رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محليات alsharq
القره داغي: المساواة بين المسلمين من أهم القواعد التي أرساها الإسلام

الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة : الثالثة شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب .. حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها "دوحة الصائم". تكفلت الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث الشريفة، وكذلك القواعد العامة والمبادئ والمقاصد العامة التي ذكرناها ـ أو سنذكرها ـ ببيان معظم هذه الحقوق المتقابلة، ونذكر هنا بعض الأحاديث الواردة بهذا الصدد، منها: 1- مسؤولية الراعي عن الرعية في كل ما استرعاه الله تعالى، حيث يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول فالإمام راع وهو مسؤول والرجل راع على أهله وهو مسؤول والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول)، وهذه المسؤولية تشمل كا ما أمكنه الراعي من تحقيقه في مجال الأمن السياسي، والأمن الاجتماعي، والأمن الاقتصادي، وتوفير كافة حاجيات هؤلاء الذين هم تحت رعايته. 2- وجوب العدل والقسط، وعدم الظلم والبغي ـ كما سيأتي ـ. 3- الصدق والصفاء والبعد عن الخيانة والغش والتدليس، حيث روى البخاري ومسلم بسندهما عن معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلاّ حرّم الله عليه الجنة) وفي رواية: (فلم يَحُطْها بنصحه لم يجد رائحة الجنة). 4- النصح للأمة، ونصح الأمة لهم ـ كما سيأتي ـ. 5- وجوب استفراغ الجهد لخدمة الأمة وتقويتها وحمايتها ونهضتها، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من أمير يلي أمور المسلمين، ثم لا يجهد لهم، وينصح لهم إلاّ لم يدخل معهم الجنة). 6 — وجوب الرفق بالأمة وعدم العنف، والتضييق عليهم، فقد قالت عائشة رضي الله عنها: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: (اللهم مَنْ ولي من أمر أمتي شيئاً فشَقّ عليهم فاشقق عليه، ومَنْ ولي من أمر أمتي شيئاً فَرَفَقَ بهم فارفق به). ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن شرّ الرِّعاء الحطمة) والحطمة: هو العنيف برعاية الإبل، والمقصود به: الوالي القاسي. 7 — عدم الاحتجاب عن الشعب، وتحقيق حوائجهم، والاستماع لأصحابها، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من ولاه الله من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم، وخلّتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخَلّته وفقره يوم القيامة). 8 — الحب والدعاء المتبادل، ومراعاة الحقوق الاجتماعية من الطرفين، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تُبغضونهم ويُبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم)، فهذا الحديث يدل على ضرورة أن يعمل الحكام من الأعمال التي تحببهم إلى شعوبهم فيدعون لهم، وعليهم كذلك أن يبادلوا هذا الحب بالحب والدعاء، بالإضافة إلى وجود تواصل اجتماعي بين الطرفين؛ بحيث يقوم الحاكم بالصلاة على موتاهم، وهكذا.. المبدأ الثالث: مبدأ المساواة: فمن أهم القواعد التي أرساها الإسلام هي قاعدة المساواة بين المسلمين، مساواة في الحقوق والواجبات، ومساواة في الأحكام والمكانة والاعتبار، فالمسلمون متساوون كأسنان المشط؛ فلا فضل لواحد منهم على الآخر على أساس العرق، أو اللون، أو الشكل، أو القومية أو القبيلة، أو الاقليم، بل البشرية في هذا كلهم سواء فكلهم من آدمَ وآدمُ من تراب، ولا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض، ولا... ولا... إلاّ بالتقوى، علماً بأن التقوى هي في الصدر لا يعلم بها إلاّ الله تعالى. فقد قضى الإسلام من خلال آيات وأحاديث كثيرة على كل مظاهر التفرقة، على أي أساس كان، فهي مرفوضة في الإسلام. وكذلك المساواة أمام القضاء والمحاكم وفي تحقيق العدالة ووصول الحق إلى صاحبه مهما كان قوياً أو ضعيفاً، كما قال الخليفة أبو بكر رضي الله عنه: (القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه حق الضعيف، والضعيف قوي عندي حتى آخذ له حقه من القوي). المبدأ الرابع: مبدأ عدم اكتساب الحاكم أي ميزة على الآخرين، وبعبارة أخرى: مثلية الحاكم في البشرية، وأنه لم تزد إلاّ بالمسؤولية، ولذلك قال الخليفة أبو بكر في أول خطبة له بعد الخلافة؛ يحدد فيها برنامج عمله: (أيها الناس إني قد وُليّت عليكم ولست بخيركم..)، ولذلك رفض أيضاً أن يُسمى: خليفة الله، حينما دُعي به، فقال: (لستُ خليفة الله، ولكني خليفة رسول الله) صلى الله عليه وسلم، مع أن فيه وجهاً، ولكن الجمهور على منع هذا الاسم، لأن الاستخلاف للغائب، والله حاضر، ولأن فيه نوعاً من التقديس والتمايز، فالخليفة هو واحد من الناس، ولكنه كلّف بحمل أمانة أكبر، ومسؤولية أعظم، فهو ليس فوق البشر، ولا ظل الله في الأرض، كما تصورَه الناس، أو صور لهم في عصر الوثنيات والصنميات، وظلال الله المدّعاة في الأرض، ومثل ذلك أكد عليه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: في إحدى خطبه: (أيها الناس لقد رأيتني أرعى لحالات لي من بني مخزوم، فكنتُ أستعذب لهن الماء فيقبضني القبضة من التمر أو الزبيب)، ثم لما نزل قال له عبدالرحمن بن عوف: (ما أردت بهذا يا أمير المؤمنين؟ أجاب: ويحك يا بن عوف، لقد خلوت إلى نفسي، فقالت لي: أنت أمير المؤمنين وليس بينك وبين الله أحد، فمن ذا أفضل منك؟ فأردت أن أعرفها قدرها). هذا المبدأ الجديد الذي أضفته، قد يثور حول ذكره التساؤل: فهل يمكن أن يدعي الحاكم غير ذلك في الأمة الإسلامية؟ الجواب: إن جميع الطغاة والظلمة يبررون ظلمهم بأنهم يمتازون بميزات شخصية، أو مكتسبة بسبب الحكم، فقد ادعى بعضهم الألوهية، وادعى الآخرون أن روح الإله قد حلت فيهم، وادعى بعض ثالث: أنهم مقدسون معصومون، وادعى بعض رابع: أنهم الأمة، والشعب، وأن الشعب هو، فكأنما يقولون: "أنا الشعب والشعب أنا، نحن روحان حللنا بدنا؟!!!، بل أنا الروح حللت بالشعب"، وادعى خامس: أنه الإنسان والمجد، والشعب هم الحشرات، أو الجرذان، كما قال شاوسيسكو عندما تظاهر شعبه، فقال هو وزوجته: "أبيدوا هؤلاء الحشرات بالمبيدات"، وقال القذافي: "أنا المجد وأنا العزة.. وهؤلاء المتظاهرون هم الجرذان والخونة"!! وهكذا.

1872

| 07 يونيو 2016

محليات alsharq
القرة داغي : السلطة المطلقة مفسدة مطلقة وحق السلطة مقيد وليس خالداً

الكتاب : العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد المؤلف : أ . د . علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحلقة : الأولى شغلت قضية العلاقة بين الراعي والرعية في ظل الحكم الرشيد ، الفكر الإسلامي طويلا، ماذا يريد الإسلام أن تكون عليه هذه العلاقة؟ وما هي كيفيتها، وما الذي يحدد أطرها؟ الإسلام يريد أن تكون هذه العلاقة قائمة على أساس المحبة المتبادلة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهذه المحبة تنبثق من الإيمان والاخوة الإيمانية، وتترتب عليها حقوق وواجبات، وأما أساس العلاقة فهو العقد الذي بموجبه يعطي الشعب أو ممثلوه البيعة للحاكم، حيث قد يكون هذا العقد مشافهة ـ كما كان في السابق ـ أو مكتوباً من خلال الدستور الذي اختاره الشعب أو ممثلوه الحقيقيون، والذي يُحدد الحقوق والواجبات، أو من خلال عقد مكتوب .. حول هذه القضايا ومشكلات تلك العلاقة بين الراعي والرعية وما يجب أن تكون عليه وعن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الواحب والواقع، والمتوقع، يدور أحدث أبحاث فضيلة الشيخ في رمضان المبارك التي خص بها دوحة الصائم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطيّبين وصحبه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد فإن أهم إشكالية نالت من الفكر والمنهج على مرّ التاريخ هي إشكالية التوازن بين حقوق الراعي (الدولة) والرعية (الشعب) حيث كانت الفلسفات السائدة تدور حول ترجيح متطلبات الدولة وحقوقها وهيبتها وسيادتها على حقوق الرعية والشعب، وبذلك يُرتكب الظلم والظلمات ومختلف الجرائم بحق الحرية والإنسانية تحت ذلك الغطاء. وبالمقابل فإن بعض الفلسفات الأخرى لا تولي العناية المطلوبة لهيبة الدولة وسيادتها، وبالتالي تصبح ضعيفة هزيلة، وتسود الفوضى الهدامة، وحينئذٍ فلا الشعب ساد وقوي وتقدم وتحضر، ولا الدولة قامت بواجبها. ولكن الإسلام استطاع بمنهجه الوسطي أن يقيم هذه العلاقة على ميزان دقيق، ويحقق الايجابية لكلا الطرفين ليصبحا جسداً واحداً يكون لكل عضو دوره، ويُحسّ بآلام وآمال الآخر، ويسعى لتحقيق الخير ودرء الشرور ويتحقق الخير للجميع. ونحن في هذا البحث نتحدث عن الأسس والمبادئ التي تنظم هذه العلاقة في ظل الحكم الرشيد في ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة وفقه الميزان، والمآلات، وتحقيق المناط ورعاية الواجب والواقع ، والمتوقع . والله أسأل أن يكتب لنا التوفيق والسداد وأن يكسو أعمالنا كلها ثوب الإخلاص ولباس التقوى وأن يعصمنا من الخطأ والزلل في القول والعمل ويتقبّلها منّى قبولاً حسناً إنه مولاي فنعم المولى ونعم النصير والمجيب. العلاقة بين الراعي والرعية (الحاكم والمحكومين) إذا نظرنا في النصوص الشرعية من الكتاب الكريم والسنة النبوية المشرفة لتوصلنا بسهولة إلى أن هذه العلاقة تنظمها ثلاثة أمور أساسية، هي النظام العام، والعقد، والقيم الأخلاقية. الأمر الأول: النظام العام المأخوذ من الأدلة القطعية والاستقراء الكلي ، الذي يتمثل في مجموعة من المبادئ الأساسية والقواعد الكلية العامة في هذا المجال، مثل مبدأ العدل وغيره مما سنذكره. فهذا النظام العام الإسلامي يمثل خلاصة الأدلة الشرعية الكثيرة المتضافرة في هذا المجال، بل بقايا الشرائع السماوية، والفطر السليمة التي استقرت في نفوس الشعوب والتي تتطلع إليها وإن لم تصل إليها، وقد عبر الإمام الشاطبي عنها بقوله: (إنها كلية أبدية، وضعت عليها الدنيا، وبها قامت مصالحها في الخلق، حسبما بيّن ذلك الاستقراء، وعلى وفاق ذلك جاءت الشريعة أيضاً، فذلك الحكم الكليّ باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها). هذا النظام العام يقوم على مجموعة من القواعد الكلية، والمبادئ الأساسية، والمقاصد العامة لهذه الشريعة، وقد أشار إلى الالتزام بهذا النظام العام الخليفة أبوبكر الصديق رضي الله عنه، بل ربط بين الالتزام وبين وجوب الطاعة، فقال رضي الله عنه في أول خطبة له بعد انعقاد الخلافة له: "أيها الناس إني قد وُليّت عليكم ولست بخيركم، إنْ أحسنتُ فأعينوني، وإنْ أسأتُ فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قويّ عندي حتى آخذ الحق له، والقويّ فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه ـ إن شاء الله ـ لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلاّ ضربهم بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلاّ عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله، فإذا عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم". حيث أوضح الخليفة برنامج عمله الذي يقوم على مجموعة من المبادئ والحقوق المتبادلة من أهمها: 1 ـ إن صحة خلافته، أو حكمه مرتطبة بالالتزام بالنظام الإسلامي، وهو (أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله، فإذا عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم). 2 ـ أن الأمة هي مصدر المراقبة والمحاسبة، والتقييم والتقويم، وهي القادرة على الخلع كما كانت قادرة على العقد. 3 ـ إن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وإن حق السلطة لأحد ليس حقاً خالداً، وإنما هو حق مقيد بمدى التزامه بـ: أ ـ الإحسان والاتقان وتحقيق الغايات المنشودة والأهداف المقصودة من الخلافة، أو الحكم، وهي: السعي الدائب، واستفراغ الجهد، وبذل المستطاع لتحقيق سعادة الدارين، وتعمير الأرض في ضوء منهج الله تعالى، وتحقيق التنمية الشاملة للإنسان، ولذلك طلب من الأمة مساعدته على تحقيق ذلك، مع نُصحه، وإرشاده، ومحاسبته بل تقويمه، وإعادته إلى جادة الصواب، وأنه إذا لم ينفع النصح والإرشاد، فيكون السبيل هو الخلع والإبعاد. ب ـ قدرته على تحقيق العدل بين الناس والابتعاد عن الظلم والاعتساف. حماية الأمة وأمنها السياسي والاجتماعي من المتربصين بها في الداخل والخارج. 4- إن العلاقة تكون قائمة على الصدق والشفافية والبيان والابتعاد عن الكذب، والغش والتغرير والتدليس والخيانة.

613

| 06 يونيو 2016