رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ثقافة وفنون

984

ثنائية الإبداع الأدبي موهبة أم دعاية؟

05 فبراير 2024 , 07:00ص
alsharq
❖ طه عبدالرحمن

في العقود الماضية، لوحظ أن هناك من يجمع بين أكثر من عمل إبداعي، فأجاد فيه، وأبدع فيما كتب. واليوم، هناك من يعيد الكرة مرة أخرى، بالخوض في ثنائية الإبداع، فأنتج أعمالاً تتسم بالفرادة والأصالة، مقابل آخرين لم يلتزموا بمعايير هذه الثنائية، فأنتجوا إثر ذلك أعمالاً دون المستوى المأمول. "الشرق" تطرح على مائدة النقاش ظاهرة ثنائية الإبداع مع عدد من المبدعين ممن كانت لهم تجارب ناجحة ومميزة في هذا السياق، على نحو ما تعكسه أعمالهم من قيمة وفائدة، تبرز فرادة إبداعهم، وأصالة إنتاجهم، وهو ما يثري بدوره المكتبة القطرية والعربية.

جمال فايز: الإبداع معيار مهم للجمع بين الأجناس الأدبية

الكاتب جمال فايز، يجمع بين الرواية والقصة، ويجدهما شجرة واحدة، وهي شجرة السرد الأدبي، التي تنقسم إلى ثلاثة أغصان رئيسية، وهي الرواية والقصة والقصة القصيرة جدا، وبين الرواية والقصة القصيرة جدا، تأتي القصة الطويلة، ولها بعض الأدباء الذين اشتهروا بها، لذلك فإن المبدع المتعدد المواهب المتمكن من ناصية الأدب في القصة أو الرواية هو الذي يسهل عليه الجمع بينهما، لأن عناصر الالتقاء والتماثل بين الرواية والقصة واحدة، من حيث الموضوع والشخصيات وعنصري السرد والحوار، وكذلك الزمان والمكان والحبكة.

ويضيف: لذلك لا يجد الأديب صعوبة في الجمع بين جنسي الرواية والقصة. مستشهداً بنجاح من جمع بينهما وحقق في ذلك نجاحاً باهراً، مثل الأديب المصري الراحل يوسف إدريس، وإن غلب أحدهما على الآخر عنده، وهي القصة، حتى أُطلق عليه «أبو القصة القصيرة العربية»، وكذلك الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ، والذي جمع بين القصة والرواية، وإن كانت الغلبة عنده للرواية، وحصد على إثرها جائزة نوبل في الأدب.

ويقول: إن المهم هو مدى تمكن الكاتب من ناصية الجنس الأدبي ذاته، وفهمه فهمًا عميقًا، علاوة على تميزه فيما يكتب بأسلوب ولغة قوية، إلى غير ذلك، ومن هنا، فإن المبدع المتعدد المواهب لن يجد إشكالية كبيرة في الجمع بين هذين الحقلين الأدبيين.

ويشير إلى أن الإشكالية تكمن في الشعر، كونه جنساً أدبياً مختلفاً، يتطلب عناصر تفوق الرواية والقصة، ومنها ضرورة استيعاب الأديب لبحور الشعر، وإن كان هناك من مارس في هذين الحقلين، مثل الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي، والتي بدأت بالشعر، ثم كتبت لاحقاً الرواية، وحققت حيزاً كبيراً من الشهرة فيها، لدرجة جعلت الرواية لديها تفوق القصائد الشعرية.

ولا ينصح الأديب جمال فايز أصحاب المواهب الصاعدة بالخوض في الجمع بين أكثر من مجال أدبي، لحاجة ذلك إلى العديد من المعايير، من أسلوب وموهبة وخبرات، إلى غير ذلك مما يتطلب أن تتشبع موهبته، كون الجمع بين أكثر من مجال أدبي يشكل تحدياً، يتجاوزها المبدع المتمكن من أدواته، لما تتسم به الأجناس الأدبية من خصائص تميز كل جنس.

محمد الجفيري: الموهبة ليست على درجة واحدة

الكاتب محمد بن محمد الجفيري، يجمع بين الشعر والرواية. ويصف من يجمع بين أكثر من موهبة بأنها «جائزة ربانية من رب العالمين للبعض من الناس، ولابد للمبدع أن يتلقى بالاهتمام تلك الموهبة ويعمل على صقلها بالعمل الجاد إذا ما أراد التفوق، فتكون هذه الموهبة المصحوبة بالاهتمام حينئذ طريقًا يسلكه هذا المبدع للتفوق على الآخرين».

ويقول: المبدعون كثر وهم متواجدون بالحياة على كل الأصعدة وفي كل المجالات، فبهم تنهض وتقوم الأمم، وفي معظم الدول يتم الاهتمام بالموهوبين المبدعين لأنهم ثروة قومية لابد من المحافظة عليها، «ولا يختلف الإبداع الأدبي عن بقية المجالات التي ينتشر بها المبدعون، فنرى الأديب المبدع على درجة كبيرة من التميز، لأنه يملك ثقافة واسعة، والفكر عنده في الإبداع، وخاصة عندما يخط قلمه ما أفرزه عقله، ولذا فإن إنتاج أمثال هؤلاء غزير وجميل ومتميز ومنتشر».

ويتابع الأديب محمد الجفيري: في الأزمنة السابقة كان هناك مبدعون يخوضون في فن التأليف وإقراض الشعر والتأريخ بل وحتى بعضهم أبدى موهبة ومعرفةً بالطب والرياضيات وغيرها من الأمور، «فالإبداع مكنه من ذلك كله». ويرى أن «هناك بعض الأدباء يملك إبداعاً متميزًا ولديه موهبة متعددة يستطيع أن يخوض في غمار أكثر من مجال سواء كان ذلك في التأليف أو الرواية أو الشعر أو غير ذلك، ولكن مهما علا شأنه في هذه المجالات وأشاد به الجمع، فإن المبدع هنا مهما بلغت موهبته حداً مرتفعاً، فإن هناك حقلاً معيناً دون غيره هو الذي شكل ورسم ورفع اسم هذا المبدع وهو سبب شهرته وانتشاره فلا يمكن أن تكون المواهب على درجة واحدة في المستوى.

علي المسعودي: الإبداع مساحة مفتوحة للموهوبين

الكاتب علي المسعودي، يجمع بين عوالم قصصية وشعرية وبحثية وإعلامية الشعر والقصة. ويقول: إنه لا يجد مثالًا يسوقه في هذا المساق سواه، «فأنا من الذين خاضوا المجالات المتعددة، فبدأت بكتابة القصة القصيرة ثم الرواية ثم الكتابة الدرامية، ثم الشعر والنقد والرسم، ولا أدري إلى أي مسرب من مسارب الفن والإبداع سأتسرّب بعد ذلك».

ويتابع: «أنا الشغوف بكل فن الذي يرى أن الابداع مساحة مفتوحة للخائضين فيها بحب وجمال، فنحن أحفاد العلماء الموسوعيين الذين برع كل منهم في مجالات متعددة، وها هي الأسماء تتزاحم في مخيلتي من ذلك الإرث العظيم فأنتخب اسم الخليل بن أحمد الفراهيدي نموذجاً عالياً في التعدد الإبداعي إذ كان علمًا في اللغة والشعر والموسيقى والفقه والنقد ليسجل نفسه عبقري زمانه في كل فن».  ويرى الأديب علي المسعودي أن «هذا التعدّد الإبداعي هو ضرب من ضروب القدرة والموهبة، واستغلال الكفاءات بمهارة، فلا ضير في أن يقتحم المبدع المجالات، ويبرع فيها، وربما تفوق على أهل الاختصاص في مجالاتهم، وأحسب أنه شكل من أشكال التكوين الفطري والاستعداد النفسي والصقل والتمرن والتماهي مع نتاجات المبدعين، مشفوعاً بمهارة المراقبة والتدرب وحسن العمل، فالله سبحانه علم آدم الأسماء كلها، ونحن ورثة هذا العلم الواسع، والله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».

سميرة عبيد: فرادة العمل وأصالته رهانات المبدع

الكاتبة سميرة عبيد، تجمع بين الشعر والكتابة القصصية. وتقول: إن المبدع الأصيل لا ترسم له دروب ولا تُصنع له قواعد فمن عطائه تستخرج الشروط وتصنع القواعد وترسم الدروب، إنه الكائن الوحيد المرخص له بأن يخرج الأشياء من أقاليمها إلى أصقاع أخرى، وعوالم جديدة لم يطأها فكر بشر، أما القوالب الفنية المتعددة فلا ضير أو اختلاف على صلاحيتها لقول ما يريد المبدع ان يقوله فكل فكرة تختار قالبها أما المبدع فهو واحد فقط.  وتتساءل: هل يضر العسل أن يكون في قالب من زجاج أو قالب من بلاستيك أو قالب من حديد أو قالب من نحاس أو قالب من ذهب أو قالب من طين، هو عسل في كل القوالب ويظل عسلاً في جميع القوالب، وأما ما يمكن الرهان عليه فهو فرادة المبدع فقط وأصالته، ولننظر في قول محمود درويش في رثائهِ لممدوح عدوان «كما لو نودي بشاعر أن أنهض إلى ممدوح عدوان»: «كم حيرني فيك انشقاق طاقاتك الابداعية عن مسار التخصص، كعازف يحتار في أية آلة موسيقية يتلألأ. لم أقل لك إن واحدا منك يكفي لتكون عشيرة نحل تمنح العسل السوري مذاق المتعة الحارق. بحثت عن الفريد في العديد، دون أن تعلم أن الفريد هو أنت. وأنت أمامك بين يديك. ألا ترى إليك، أم وجدت نفسك أصفى في تعددها، يا صديقي المفرط في التشظي ككوكب يتكون». وتختتم الأديبة سميرة عبيد بقول البابا الهندي موكتانندا «كثيرٌ موجود في واحد وواحد موجود في كثير، فكثير من الأواني تصنع من طين واحد ومن مختلف النيران يسطع النور».

د. خالد البوعينين: الكاتب عليه الحذر من الشهرة المدمرة لعمله

الكاتب د. خالد البوعينين، يجمع بين الكتابة في الشعر والتاريخ. ولا يرى إشكالية في تعدد مجالات الكتابة لدى المبدع، ما دام ملماً بمعايير الكتابة في كل لون إبداعي، ليقدم في النهاية عملاً أدبياً رفيع المستوى، تتوافر فيه شروط العمل الإبداعي. ويشدد على ضرورة أن لا يكون الخوض في أكثر من مجال إبداعي مدعاة للتشتت، فتنتج عن ذلك أعمال تفتقر للفرادة والأصالة، وهو الأمر الذي يكون بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على المبدع وعمله، فضلاً عن كونه قد خسر في ذلك التخصص في عمل أدبي بعينه. كما يشدد على ضرورة أن تكون رغبة المبدع في الخوض بأكثر من عمل أدبي نابعة من حرصه على توفر الجودة فيما يكتبه، وليس من أجل الشهرة أو الانتشار، فالقيمة العلمية والأدبية التي يقدمها المبدع هي من الضرورة بمكان، والتي ينبغي أن يحرص عليها المبدع، لتليق به أولاً، فضلاً عن المكتبة التي يتوجه إليها لتحتضن إبداعه بعد ذلك، علاوة على حرصه على ضرورة تحقيق التوازن بين الكم والكيف في المنتج الإبداعي ذاته، بحيث لا يطغى جانب على آخر.

مساحة إعلانية