تواصل الخطوط الجوية القطرية تقديم أسعار خاصة للسفر خلال فترات محددة لوجهات عربية وعالمية خلال نوفمبر وديسمبر 2025 ويناير وفبراير ومارس 2026. وتبدأ...
رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة :التاسعة والعشرون شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ، أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب . حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الوالواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم، وفيما يلي الحلقة التاسعة والعشرون: الأمة الإسلامية اليوم هي أحوج ما تكون إلى البحث عن المشتركات فيما بينها ، وهي كثيرة جداً ، فجميع المذاهب والطوائف الإسلامية تشترك في أصول العقيدة من الإيمان وأركانه الأساسية من "الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى"، والأركان الخمسة للإسلام من (الشهادتين ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج) وفي التوجه إلى قبلة واحدة ، وإلى اعتماد مصحف واحد دون الخلاف عليه ، وفي العدو المشترك والمصالح المشتركة ، حيث إنهم جميعاً يتفقون على أن الصهيونية والصليبية والعلمانية والإلحاد والتحلل الجنسي أشد أعدائهم ، وأنهم يعتبرون قضايا الأمة الرئيسية (كفلسطين والقدس) القضية التي هم جميعاً مستعدون للتضحية في سبيلها ، وأنهم جميعاً يعرفون حق المعرفة أن أعداءهم لا يفرقون فيما بينهم ، وهذا هو التقرير الأخير الصادر من معهد راند الاستراتيجي الذي له دور كبير في صياغة القرار الأمريكي ، ينص على أن جميع المسلمين (التقليديين ، والأصوليين ، والليبراليين ، والصوفية ، والشيعة والسنة....) لا يعتمد عليهم ، ولا ينبغي للسياسة الأمريكية أن تتحالف معهم إلاّ تكتيكاً للقضاء من خلالهم على جماعة أخطر ، فقد جعلهم كلهم في سلة واحدة ، ثم اقترح إسلاماً جديداً سماه الإسلام الديمقراطي المدني الذي يقبل بجميع القيم الغربية وضرب المثل لهذا الإسلام الجديد بأفكار مصطفى كمال اتاتورك الذي فرض العلمانية الإلحادية ، وحارب الإسلام ، ومنع الأذان باللغة العربية ، وأعدم كثيراً من الدعاة أو حاكمهم . هذا هو الإسلام الذي يقبله المشروع الصهيوني ، واليمين الأمريكي المتصهين . أو ما تكفي كل هذه المشتركات بين المسلمين جميعاً ؟ او ما تجمعهم الشدائد والمخاطر والأعداء الكثيرون الذين تداعوا على هذه الأمة كما تداعت الأكلة على قصعتها ؟ . علاج الأمة في الالتفاف حول الثوابت وقبول الاجتهادات المخالفة في المتغيرات : فقد جاءت نصوص الشريعة مركزة في نصوصها القطعية على الأسس والأركان التي يبنى عليها هذا الدين ، وتوضيح العقيدة الصحيحة ، والقيم والأخلاق الراقية ، وأسس المعاملات والتعامل مع الناس جميعاً تاركة التفاصيل في معظم الأشياء للأدلة الظنية ، أو للاجتهادات الإنسانية في ظل المبادئ العامة والقواعد الكلية . وبذلك جمعت الشريعة بين الثوابت التي لا تقبل التغير (أي بمثابة الهيكل العظمي للإنسان ) ، والمتغيرات التي تشبه أحوال الإنسان العادية القابلة للتغير وبذلك انسجمت الشريعة التي أرسلها للإنسان مع الإنسان الذي نزلت عليه : ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ). فالإنسان ثابت في حقيقته وجوهره وأصل عقله وروحه ونفسه ومكوناته وضرورياته وحاجاته العامة إلى المأكل والملبس والمشرب ( وإن كانت النوعيات مختلفة لكن الأصل العام لم يتغير منذ خلق الإنسان إلى يومنا هذا ) ، ولكن الإنسان متغير في معارفه ، وفي إمكاناته للتسخير وعلومه ، وفي أنواع ملابسه ومشاربه ومآكله ومساكنه. وبهذه الصفة العظيمة الجامعة بين الاستفادة من النقل والعقل ، وبين الثوابت والمتغيرات يجتمع في الإنسان خير الدنيا والآخرة ، ويتحقق له التآلف والمحبة والتقارب الحقيقي ، لأننا حينئذٍ نتعاون ونتحد فيما أجمعنا عليه من الثوابت ، ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه ، لأنه من المتغيرات الاجتهادية التي تقبل أكثر من رأي . فالمقصود بالثوابت هنا الأحكام الإسلامية التي ثبتت بأدلة قطعية الدلالة والثبوت أو بالإجماع الصحيح الثابت الذي مضت عليه الأمة في قرونها الثلاثة الأُوَل . وعلى ضوء ذلك فالثوابت تشمل أركان الإيمان الستة ( الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره من الله تعالى ) ، وأركان الإسلام الخمسة ( الشهادة والصلوات الخمس ، والزكاة والصوم والحج لمن استطاع إليه سبيلا ) ، وتشمل كذلك القيم والأخلاق الثابتة ، والأحكام الأسس العامة لأحكام الأسرة في الإسلام ، والأحكام والمبادئ العامة للمعاملات والجهاد ، والعلاقات الدولية ، والقضاء ونحو ذلك ، والخلاصة أن كل حكم من أحكام الإسلام في جميع مجالات الحياة إذا ثبت بدليل قطعي الثبوت والدلالة أو بإجماع الأمة إجماعاً صحيحاً قائماً على الدليل وليس العُرف فهو من الثوابت التي يجب الالتزام بها ، وعدم التهاون في حقها ، إلا ما هو من قبيل الضرورات التي تبيح المحظورات . وأما المتغيرات فالمقصود بها هنا هي الأحكام التي تثبت بدليل ظني ( سواء أكانت الظنية في دلالة النص وثبوته ، أم في أحدهما ) أو باجتهاد قائم على القياس أو المصالح المرسلة ، أو العرف ، أو مقاصد الشريعة أو نحو ذلك . فنطاق المتغيرات في الفتاوى والأحكام الفقهية الظنية واسع جداً وهو يشمل كل الاجتهادات الفقهية السابقة، إضافة إلى منطقة العفو التي تقبل التغييرات بشكل واضح حسب الاجتهادات الفقهية . يقول إمام الحرمين : (إن معظم الشريعة صادرة عن الاجتهاد ، ولا تفي النصوص بعشر معشارها). وذلك لأن الاجتهادات الفقهية السابقة لفقهائنا الكرام ـ ما دامت ليست محل إجماع ـ تقبل إعادة النظر، بل ينبغي إعادة النظر فيها وغربلتها بكل تقدير واحترام من خلال الاجتهاد الانتقائي، والترجيح فيما بينها للوصول إلى ما هو الراجح، ثم تنزيله على قضايا العصر بكل دقة ووضوح . بل يمكن إعادة النظر في فهم هذه النصوص الظنية مرة أخرى على ضوء قواعد اللغة العربية وأصول الفقه ، والسياق واللحاق وحينئذٍ يمكن الوصول إلى معان جديدة وأحكام جديدة لم ينتبه إليها السابقون ، أو لم يخترها الجمهور ، بل ذكرها قلة قليلة من السابقين . وأما منطقة العفو فيكون الاجتهاد فيها اجتهاداً انشائياً لابد من توافر شروط الاجتهاد وضوابط من يتصدى له . الثبات والتغير أو التطور عند السلف وأثر ذلك على الوحدة : المقصود بالسلف هم أهل القرون الثلاثة الأولى من عمر هذه الأمة الإسلامية ؛ اعتماداً على حديث عبدالله بن مسعود في الصحيحين : (خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم....) وقد بيّن العلماء أن الخيرية تعود إلى القرب من ينبوع النبوة وتربية الرسول صلى الله عليه وسلم ، والصفاء والنقاء ، فالسلف ليس مذهباً معيناً ، ولا حكراً على فئة معينة ، وإنما أهل السلف هم أهل المذاهب والآراء المعتمدة في إطار الكتاب والسنة. وشاء الله تعالى أن تتكامل أصول الفقه للمذاهب الفقهية ، وللفكر في هذه القرون وأن يكون أئمة الفقه في هذه العصور الثلاثة ، وأن تتقدم الأمة ، وتتحقق الحضارة العظيمة لهم خلال هذه القرون الثلاثة ، فأصبحت الأمة خلال القرون الثلاثة الأولى أمة قوية البنيان مرعوبة الجانب ، متقدمة في العلوم والثقافة والفنون حققت أعظم حضارة في وقت قصير ، وغدت رائدة العالم وقائدته ، وتطور السلف خلال القرون الثلاثة أكثر مما تطور الخلف في عصورهم الطويلة ، وتطور الفقه الإسلامي النظري والعملي تطوراً عظيماً حيث استطاع أن يستوعب كل الحضارات والأفكار من خلال صياغتها بما يتفق ومبادئ الإسلام وقواعده وأحكامه ، فلم يعجز عن إيجاد أي حل فقهي لأية مسألة أو نازلة أيا كانت درجة حداثتها وتعقيدها ، كما استطاع الفكر الإسلامي أن يبقى صامداً بثوابته ، وأن يتطور من خلال البناء والرد على كل الأفكار المخالفة والزندقة ، والسفسطة ، مستعيناً بالنقل الصحيح والعقل السليم للوصول إلى القناعة الكاملة والاطمئنان التام ، والأخذ بعنق النصوص وليها في سبيل دعم رأي معين .
1403
| 03 يوليو 2016
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة :الثامنة والعشرون شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ، أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب . حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الوالواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم، وفيما يلي الحلقة الثامنة والعشرون: إن حظر دماء السنة والشيعة وأموالهم وأعراضهم، وبذل كل الجهود الممكنة لمنع الاقتتال والاعتداء المتبادل، واستحضار ما أكده القرآن الكريم من حرمة الاعتداء أمر واجب، ومما زاد الطين بلة وصنع مع الأسف الشديد هوة واسعة بين السنة والشيعة المواقف والتصرفات وما حدث في العراق، وفي سورية أيضاً، فهذه مشكلة كبيرة ومثيرة جداً، حيث إن أهل السنة يقولون عن عائشة أنها: الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين راوية الأحاديث، ويترضون عنها، في حين أنها في نظر جمهور إخواننا الشيعة متهمة وتنال اللعن والكراهية. 2 — الصحابة الكرام في مجموعهم إلاّ عدداً قليلاً منهم ولا سيما الخلفاء الراشدون الثلاثة (أبوبكر وعمر وعثمان) رضي الله عنهم، حيث ينالون اللعن والطعن والاتهامات الكثيرة من إخواننا الشيعة، بينما هم لدى أهل السنة خيار الأمة مع الآل بعد الرسل والأنبياء، ويترضون عنهم فحينما يذكر أبوبكر يسمى الخليفة الراشد الصديق أبابكر رضي الله عنه، هكذا عمر وعثمان، وكذلك الصحابة. فهنا إشكالية كبرى مثيرة حينما يكون شخص بهذه المنزلة عند أهل السنة مثل هؤلاء في حين يكونون عند جمهور الشيعة ظلمة ملعونين؟! فلا بدّ من العلاج. 3 — انتقال السلطة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، حيث إنه في نظر أهل السنة كان انتقالاً طبيعياً اختار أهل الحل والعقد أبابكر ليكون خليفة المسلمين وكان لهم استرشاد بإصرار الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على أن يؤم الصحابة في أوقات مرضه أبوبكر رضي الله عنه، في حين أن لجمهور الشيعة موقفاً مناقضاً لهذا الموقف يقوم على الوصاية والأحقية، وان أبابكر تآمر مع عمر لاغتصاب هذا الحق الثابت بالنص لأبي بكر رضي الله عنهم جميعاً. 4 — الأمر الآخر المثير للفتنة أكثر، هو أن هذه الخلافات بل إن هذه الشتائم واللعن والطعن تنشر في القنوات الفضائية ليلاً ونهاراً من قبل وسائل الاعلام للطرفين. 5 — كما تنال الشيعة من بعض أهل السنة والمتشددين من اللعن والطعن والتكفير والتفسيق، حيث يتهمونهم بأنهم يؤمنون بمصحف فاطمة الذي هو أكبر بكثير من المصحف الموجود الذي جمع في عصر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ثم في عصر الخليفة أبي بكر رضي الله عنه، ثم نشر في الآفاق في عصر الحليفة عثمان رضي الله عنه، وهكذا.. ولست بصدد استعراض هذه التفاصيل ولكن الواقع مشاهد ومعروض في وسائل الاعلام المرئية والمقروءة والمكتوبة، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ينهال عليهم سيل من الشتائم واللعن والطعن. 6 — والأكثر إثارة هو سعي كل طرف على الأرض لتغيير مذهب الاخر، فهناك جهود منظمة مدعومة بميزانيات كبيرة للتشييع أو التسنين، فعلى سبيل المثال كان المسلمون في أفريقيا يدينون بالإسلام على المذهب المالكي دون أن ينافسهم احد، ولذلك كانوا متحدين أمام تحدي التنصير على الرغم من فقرهم، وخلال العقود الأخيرة تمزق المسلمون — مع الأسف الشديد — على السنة والشيعة وحدثت مشاكل في نيجيريا وغيرها. 7 — ومما زاد الطين بلة وصنع مع الأسف الشديد هوة واسعة بين السنة والشيعة: المواقف والتصرفات وما حدث في العراق، وفي سورية أيضاً، ففي العراق يعتقد أهل السنة على أن حكام الشيعة قد قاموا بالاجتثاث والتهجير القسري والاقصاء، وما المظاهرات السنية العارمة في محافظات الأنبار، والموصل، وصلاح الدين اليوم إلاّ دليلاً على ذلك. وأما موقف الشيعة في إيران والعراق، ولبنان والخليج فمتناقض تماماً مع موقف السنة، بل المسألة لم تعد مسألة مواقف، بل إن جمهورية إيران والقوى الشيعية تدعم مادياً ومعنوياً وعسكرياً بالسلاح والرجال نظام بشار أسد، او الحكومة السورية — لأي سبب كان — في حين أن جماهير السنة يقفون مع الشعب السوري الذي يتعرض للتقل والابادة والتهجير، والمواقف حول البحرين أيضاً متباينة. وأمام هذه المثيرات للفتن يتعين علينا الالتزام بثوابت التقارب والوحدة، ومستحقاتهما ومقتضاياتهما، وهي: أ — امتناع الطرفين عن إثارة الأمور الستة المذكورة السابقة، والالتزام بدرئها ومنعها، وتوجيه كل الجهود الممكنة للقضاء على أسباب الفتن وإثارتها، وام الفقرة السابعة فتحتاج إلى علاج أكثر تفصيلاً. ب — حظر دماء السنة والشيعة وأموالهم وأعراضهم، وبذل كل الجهود الممكنة لمنع الاقتتال والاعتداء المتبادل، واستحضار ما أكده القرآن الكريم من حرمة الاعتداء، وأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد جعل حرمة الاعتداء على دماء المسلمين واموالهم وأعراضهم كحرمة ذلك في البلد الحرام والشهر الحرام. ج — الانتقال من الامتناع السلبي من الطرفين إلى العمل المشترك، والكتب النافعة، والمشاريع الجامعة، والندوات والمؤتمرات الفعالة للتقارب الحقيقي والتعاون البناء للوصول إلى التكامل والوحدة. د — الاستفادة القصوى من القرارات والتوصيات التي صدرت عن مؤتمرات التقريب التي قام بها المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، بل وتفعيلها، وكذلك قرارات المجامع الفقهية. ه — إبراز القدوات الصالحة للتقارب. و — القيام بالتوعية الشاملة لخطورة الحروب الطائفية التي يريدها المشروع الصهيوين الأمريكي، وإيجابيات التقارب الحقيقي الصادق، ومنافعه العظيمة على الأمة، من خلال الدراسات الجادة والتربية داخل البيت والمسجد، ومن الحضانة إلى الجامعة. ز — الانتقال من التوعية الشاملة إلى الثقافة الواعية التي تصبح جزءاً من كيان المسلم. ح — تأليف كتب تجمع المشتركات بين الطئفتين، وتعالج المختلف فيه بينهما بروح صادقة، ونية خالصة، وأسلوب جذاب هادئ وهادف.
739
| 02 يوليو 2016
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة :الخامسة و العشرون شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب . حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الوالواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم، وفيما يلي الحلقة الخامسة والعشرون: أكد القرآن الكريم على أن هذه الأمة أمة واحدة ، وأنها أمة وسط شهيدة على العالم ، وأنها خير أمة أخرجت لمنفعة الناس ، وتحقيق الخير للناس ، وأنها أمة أخرجها الله تعالى بقدرته ورحمته . إن هذه الوحدة لن تتحقق دون حقوق وواجبات ، وجهود وتضحيات . إن مما لاشك فيه أننا إذا أردنا أن ننجح إقامة علاقة متوازنة محترمة مع غير المسلمين والحوار معهم ، فلا بدّ أن نقوي ونؤصل العلاقة بين المسلمين بعضهم مع بعض على مختلف مذاهبهم وطوائفهم التقليدية ، وعلى مختلف الجماعات الفكرية الحالية من الإخوان والسلفية ، والتبليغ ونحوها . فإذا لم نجتمع نحن المسلمين على مجموعة من الثوابت ولم يتسامح ، أو يعذر بعضنا البعض في المتغيرات الاجتهادية المختلف فيها فحينئذٍ لا يكون لنا وزن وقوة في الحديث مع الآخر، والحوار معه ، وهذا ما يتشدق به ممثلو الكنائس والأديان الأخرى ، حيث يحاولون توزيع الإسلام وتقسيمه حسب المذاهب والطوائف والجماعات ،بل والأشخاص فيقولون : الإسلام السني والإسلام الشيعي ، والإسلام الأصولي والإسلام التقليدي ، والإسلام الحداثي والإسلامي الديمقراطي ، والإسلام الإخواني ، و الإسلام السلفي ، والإسلام التبليغي وهكذا . وفي التأريخ الحديث تنازل الفاتيكان عن أهم عقيدة ظل النصارى يؤمنون بها طوال القرون الماضية ، وهي أن اليهود هم الذين قتلوا المسيح عليه السلام ، حيث برأ اليهود في ع ام 1965 عن دم المسيح تميهداً للوحدة ، وتعاون الشعوب المسيحية مع اليهود في حربها ضد الغرب والمسلمين ، بل ظهرت المسيحية المتصهينة التي هي أخطر من الصهاينة أنفسهم في حربهم ضد الاسلام والمسلمين . لماذا الذات المتحدة قبل البحث عن مؤامرات الخارج : إن منهج الإسلام منهج واقعي حكيم يعالج الموضوع عن جذوره ، ولذلك حينما تحدث عن بعض هزائم المسلمين في عصر الرسالة أسند أسبابها إليهم أنفسهم ، فلم يحولها إلى الغير ولم يجعل الغير شماعة لتعليق كل المصائب ، فقال تعالى : (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) . وعلى ضوء ذلك لا طريق لنا لتحقيق ذلك إلاّ من خلال تفعيل القواعد والمبادئ التي تحكم العلاقة بين المسلمين وهي : القاعدة الأولى : تفعيل الولاء والنصرة للمؤمنين : إن هذه القاعدة تعني أن يكون ولاء المؤمن لله تعالى ولرسوله ثم للمؤمنين وجماعتهم ، فقال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) وقال : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) . والمقصود بولاء المؤمن للمؤمنين وجماعتهم هو أن يكون حبه لهم ، بأن يحب نصرهم على غيرهم ، ولا يؤثر غيرهم عليهم ، وأن يكون نصرته لهم عند حاجتهم إليه ، فالولاء : هو الحب والتعاون ، والنصرة ، والاتحاد والوقوف مع المؤمنين وقوفاً ثابتاً راسخاً. عدم تفعيل الولاء بين المؤمنين فتنة : وقد بيّن الله تعالى أن عدم تفعيل الولاء والنصرة بين المؤمين يؤدي إلى فتنة كبيرة ؛ لأن أهل الكفر والشرك والالحاد أمة واحدة ، وهم ولاء بعضهم لبعض أمام المسلمين ، فقال تعالى : (وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) . وهذا الولاء والحب والنصرة للمؤمنين على ميزانين : أ – ميزان الحرب ، فيجب على المؤمن نصرة المسلمين ، ومقاطعة المعتدين ، والغلظ عليهم ، والبراءة منهم ، وعدم إظهار المودة والمحبة لهم ، وهذا ما بينه القرآن الكريم . ب – ميزان السلم ، حيث يجب على المؤمن البر والاحسان ، ويجوز له التعايش ، والتعامل مع الآخر كما حدد هذه العلاقة قوله تعالى : ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) . ولذلك فلا تعارض بين الولاء لله وللمؤمنين والبراء من الأعداء والمعتدين مع الاحسان والبر إلى غير المعتدين ، ولا مع المودة الشخصية " الحب على أساس العلاقات الشخصية " وليس على أساس الكفر . القاعدة الثانية : تحقيق قاعدة الاخوة الإيمانية وآثارها : دلت النصوص الشرعية على أن أسس العلاقات بين المسلمين تقوم على أخوة قائمة على الدين مقدمة على جميع الوشائج ، دون أن تلغيها ، ولكنها تتقدم عليها بحيث إذا تعارضت الاخوة الإيمانية مع وشائج القربى من الأبوة والبنوة والقرابة الأخرى ولم يمكن الجمع بينهما) فإن الاخوة الإيمانية هي التي يجب أن تتقدم ، وعلى هذا تكاثرت الآيات والأحاديث الكثيرة ، وإجماع المسلمين ، وتربية رسول الله للجيل الأول ، وعلى هذا سار الخلفاء الراشدون ، والصحابة الكرام (رضوان الله عليهم أجمعين . وقد أولى الإسلام عناية منقطعة النظير بالوحدة بين المسلمين فوردت مئات الآيات والأحاديث تؤكد ضرورة وحدة المسلمين وأنها فريضة شرعية ، وضرورة واقعية ، وأن الاختلاف والتفرق محرم ، وأنه يؤدي إلى التمزق والضعف ، والهوان فقال تعالى : (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وقال تعالى : (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لكم لعلكم تهتدون) . 4. الجسد الواحد متراحم ومتعاون يراعي الحقوق : ويترتب على كون المسلمين إخوة كجسد واحد أن لا يظلم بعضهم بعضاً ، ويراعي حقوق أخيه الذي هو بمثابة جزء منه فلا يظلمه ولا يخونه ولا يغشه ولا يحسده ولا يبغضه ، ولا يخذله ولا يحقره ، ولا يعتدي عليه ، لا على ماله ، ولا على عرضه ، ولا على نفسه وأعضائه ، ولا يهجره ، بل ينصره ، ويحب له ما يحب لنفسه ، وينصحه ويزوره ، ويعوده ، ويستر على عوراته ولا يفضحه ، بل يقضي حوائجه ، ويشفع له ، ويقوم بالإصلاح فيما بينه وبين الآخر .
1091
| 29 يونيو 2016
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة :الرابعة و العشرون شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب . حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الوالواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم، وفيما يلي الحلقة الرابعة والعشرون: عصمة الإمام: إن الإمام في عقيدة الإمامية كالنبي، فيجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها ما بطن من سن الطفولة إلى الموت عمداً أو سهواً). صفات الإمام وعلمه: يقول علماؤهم: (نعتقد أن الإمام كالنبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون أفضل الناس في صفات الكمال، ...... وأمّا علمه؛ فهو يتلقّى المعارف والاَحكام الاِلهية وجميع المعلومات من طريق النبي أو الاِمام من قبله، وإذا استجدّ شيء لا بدَّ أن يعلمه من طريق الاِلهام بالقوة القدسية التي أودعها الله تعالى فيه، فإنْ توجّه إلى شيء وشاء أن يعلمه على وجهه الحقيقي، لا يخطىَ فيه ولا يشتبه). وجماهير الشيعة الإمامية لا يعتقدون في الأئمة ما يعتقده الغلاة والحلوليون، بل عقيدتهم أنهم بشر مثلنا، ولكن عباد مكرمون معصومون، وأن عددهم اثنا عشر إماماً خاتمهم أبو القاسم محمد بن الحسن المهدي الذي ولد في 256هـ الذي يعتبرونه الإمام الغائب المنتظر الحجة. ونحن هنا لسنا بصدد مناقشة هذه العقائد، وإنما يهمنا أن هذا الخلاف في العقيدة وأصولها داخل المذهب، ولا يترتب عليه كفر المخالف، فإن الظاهر من هذا الخلاف العقدي أن من لم يؤمن بالإمامة، وبالعصمة، والوصاية فليس مؤمن لدى الشيعة؟ وهذه النتيجة هي أخطر الآثار، ولذلك يجب أن نعالج هذه الأمور أو الأصول العقدية بمنهتى الحكمة والحذر، والله المستعان. وكذلك الإشكال في المواقف الخاصة بهم نحو الخلفاء والراشدين الثلاثة (ما عدا علياً رضي الله عنهم) وجمع من الصحابة، مثل: أبي هريرة، وخالد رضي الله عنهم جميعاً، ونحو أمهات المؤمنين، وبخاصة الشيدة عائشة وحفصة رضي الله عنهن جميعاً. ولذلك يجب أن تعالج هذه المواقف بالحكمة من الطرفين. ثم إن الاختلاف أيضاً وارد حتى داخل الأمة الواحدة، ولكن يجب أن لا يكون الاختلاف في الثوابت، وأن لا يؤدي إلى الاقتتال والتفرق المذموم وإلى تفرقة الأمة شيعاًَ وأحزاباً يبغض بعضها بعضاً ليصل إلى الاقتتال الداخلي. هذا هو الاختلاف المذموم الذي يخالف الثوابت والقواطع وهو الخلاف الذي يكون في أصول الدين وثوابته، أو الذي يوجب البغضاء والمنكر والتفرقة. أما الخلاف المشروع فهو الخلاف في الفروع، لا من الأصول، وفي الوسائل لا في المقاصد وفي الآليات لا في الغايات، وفي تنوع السبل إلى الخير لا في الأهداف العامة للشريعة، وفي المناهج العملية، والآليات والأولويات لا في المرجعية والمنهجية العلمية العامة. اختلاف تنوع لا تضاد: بما أن الثوابت متفق عليها بين جميع المسلمين فإن اختلافهم إذا كان نابعاً عن الاجتهاد المنضبط فهو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، وقد جعل الشاطبي الاختلاف الذي يؤدي إلى الفرقة والتباغض من علامات كونه اختلافاً نابعاً عن الهوى، غير مقبول في الإسلام حيث يقول: (ومن هنا يظهر وجه الموالاة والتحاب والتعاطف فيما بين المختلفين في مسائل الاجتهاد، حتى لم يصيروا شيعاً، ولا تفرقوا فرقاً، لأنهم مجتمعون على طلب قصد الشارع، فاختلاف الطرق غير مؤثر)، ثم قال: (وبهذا يظهر ان الخلاف الذي يؤدي إلى التفرقة هو في حقيقته خلاف ناشئ عن الهوى المضل، لا عن تحري قصد الشارع باتباع الأدلة على الجملة والتفصيل، وهو الصادر عن أهل الأهواء، وإذا دخل الهوى أدى إلى اتباع المتشابه حرصاً على الغلبة والظهور بإقامة العذر في الخلاف، وأدى إلى الفرقة والعداوة والبغضاء، لاختلاف الأهواء، وعدم اتفاقهما، وإنما جاء الشرع لحسم مادة الهوى بإطلاق). ومن المعلوم أن هذه الاختلافات الفقهية الكثيرة داخل الفقه الإسلامي دليل على يُسر الشريعة وسعتها ومرونتها وعظمتها، لأنها استوعبتها نصوصها كل هذه الخلافات مرونة ورفع للحرج. بل الخلافات الفقهية والفكرية والسياسية ضرورية ما دام الاجتهاد مشروعاً، فتكون الخلافات الفقهية ناتجة من ذلك فهي تدور معه وجوداً وعدماً ، لاختلاف العقول والتصورات والأعراف والتأثيرات الخارجية والداخلية. ومن هنا فالمسلمون عندما يكون لديهم هذا الوعي لا يؤدي الاختلاف إلى التباغض يقول ابن تيمية: (وأما الاختلاف في الأحكام فأكثر من أن ينضبط ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة)، حتى وسع شيخ الإسلام الدائرة لتسع بعض الفرق أو الأشخاص الذين تصدر منهم أقوال خطرة، ومع ذلك لا يجوز تكفير شخص معين منهم، حيث يقول: (وحقيقة الأمر في ذلك أن القول قد يكون كفراً، ينطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال: من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله له لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة ...وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد تكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ، فإن الله يغفر له خطأه كائناً ما كان سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام). عدم الإنكار في المسائل الخلافية: ومن المعلوم شرعاً أن إنكار المنكر باللسان، أو باليد لمن له سلطان خاص بالمنكرات المتفق عليها، أما المختلف فيها (ضمن الاختلاف المشروع) فلا يكون فيها الإنكار، وإنما يكون فيها الحوار والنقاش والحكمة والموعظة الحسنة، والأسلوب الراقي الجميل، والجدال بالتي هي أحسن للإرشاد إلى ما هو الأفضل والأرجح أو الراجح. الاختلاف في الفروع رحمة: وقد جرى هذا الشعار على ألسنة السلف الصالح، فقال عمر بن عبدالعزيز: (ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا لم يكن لنا رخصة).
577
| 28 يونيو 2016
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة :الثالثة و العشرون شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب . حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الوالواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم، وفيما يلي الحلقة الثالثة والعشرون: يعتبر من ثوابت هذا الدين وقواطعه وجوب الاتحاد والوحدة والترابط بين المسلمين ، وحرمة التفرق والتمزق فيما بينهم ، فاتحاد الأمة فريضة شرعية يفرضها الدين الحنيف وضرورة واقعية يفرضها الواقع الذي نعيشه ، حيث أصبحت بسبب تفرقها وتمزقها ضعيفة مهددة في وجودها وكيانها وسيادتها طمع فيها الطامعون ، وغلب على معظمها المستعمرون والحاقدون، ولا سيما عالمنا اليوم الذي تكتلت فيه القوى وأصبح الإسلام الهدف الأساس لها . ولا نجد ديناً ولا نظاماً أولى عنايته بالاتحاد وخطورة التفرق مثل الإسلام حيث توالت الآيات الكثيرة والأحاديث المتضافرة على وجوب التعاون والاتحاد ، وحرمة التفرق والاختلاف . فمنها قوله تعالى: ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم). حيث دلت هذه الآيات على ما يأتي : 1 ـ أن أعداء الإسلام يبذلون كل جهودهم لتفريق الأمة الإسلامية وأنهم وراء ذلك وبالأخص الصهاينة والصليبيون ، والاستعمار الذي رفع شعار (فرق تسد) . 2 ـ أن اتباع هؤلاء الأعداء وطاعتهم في ذلك كفر ( يردوكم بعد إيمانكم كافرين ) وهذا أعظم هجوم على التفرق وبالأخص إذا كان بسبب التبعية لأهل الكفر حيث سماه الله تعالى كفراً. 3 ـ هناك علامة تعجب واستغراب لمن يتفرق عن الجماعة المسلمة ويكفر مع وجود القرآن الكريم ، والرسول في حال حياته ، وسنته في حالة موته ، وهذا يعني أن سبيل هذه الأمة هو الاتباع للكتاب والسنة المطهرة ، وان طريق الوحدة ميسور إذا توافرت الإرادة والعزيمة ، حيث أن أسباب وحدة السلمين لا زالت قائمة . 4 ـ أهمية التقوى والاخلاص والتجرد عن الأهواء وخطورة التعصب والعصبية القومية ، والقبلية والطائفية والمذهبية في إيجاد الاختلاف المذموم والتفرق المشئوم فهذه هي الأمراض القاتلة التي فتكت بالأمة ، ونخرت في عظامها. 5 ـ العناية القصوى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإصلاح الناس وفعل الخير ، والدعوة إليه ، ونشر الإحسان والتكافل بين المسلمين ، فهذه وسائل عظيمة لحماية الأمة وجمعها على الطريق المستقيم والهداية والفلاح . 6 ـ أهمية الاعتصام بحبل الله المتين ، والانشغال بالدعوة والجهاد لتوحيد الأمة ، حيث وردت بذلك آيات كثيرة : منها قوله تعالى : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون).ومنها قوله تعالى : (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) . وأما السنة النبوية فمنها ما رواه الشيخان بسندهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( من فارق الجماعة شبراً فمات فيمتته جاهلية ). وكما أن الوحدة فريضة شرعية فهي كذلك ضرورة ومصلحة ملحة لتحقيق النهضة والتنمية الشاملة ، والحضارة والتقدم. بين الوحدة على الثوابت ، والاختلاف المشروع والتفرق المذموم : إن الوحدة الإسلامية على الثوابت هي الأًصل والمبدأ العام ، ولكنها لا تمنع من وجود اختلافات في دائرة الفروع والاجتهادات ( المتغيرات ) ، ومن المعلوم في هذا الدين أن من سنن الله تعالى اختلاف الناس في العقائد والأفكار والتصورات والشعائر والمشاعر ولذلك أرسل الرسل والأنبياء ، فهي سنة دائمة فقال تعالى : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) . تلك هي الغاية من خلقا لإنسان فقال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ولذلك يكون الأصل والمطلوب أن يجتمع الناس على عبادة الله ، ويتجدد على الإسلام له ، ولكنهم اختلفوا بسبب البغي واتباع الأهواء والشهوات ، وتأثروا بالبيئة والتقاليد والعادات ،. إذن فالاختلاف والتفرق سنة لازبة ولازمة لا محيص منه ، وبالتالي يجب التعامل معه ، ولكن هذا التعامل تختلف كيفيته وقوته وضعفه : أ- فإن كان الاختلاف حول العقائد والأصول والثوابت وما علم من الدين بالضرورة فإنه داخل في الاختلاف المذموم ، والتفرق المحرم الذي جاءت الآيات الكثيرة والأحاديث الشريفة بالنهي عنها ، والحذر منها ، والابتعاد عنها . وفي هذا النطاق فإن الإسلام يطبع لنا منهجاً عظيماً وأسلوباً حكيماً في التعامل مع هذه الاختلافات في الأديان والملل والنحل ، وداخل الفرق الضالة ، يكمن فيما يأتي : (1) بيان الحقائق الثابتة فيما يتعلق بالعقائد والشعائر والقيم وعالم الغيب ونحوها بالحكمة والموعظة الحسنة وبالجدال والحوار بالتي هي أحسن . (2) الالتزام بكل ما يؤدي إلى التعايش السلمي مهما اختلفت الأديان والآراء من الالتزام بأسس التعامل ومبادئه وقيمه العظيمة التي أرساها الإسلام . ب- الاختلاف الداخل في إطار الإسلام بين المسلمين أنفسهم ممن يتشركون في الإيمان والعمل على الثوابت العامة للإسلام وأصوله العامة التي سنذكرها – إن شاء الله . وهذا الاختلاف أيضاً منه ما اختلاف فقهي فقط فهذا تنوع وثراء لفقهنا الإسلامي العظيم كالاختلاف بين جميع المذاهب الفقهية المعتمدة مثل الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، والظاهرية ، والإمامية ، والزيدية ، والإباضية ، والمذاهب الفقهية المندثرة مثل مذاهب أبي ثور ، والأوزاعي ، والطبري... . فهذه المذاهب الفقهية كلها من حيث هو مذهب فقهي ليس هناك إشكال في قبولها ، وإنما الإشكال في الجانب العقدي والأصولي لدى بعضها ، فمثلاً إن الشيعة تتوزع على عدة فرق فمنهم الغلاة فلا نتحدث عنهم ، وإنما نتحدث عن الشيعة الإمامية الذين يؤمنون ببعض الأصول زيادة على أركان الإيمان المعترف بها لدى المذاهب السنية والإباضية والزيدية . وبهذه النصوص وغيرها في تكفير من لا يؤمن بإمامة هؤلاء الأئمة الأطهار تكون حائلاً آخراً وحاجزاً للتقارب الحقيقي إلاّ على المصالح المشتركة التي تقتضيها حالة الأمة في جميع الأحوال ، ولكن من باب الأمانة فإن التكفير لأهل السنة ليس مذهب جميع الإمامية ، وبخاصة المعاصرون الذي يدعون التقريب ، ومهما يكن فلا بدّ من العلاج إذا أردنا التقارب ، والوحدة .
1547
| 27 يونيو 2016
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة :الحادية و العشرون شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب . حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الوالواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم، وفيما يلي الحلقة الحادية والعشرون: النواصب هم فرقة ظهرت في أيام الخوارج والأمويين ، وأن اتهام الروافض للخلفاء الراشدين (أبي بكر، وعمر وعثمان ) وبعض أمهات المؤمنين كعائشة، أو بعض كبار علماء السنة مثل الإمام أحمد .. اتهام باطل لا أساس له، فقد كان علي مستشاراً لدى أبي بكر وعمر، وكانوا يحب بعضهم بعضاً بدليل المصاهرة بينه وبين عمر، وتسمية بعض أبنائه وأحفاده بأسماء الخلفاء الثلاثة. ومعظم الشيعة يعرفون الناصبي بأنه : العداء للنبي صلى الله عليه وسلم أو لفاطمة ، أو لعلي ، أو للأئمة من ذريتهم ، أو لشيعتهم ، وأن معظم مراجعهم ـــ وبخاصة السيستاني ـ على أن هذه التهمة لا يجوز إطلاقها على أحد إلا بالبينة". ولكن بعضهم يجعلون كل من قدَّم أبا بكر وعمر على عليٍّ ناصبياً، وبالتالي فجميع أهل السنة نواصب، بل إن الزيدية أتباع زيد بن علي من النواصب، فقد رووا في ذلك روايات عن أئمتهم تدل على ذلك. والروافض هي لغة جمع الرافضي من الرفض بمعنى الترك، والرمي، والطرد. وفي الاصطلاح اختلف في معناها بناءً على معنى الرفض، فذهب جمهور علماء السنة إلى أن سبب هذه التسمية يعود إلى زمن خروج زيد بن علي، حيث سئل عن أبي بكر، وعمر فترحَّم عليهما، وعندئذ رفضه جماعة منهم فقال لهم رفضتموني، فسموا هؤلاء الذين رفضوا زيداً في مذهبه هذا بالرافضة ومن بقي معه سموا شيعة زيد. وبناءً على ذلك فإن الرافضة تشمل جميع فرق الشيعة ما عدا الزيدية. ولذلك فالمصطلح يحتمل الكثير من المعاني، وحسب المراد يحدد الحكم، فإذا كان المراد بالروافض هم الذين يرفضون إمامة أبي بكر وعمر فلا شك أنهم مذمومون لدى أهل السنة، وأن الأدلة تدل على ذم ذلك، أما إذا كان المراد بالروافض الرافضين للنصب والظلم، والمحبين لعلي، وآل البيت الكرام فإن أهل السنة معهم ، ولذلك يقول الشافعي: إن كان رفضاً حب آل فليشهد الثقلان أني رافضي وقال في قصيدة أخرى: إن نحن فضَّلنا علياً فإننا روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل وفضل أبو بكر إذا مـــا ذكرته رميت بالنصب عند ذكري للفضل فلا زلت ذا رفض ونصب كلاهما بحبيهما حتى أوسد في الرمل وقال أيضاً: إن النبي ذريعتي وهم إليه وسيلتي أرجو بأن أعطى غداً بيدي اليمين صحيفتي ولكن لو أردنا تحديد المصطلح فما ذكره جمهور العلماء له وجاهته ، حيث تكررت هذه القصة في كتب السنة والشيعة بأن كلمة "الرافضة" أو "الروافض" اشتهرت بعد إطلاق زيد هذا المصطلح على من رفضه من شيعة الكوفة، فبالإضافة إلى المصادر السنية التي ذكرت ذلك فإن مصادر شيعية أيضاً ذكرت ذلك، فقال الشيخ المفيد : "ولما سمعت شيعة الكوفة هذه المقالة" أي صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل "من زيد، وعرفوا أنه لا يتبرأ من الشيخين رفضوه حتى أتى قدره عليه ، فسميت رافضة". وهذا لا يمنع من إطلاق هذه الكلمة على كل من يرفض إمامة أبي بكر وعمر قبل زيد، لأن حديثنا عن اشتهارها بصورة واضحة، فقد استعمله الخليفة الأموي عبد الملك (ت 86 هـ) على الشاعر المعروف فرزدق الذي أنشد قصيدة رائعة في الإمام زين العابدين، فقال له: "أرافضي أنت يا فرزدق". ولذلك نستطيع تعريف الرافضي بأنه هو الذي يرفض إمامة أبي بكر وعمر، ويبغضهما، ويُظهر حب علي وآل البيت الكرام دون التحديد بزمن الإمام زيد ( رضي الله عنه). والخلاصة أن الأمة الإسلامية ابتليت بعد فتنة الخليفة عثمان (رضي الله عنه) بفتن كبرى، من أخطرها تفرق الأمة وظهور الفرق المفرطة ـ بسكون الفاء ـ والمفرطة ـ بفتح الفاء والراء المشددة المكسورة ــ فالعلاج لا يمكن أن يكمن في التكفير، والسباب والشتائم، وإنما العلاج هو ترك كل جماعة على ما هي عليه سوى النصح بالحكمة والموعظة الحسنة، والحوار والجدال بالتي هي أحسن للوصول إلى التسامح، والتعايش، والتعاون على البر التقوى البعيد عن الصراعات المدمرة. معالم الوسطية ودعائمها: فقد كتب عن الوسطية الكثيرون، ولكن العلامة الشيخ يوسف القرضاوي (حفظه الله) أولى عناية قصوى بها، ثم لخص دعائمها في عشرين دعامة منها: ــــ الملاءمة بين ثوابت العشر ومتغيرات العصر ــــ فهم النصوص الجزئية للقرآن والسنة في ضوء مقاصدها الكلية. وأود أن أذكر ما جلب انتباهي في هذه المسألة، وهو أن الله تعالى جعل الوسط وصفاً للأمة وليس للدين فقال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)، وذلك لأن الدين الحق (الإسلام) هو دين واحد، وهو وسط في حد ذاته، ولكن الإشكال يقع دائماً في المتدينين، حيث تميل بهم الأهواء أو الاجتهادات الخاصة نحو اليمين أو اليسار خروجاً عن الصراط المستقيم ونحو الغلو والتشدد، أو التفلت والتقصير، والترخص غير المسدد، فيحدث الخروج عن المنهج الوسط، إن جميع الأديان السماوية كانت وسطاً ولكن الأتباع هم الذين حرفوه، أو لم يطبقوه على الوجه الصحيح، أو أنهم ظلموا فاستحقوا التشدد كما قال الله تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً).
886
| 25 يونيو 2016
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة : العشرون شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب . حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الوالواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم، وفيما يلي الحلقة العشرون: النواصب والخوارج والروافض: هذه مصطلحات متعارضة ظهرت في عصر واحد وهو عصر الفتنة الكبرى بعد مقتل سيدنا عثمان (رضي الله عنه ). فالنواصب جمع الناصبي، وهو الذي يعادي سيدنا عليَّاً وأهل بيته الكرام (على نبينا وعليهم السلام) ولكنه لا يكفرهم، وأما الخارجي فهو كان يكفِّر سيدنا عليَّاً، ويتقرب ببعضه (خذلهم الله تعالى )، والروافض جمع الرافضي، وهم (على عكس الفريقين السابقين) يقدسون عليَّاً (رضي الله عنه) وآل بيته، وهم فرق يصل بعضهم إلى جعل علي (رضي الله عنه) إلهاً، أو له سلطة الإله. وهذه الفرق الثلاث شرٌّ كلها وفتنة كلها، كما أنهم من النتائج السلبية للفتنة الكبرى التي لا زالت آثارها الخطيرة جاسمة أمام أعيننا إلى اليوم من التفرق والقتال بين المسلمين. ولكن أولى الفرق ظهوراً من الناحية العملية هي الخوارج الذين خرجوا على سيدنا علي (رضي الله عنه) بسبب قبوله اللجوء إلى التحكيم في معركة صفين بينه، وبين معاوية، ثم عاد بعضهم إلى حكم علي، ولكن بعضهم الآخر رفضوه فقاتلهم، ولكنهم خططوا لقتله على يد الشقي عبد الرحمن بن ملجم عندما كان يؤم الناس في صلاة الفجر. ثم مع مرور الزمن ضعفت شوكتهم، ولكن جفوتهم وقسوتهم التي ظهرت في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأفكارهم التكفيرية بقيت، ثم ظهرت في الجماعات التكفيرية وبخاصة في جماعة جهيمان بالمملكة العربية السعودية التي كانت تسمى " الجماعة السلفية المحتسبة " حيث قامت باحتلال الحرم المكي، وقتلوا فيه عدداً من الشرطة والأمن وبعض الناس في 20/11/1979 م، حتى قضت على شوكتهم الأمنية، ولكن أفكارهم بقيت مع الأسف الشديد. ومن هذه الجماعات التكفيرية المنبثقة من أفكار الخوارج جماعة شكري مصطفى التي اشتهرت بـ (جماعة التكفير والهجرة) بمصر التي كان شبابها مسجونين في سجون جمال عبد الناصر، ورأوا من العذاب والاستهانة بالدين ما دفعهم إلى الحكم بتكفير الدولة المصرية ومن يعاونها، ثم تكفير كل من يتعاون معها، ثم الدعوة إلى هجر المجتمع الجاهلي وتكوين المجتمع الإسلامي، ولكن الشيخ حسن الهضيبي مرشد الإخوان في ذلك الوقت تصدَّى لهم وهو في السجن فكتب كتابه المشهور (دعاة لا قضاة) فتراجع بعضهم ثم انبثقت من أفكار الخوارج الجدد (الجماعة السلفية المحتسبة) بالمملكة ومن جماعة التكفير والهجرة بمصر، والسلفية التكفيرية الجهادية: جماعة القاعدة بأفغانستان على يدي أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري ومن معهم، ثم جماعة داعش التي تسمى " تنظيم الدولة الإسلامية " والتي انتشرت في سوريا وعاثت فيها قتلاً وتدميراً وحرقاً، وساهمت في إفشال الثورة السورية، وأعطت صورة سيئة عن الإسلام والمسلمين، ثم دخلت العراق وسيطرت على معظم مناطق السنة دون مقاومة بعدما تركتها حكومة نوري المالكي من خلال انسحاب حوالي ثلاث فرق عسكرية منها تاركة وراءها معظم أسلحتها المتطورة من خلال خطة جهنمية لسيطرة متطرفي الشيعة على المناطق السنية أيضاً. فالخوارج الجدد أشد باساً وسوءاً وتشويهاً للإسلام والمسلمين من الخوارج القدماء الذين وصل بهم التطرف إلى أن يقتلوا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج فاطمة الزهراء وأبا الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، ويعدُّوا مقتله تعبداً وتقرباً إلى الله تعالى (سبحان الله ). ولذلك قال في حقهم الرسول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم:" يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فُوقِه " وبداية الجفوة والغلظة حتى مع الرسول صلى الله عليه وسلم ظهرت في بعض الأعراب الذين وصفهم الله تعالى (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ) حيث روى البخاري ومسلم وغيرهما بسندهم عن أبي سعيد الخدري قال:" بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول الله فقال: ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل " قال عمر بن الخطاب:" ائذن لي فأضرب عنقه " فقال:" دعه، فإن له أصحاباً يحقِّر أحدكم صلاته مع صلاته، وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية..، آيتهم رجل إحدى يديه، أو قال: ثدييه مثل ثدي المرأة، أو قال: مثل البضعة تدردر يخرجون على حين فرقة الناس " قال أبو سعيد: أشهد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علياً قتلهم، وأنا معه، جئ بالرجل على النعت التي نعته النبي صلى الله عليه وسلم قال فنزلت فيه (وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) وفي رواية صحيحة أخرى بلفظ " إن من هذا، أو في عقب هذا قوم يقرؤون القرآن، لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنَّهم قتل عاد " وفي رواية لأبي داود:".. يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء ". وأما الفرقة المكملة للخوارج فهي النواصب الذين عادوا عليَّاً وآل بيته الكرام، ولكن لم يكفروا علياً وإنما حكموا عليه بالفسق، وكانوا يسبونهم، فهذه الفرقة في نظر أهل السنة فرقة فاسقة خارجة عن أهل السنة والجماعة، فآل الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق أو فاسق.
689
| 24 يونيو 2016
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة : التاسعة عشر شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب . حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الوالواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم، وفيما يلي الحلقة التاسعة عشر: كل الفرق الإسلامية ادعت الوصل بليلى في أنها الفرقة الناجية، ووضعت بعضها لنفسها آثاراً تدل على ذلك، كما استغلت آثاراً أخرى لوصف فرقة معينة بأنها الفرقة الهالكة، أو من الفرق الهالكة: 1 -فقد وضعت بعض الشيعة بعض الأحاديث المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ما روي عن سيدنا علي عن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) بلفظ ".. ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والباقون هالكة، والناجية: الذين يتمسكون بولايتكم " الخطاب لسيدنا علي، ومنها: أن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) قال لعلي:" يا أبا الحسن.. وأن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة ناجية، والباقون في النار " فقلت: يا رسول الله ما الناجية؟ قال: المتمسك بما أنت وأصحابك عليه " وكلا الحديثين فيهما الضعف، والانقطاع والنكارة، بحيث لا يقبلان حسب قواعد الجرح والتعديل، وقد ردَّ على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه منهاج السنة بثمانية أوجه 2 -والمعتزلة أيضاً وضعت لنفسها حديثاً بلفظ:".. ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أبرُّها وأتقاها الفئة المعتزلة " وهو حديث واه بل موضوع ومنكر باتفاق النقاد. 3 -وبالمقابل فقد أُقحمت أسماء بعض الفرق بأنها هي الهالكة مثل ما رواه ابن أبي عاصم بسنده عن علي (رضي الله عنه) قال:" تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وأنتم على ثلاث وسبعين، وإن من أضلها وأخبثها من يتشيع أو الشيعة " وفي إسناده ليث بن أبي سليم، وهو معروف بالضعف، وأنه اختلط، كما أن الوضع ظاهر من صياغته، وذكر الذهبي بأن ليث بن أبي سليم مولى آل أبي سفيان بن حرب الأموي، قال أحمد: ليث مضطرب الحديث، كما أن علماء الجرح متفقون على ضعفه وتخليطه، وقالوا أبو حاتم: لا تقوم به حجة. وكذلك روي أن أهل القياس هم الفرقة الهالكة، حيث روى الحاكم، والطبراني، وابن حزم، والحاكم وغيرهم بسندهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال"، قال الحاكم "صحيح على شرط الشيخين"، قال البيهقي: تفرد به نعيم بن حماد، وسرقه منه جماعة من الضعفاء وهو منكر وقال ابن عدي: قال لنا ابن حماد: هذا وضعه نعيم بن حماد وجاء في تاريخ بغداد أن يحيى بن معين حكم على هذا الحديث بأنه منكر. وورد في بعض روايات الحديث أن الفرقة الهالكة هم "الزنادقة وأهل القدر" وهذه الرواية ليس لها أصل كما قال يحيى بن معين، وهناك روايات أخرى في تحديد الفرقة الهالكة أو الناجية وكلها إما موضوعة ومنكرة أو ضعيفة. تأصيل الفرق الهالكة، والفرقة الناجية بناءً على هذا الحديث: ومع أن حديث الافتراق ثبت لدينا بالمنهج العلمي أنه ضعيف جداً، بل منكر في معظم طرقه، وأنه وقع في متنه اختلاف واضطراب، وما في معناه من إشكاليات، لكنه مع ذلك بنى عليه البعض تقسيم الأمة وتصنيفها على أساس الفرقة الناجية، والفرق الهالكة، ودخلت الأهواء، وادعت كل فرقة أنها الناجية، وغيرها هي الهالكة الداخلة في النار، وأدى ذلك إلى التزكية للفرقة التي ينتمي إليها الشخص، واتهام غير من لا ينتسب إلى جماعته وفرقته بأنهم من الهالكين، فازدادت الأمة تفرقاً وتمزقاً، ودخل سلاح التكفير والتبديع في هذا المجال من أوسع الأبواب، وتفرع من التكفير التفجير كما نراه اليوم. والذي تقتضيه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة هو الانطلاق من الأمة الإسلامية الواحدة، واعتبارهم من الناجين المقبولين جميعاً، والابتعاد عن التكفير، والتبديع والتضليل داخل الأمة الإسلامية للوصول إلى لمِّ الشمل وتوحيد الكلمة، والتعامل والتعاون على البر والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان والظلم والطغيان، والانطلاق من هذا الإطار لا يمنع التنافس على الخيرات والمسارعة فيها كما لا يمنع الإرشاد والنصح والتوجيه من الجميع للجميع كما قال تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ). تزكية النفس أما قيام كل فرقة أو جماعة (داخل الأمة الإسلامية) بتزكية نفسها وحصر الحق فيها وجعلها الفرقة الناجية، وغيرها من الفرق الهالكة فهذا مخالف لظاهر النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وما كان عليه السلف الصالح، حيث كان الأصل في المجتمع الإسلامي هو حسن الظن بالناس فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ).
1135
| 23 يونيو 2016
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة : الثامنة عشر شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب .. حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الوالواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم، وفيما يلي الحلقة الثامنة عشر: المسلمون جميعاً (أي أمة الاستجابة) الذين تحقق فيهم الإيمان بأركانه الستة، والتزموا بالإسلام بأركانه الخمسة (حسب شروط كل ركن) هم الفرقة الناجية، وإن وقع منهم المعاصي والذنوب معنى الحديث: وأما معنى الحديث على فرض صحته، فقد اختلف في معناه، فمن العلماء من حمل الأمة هنا على أمة الدعوة (أي غير المسلمين)، أي إن الأمة التي دعاها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، قد اختلفت إلى 73 فرقة، وأما أمة الاستجابة فهم الفرقة الناجية، لأنها آمنت ودخلت في دين الله تعالى، وبالتالي فلا تدخل في الفرق الهالكة، لأنها حتى لو دخل بعضها النار فإنهم يخرجون منها؛ للأدلة الدالة على إخراج كل من قال بـ: لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ويدل على هذا المعنى سياق الحديث الذي تحدث عن تفرقة اليهود إلى 71 فرقة، ثم النصارى إلى 72 فرقة، حيث تدل على أن الفرق في عصر اليهود 71، ثم لمَّا جاء المسيح (عليه السلام) برسالته ازدادت الفرق بواحدة، وهي من لم يؤمن بها، ثم لمَّا جاء الرسول صلى الله عليه وسلم برسالته العامة ازدادت فرقة واحدة، وهي من لم يؤمن بها. وقد استحسن الصنعاني هذا المعنى، ولكن قد يـشوش عليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "تفترق" للمستقبل، مع أن التفرقة كانت موجودة قبل عصره صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ويمكن أن يجاب: أن الاستقبال لزيادة الفرقة الثالثة والسبعين بسبب نزول رسالة الرحمة للعالمين، وليس لأصل التفرق الذي كان موجوداً. وبناءً على هذا التفسير؛ فإن المسلمين جميعاً (أي أمة الاستجابة) الذين تحقق فيهم الإيمان بأركانه الستة، والتزموا بالإسلام بأركانه الخمسة (حسب شروط كل ركن)، هم الفرقة الناجية، وإن وقع منهم المعاصي والذنوب، فهم في المآل مؤمنون ناجون من عذاب جهنم، وإن عذَّب بعضهم تطبيقاً لقوله تعالى: "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ"، قال ابن كثير في تفسير (ظالم لنفسه) "هو المفرط في فعل بعض الواجبات، المرتكب لبعض المحرمات، ويدل عليه قوله تعالى "وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"، حيث جاء بعد قوله تعالى: "وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ". وروى الترمذي والطبراني بسندهما عن أبي سعيد الخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية: "وكلهم في الجنة" وروى الطبراني بسنده عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية: "كلهم من هذه الأمة"، وروى أحمد بسنده عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فمنهم ظالم لنفسه" يعني: الظالم يؤخذ منه في مقامه ذلك، فذلك الهم والحزن، ومنهم مقتصد قال: يحاسب حساباً يسيراً.."، وفي بعض الروايات الصحيحة بلفظ ".. والظالم لنفسه يحاسب حساباً يسيراً ثم يدخل الجنة". نُقولٌ من بعض العلماء حول متن الحديث ومعناه وبناءً على ما سبق فإن ظاهر معنى الحديث لا يستقيم مع هذه الآيات ونحوها، لأن معنى "كلهم في النار" أي مستقرون في النار، وأن معنى "كلها هالكة إلا واحدة" أي إن أكثريتهم هالكون، وإن القلة المستثناة هي الناجية فقط، ومن المعلوم أن تخصيص أمة الإسلام بالاستقرار في النار، أو الهلاك لا يتفق مع الآيات والأحاديث الدالة على خيرية هذه الأمة ـ كما سبق ــ ومن جانب آخر فإن الهلاك والاستقرار في النار من نصيب الكفرة المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال العلامة ابن الوزير: "وإياك الاغترار. بـ "كلها هالكة إلا واحدة" فإنها زيادة فاسدة غير صحيحة القاعدة، ولا يؤمن أن تكون من دسيسة الملاحدة"، وسبق قول الشوكاني في هذه الزيادة. ويقول شيخنا القرضاوي: "وفي متن هذا الحديث إشكال، من حيث إنه جعل هذه الأمة التي بوأها الله تعالى منصب الشهادة على الناس، ووصفها بأنها خير أمة أخرجت للناس، أسوأ من اليهود والنصارى في مجال التفرق والاختلاف، حتى إنهم زادوا في فرقهم على كل من اليهود والنصارى"، ثم قال: "ثم إن هذا الحديث حكم على فرق الأمة كلها إلا واحدةً بأنها في النار، هذا مع ما جاء في فضل هذه الأمة، وأنها مرحومة، وأنها تمثل ثلث أهل الجنة، أو نصف أهل الجنة، على أن الخبر عن اليهود والنصارى بأنهم افترقوا إلى هذه الفرق، التي نيفت على السبعين، غير معروف في تاريخ المِلَّتَين، وخصوصاً عند اليهود، فلا يعرف أن فرقهم بلغت هذا المبلغ من العدد"، وانتهى فضيلة العلامة إلى أن الحديث ضعيف سنداً، وأن متنه لو قُبِل يَحتاج إلى تأويل فقال: "لا يدل على أن هذا الافتراق بهذه الصورة، وهذا العدد أمر مؤبد ودائم إلى أن تقوم الساعة، ويكفي لصدق الحديث أن يوجد هذا في وقت من الأوقات، فقد توجد هذه الفرق ثم يغلب الحق باطلها، فتنقرض ولا تعود أبداً".
872
| 22 يونيو 2016
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة : السابعة عشر شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب .. حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم، وفيما يلي الحلقة السابعة عشر: إشكالية معنى الحديث وقد استشكل معنى الحديث في عدة جوانب منها: 1 ـ أن ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كما في بعض روايات الحديث يشمل جميع الأركان والفرائض والواجبات، والسنن والمستحبات، ففي ضوء ذلك فإن الشخص الذي يكتفي بالفرائض فقط دون السنن والمستحبات هل يدخل في الفرقة الهالكة أو في النار؟ مع أن الأحاديث الصحيحة تدل على أن المطلوب لدخول الجنة هو الالتزام بترك المحرمات، ويفعل الأركان والفرائض منها ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما بعدة طرق: أن أعرابياً جاء إلى رسول الله ثائر الرأس فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض عليَّ.. من الصلاة.. من الزكاة.. فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم شرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك، لا أتطوع شيئاً، ولا أنقص مما فرض الله عليَّ شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلح إن صدق، أو: "دخل الجنة إن صدق"، حيث يدل هذا الحديث الصحيح المتفق عليه على أن دخول الجنة يتحقق بإذن الله تعالى بالالتزام بالفرائض والأركان، والابتعاد عن الكبائر. 2 ـ إن الأدلة من الكتاب والسنة قطعية في أن المؤمنين الموحدين (غير المشركين) هم غير مخلدين في النار، فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد قال: "لا إله إلا الله" ثم مات على ذلك إلاَّ دخل الجنة" وقال تعالى: (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلظَّٰلِمُونَ) فهذه الأدلة وغيرها تدل بوضوح على أن الهلاك المؤكد للكافرين الظالمين المشركين فقط، وأن ماعداه يخضع لمشيئته، وعلى هذا إجماع الصحابة الكرام قبل الخوارج الذين كفَّروا المسلمين بارتكاب الكبائر، ولذلك يقول ابن تيمية الذي صحح هذا الحديث: "فمن كفَّر الثنتين والسبعين فرقة كلهم فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان". 3 ـ إن رواية أنهم "الجماعة" مستشكلة أيضاً، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحددها، فهل المقصود بها أي جماعة، أو جماعة مقصودة؟ فالقضية تتعلق بالهلاك والنار وبالنجاة، ومع ذلك لا يحدد مفهوم الجماعة وقت البيان؟! 4 ـ إن الحديث لو صح لدلَّ على أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي أكثر الأمم شقاقاً وفراقاً واختلافاً في حين وصفت بأنها "خير أمة أخرجت للناس" وأنها الأمة الخاتمة القائمة على المنهج الوسط فقال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وأنها الأمة الوحيدة التي حفظ الله تعالى لها كتابها ولذلك قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) كل ذلك يجعل الحديث لو صح معلولاً فيه الشذوذ، والمخالفة للنصوص القاطعة. وأما ألفاظ الحديث ففيها اضطراب واختلافات فبعض روايات الحديث تدل على أن الفرقة الناجية هي "الجماعة" وهذه رواية ابن ماجه، والحاكم في إحدى رواياتهما وفي رواية أخرى هي "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي" وبعضها بدون "على" وهذا لفظ الترمذي، ولكنه قال: غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه " والحاكم في إحدى رواياته، وذكر الحاكم أنه تفرد به الإفريقي وهو ممن لا تقوم به حجة" كما أن في سنده عبدالله بن سفيان الذي تفرد به وهو من الضعفاء، وفي رواية أخرى (الإسلام وجماعتهم) رواها الحاكم، وقال: تفرد به كثير بن عبدالله المزني وهو ممن لا تقوم به حجة وبلفظ" وما الواحدة؟ قال: الفرقة الناجية المتمسكة بالكتاب والرسول" رواه الحافظ العلوي في الجامع الكافي، والمرادي في كتاب المناهي وهي أيضاً ضعيفة جداً، وبلفظ "إلا السواد الأعظم" وهو أيضاً ضعيف جداً. ثم إن بعض رواياته تقول: "ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة" وبعض رواياته عن عوف بن مالك عند ابن ماجه بلفظ "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين.. "، وفي بعض الروايات "افترقت اليهود على إحدى، أو اثنتين وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة" وهذه روايات أبي داود، والحاكم، حيث نجد الاضطراب واضحاً، وأن الشك هنا مؤثر، ثم إن في رواية أخرى عن عمرو بن عوف الفرق كبير، وهي رواية الحاكم الذي ضعفها بلفظ "ألا إن بني إسرائيل افترقت على موسى على إحدى وسبعين فرقة واحدة: الإسلام وجماعتهم، وأنها افترقت على عيسى بن مريم على إحدى وسبعين... "، حيث الفرق واضح ومختلف تماماً من حيث عدد الفرق السابقة. فمثل هذا الاضطراب المخل والألفاظ المختلفة المتباينة لو وجد حتى في حديث مقبول يجعله مضطرباً معلولاً فكيف بحديث ضعيف من حيث طرقه وأسانيده كما سبق.
269
| 21 يونيو 2016
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة : السادسة عشر شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب .. حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم، وفيما يلي الحلقة السادسة عشر: الفرقة الناجية هذا المصطلح استنبطه علماء الحديث من حديث مشهور على الألسنة، روي بعدة روايات مختصرة ومطولة، ولكن الشاهد على مسألة الفرقة الناجية هي الرواية المطولة التي رواها ابن ماجه، والحاكم بأسانيد ضعيفة، أو مختلف فيها، ولفظ ابن ماجه عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار، قيل: من هم؟ قال:"الجماعة"، قال البويصري: "فيه مقال، وعباد بن يوسف لم يخرج له أحد سوى ابن ماجه، وليس له عنده سوى هذا الحديث، قال ابن عدي: روى أحاديث تفرد بها .."وفي رواية بلفظ " قال: ما أنا عليه وأصحابي" رواها الترمذي والحاكم، وله روايات وطرق وألفاظ كثيرة نشير إلى أهمها في هذا البحث . الحكم على هذا الحديث هذا الحديث قد اختلف في متنه، وألفاظه، وفي الحكم على سنده وفي معناه ومحتواه: وأما متنه فإن معظم الرواة لا يروون الزيادة التي هي الشاهد والاستدلال، حيث رواه أبو داود، والحاكم، وابن ماجه، وابن حبان وغيرهم بلفظ "افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة"، وهذا لفظ الحاكم الذي صححه، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وبالتالي فإن هذه الزيادة التي تدل على الفرقة الواحدة الناجية، وهلاك 72 فرقة منهم، أو دخولهم النار لم ترد في الروايات الصحيحة، وهذا ما قاله عدد من المحققين فقال الشوكاني: أما زيادة "كلها في النار إلا واحدة" قد ضعفها جماعة من المحدثين، بل قال ابن حزم "إنها موضوعة" فهذه الزيادة لا تصح مرفوعة ولا موقوفة، بل إن عدداً من المحققين أيضاً قد حكموا بعدم صحة الحديث البتة. وقد كنت مشغولاً بدراسة هذا الحديث، و قطعت شوطاً جيداً، لكنني عثرت على بعض الدراسات الحديثية النقدية لهذا الحديث لبعض الباحثين الذين جمعوا طرقه، ورواياته وأسانيده بشكل علمي، وتوصلوا من خلالها إلى ما يأتي: 1- ثبت أن حديث عوف بن مالك منكر لضعف عباد بن يوسف، ولتفرده بهذا الحديث، ومخالفته الثقات الذين رووا الحديث عن صفوان، فخالفوه في إسناده، وجعلوه من حديث معاوية بن أبي سفيان، ليثبت بذلك أنه لا أصل له عن عوف بن مالك، وأنه خطأ من عباد بن يوسف ولم يتابع عليه . 2- كما ثبت ضعف حديث معاوية، لأن مداره على أزهر بن أبي عبد الله، وهو ناصبي غال..، وقد طعن فيه أبو داود، وذكره ابن الجارود في الضعفاء. 3- وكذلك ثبت ضعف حديث عبد الله بن عمرو، وأنه حديث منكر، ولا أصل له عن عبد الله بن عمرو . 4 - وكذلك ثبت ضعف رواياته عن سعد، وأنس، وأبي أمامة، وأنها من الأحاديث المنكرة، وأما رواية الحديث عن عمرو بن عوف فباطلة، لا أصل لها . 5 - توصل الباحثون إلى أن في جميع طرق هذا الحديث -وبخاصة مع الزيادة- مناكير وغرائب ضعيفة ومنكرة. 6 - أما الحديث بدون الزيادة فأقصى ما يمكن الوصول إليه -مع التساهل- هو درجة "الحسن لغيره". 7 -لا يقال: إن كثرة طرقه ترتقي بالحديث إلى درجة الحسن، وذلك لأن هذا الحكم ليس عاماً، يقول الشيخ أحمد شاكر معقباً على من يصحح أو يحسن الحديث بكثرة الطرق: "وبذلك يتبين خطأ كثير من المتأخرين في إطلاقهم: أن الحديث الضعيف إذا جاء من طرق متعددة ضعيفة ارتقى إلى درجة الحسن أو الصحيح، فإنه إذا كان ضعف الحديث لفسق الراوي أو اتهامه بالكذب، ثم جاء من طرق أخرى من هذا النوع ازداد ضعفاً إلى ضعف، لأن تفرد المتهمين بالكذب، والمجروحين في عدالتهم بحيث لا يرويه غيرهم يرفع الثقة بحديثهم، ويؤيد ضعف روايتهم. فحديث هذا سنده وما فيه من المناكير والغرائب، والضعف والنكارة لا يصلح أن يحتج به حتى في الفضائل، فكيف يحتج به في مثل هذه القضية الخطيرة، وما يتضمنه من إشكاليات نتحدث عنها فيما بعد . وللأمانة العلمية فإن بعض المحدثين صححوه أو حسنوه بسبب كثرة طرقه ورواياته، منهم ابن تيمية، والألباني وغيرهما.
743
| 20 يونيو 2016
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة : الرابعة عشر شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب .. حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم، وفيما يلي الحلقة الرابعة عشر: المذاهب الفقهية إن المذاهب الفقهية المعتمِدة على الكتاب والسنة، وعلى الأدلة التبعية لهما، مهما اختلفت آراؤها الفقهية فهي في دائرة القبول والاجتهادات القابلة للخطأ والصواب. المذهب هو: الطريقة التي يتخذها صاحبها لفهم شيء وتفسيره وبيان حكمه، أو لحل مشكلة وفق رؤية معينة، وبالتالي يختلف معناه حسب وصفه، أو المضاف إليه، فالمذهب الحنفي، أو مذهب الأحناف مثلاً هو: الطريقة التي سلكها أبو حنيفة وأصحابه للوصول إلى بيان الأحكام الشرعية، وفق أصول ومصادر معينة، وهكذا المذهب المالكي، والشافعي، والحنبلي، والظاهري، والإباضي، ونحوهم، فهذه المذاهب لا تختلف كثيراً من حيث الاعتماد على الأصول، ومن حيث أصول الإيمان وأركانه الستة، في حين أن أصحاب المذهب الشيعي يضيفون إليها الإيمان بولاية الأئمة، فقد روى الكليني (أكبر مشايخهم) بسنده عن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: "قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محمِّداً لله وأثنى عليه، ثم قال: "... والذي نفس محمد بيده لو أن عبداً جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبياً ما قبل الله ذلك منه، حتى يلقى الله بولايتي، وولاية أهل بيتي"، وفي رواية عندهم بلفظ ".. ثم جاء يوم القيامة وهو جاحد لولاية علي إلا أكبه الله على منخريه في نار جهنم"، ومع ذلك فالشيعة الإمامية يقولون بالتوحيد، والعدل، وعدم رؤية الله، بتفسير مطابق لما يقوله المعتزلة، وبالنبوة وولاية أئمتهم الاثني عشر، فقد نسبوا إلى جعفر الصادق رضي الله عنه، قول: "بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية، قال زرارة وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية لأنها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن".. ولكن المؤثر في هذا الجانب المذهبي هو القول بأن الإمامة والولاية أهم أركان الإيمان، ومنهم من يقول: لا يكون مؤمناً من يكتفي بـأن ينطق بالشهادتين، إلا أن يشهد بأن علياً ولي الله، حيث يعتقدون أن الإمامة "كالنبوة لطف من الله تعالى، فلا بد أن يكون في كل عصر إمام هادٍ، يخلف النبي في وظائفه من هداية البشر وإرشادهم.. وله ما للنبي من الولاية العامة على الناس، لتدبير شؤونهم ومصالحهم وإقامة العدل بينهم". الإمامة بنص وأن هذه الإمامة لا تكون إلا بالنص من الله تعالى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، أو على لسان الإمام الذي قبله، (مع أن عليا نفسه لم يرو هذا عن رسول الله، ولم يقل بهذا قط)، ولذلك يرون أن الإمامة ليست بالاختيار والانتخاب من الناس، مع أن علياً خالف نظريتهم وطالب باختيار الإمام وانتخابه. ويترتب على ما سبق أنَّ عصمة الأئمة مثل عصمة الأنبياء، فهم معصومون من جميع الذنوب حتى من الخطأ والنسيان والسهو، "لأن الأئمة حفظَة الشرع والقوَّامون عليه حالهم حال النبي"، وبالتالي فالإمام يوحى إليه: "يتلقى المعارف والأحكام الإلهية، وجميع المعلومات من طريق النبي، أو الإمام الذي قبله، وإذا استجد شيء لا بد أن يعلمه من طريق الإلهام بالقوة القدسية، التي أودعها الله تعالى فيه، فإن توجه إلى شيء، وشاء أن يعلمه على وجهه الحقيقي، علمه قطعاً، لا يخطئ فيه ولا يشتبه". فضل آل البيت فأهل السنة والجماعة مجمعون على فضل آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة عليهم مع الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم حتى في الصلوات، فالجميع متفقون على وجوب القول في الصلاة: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد"، وأن الأئمة الثلاثة الأول: (علي، والحسن والحسين) من الصحابة الكرام، بالإضافة إلى أنهم من آل البيت، وأنهم مجتهدون وأئمة الهدى، كما أن أهل السنة لا يختلفون في إمامة الفقه للأئمة: "علي بن الحسين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر) فهؤلاء أيضاً أئمة الفقه والهدى، وأن بقيتهم أيضاً لهم مكانتهم مكانة آل البيت. أصول المذهب وليست الإشكالية في ذلك، وإنما الإشكالية في أصول المذهب المتعلقة بما يترتب على الولاية، والعصمة والوصاية (حسبما قالوا، من التقديس الذي يساوي مقام الأنبياء، بل يفوق عليهم عند بعضهم)، فقد قال بعضهم: "ومن ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل".. وقال: "فإن للإمام مقاماً محموداً ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات الكون"، ويقول: "إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن، يجب تنفيذها واتباعها"، وهذه العصمة والتقديس تتعارض مع مقام النبوة الخاتمة، بل مع قدرة الله تعالى، حيث بالغ بعضهم بإسناد معظم الأمور الخاصة بالله تعالى إلى هؤلاء الأئمة الكرام (تعالى الله تعالى عن ذلك). كما أنه يترتب على جعل الولاية والإمامة من أهم أركان الإيمان، أن من لم يؤمن بها من عامة المسلمين الذين تصل نسبتهم إلى 90 % يكونون غير مؤمنين، وهذا أمر في غاية من الخطورة، ولكنه مع كل ذلك، فلا يجوز إثارة ما يثير الفتنة والحروب بين الأمة الواحدة، بل يجب علينا رفع هذا الشعار الجميل، وتحقيق هذه القاعدة الذهبية الرائعة: "فلنتعاون فيما اتفقنا عليه، وليعذر (أو يسامح) بعضنا عن بعض فيما اختلفنا فيه). المذاهب الفقهية إن المذاهب الفقهية المعتمدة على الكتاب والسنة، وعلى الأدلة التبعية لهما، مهما اختلفت آراؤها الفقهية فهي في دائرة القبول والاجتهادات القابلة للخطأ والصواب، ولا يجوز تقديسها ولا التقليل من شأنها، ولا التبخيس من شأن أصحابها، فأهل الحق دائماً على المنهج الوسط؛ القائم على الابتعاد عن الإفراط والتفريط، والغلو، وإعطاء كل ذي حق حقه دون تنقيص وتبخيس ولا تقديس، فلا عصمة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلٌّ يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر وهو رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، كما قال عدد من علماء السلف.
602
| 18 يونيو 2016
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة : الحادية عشرة شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب .. حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم، وفيما يلي الحلقة الحادية عشرة: الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.. وبعد. فإن وحدة الأمة الإسلامية هي الغاية القصوى لكل المخلصين ـ حكاماً ومحكومين ـ والهدف الأسمى لكل المفكرين، لأنه بدونها لن تتحقق لها القوة والعزة والكرامة، ولن تتكون لها الحضارة المنشودة، ولا تكون لها القدرة على المساهمة الفعالة، بل ولن يتحقق لها التكامل والتكافل على الوجه المطلوب.. لذلك أولى الإسلام عنايته القصوى بالوحدة، وجعلها فريضة شرعية، وحذر أشد التحذير من الفرقة والخلاف والنزاع، فحرمها وجعلها من الكبائر، بل سماها كفراً ـ وإن لم يكن كفر الإيمان، وإنما كفر دونه ـ فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ"، حيث فسرّ الطبري وغيره الكفر هنا: بالتفرقة، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض". من الدستور القرآني: قال تعالى: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) سورة آل عمران / الآية 103.. وقال تعالى: "وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ" سورة الأنفال/ الآية 46.. وقال تعالى: "وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ" سورة المؤمنون / الآية 52 — 53. ومن السنة النبوية المشرفة: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: "مَثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مَثَل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمىّ" رواه مسلم. ولذلك كان من فقه نبي الله هارون عليه السلام أنه صبر على عبادة قومه العجل، مع الوعظ والارشاد، خوفاً من شق الصف والتفرقة، حتى يرجع إليهم موسى عليه السلام، فقال: "قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي".. ونحن المسلمين اليوم نعيش حالة تشرذم كبير، وتفرقة كبيرة على أسس فكرية وأيدلوجية وقومية، أدّت إلى جعل المسلمين فرقاً وشيعاً؛ قاتل بعضهم بعضاً على أساس القومية في بداية القرن العشرين، حيث أدى ذلك إلى إسقاط الخلافة العثمانية، التي كانت ـ على الرغم من بعض الملاحظات حولها ـ رمزاً لوحدة الأمة الإسلامية، وكان لإسقاطها آثارُها السلبية إلى يومنا هذا، منها احتلال الدول المستعمرة لمعظم عالمنا الإسلامي، وإنشاء الكيان الصهيوني في قلب العالم الإسلامي، وتوزيعه إلى دويلات على أساس اتفاقية سايكس ـ بيكو (إنجلترا وفرنسا، وروسيا القيصرية). ثم في ظل الاحتلال والاستعمار تفرقت الأمة فكرياً وسياسياً، إلى أحزاب شيوعية وبعثية واشتراكية، ووقعت انقلابات عسكرية دموية، راح ضحيتها الكثيرون، وانتشرت الدكتاتورية والاستبداد، واحتُل قلب العالم الإسلامي المتمثل في فلسطين بما فيها القدس الشريف والأقصى، كما أنه وقعت حروب بالعشرات داخل العالم الإسلامي، منها الحرب الإيرانية ـ العراقية، واحتلال الكويت، والحرب بين النظام العراقي وشعبه الكردي، الذي تعرض لإبادة جماعية وحرب كيماوية، ومنها الحروب اليمنية بين الملكية والجمهورية، ثم بين الشمال والجنوب، ومنها الحروب بين مصر وليبيا، وبين المغرب والصحراء، وبين السودان والجنوب، وبين السودان وتشاد، وبين ليبيا وتشاد، وهكذا. حالة من عدم الاستقرار كل ذلك جعل العالم الإسلامي يعيش في حالة من عدم الاستقرار، والاضطرابات، والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، والفقر والتخلف والجهل والأمية، والبطالة، مع أن عالمنا الإسلامي لديه إمكانات وثروات طبيعية داخل الأرض والبحار، ومعادن وبترول وغاز، وغيرها، وأنه يحتل مكانة جغرافية وسطاً؛ تجعله يتحكم في التجارة والمواصلات والنقل بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، ولكن مشاكله السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تحول دون أي تقدم يُذكر. إطفاء الفتنة واجب شرعي ومن هنا أضحى إطفاء هذه الفتنة واجباً شرعياً، وأصبح السعي للمِّ الشمل، والوحدة ـ بأي شكل من الأشكال ـ ضرورة، وضرورية لتحقيق التكامل، وإزالة العقبات أمام التنمية، والتقدم والتحضر، ولتحقيق القوة الاقتصادية والعسكرية، والقضاء على الفقر والبطالة والتخلف والجهل والأمية، ونقول: حتى لو لم تتحقق الوحدة فلا أقل من منع الحروب، وتحقيق التعاون بين دول العالم الإسلامي.. ومن المعلوم أن ما صرف من أموال المسلمين خلال القرن العشرين، وبداية هذا القرن في الحروب والنزاعات الاقليمية الداخلية، في العالم الإسلامي، لو صرف على التنمية والتقدم والقضاء على الفقر والبطالة، لكان العالم الإسلامي ـ اليوم ـ في قمم الرفاهية والحضارة والتقدم والعزة والكرامة، فكم من مئات المليارات صرفت على الحروب العراقية والايرانية، ثم احتلال الكويت ثم تحريرها، ثم احتلال العراق!! وكم صرف من مئات المليارات في الحروب الاقليمية والداخلية بين الدول الإسلامية والإفريقية!! وأستطيع القول بأن ما صرف في الحرب الإيرانية العراقية، واحتلال العراق للكويت، وتحريرها، ثم الاحتلال الأمريكي للعراق، ثم الحرب السورية، واليمنية، ثم ما صرف على إفشال ثورات الربيع العربي، لتجاوز تريليونين من الدولارات، لو صرفا على التنمية في العالم العربي، أو الإسلامي لحولَّه إلى جنة الله في الأرض.. واليوم يراد لعالمنا الإسلامي أن يدخل في أتون حروب طائفية، من خلال الإثارة الداخلية من قبل السفهاء، وتشجيع الأعداء ودعمهم المتواصل، وتخطيطهم، ومكرهم، الذي وصفه الله تعالى بقوله: "وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ"، ويساعدهم على ذلك السفهاء، وتلك الحروب إن بدأت شرارتها فلن تتوقف حتى تأكل الأخضر واليابس، ولا يسلم منها الجميع كافة، لذلك على العقلاء من الطرفين بذل كل ما في الوسع لمنعها، والقضاء، أو التخفيف من أسبابها، للوصول إلى التعايش ـ على الأقل ـ إن لم تصل إلى التعاون والتكامل، فالوحدة. ومن هنا فواجبنا جميعاً علماء وأمراء ومفكرين ومصلحين وأصحاب القرار، أن نجتمع على كلمة سواء لمصلحة الأمة الإسلامية، وأن نضع النقاط على الحروف ونحدد المشكلة، ونعترف بوجودها بين أهل السنة، والشيعة، وأنها تزداد خطورتها يوماً بعد يوم، إذا لم نتدراكها، ونضع خطة استراتيجية، مع توفير الإمكانات المالية والبشرية لها، وتذليل العقبات، للوصول إلى التقارب الحقيقي والتعاون، فالتكامل، والوحدة بإذن الله تعالى.
567
| 15 يونيو 2016
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة : التاسعة شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب .. حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم، وفيما يلي الحلقة العاشرة: العقد الذي يتم بين الحاكم والمحكوم سواء كان عقداً شفهياً، أم مكتوباً: إن الرسول صلى الله عليه وسلم (وهو رسول) حينما أخذ البيعة من الأنصار في بيعة العقبة الثانية كان فيها شرط ينص على أن: (تنصروني، فتمنعوني إذا قدمت إليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم.... )، وكان الأنصار اشترطوا على الرسول صلى الله عليه وسلم بقولهم: (إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا، نمنعك ما نمنع منه أبناءنا ونساءنا). واحتراماً لهذا الشرط الذي يدل على أن الأنصار يحمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في بلدهم، ولم يبايعوه على القتال معه خارجه، لذلك اقتصرت السرايا التي سبقت بدر على المهاجرين، فطلب الرسول صلى الله عليه وسلم موافقتهم الصريحة على ذلك، حيث شاور الصحابة عامة، ثم خص الأنصار بالمشورة للحصول على الموافقة على هذا الموقف الجديد الذي لم يكن موجوداً ضمن شروط العقد السابق، فقد روى ابن اسحاق خبر المشورة بسند صحيح وذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم استشار الناس الموجودين معه، فقام ثلاثة من المهاجرين هم أبوبكر وعمر، والمقداد بن عمرو فأحسنوا في الرد والقبول، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (أشيروا عليّ أيها الناس؟ فقال سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: (أجل) ثم قال قولته المشهورة. وبهذا ظهر أن جملة من العلاقات والشؤون ينظمها عقد البيعة، وأن جميع الشروط المتضمنة له يجب الالتزام بها ما دامت لا تتعارض مع النظام العام، والأدلة الشرعية الثابتة الصريحة. فهذا العقد كأي عقد له ستة أركان مفصلة، أو ثلاثة مجملة، وهي: 1 — العاقدان، وهما: الأمة أو ممثلوها الشرعيون، والشخص المختار. 2 — المعقود عليه، وهي الحقوق الخاصة بالأمة، والحقوق الخاصة بالقائد. 3 — والصيغة الدالة المعبرة عن رضا الطرفين أي الايجاب والقبول سواء كانت باللفظ فقط، أو بالكتابة، أو نحوهما. عقد خاص وأما طبيعة العقد، فهي عقد خاص في نظري أشبه ما يكون بعقد الوكالة بالأجر، ولذلك سمى بعض التابعين الخليفة معاوية بـ "الأجير" فقالوا: (السلام عليكم أيها الأجير) ومن هنا فإن عقد الوكالة بالأجر يكاد ينطبق تماماً على ما يسمى بالبيعة. ومن الجدير التنبيه عليه هنا أن المراد بالبيعة هنا: الصفقة، وقد استعملت هذه الكلمة في هذه الدائرة لشبه العقد السياسي بصفقة البيع من حيث إن المبايع يعاهد أميره بوضع اليد في يده كما يفعله المتبايعان، يقول ابن خلدون: (اعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميره على كذا....، وكانوا إذا بايعوا الأمير، وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيداً للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، فسمي بيعة مصدر "باع"، وصارت البيعة مصافحة بالأيدي، هذا مدلولها في عرف اللغة ومعهود الشرع). ومن المتفق عليه أن هذا العقد يتم بالأركان الستة، بل إن أهم أركانها هو الايجاب والقبول، أنه لا يشترط فيه وضع اليد، وإنما كانت هذه عادة غير ملزمة، بل هي للتأكيد فقط. وقد سمى القرآن الكريم ذلك بالمبايعة فقال تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) وهذه الكلمة تدل على المشاركة لأنها من صيغة المفاعلة مما يظهر منها بوضوح الدلالة على عقد يجمع الطرفين على حقوق والتزامات. وفي ضوء ذلك، فإن عقد المبايعة عقد له طبيعته الخاصة، ويشبهه من عقود الأفراد: عقد الوكالة بأجر، وبالتالي فهو من زمرة العقود والدائرة بين المعاوضات والتبرعات، وأن محل العقد هو مجموعة من الحقوق الخاصة بكل واحد من العاقدين، وهما الأمة أو ممثلوها، والقائد أو الحزب الذي يمثله، وأن هذا العقد يخضع في شروطه، ومدته وآثارها وحقوقه إلى النظام العام الذي سنتحدث عنه، وإلى القيم العامة (الدينية، والإنسانية الثابتة) وإلى بنود العقد أو الدستور الذي ينظم هذه العلاقة. وقد حدد الخليفة الأول أبوبكر الصديق (رضي الله عنه) عندما بويع بالخلافة جملة من هذه الحقوق كما سبق. الأمر الثالث: القيم السامية (الدينية والإنسانية): وبالإضافة إلى أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أو بين الراعي والرعية تخضع للنظام العام، والعقد حسبما ذكرنا، فإنها تخضع في الإسلام أيضاً للقيم السامية التي تكوّن القيم الإنسانية الفطرية التي فطر الله الناس عليها جزءاً أساسياً منها، والتي أكدها الإسلام، وفتح الباب لدخول كل قديم صالح وجديد نافع فيها. فالراعي سواء كان رئيساً أم غيره فهو مسلم وبالتالي لابد أن يخضع لكل أحكام الشرع وقيمه السامية في العلاقة بين الإنسان وربه، وبينه وبين أخيه الإنسان، وبينه وبين أمه الأرض والبيئة، وبالتالي فتجب عليه حقوق الاخوة الإيمانية، وكذلك تجب على الشعب أو الأمة مثل هذه الحقوق. ومن جانب آخر، فإن الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذا ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح رواه مسلم بسنده عن عوف بن مالك، قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذي تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم). وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات كما سيتضح فيما بعد، وأما أساس العلاقة من العملية فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة كما كان في السابق أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب، ومن المؤكد شرعاً وعقلاً وتجربة أن الذي يحقق المحبة بين الطرفين هو العدل والاحسان، والشورى، واحترام الآخر، وحماية حقوقه وكرامته، فقال تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)، فهذه الآية الكريمة بينت أسباب تحقيق المحبة بين الراعي والرعية، وهي الرفق واللين والرحمة، والابتعاد عن فظاظة القلب، وبذاءة اللسان، ثم إن الدعاء من الراعي بالعفو والمغفرة للرعية، وهذا لا يتحقق إلا من خلال المحبة المفضية للدعاء في ظهر الغيب، ثم احترام الرعية من خلال الرجوع إليهم بالتشاور في أي شأن مهم يهمهم. ويقول ابن خلدون: (وإذا حصل الالتحام بذلك جاءت النّعرة، والنصرة التناصر، وهذا مشاهد بين الناس).
662
| 14 يونيو 2016
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة : التاسعة شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب .. حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم، وفيما يلي الحلقة التاسعة: الحفاظ على حياة الإنسان وخصوصيته : فقد جعل الاسلام الحفاظ على حياة الانسان أحد المقاصد الكلية للاسلام ، وإحدى الضروريات الأساسية ، ولذلك جعل من يعتدي على فرد فكأنما اعتدى على الناس جميعاً ، فقال تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ). وبالنسبة لخصوصية الانسان وحرمة الاعتداء عليها وردت آيات ، وأحاديث كثيرة تدل على أن للمسكن حرمة واحتراماً ، وأنه لا يجوز دخول غير صاحبه إلاّ بعد الاستئذان والاستئناس ، فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). ولقد أولى الاسلام عناية قصوى بحرمة المسكن حتى أعطى لصاحبه حق الدفاع عن حرماته دفاعاً شرعياً قد يصل إلى فقأ عين المتلصص ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو أن امرءاً اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح ). ولا فرق في وجوب احترام المسكن بين الفرد العادي ، والحاكم ، إلاّ لحالات الضرورة القصوى ، فقد ورد في المصنف : (أن الخليفة عمر رضي الله عنه حدّث أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر في بيته هو وأصحاب له ، فانطلق عمر حتى دخل عليه ، فإذا ليس عنده إلاّ رجل فقط ، فقال أبو محجن : يا أمير المؤمنين ، إن هذا لا يحل لك ، فقد نهى الله عن التجسس ، فقال عمر : ما يقول هذا ؟ فقال له زيد بن ثابت : صدق يا أمير المؤمنين ، هذا من التجسس ، قال : فخرج عمر وتركه) ، وروى عبدالرزاق أيضاً : ( أن عمر دخل على فتية يتعاقرون شراباً ، ويوقدون في أخصاص - بيوت من شجر أو قصب - فقال : نهيتكم عن المعاقرة ، فعاقرتم ، ونهيتكم عن ايقاد في الأخصاص فأوقدتم ؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين قد نهى الله عن التجسس فتجسست ، وعن الدخول بغير إذن فدخلت ؟ فقال : هاتين بهاتين ، فانصرف ولم يعرض لهم ). وهذا دليل على أن أي تحقيق أو دليل على حادثة بني على أساس غير مشروع فهو غير مشروع لا يحتج به ، ولا يبنى عليه ، وبالتالي ترك عمر رضي الله عنه الحدّ على هؤلاء ، لأنه لم يجد إلاّ الضبط الذي تم بطريق غير مشروع وبالتالي فلا يحتج به ، وبهذا المنهج سبق الفقه الاسلامي القانون الوضعي ، وبخاصة القانون الأمريكي الذي امتاز باستبعاد الدليل المتحصل عليه بطريق غير مشروع . ويلحق بحرمة المسكن حماية حرمة الاتصالات والمراسلات الخاصة بالانسان حيث لا يجوز الاعتداء عليها ، أو الاطلاع عليها إلاّ لحالات الضرورة القصوى. وقد نصت المادة (37) من الدستور القطري على ذلك فقالت : ( لخصوصية الإنسان حرمتها، فلا يجوز تعرض أي شخص، لأي تدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو أية تدخلات تمس شرفه أو سمعته، إلا وفقاً لأحكام القانون وبالكيفية المنصوص عليها فيه). رابعاً ـ حماية حقوقه السياسية : حيث حمى الاسلام هذه الحرية أيضاً ما دامت في إطار غير مسلح مثل إبداء الرأي ، ومعارضة الحاكم بالحكمة والموعظة الحسنة ، أو حسب المصطلح الاسلامي " النصيحة " حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ، قلنا : لمن ؟ قال : ( لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم). ولا مانع شرعاً في نظرنا تشكيل أحزاب سياسية ، لكل حزب برنامجه الخاص في إطار الشرعية والدستور الاسلامي ، بل إن في ذلك ثراء وإثراء وتحويلاً للنصيحة الفردية إلى المؤسسة المنظمة القادرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صورة أفضل وأقوى من الفرد ، والمساهمة الفعالة في منع الفساد الاداري ، وفي تحقيق التنمية الشاملة . ومن الحقوق السياسية : حق تولي الوظائف العامة ، وحق المشاركة في تدبير شؤون الدولة على أساس الاختصاص دون التفرقة بين شخص أو آخر. خامساً ـ حماية الحقوق الاقتصادية من حرية التملك ، وحرية العمل ، وهذان الحقان مفصلان في شريعتنا الاسلامية الغراء لا يسع المجال هنا للخوض في تفاصيلهما. سادساً ـ حماية الحقوق الثقافية والعلمية : لم نجد إلى اليوم كتاباً قديماً ، أو دستوراً ، أو نظاماً يبدأ بالأمر الجازم بالقراءة والعلم إلاّ ذلك الدستور الإلهي الخالد : القرآن العظيم الذي تنزل منه أول آية تقول : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ). ثم تنزل مئات الآيات في بيان فضل العلم وأهميته ، وأنه مفتاح الحضارة ، والاستخلاف والتعمير ، وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم أهمية هذا الحق فجعله مشاعاً وحرم كتمانه ومنعه ، بل جعل التعليم فداءً لفك الأسرى في غزوة بدر الكبرى ، فقد روى سعد عن عامر الشعبي قال : ( أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر سبعين أسيراً ......... وكان أهل أمكة يكتبون ، وأهل المدينة لا يكتبون فمن لم يكن له فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة فعلمهم ، فإذا حذقوا فهو فداؤه ) وهذا دليل على أهمية العلم ، وأنه يمكن أخذه من غير المسلمين. إذا نظرنا إلى الحضارة الاسلامية لوجدناها أنها قامت على العلم ، وأن أصحابها صرفوا الغالي والنفيس في سبيل تحقيقها ، وأن العلم في الاسلام للجميع. هذا وقد نص الدستور القطري على هذا الحق في مادته (49) فقال : (التعليم حق لكل مواطن وتسعى الدولة لتحقيق إلزامية ومجانية التعليم العام، وفقاً للنظم والقوانين المعمول بها في الدولة).
428
| 13 يونيو 2016
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة : الثامنة شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب .. حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم، وفيما يلي الحلقة الثامنة: إن الحرية الدينية هي أهم أنواع الحريات في الحقيقة، وهي يقصد بها أمران، هما: حرية العقيدة التي تتيح للفرد اعتناق أي دين حرية العبادة، وممارسة الشعائر التعبدية. وقد دلت الآيات القرآنية المكية والمدنية على هذه الحرية بنوعيها من حيث المبدأ والاجمال، وفصلتها السنة النبوية الشريفة، فقال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) وقال تعالى للكفار: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) مع أن دين الكفار كان الشرك وعبادة الأصنام، وقال تعالى: (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) وقال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ). الجانب العملي والتطبيقي للحرية الدينية في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم: لا أتحدث عن الفترة المكية حتى لا يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن له سلطة ولا قدرة ولا دولة، وإنما أتحدث عن العصر المدني الذي كان صلى الله عليه وسلم هو القائد والحاكم الفعلي للمدينة، ثم للجزيرة كلها، ومع ذلك حينما دخل المدينة وآخى بين المهاجرين والأنصار قام بوضع أول دستور عادل شهدته الانسانية على مرّ التأريخ، وهو ما يسمى بالوثيقة التي تتضمن سبعاً وأربعين مادة، تتحدث أربعة وعشرون مادة منها عن العلاقة بين المسلمين واليهود، يستنتج منها بكل وضوح احترام الحرية الدينية، وإعطاء ما يسمى في عصرنا الحاضر (حقوق المواطنة) إلى اليهود في المدينة، وأن عليهم الواجبات من الالتزام بنفقات الحرب الدفاعية، بل والمساهمة القتالية للدفاع عن المدينة. بل إن الاسلام جعل أحد أسباب الجهاد هو الدفاع عن أماكن العبادة لكل الأديان السماوية فقال تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) وأكثر من ذلك أن الشريعة الاسلامية تحمي ممتلكات غير المسلمين حتى ولو كانت محرمة في نظرها، مثل الخنازير والخمور، وتحظر على المسلمين الاعتداء عليهما ما دامتا في إطار المجتمع المسيحي، أو اليهودي. علاقة البرّ والإحسان لكل من يعيش في ظل الإسلام وتجسيداً لكرامة الانسان، وتطبيقاً لاحترام حرية الأديان نظم الاسلام العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين الذين يعيشون في ظل دولة الاسلام على أساس البرّ والاحسان، وعلى أساس حب الخير لهم، ما داموا ملتزمين بقواعد المواطنة، أما إذا خرجوا عنها فإن الاسلام مع ذلك يتعامل معهم بالعدل. فقد نظمت الآيات الثلاث من سورة الممتحنة هذه العلاقات فقال تعالى: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، وفي حالة الجدال والحوار فإن المسلمين مأمورون بالجدال بالتي هي أحسن، ولا يكتفي في ذلك بالجدال الحسن، فقال تعالى: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ). ولم يسجل التأريخ في ظل الخلافة الراشدة (حتى في ظل الدول الاسلامية الأخرى) أنه أجبر أحدا على الاسلام، أو أكره على ترك دينه ما دام ملتزماً بقواعد المواطنة، وذلك لأن القرآن الكريم منع ذلك فقال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) وحدد موقف الرسول صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ). وقد شهد بذلك غير المسلمين فقال جوستاف لوبون: (إن القوة في الاسلام لم تكن عاملاً لنشر القرآن) ويقول الشيخ محمد الغزالي: (إن الحرية الدينية التي كفلها الاسلام لأهل الأرض لم يعرف لها نظير في القارات الخمس، ولم يحدث أن انفرد دين بالسلطة، ومنح مخالفيه في الاعتقاد كل أسباب البقاء والازدهار مثل ما صنع الاسلام.... والقارئ اللبيب يرى أن الكتاب العزيز قد تناول المعارضين له والكافرين به بأساليب شتى، ليس من بينها قط إرغام أحد على قبول الاسلام، وهو عنه صاد، فكلمة " لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" وكلمة " وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ.... "هذه الكلمات وأمثالها مما تردد في صدر الاسلام هي التي ظلت تتردد في أواخر العهد المدني.... ).
270
| 12 يونيو 2016
لم يوجد نظام آخر أو دين يعطي كل هذه الأهمية للحرية الفكرية علماء المسلمين عرفوا حق المعرفة مجالات العقل في الابداع الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة : السابعة شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب .. حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم، وفيما يلي الحلقة السابعة: كما أن الله تعالى بيّن أن أصحاب العقول الكاملة هم الذين يستفيدون من الماضي وغيره فقال تعالى: "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ" كما أن الله تعالى بيّن أن أولي الألباب السليمة هم وحدهم الذين يستمعون سماعاً جيداً، ويميزون بين القول السيئ والأسوأ، والقول الحسن، ثم بين القول الحسن، والقول الأحسن، ولديهم فقه الأولويات، والموازنات فقال تعالى: "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ". 3 ـ الأمر باستعمال دقيق وصحيح وشامل لمصادر معلومات العقل بصورة صحيحة: من التجارب الممثلة في التاريخ وقصص الماضيين بحيث يحللها العقل ويستفيد منها فقال تعالى: "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الالباب" أي لذوي العقول الذين يستفيدون من ايجابيات الماضي ويتعظون من سلبياته، لكنهم لا يقفون عند الماضي، ولا يجمدون عنده، بل (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) بل إن الله تعالى أمر العقلاء بالاعتبار في سبع آيات، والاستفادة من الماضي، والمشاهد، فقال تعالى : "........ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ". وكذلك الاستفادة من الحواس الخمس من النظر والبصر والسمع فقال تعالى في وصف أهل النار : "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ". وهذا المنهج الدقيق القائم على استعمال العقل وصفاء مصادر معرفية، يوصل صاحبه إلى الحق، والى الابداع، والاستفادة من الماضي، والتخطيط للمستقبل، وهو الذي تبنى به الحضارة. بل إن الله تعالى أمر بالنظر في الكون كله، وفي خلقه، وفي طعامه وشرابه، وغير ذلك حتى يكون جمه دقيقاً، فقال تعالى : "أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ" وقال تعالى : "فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ" والمقصود بذلك أن تنظر العين نظرة دقيقة وأن يجعلها العقل تحليلاً شاملاً عميقاً، وهذا ما عبر عنه القرآن الكريم بالابصار الذي هو الرؤية المعنوية العقلية الناتجة عن الرؤية البصرية، حيث يقول تعالى : "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ" أي أن هؤلاء يرون ما يحدث، ولكن ليست لديهم البصيرة العقلية، وبذلك لم يستفيدوا من حواسهم على سبيل الحقيقة والنتائج. وقد ورد النظر ومشتقاته في القرآن الكريم مائة وتسع وعشرين مرة، والبصر ومشتقاته مائة وثمان وأربعين مرة. 4 ـ الأمر بالتدبر في أربع آيات كريمة حول التدبر في القرآن الكريم فقال تعالى: "كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ" وقال تعالى : "أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً" . 5 ـ الأمر بالتفكر والدعوة إليه، ورد في القرآن الكريم ست عشرة مرة، منها قوله تعالى: "قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا" وقوله تعالى : "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ". بل إن الأستاذ عباس العقاد رحمه الله جعل عنوان كتابه "التفكير فريضة إسلامية" . 6 ـ الأمر بالتفقه والدعوة إليه في آيات كثيرة، حيث ورد الفقه ومشتقاته عشرين مرة، منها قوله تعالى : "انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ" . 7 ـ الأمر بالتذكر والدعوة إليه في آيات كثيرة، حيث ورد التذكر ومشتقاته في القرآن الكريم مائتين وتسع وستين مرة منها قوله تعالى : "إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ" . 8ـ ذم الذين عطلوا عقولهم بالتقليد والتعصب الأعمى فقال تعالى : "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ" بل بيّن الله تعالى أن الفرق بين الانسان والحيوان هو استعمال العقل فقال تعالى : "أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً" ، وهناك عشرات الآيات يفهم منها الذم القبيح لمن لم يستعمل عقله، أولا يتدبر، أو لا يتذكر، أو لا يتفكر، أو لا يبصر. والخلاصة أن الاسلام أعطى قيمة عليا لعقل الانسان وفكره، حتى نستطيع القول بكل ثقة: إنه لم يوجد نظام آخر أو دين يعطي كل هذه الأهمية للحرية الفكرية الجانب التطبيقي للحرية الفكرية: ولقد سارت الأمة الاسلامية في عصر الرسالة، وبعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم، على احترام العقل، وتفعيله وتشغيله من خلال الاجتهاد الذي يشمل النصوص الظنية، والنوازل والمستجدات، فلم يتوقف الاجتهاد، بل أوجد الحلول لكل القضايا المعاصرة، بدءاً من الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى اليوم. ومن جانب آخر فإن علماء المسلمين عرفوا حق المعرفة مجالات العقل في الابداع، حيث هي تشمل كل العالم المحسوس بما فيه من كنوز وخيرات، ولم يستعملوا عقولهم في عالم ما وراء الطبيعة "الميتافيزيقيا"، ولذلك تحققت خلال فترة وجيزة حضارة إسلامية استفادت من كل التراث الانساني، وأضافت إليه الكثير والكثير في مختلف مجالات العلوم والفنون والصناعات.
423
| 11 يونيو 2016
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة : السادسة شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب .. حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم، وفيما يلي الحلقة السادسة: أولاً ـ الحرية الفكرية إن الحرية الفكرية في الإسلام ليست مجرد حق للإنسان، وإنما هي حق الله تعالى على الإنسان أيضاً ، وهذه الحرية تقتضي عدة أمور من أهمها : احترام العقل والعناية به ، وتشغيله ، وتحريكه ، وعدم تجميده من خلال التقليد ، والتعصب ، وهذه الأمور وغيرها بارزة جداً في الإسلام فقد أعلى من شأن العقل ، ورفع شأنه ، فجعله مناط التكليف ، فلا تكليف إلاّ بالعقل ، وجعله دليلاً على وجوده ، وحجة على وحدانيته ، بل أمر الله تعالى بالرجوع إليه عند الاختلاف العقلي فقال تعالى : "قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" . وقد استعمل القرآن الكريم مشتقات "عقل" في تسع وأربعين آية ، بصيغة الفعل الماضي "عقلوه" مرة واحدة ، والبقية بفعل المضارع، سواء بلفظ الغائب (يعقلها) مرة واحدة ، أم بلفظ المتكلم مع الغير (نعقل) مرة واحدة ، أم بلفظ الجمع الغائب (يعقلون) اثنتين وعشرين مرة أم بصيغة الجمع المخاطب (تعقلون) أربع وعشرين مرة. ولم يرد لفظ (العقل) بالاسم معرفاً أو نكرة في القرآن الكريم ولكن ورد مرادفه مثل (الألباب) وهو جمع اللب وهو العقل ست عشرة مرة ، و(الحُلُم) بضم الحاء واللام بمعنى العقل مرتين ، و (حِجْر) بكسر الحاء وسكون الجيم بمعنى العقل مرة واحدة ، و (النُهَى) بضم النون وفتح الهاء بمعنى العقل مرتين و (القلب) وجمعه ، في عدة آيات ، و (الفؤاد) وجمعه في عدة آيات أخرى، إضافة إلى آيات كثيرة في النظر والتدبر ، والتبصر ، ونحوها. فهذه الآيات الكريمة الكثيرة حول العقل ومصطلحاته الأخرى يفهم منها بوضوح ما يلي : 1 ـ احترام العقل ، والثناء عليه وأنه له مكانة عظيمة في الإسلام ، وأنه الشاهد الثاني بعد شاهد الوحي لصدق الرسالات السماوية التي خاتمها الإسلام ، وبالتالي فلا يمكن أن يتعارض النقل الصحيح الخالي عن العواض مع العقل السليم ، وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاباً في أحد عشر مجلداً حول (درء تعارض العقل والنقل) حيث أثبت أن هذا التعارض غير وارد فضلاً عن البحث عن الجمع بينهما ، وهو بذلك رد على عدد من العلماء الذين حاولوا التوفيق بينهما عند التعارض . وهذا هو الحق الذي لا محيد عنه ، وذلك لأن العقل مخلوق لله تعالى والوحي منزل من عنده ، فكيف يتعارض كتابه المنزل المسطور مع كتابه المفتوح؟ 2ـ الأمر بإعمال العقل وتشغيله ، حيث قال الله تعالى : "قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ" وقال تعالى : "قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ" . ومع الأمر الرباني أرشدنا القرآن الكريم إلى النظر الشمولي في خلق السماوات والأرض ، والنظر الجزئي التفصيلي في كل شيء من هذا الكون ، وفي الأنفس والآفاق . وفي الحث على النظر الشمولي العام يقول الله تعالى : "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" . وفي الحث على النظر الجزئي يقول الله تعالى : "وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" . وهاتان الآيتان ختمتا بقوله تعالى "لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" مما يدل على أهمية العقل ، والحث على تشغيله وتفعليه ، ووردت كذلل آيات كثيرة في هذا المعنى ، وتختم كذلك إما بنفس الخاتمة ، أو بما هو قريب منه . وفي النظر إلى الأنفس يقول الله تعالى : "وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ" بل يقول القرآن الكريم بكل ثقة وثبات : إن الآيات الكثيرة في الأنفس والآفاق التي يكتشفها العلم على مرّ الزمن ستؤدي لا محالة إلى هداية العقل هداية كاملة إلى الإيمان بأن هذا القرآن هو الحق حيث يقول تعالى : "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ". وقد أثنى الله تعالى على العقل وصاحبه في عدة آيات ، فأسند إليهما فضل القدرة على التذكر والتفقه والاتعاظ والاعتبار ، فقال تعالى : "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ" وقال تعالى بعد ذكر عدة آيات كونية : "....... إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ" بل إن الله تعالى حصر التذكر النافع في أصحاب العقول فقال تعالى : "وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ".
912
| 10 يونيو 2016
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة : الخامسة شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب .. حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم. ويدخل في هذا الباب أيضاً الآيات القرآنية الدالة على أنه ليس بيد الرسول شيء من أمور الكون ، والتوبة ، والعفو ، والعذاب ، والنصر ، والهداية وغير ذلك ، منها قوله تعالى ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) ومنها قوله تعالى : ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) ثم قال تعالى : ( قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ) وقال : ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) وقال تعالى : ( قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) . وهذا الخليفة أبوبكر الصديق رضي الله عنه يقدم برنامجه القيادي والعملي في كلمات مؤثرة يقول فيها : ( أيها الناس إني قد وُليّت عليكم ولست بخيركم ، إنْ أحسنتُ فأعينوني ، وإنْ أسأتُ فقوموني ، الصدق أمانة ، والكذب خيانة ، والضعيف فيكم قويّ عندي حتى آخذ الحق له ، والقويّ فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه - إن شاء الله - لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلاّ ضربهم بالذل ، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلاّ عمهم الله بالبلاء ، أطيعوني ما أطعتُ الله وروسوله ، فإذا عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم) . ومن هذا المنطلق كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعامل مع أصحابه كأنه واحد منهم ، ففي غزوة بدر كان مع جيش الرسول صلى الله عليه وسلم سبعون بعيراً يتعاقبون على ركوبها ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم وأو لبابة ، وعلى ابن أبي طالب يتعاقبون على بعير واحد ، فأراد أو لبابة وعلي أن يؤثراه بالركوب فامتنع صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( ما أنتما بأقوى مني ، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما). المبدأ الخامس : مبدأ الشورى والمشاورة : حيث يجب على الحاكم مشاورته الدائمة مع الأمة من خلال ممثليها ، أو حسب أهمية الموضوع ، فإن كان يحتاج إلى رأي الأمة كلهم فعليه أن يستشيرهم من خلال استفتاء عام نزيه حرّ ، وإلاّ فقد تكون المشورة لأهل العسكر ، وقد تكون لأهل تخصص آخر ، وهذا ما أمر الله تعالى به رسوله الموحى إليه صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى : ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ). المبدأ السادس : مبدأ المناصحة ، وقبول النصح ، والمراقبة والمحاسبة : ومن المعلوم أن الإسلام أولى عناية قصوى بالنصيحة ، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن هذه النصيحة ليست للمستضعفين فقط ، بل لأئمتهم أيضاً ، حتى حصر الرسول صلى الله عليه وسلم الدين في النصيحة ، فقال : ( الدين النصيحة ، قالوا لمن يارسول الله ؟ قال : ( لله ولرسوله وللمؤمنين ) ، والآيات والأحاديث كثيرة في هذا المجال. ومن الجانب العملي والتطبيقي أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم كانوا حريصين أشد الحرص على الضرورة أن تقوم الأمة بواجبها في النصح والارشاد والمراقبة والمحاسبة ، فهذا الحليفة عمر رضي الله عنه قال : ( يا معشر المسلمين ، ماذا تقولون لو ملت برأس إلى الدنيا هكذا ؟ فقام إليه رجل ، فقال : أجل : كنا نقول بالسيف هكذا (وأشار إلى قطع الرأس) فقال عمر : ( أإياي تعني بقولك ؟ ) قال الرجل : نعم إياك أعني بقولي ، فقال عمر : ( الحمد لله الذي جعل في رعيتي من يقومني إذا اعوججتُ ) ، وقال حذيفة رضي الله عنه : ( دخلت على عمر يوماً فرأيته مهموماً حزيناً ، فقلت له : ما يهُمّك يا أمير المؤمنين ؟ قال : ( إني أخاف أقع في منكر ، فلا ينهاني أحد منكم تعظيماً ) قال حذيفة : والله لو رأيناك خرجت عن الحق لنهيناك ، فسرّ عمر وقال : ( الحمد لله الذي جعل لي أصحاباً يقومونني إذا اعوججتُ ) ، وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : ( كان بين يدي عمر وبين رجل كلام في شيء ، فقال الرجل : اتق الله ، فقال أحد الجالسين ، أتقول لأمير المؤمنين : اتق الله ؟ فردّ عمر : ( دعه فليقلها لي ، فلا خير فيكم إذا لم تقولوها ، ولا خير فينا إذا لم نقبلها) ، فهذه قمة المساءلة. ومما يدخل في باب النصح والمحاسبة والمراقبة : الثورات الشعبية ، والمظاهرات والاحتجاجات ، ونحوها. المبدأ السابع : توفير الحرية الكافية في كل مجالات الحياة : يمكن تقسيم الحريات العامة إلى : الحرية الفكرية ، والدينية الحرية الاقتصادية ( حرية الملكية ، وحرية العمل ) الحرية السياسية الحرية العلمية والثقافية حماية الحريات من أعظم الكرامة للإنسان: إن كرامة الانسان لا يمكن أن تتحقق في ظل الكبت والظلم والتعسف ، وإنما كرامة الإنسان متلازمة مع حقه في الحرية الفكرية والدينية ، والسياسية ، والمدنية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ( حرية الملكية ، حرية العمل) والعلمية والثقافية ونحوها . ولا يسع المجال لافراد كل نوع بالحديث الشامل المتضمن موقف الاسلام من كل حرية من هذه الحريات ، وإنما نتحدث بشكل عام عنها بحيث لا يتجاوز ذكر المبادئ العامة مع بعض أدلتها بإيجاز.
364
| 09 يونيو 2016
الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة : الرابعة شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب .. حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم. الطغاة المستبدون يسيرون دائماً على إضعاف الشعب، والأمة، وإحداث التفرقة بينها، وجعلهم شيعاً وفرقاً متنافرة. وقد سجل الله تعالى هذه الأقوال في القرآن الكريم من خلال فرعون قدوة حكام السوء، فقال تعالى : (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) فأوضح هنا أن رأيه هو الرأي الأوحد، وأنه ليس هناك رأي آخر، وأن رأيه معصوم حيث لابد لكم إلاّ سبيل المجد والرشاد والقوة، ولذلك كان الشعب عنده حقيراً لا قيمة له، فقال تعالى مبيناً هذه الحقيقة (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ). ولننظر في الآيات الآتية التي توضح نفسية فرعون وطغيانه وجبروته وانه يرى نفسه أفضل من غيره فقال تعالى: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) ثم لم يكتف بأنه أفضل من موسى عليه السلام، وإنما استخف قومه: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) بل وصل به الطغيان إلى أن يقول: انه الههم فقال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)، بل وصل به الأمر والطغيان والدكتاتورية والاستبداد، وكبت الحريات إلى أن قتل السحرة لأنهم لم يستأذنوه في الإيمان بالله تعالى (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ). وقد حوّل فرعون ما عرضه عليه موسى عليه السلام من نقاش فكري وحوار عقلي وجدال نظري إلى معركة القتل والابادة فقال تعالى حكاية عنه: (قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) كما بيّن الله تعالى صفات هؤلاء الطغاة من العلو والاستكبار والاسراف والتبذير فقال تعالى : (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) كما وصفه الله تعالى بالطغيان فقال تعالى (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) وفي آية ثانية ( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى). كما بيّن الله تعالى أن الطغاة المستبدين يسيرون دائماً على إضعاف الشعب، والأمة، وإحداث التفرقة بينها، وجعلهم شيعاً وفرقاً متنافرة، ليتحكم فيهم، ويكون قادراً على القتل والذبح والعذاب لكل من يتصدى لهم فقال تعالى : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ). وقد قص الله تعالى في القرآن الكريم قصصاً أخرى تؤكد هذا المعنى فقال تعالى في طغيان الطاغية (نمرود) مع سيدنا إبراهيم حينما ادعى الألوهية حتى ادعى الاحياء والإماتة فقال : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ). إذن المشكلة الأساسية في الحكم هي الطغيان وأن الحاكم يصل إلى مرحلة إلى أنه ليس مثل بقية البشر، وإن كان هذا التمايز يبدأ بأمر خفيف ليصل إلى ادعاء مرتبة الألوهية وأنه (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ). ومن هنا فالحل الأساس هو وضع جميع الوسائل والأدوات والآليات لمنع الحاكم ادعاء هذا التمايز، وهذا ما فعله الإسلام من خلال ما يأتي: 1- الجانب العقدي الذي ركز الإسلام عليه تركيزاً شديداً، وأولى له عناية قصوى، وذلك من خلال أن العقيدة الإسلامية تقوم على أن جميع البشر بكل طوائفهم وشعوبهم وأقوامهم وأجناسهم من آدم، وآدم من تراب خلقه بيده ثم نفخ فيه من روحه، وهذا ما عليه مئات الآيات، والأحاديث الصحيحة، ولذلك لا يجوز لأحد ـ مهما بلغ ـ أن يُميّز نفسه أو يدعي أنه يمتاز من حيث الخلق على أي أحد آخر، ومن هنا ردّ الله تعالى على بني اسرائيل لمّا ادّعَوا أنهم أحباء لله وأنهم الشعب المختار فقال تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) ولم يكتف بذلك القرآن الكريم، بل أصّل ذلك حتى للأنبياء والرسل بأنهم ليسواً إلاّ بشراً، ولكن الله تعالى أوحى إليهم، حيث أكد ذلك في أكثر من آية فقال تعالى: (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) وقال تعالى : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)، فالمثلية في الخلق وعدم امتياز أحد في الأصل والخلق هي الأساس في التعامل الإنساني . 2- الجانب التربوي الذي يربي فيه الإسلام الإنسان على هذا المعنى الإنساني من خلال عدد من الآيات والأحاديث التي تؤصل ذلك، بل يربطه بالإيمان حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره لأخيه ما يكره لنفسه). 3- القدوة من خلال تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم وهو النبي القائد في مأكله ومشربه وملبسه، وجميع تصرفاته مع أمته، حيث لم يكن يميّز نفسه لا بملبس خاص ولا مكان ولا غيره، يقول صلى الله عليه وسلم : (أيها الناس إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد وتمشي في الأسواق) ، وكانت الآيات القرآنية تذكره دائماً بهذا الجانب (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) مؤكداً عليه أن يقول: (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) وأن يقول : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ) . ويدخل في هذا الباب بعض الآيات التي يفهم منها العتاب، أو التوجيه، منها قوله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) وقوله تعالى (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) وغير ذلك.
443
| 08 يونيو 2016
مساحة إعلانية
تواصل الخطوط الجوية القطرية تقديم أسعار خاصة للسفر خلال فترات محددة لوجهات عربية وعالمية خلال نوفمبر وديسمبر 2025 ويناير وفبراير ومارس 2026. وتبدأ...
18046
| 25 نوفمبر 2025
أعلن محمد عبدالله محمد، مساعد مدير إدارة الحدائق العامة بوزارة البلدية عن تدشين 10 حدائق جديدة قريباً في مختلف مناطق الدولة بالإضافة إلىمشروع...
8884
| 24 نوفمبر 2025
تبدأ الليلة أول ليالي نجم الزبانا في قطر وعدد أيامه 13 يوماً ووقت طلوعه24 نوفمبر 2025، وفيه تزداد البرودة ليلاً مع اعتدال الحرارة...
8130
| 23 نوفمبر 2025
مع اقتراب اليوم الوطني لدولة قطر، تحتفل أكاديمية الإجارة لتعليم القيادة بهذه المناسبة الغالية من خلال تقديم عروض وخصومات مميزة تشمل جميع الدورات...
7032
| 23 نوفمبر 2025
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل
تصل منتخبات عمان والسودان والبحرين واليمن ولبنان والصومال إلى العاصمة القطرية الدوحة اليوم الأحد استعدادا لخوض مبارياتها في الملحق المؤهل لدور المجموعات ببطولة...
6320
| 23 نوفمبر 2025
حذرت وزارة الداخلية من أساليب احتيال إلكتروني جديدة يقوم بها أشخاص ينتحلون صفات رسمية عبر منصات التواصل، بعد رصد حالة ادعى فيها أحدهم...
4678
| 24 نوفمبر 2025
أطلقت وزارة البلدية، خطة رقابية موسعة استعدادا لبطولة كأس العرب 2025، التي ستقام خلال الفترة من 1 إلى 18 ديسمبر المقبل، وذلك بهدف...
3296
| 24 نوفمبر 2025