واسعة لضبط النفس.

- أمريكا قد تنجر إلى الحرب

رغم النفي المتكرر من الجانب الأمريكي، ترى إيران أن واشنطن دعمت – ولو بشكل غير مباشر – الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، وهو ما قد يدفعها لاستهداف مواقع أمريكية في الشرق الأوسط، كالمعسكرات في العراق والقواعد العسكرية في الخليج.

الميليشيات الموالية لإيران، خصوصاً في العراق، ما زالت نشطة، وقد سحبت الولايات المتحدة بعضاً من قواتها تحسباً. وفي حال قُتل مواطن أمريكي، قد يجد دونالد ترامب نفسه مضطراً للرد، خاصة وسط اتهامات قديمة لرئيس الوزراء بأنه يسعى لجرّ أمريكا إلى حرب مع إيران.

وتُجمع التحليلات على أن الولايات المتحدة وحدها تملك القدرات العسكرية، مثل القاذفات والقنابل الخارقة للتحصينات، القادرة على ضرب منشآت نووية إيرانية محصّنة كمنشأة فوردو. ورغم تعهد ترامب بعدم خوض «حروب أبدية»، فإن هناك دعمًا واسعًا في صفوف الجمهوريين لفكرة تغيير النظام الإيراني، وهو ما يجعل أي تدخل أمريكي مباشِر تصعيدًا خطيرًا بتبعات طويلة الأمد.

- دول الخليج 

في حال فشلت إيران في استهداف مواقع إسرائيلية محمية جيداً، فقد تلجأ لضرب أهداف أسهل في الخليج العربي، خاصة الدول التي تتهمها طهران بدعم إسرائيل. وتساءلت «بي بي سي»: ماذا لو لم تنجح إسرائيل في تدمير المنشآت النووية الإيرانية أو مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، القابل خلال فترة قصيرة لأن يصبح وقودًا لصناعة قنابل نووية؟

هذا اليورانيوم قد يكون مخبأ في مواقع سرية يصعب تدميرها، كما أن إسرائيل لا يمكنها القضاء على الخبرة والمعرفة النووية الإيرانية.

ومن المحتمل أن يدفع ذلك إيران إلى تسريع برنامجها النووي كوسيلة ردع، خاصة إذا كانت القيادة العسكرية الجديدة أكثر اندفاعاً وأقل حذراً من سابقيها. وفي هذه الحالة، قد تجد إسرائيل نفسها في دوامة مستمرة من الهجمات والردود، في استراتيجية يسميها الإسرائيليون «جزّ العشب».

ومع استمرار التوتر، يرتفع سعر النفط. وقد تحاول إيران إغلاق مضيق هرمز أو يتجه الحوثيون لتكثيف هجماتهم على السفن في البحر الأحمر. هذا من شأنه أن يفاقم أزمة التضخم العالمية ويثقل كاهل اقتصادات تعاني أصلاً من أزمات معيشية، كما أنه سيفيد روسيا مالياً عبر رفع عائدات النفط، ما يعزز قدرتها على تمويل حربها في أوكرانيا.

وفي حال نجحت إسرائيل في تحقيق هدفها الأكبر بإسقاط النظام الإيراني، وهو ما أشار إليه نتنياهو بوضوح في خطابه الأخير، فقد يتشكل فراغ سياسي خطير في طهران. لكن سقوط نظام مركزي قوي كما حصل في العراق وليبيا، يفتح الباب أمام صراعات داخلية غير محسوبة العواقب.

- ضربة مفاجئة 

من جانبها، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن قادة إيران كانوا يخططون منذ أكثر من أسبوع لاحتمال وقوع هجوم إسرائيلي في حال فشل المحادثات النووية مع الولايات المتحدة، إلا أنهم لم يتوقعوا أن تُقدم إسرائيل على تنفيذ الضربة قبل الجولة المقبلة من المفاوضات المقررة في عُمان. واعتبر القادة الإيرانيون التحذيرات مجرد دعاية إسرائيلية تهدف إلى ممارسة الضغط عليهم، ما أدى إلى تجاهل اتخاذ الاحتياطات اللازمة.

وفي ليلة الهجوم، لم يتجه القادة العسكريون إلى الملاجئ، بل بقوا في منازلهم. أما اللواء أمير علي حاجي زاده، فعقد اجتماعًا طارئًا في قاعدة بطهران، حيث قُتل مع عدد من معاونيه عندما قصفت إسرائيل الموقع.

مع حلول المساء، بدأت الحكومة الإيرانية تدرك حجم الأضرار التي خلفتها الهجمات، والتي طالت 15 موقعًا في أنحاء البلاد. وقد دُمرت الدفاعات الجوية، وتضررت القدرة على إطلاق الصواريخ الباليستية، وقُتل عدد من كبار القادة، كما لحقت أضرار بمنشأة نطنز النووية. وفي رسائل داخلية، تساءل المسؤولون الإيرانيون: «أين كانت دفاعاتنا الجوية؟ كيف تمكنت إسرائيل من التسلل وقتل قادتنا؟» ووجّهوا انتقادات لاذعة إلى أداء الأجهزة الاستخباراتية. وأشار حميد حسيني إلى أن الهجوم كشف هشاشة الدفاعات الإيرانية، بالإضافة إلى تغلغل إسرائيل في المنظومة الأمنية.

- حافة الانفجار النووي

نشرت صحيفة الغارديان البريطانية مقالًا للمعلق السياسي جوناثان فريدلاند، سلّط فيه الضوء على الضربة الإسرائيلية الأخيرة ضد المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، معتبرًا أنها تمثل ذروة عقود من التحذيرات التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن «الخطر الوجودي» الذي تشكله إيران النووية.

وبحسب المقال، فقد ظل نتنياهو منذ التسعينيات يروّج لفكرة أن امتلاك إيران لسلاح نووي هو التهديد الأخطر لإسرائيل، وأن الردع الحقيقي لا يتحقق إلا بالقوة العسكرية. وقد جرى التخطيط لضربة شاملة على المنشآت النووية الإيرانية في مناسبات سابقة، لكن تنفيذها تأجل.

يرى فريدلاند أن نتنياهو سيكون راضيًا عن النتائج الأولية، وعلى رأسها تصفية عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين، لكن المحلل البريطاني يطرح تساؤلًا جوهريًا: هل سيكون لهذه الضربة أثر عكسي يؤدي إلى تسريع ما كانت تسعى إسرائيل إلى منعه؟

ويشرح المقال الدوافع وراء توقيت الضربة، مشيرًا إلى أن النظام الإيراني في لحظة ضعف استراتيجي حاد، بعد انهيار «حلقة النار» التي شكّلتها طهران عبر حلفائها في سوريا ولبنان وغزة واليمن. كما أن دفاعاتها الجوية تعرضت لضربات إسرائيلية موجعة في وقت سابق من عام 2024. هذا بالإضافة إلى تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل أيام أكد أن إيران انتهكت التزاماتها النووية لأول مرة منذ نحو عقدين.

ويلفت المقال إلى أن السياسة الداخلية الإسرائيلية لعبت دورًا في القرار، حيث استخدم نتنياهو الملف الإيراني لإقناع حلفائه بعدم تفكيك حكومته. كما أبدى تخوفًا من لقاء مرتقب بين مبعوثي ترامب وطهران في سلطنة عمان، وهو الاجتماع السادس من نوعه، والذي ربما كان يقود إلى إحياء الاتفاق النووي القديم ولكن بتوقيع ترامب، ما تعتبره إسرائيل تهديدًا مباشرًا.

المقال يشير إلى أن الضربة جاءت رغم معارضة ضمنية من واشنطن. فقد وصف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الهجوم بأنه «أحادي»، وأكد أن الولايات المتحدة «ليست طرفًا فيه». وحتى الرئيس ترامب نفسه قال قبل الضربة إنه «يفضل تجنب النزاع»، لكنه بعد تنفيذها أبدى دعمه الضمني، بل وصرح: «لقد ضُربوا بقوة شديدة. وهناك المزيد قادم».

يتوقف فريدلاند عند التساؤل الأهم: هل كانت الضربة فعالة أو حتى مجدية؟ ويشير إلى أن منشأتي نطنز وفوردو النوويتين تقعان في أعماق لا تطالها الأسلحة التقليدية الإسرائيلية، وأن تدميرهما يتطلب ذخائر خارقة للتحصينات تمتلكها الولايات المتحدة فقط.

والأهم، بحسب المقال، هو الأثر المعنوي والاستراتيجي طويل الأمد: من المرجّح أن يعزز هذا الهجوم تصميم المتشددين في إيران على امتلاك سلاح نووي. فدروس ليبيا وأوكرانيا لا تغيب عن الأذهان: الأولى تخلّت عن برنامجها النووي، فدُمرت، والثانية تخلت عن ترسانتها، فغزيت. بينما كوريا الشمالية احتفظت بسلاحها النووي، ولم يجرؤ أحد على المساس بها.

ورغم أن نتنياهو قد يستغل هذا الهجوم لتعزيز شعبيته في الداخل، فإن فريدلاند يرى أن العالم، لا إسرائيل فقط، سيدفع ثمن اقتراب المنطقة أكثر من حافة الانفجار النووي.

- خيار الحرب لا يأتي بلا ثمن

في افتتاحيتها الصادرة يوم 14 يونيو، اعتبرت صحيفة لوموند الفرنسية أن قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشن ضربات عسكرية واسعة على إيران يمثل رهانًا خطيرًا على القوة العسكرية، يأتي في لحظة شديدة الحساسية إقليميًا ودوليًا، ويتجاوز حدود القانون الدولي، الأمر الذي يثير

مخاوف كبيرة في المنطقة.

تقول الصحيفة إن النظام الإيراني، الذي يتعرض منذ 13 يونيو لحملة قصف مكثفة، يدفع ثمن اختياراته النووية، بعد أن استمر في تخصيب اليورانيوم إلى مستويات لا تتماشى إلا مع برنامج عسكري، رغم نفيه المتكرر. هذا التصعيد، رغم خطورته، يحظى بدعم معلن أو ضمني من عدد من الدول الغربية، التي ترى في العمل العسكري وسيلة لوضع حد نهائي لطموحات طهران النووية.

وتضيف لوموند أن الهجوم الإسرائيلي جاء في أسوأ توقيت ممكن بالنسبة لإيران، التي تواجه عزلة دبلوماسية وتراجعًا في مكانتها الإقليمية.

وتُذكّر لوموند بأن هناك طريقًا آخر كان ممكنًا: الاتفاق النووي لعام 2015، الذي توصلت إليه طهران بعد مفاوضات شاقة بوساطة أمريكية وشراكة دولية، والذي نصّ على تقييد البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات وإعادة دمج إيران إقليميًا. لكن هذا الاتفاق، الذي كان يحمل إمكانية تغيير قواعد اللعبة، تعرّض للانهيار بعد انسحاب إدارة دونالد ترامب منه خلال ولايته الأولى.

وتضيف الصحيفة أن ترامب، بعد عودته إلى البيت الأبيض، حاول على عجل إحياء تسوية جديدة مع طهران، سعيًا لتجنب الانجرار إلى نزاع جديد في الشرق الأوسط. لكن الضربات الإسرائيلية الأخيرة قد تُفشل هذا المسعى، وتفتح الباب أمام تصعيد طويل الأمد.

تختم لوموند افتتاحيتها بالتحذير من أن خيار الحرب لا يأتي بلا ثمن. فبينما تُبقي إسرائيل قطاع غزة في حالة من الفوضى، وتزعزع استقرار لبنان وسوريا من خلال ضربات متواصلة، فإن فتح جبهة مباشرة مع إيران ينذر بتداعيات لا يمكن السيطرة عليها إقليميًا ودوليًا على حد سواء.

مساحة إعلانية