رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

دين ودنيا

2644

تنفيذ العقوبات من القصاص والحدود والتعازير مسؤولية الدولة وليس الأفراد

10 يوليو 2015 , 12:57م
alsharq

الكتاب : فقه التعامل عن الإساءة إلى المقدسات الإسلامية

دراسة شرعية وتأصيلية وقانونية في ضوء فقه المواطنة مزودة ببرنامج شرعي للأقليات المسلمة في بلاد الغرب وعامة المسلمين

المؤلف: د. علي محي الدين القرة داغي

الحلقة : الثانية والعشرون

إذا كان القول: الإرهاب لا دين له، فإنه لا يجوز تحميل هذا الإرهاب للإسلام، كما لا يجوز تحميل الإرهاب الذي يقوم به بعض أصحاب الأديان على تلك الأديان أنفسها.. وإذا كنا نتحدث عن الإفراط والتفريط والتشدد في الشرق الإسلامي، فإنه وجدت في الغرب مجموعة من الأعمال المتمثلة في الرسوم المسيئة والأفلام والمسرحيات والمقالات التي نالت من مقام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين.. سوف نتناول في هذا البحث المبادئ والقواعد العامة والأحكام المتعلقة بالأقليات الإسلامية..والمبادئ والقواعد العامة المستنبطة من قصة سيدنا يوسف عليه السلام، حيث يعتبر قدوة للأقليات، ومن المهاجرين في حبشة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم. فقه المواطنة باعتباره مدخلاً للتعايش ومنطلقاً للاندماج الإيجابي.

ثم نتحدث عن فقه التعامل مع الآخر عند الاساءة إلى المقدسات الإسلامية حيث نبين المبادئ العامة الحاكمة فيه، حق الإنسان في حرية التعبير، موضحاً أسباب الاندفاع البعض نحو الاساءة، ثم بيان الموقف الشرعي (التأصيل الشرعي) بالنسبة للمسلم الذي يعيش في البلاد غير الإسلامية، والواجب الشرعي للأقلية المسلمة نحو الاساءات الموجهة للمقدسات، وواجب الدول والعالم الإسلامي نحوها، وضرورة وجود خطة استراتيجية هادئة وهادفة لمنع الازدراء بالأديان.

إن إقامة العقوبات من القصاص والحدود والتعازير، ليست من شأن الأفراد، أو الأقليات المستضعفة، أو جماعة، وإنما الحدود تقيمها الدولة من خلال محاكم عادلة تتوافر فيها إقامة الحجج والبيّنات من طرف المتهم المدعى عليه، والمدّعي، وقد اتفق علماء المسلمين قديماً وحديثاً على أنه لا يجوز لأحد إقامة الحدود إلاّ الإمام (الدولة) أو من ينسبه من القضاة والحكام، حيث جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الإمام جُنّة يقاتل من ورائه، ويتقى به، فإن أمر بتوقى الله، وعدل كان له بذلك أجر...) حيث قال الأئمة مثل النووي، وابن حجر، وغيرهما ان الحديث يدل على أن الجهاد، وإقامة الحدود من حق الدولة وأنه لا يجوز الافتئات على حقها).

وقد ذكر الإمام أحمد ضمن أدلة وجوب الحاكم: (لا بد للناس من حاكم، أفتذهب حقوق الناس) قال بهوتي: (لا يقتله — أي من يجب عليه الحد — إلا الإمام أو نائبه) أي السلطة الشرعية، وروى الطحاوي عن بعض الصحابة قولهم: إن الحدود والفيئ إلى السلطان قال الطحاوي: لا نعلم له مخالفاً من الصحابة، وروى البيهقي عن خارجة بن زيد عن أبيه، وأخرجه أيضاً عن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذي ينتهي إلى أقوالهم من أهل المدينة أنهم كانوا يقولون: لا ينبغي أن يقيم شيئاً من الحدود دون السلطان).

بل إن جمهور الفقهاء منهم الإمام الشافعي على أنه لا يجيزون لأمير سرية ولا لأمراء الأجناد أن يقيموا الحدود لا في دار الإسلام ولا في دار الحرب، لأن وظيفة إقامة الحدود منوطة بالإمام (رئيس الدولة) ومن ينوب عنه وهم القضاة الذين تتوافر فيهم الشروط المطلوبة في القضاء.

قال ابن العربي المالكي: (لا خلاف في أن المخاطب بهذا الأمر — إقامة الحد — هو الإمام ومن ناب عنه)، وذلك لما فيها من خطر على الفرد، والمجتمع، فلابد من ضبطها والتحقق منها حتى لا تقع الفوضى والثأر.

وإذا كان هناك خلاف أو بعض أقوال من العلماء حول جواز إقامة حد لجماعة أو أحد فإنه محمول على حالات استثنائية لا تترتب عليها أي مفسدة، وعلى عدم القصاص فيمن فعل ذلك، ولكنه بلا شك محمول أيضاً على بلاد المسلمين فقط.

ومن ناحية أخرى فإن إقامة الحدود خاصة بدار الإسلام عند جماعة كثيرة من الفقهاء، منهم أبو حنيفة، وأبو يوسف، والأوزاعي، وقال الشافعي: (أجاز بعض أشياخنا عن مكحول عن زيد بن ثابت أنه قال: لا تقام الحدود في دار الحرب وحدثنا بعض أشياخنا عن ثور بن يزيد عن حكيم بن عمير أن عمر كتب إلى عمير بن سعد الأنصاري، وإلى عماله: ألا تقيموا حداً على أحد من المسلمين في أرض الحرب حتى يخرجوا إلى أرض المصالحة)، قال الشافعي: (وكيف يقيم أمير سرية حداً وهو ليس بقاض ولا أمير يجوز حكمه..).

لذلك فالراجح الذي يقرُبُ من الصواب أن حق إقامة العقوبات، والحدود الإسلامية منوطة بالقضاء العادل التابع للدولة الإسلامية، لأنها من حق الله تعالى، وأنها في غاية الأهمية ومرتبطة بتحقيق مقاصد الشريعة، كما أنها تفتقر في تطبيقها إلى الاجتهاد، وأنها تترتب عليها آثار خطيرة، لذلك يجب ربطها بالقضاء العادل في ظل دولة لها قدرتها وقوتها على حماية أمن المجتمع.

استهزاء المشركين بالرسول صلى الله عليه وسلم، وصبره عليهم

كان المشركون في مكة المكرمة والمنافقون في المدينة المنورة يستهزئون بالله تعالى وبالرسول صلى الله عليه وسلم وبالقرآن الكريم، ويؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام بمختلف أنواع الأذى المادي والمعنوي، ولكنهم كانوا يصبرون صبراً جميلاً في سبيل دعوتهم.

ومن أشد أنواع الأذى المعنوي: الاستهزاء والسخرية، حيث سجل القرآن الكريم ذلك، حيث تكررت مشتقات الاستهزاء 42 مرة، كما تكرر لفظ السخرية بمعنى الاستهزاء عدة مرات، نستعرض مقصود بعض هذه الآيات:

1 — الاستهزاء بالله وآياته ورسوله، حيث قال الله تعالى: (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ).

2 — استهزاء المنافقين عند شياطينهم الانس، حيث قالوا: (وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ).

ويلاحظ أن القرآن الكريم لم يذكر لهم أي عقوبة دنيوية، بل بيّن أن الله يمدهم ويمهلهم، ولكن لا يهملهم علماً أن هذه الفترة كانت فترة مدنية كان للرسول صلى الله عليه وسلم الحكم والقوة.

3 — استهزاء المنافقين في المدينة المنورة عند سماع آيات الله، وأن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام بترك المكان وعدم القعود معهم حتى يتركوه فقال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) حيث تدل الآية على أن المطلوب عند سماع المنافقين آيات الله تعالى واستهزائهم بها ترك هذا المكان وعدم القعود معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، ثم ذكر لهم العذاب الأخروي فقط.

4 — لم تطلب الآيات الواردة في الاستهزاء من الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام إيقاع أيّ عقوبة دنيوية على هؤلاء المستهزئين، وإنما طلب منهم عدم القعود معهم ما داموا مستهزئين.

5 — بين الله تعالى في أكثر من آية أن الاستهزاء عادة الكفار والمنافقين مع جميع الرسل والأنبياء فقال تعالى: (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون) وقال تعالى: (وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون).

6 — وكذلك قام المشركون والمنافقون بالسخرية من الرسول صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: (وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ) وتحدث القرآن الكريم عن مصير هؤلاء الساخرين في جهنم فقال تعالى: (إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ).

7 — أما كلمات السخرية والاستهزاء والسب والشتيمة والاتهام بالجنون والسحر والكذب فقد بيّنها القرآن الكريم في آيات كثيرة لا يسع البحث بسردها.

مساحة إعلانية