رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أولى الدين الإسلامي الحنيف اهتماما كبيرا للحفاظ على عناصر القوة بجميع أنواعها (المالي -الاقتصادي -التكنولوجي - السياسي - الاجتماعي) في المجتمع وكرس ثقافة التوفير والعقلانية في تنظيم إدارة الموارد الاقتصادية للأمة وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وحفظ حقوق الأجيال القادمة ومستقبلهم ولذلك توجهت المؤسسات المالية والاقتصادية الإسلامية للعب دور كبير في مجال المسؤولية الاجتماعية وعلى ضرورة الاعتناء بالآخرين كما نعتني بأنفسنا فالشركات والهيئات الإسلامية لها دور ضروري في مجالات المسؤولية الاجتماعية من خلال الاستثمار في المؤسسات التي تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية أو من خلال اتخاذ خطوات جدية في مجال المسؤولية الاجتماعية حتى لا يتضرر أفراد المجتمع من المبادئ الأخلاقية الأساسية في الإسلام هو السلوك الاجتماعي التي يمكن من خلالها الارتقاء بأخلاق الإنسان وتحقيق الرفاهية له ولمجتمعه لذا فإن كل إنسان له الحق في أن يحترم اجتماعيا من خلال استثماراته وتنميتها الحلال فله الحق في أن يستثمر في إحدى الشركات التي تشترك في أنشطة متوافقة لمبادئ الشريعة الإسلامية من خلال مجالات وأنشطة الصناعة المالية والاقتصادية الإسلامية فأصبحت صناعة محترفة مكنت الكثير من المؤسسات من تحقيق النمو والأرباح والاستجابة لحاجات عملائها وهذا التوسع في الصناعة لا يعد نجاحا كاملا مادامت الصناعة لا تهتم الاهتمام الكافي بما يعرف حاليا بالمسؤولية الاجتماعية فالمؤسسات المالية الإسلامية لا تسعى لتحقيق العوائد والأرباح فقط إرضاء لرغبات المستثمر( مساهم - مالك ) بل عليها أيضًا مراعاة حاجات ورغبات العاملين والمتعاملين والمجتمع بكافة عناصره مما يحملها مسؤولية اجتماعية تقتضي منها ممارسة بعض الأنشطة وتقديم بعض الخدمات التي تشير إلى تجاوبها مع آمال وطموحات المجتمع فالمسؤولية الاجتماعية من المواضيع الهامة التي أثارت باهتمام الاقتصاديين لما لها من آثار كبيرة على المجتمع من جهة والمحيط والبيئة من جهة مما جعل دراستها ضرورة ملحة تقتضيها معطيات الواقع الراهن وعليه فالتقرير في محاولة الإشارة إلى مفهوم المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات المالية الإسلامية مع تركيز السياق ذاته على إبراز مدى اهتمام الصناعة المالية الإسلامية للتنمية بتبني هده المسؤولية من جوانبها المختلفة وفقا للتالي :-
أولا : المسؤولية الاجتماعية (Social Responsibility )
المسؤولية الاجتماعية أحد مجالات أنشطة المؤسسات المالية الإسلامية فهي الجسر الذي تؤدي من خلاله واجبها نحو المجتمع للمشاركة في مكافحة تحديات الفقر والجهل وتوزيع الثروة والإسهام في نشر العدالة وتستخدم المؤسسات الإسلامية عدة منتجات للوفاء بمسؤوليتها الاجتماعية مثل التبرع والقرض الحسن وتمويل الحرف الصغيرة والمتوسطة وتمويل الخدمات الصحية والتعليمة ودعم الهيئات الخيرية والدينية وإدارة أموال الزكاة جمعا وتوزيعا وقد عرفها مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة بالالتزام المستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم والمجتمع المحلي والمجتمع ويمكن تقسيم المسؤولية لمستويات ثلاثة متكاملة:-
(المسؤولية الفردية الذاتية) مسؤولية الفرد عن نفسه وعن عمله وهو يسبق المسؤولية الاجتماعية.
(المسؤولية الجماعية) مسؤولية الجماعة جماعيا وبكاملها وككل من أعضائها وعن سلوكها وهذا المستوى يدعم المسؤولية الاجتماعية ويعززها.
(المسؤولية الاجتماعية) المسؤولية الفردية عن الجماعة كمسؤولية الفرد أمام ذاته والجماعة التي ينتمي إليها.
ثانيا: مفهوم المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات المالية والاقتصادية الإسلامية
تعمل المؤسسات المالية الإسلامية على تحقيق الإنماء الجاد وفق منهج وشرع الله عز وجل ولذا فإن الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية للهيئة يصدر عن إيمان أفراده بمسؤوليتهم في تحقيق الأهداف التي أمر بها الله سبحانه وتعالى وذلك بتيسير تداول الأموال والانتفاع بها والعمل على تحريكها وتوظيفها في خدمة الأفراد والمجتمع ولهذا تنعكس خصائص المؤسسات الإسلامية والأسس الحاكمة لأنشطتها وعملياتها وطبيعتها المتميزة على مسؤولياتها الاجتماعية التي تتميز بدورها عن غيرها من المنظمات فتعريفها التزام تعبدي أخلاقي يقوم على أثره القائمون على إدارة المؤسسات الإسلامية بالمساهمة في تكوين وتحسين وحماية رفاهية المجتمع ككل ورعاية المصالح والأهداف الاجتماعية لأفراده عبر صياغة الإجراءات وتفعيل الطرق والأساليب الموصلة لذلك بهدف رضا الله سبحانه وتعالى والمساهمة في إيجاد التكافل والتعاون والتقدم والوعي الاجتماعي التنمية الشاملة.
ثالثا: المسؤولية الاجتماعية للشركات
بمثابة إجراءات تدمج بموجبها المؤسسات السلوكيات الاجتماعية في سياساتها وعملياتها المتصلة بأعمالها التجارية ويشمل ذلك المتطلبات البيئية والاقتصادية والمجتمعية ورغم اختلاف تحديد مفهوم للمسؤولية الاجتماعية إلا أن المضمون يتفق في نموذج من التذكير للشركات بمسؤولياتها وواجباتها إزاء مجتمعها الذي تنتسب إليه إذ أن مقتضى هذه المسؤولية يكون بمثابة مبادرات اختيارية تقوم بها الشركات صاحبة الشأن بإرادتها المنفردة تجاه المجتمع وتطويره فمجلس الأعمال العالمي للتنمية عرفها بالالتزام المستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم والمجتمع المحلي والمجتمع ككل بأسلوب يخدم التجارة والتنمية معا.
رابعا: الأبعاد الرئيسية لتطبيقات المسؤولية الاجتماعية
الشعور بالمسؤولية له أهمية كبيرة للفرد والمجتمع وكلما عظم الشعور بالمسؤولية لدى الأفراد وعظم إدراكها في النفس للفرد والمجتمع بصلاحهما ولذلك كان رقي الأمم مرتبطا بدقة هذا الشعور وسمو الإدراك به عند أبنائها خصوصا الذين يتصدرون مراكز التوجيه والقرار ويتولون مقاليد الإدارة والتنظيم وتتمثل الأبعاد كالتالي :-
(البعد الاقتصادي) يقتضي باستخدام الموارد بشكل رشيد لتنتج سلعا وخدمات بنوعية راقية توزع العوائد بشكل عادل على عوامل الإنتاج المختلفة كما يقتضي بالمنافسة العادلة عن طريق احترام قواعد المنافسة وعدم إلحاق الأذى بالمنافسين إضافة إلى منع الاحتكار والإضرار بالمستهلكين والاستفادة من التقدم التكنولوجي في معالجة الأضرار التي تلحق بالبيئة.
( البعد القانوني) يقتضي بالالتزام الواعي والطوعي بالقوانين والتشريعات المنظمة لمختلف المجالات في المجتمع كاحترام قوانين حماية المستهلك من المواد الضارة و حماية الأطفال صحيا وثقافيا وحماية البيئة عن طريق منع التلوث بشتى أنواعه وصيانة الموارد الطبيعية وتنميتها والتخلص من مخلفات المنتوجات بعد استهلاكها وبتحقيق العدالة والسلامة سواء عن طريق التقليل من إصابات العمل أو تحسين ظروف العمل ومنع عمل المسنين وصغار السن وإعطاء فرص العمل لذوي الاحتياجات الخاصة إضافة إلى احترام حقوق الإنسان ومنع التمييز على أساس الجنس والدين.
(البعد الاجتماعي) يقتضي بمراعاة المعايير الأخلاقية والقيم الاجتماعية السائدة في المجتمع عن طريق احترام العادات والتقاليد ومراعاة الجوانب الأخلاقية في الاستهلاك لهذا يتم التركيز على المنتجات والخدمات المقدمة بما يتوافق ونوعية الحياة في المجتمع والتركيز على تقديم الحاجات الأساسية للمجتمع ( مأكل – ملبس – مسكن---).
خامسا: مبادئ التزام وتطبيق المؤسسات المالية والاقتصادية الإسلامية لمسؤوليتها الاجتماعية
يتمثل في قبول الملتزم للتكليف الموكل إليه والالتزام بأداء دوره الاجتماعي في المجتمع من خلال وفائه بمسؤولياته الاجتماعية في المجالات المختلفة تجاه الأطراف المتعددة سواء داخل المؤسسة المالية أو خارجها من دافعية التزام المؤسسة المالية الإسلامية بمسؤوليته الاجتماعية بتبني إدراك مساهمي البنك والعاملين به غايات وأهداف تداول الأمور كما حددها الله سبحانه وتعالى وذلك رغبة منهم في تحقيق الأرباح والعوائد المادية في ظل الالتزام بالمنهج الذي خطه الله لعباده ويساعد البنك الإسلامي على الوفاء بمسؤوليته الاجتماعية التزامه بتطبيق بعض المبادئ والقواعد أهمها :
قاعدة الحلال والحرام لا تقبل المؤسسة نشاطًا إلا بعد التأكد من مشروعيته ومسايرته لمقتضيات الشريعة الإسلامية بما يساعدها على انتقاء الأعمال والأنشطة والخدمات الصالحة كالتزام كامل بأحكام الشريعة قولاً وعملاً شكلاً ومضموناً التزامه بمبادئ الإسلام في تكوين رأس ماله وفي وتنظيماته ولوائحه وفي طريقة تعبئته لموارده وفي طريقة وأساليب توظيفه لأمواله.
وجود هيئة الرقابة الشرعية حيث تساعد تلك الهيئة في تصحيح الأنشطة والخدمات التي تثار حولها الشكوك وتبحث مدى مسايرة النشاط أو الخدمة لمقتضيات الشريعة وتساهم في بيان الأنشطة والبرامج الاجتماعية التي يمكن للمؤسسة المالية تقديمها بقيام بإعداد تخطيط واضح للأهداف وإعداد برامج العمل اللازمة لتحقيقها التقويم المستمر للأداء والنتائج.
مبدأ الغنم بالغرم يلتزم المؤسسة المالية الإسلامية بتقييم الأموال طبقًا لمبدأ الغنم بالغرم بما يقضي الاهتمام بنتائج الأعمال وما تحققه من عوائد تركيز الخسارة على جانب واحد فيحدث الظلم الوضوح الفكري لمهمة ووظيفة البنك الإسلامي لدى كل العاملين من الإدارة العليا إلى أدنى مستوى تنفيذي.
مبدأ لا ضرر ولا ضرار فيلزم هذا المبدأ المؤسسة بضرورة الاهتمام بالأعمال والأنشطة والخدمات التي يقدمها فلا يترتب عليها ضرر يلحق به أو يلحق بأحد المتعاملين معه، التحري الدقيق في اختيار قيادات المؤسسة بما يضمن أن تكون هذه القيادات نماذج حية للشخصية المسلمة الواعية المؤمنة.
سادسا: تطبيقات المسؤولية الاجتماعية بين الربحية والتكاليف
المؤسسات المالية والاقتصادية الإسلامية نظم اجتماعية شاملة تهدف إلى غرس القيم الإسلامية في المجتمع في مختلف المعاملات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية من خلال المسؤولية الاجتماعية التي تساهم في تمويل مشروعات الرعاية الصحية والاجتماعية وزيادة الوعي الادخاري لدى أفراد المجتمع من خلال سهولة الوصول إلى الأوعية والأدوات الادخارية والمساهمة في التأهيل العلمي والقضاء على الأمية وزيادة الوعي المصرفي لأبناء المجتمع فهي تمتاز بأنها تعد بمثابة مكسب للمؤسسة (عوائد غير مادية ومنفعه ذاتية) وليست تكاليف بخلاف المؤسسات المالية التقليدية ويرجع هذا إلى أن أخلاقيات العمل المصرفي القائم على الشريعة الإسلامية أعطت هذا المفهوم بعداً مختلفاً كما أعطت طريقة إستراتيجية مهمة للتفكير في الأعمال الخيرية.
ماذا لو اهتزت الدوحة؟ ماذا لو تحوّل الأمان إلى صدمة؟ (تخيل) أن (جهة ما) استهدفت مقرًا سكنيًا لحركة... اقرأ المزيد
912
| 11 سبتمبر 2025
المتابع لدور قطر القومي يجده متقدما على دور كثير من الدول العربية والأجنبية، سواء في إدخال مساعدات إلى... اقرأ المزيد
294
| 11 سبتمبر 2025
تبرز المؤازرة غير المسبوقة ومواقف التضامن الاستثنائية التي أظهرتها كل دول العالم مع دولة قطر، سواء عبر الاتصالات... اقرأ المزيد
123
| 11 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ما جرى بالأمس لم يكن حدثًا عابرًا، بل هجوم أيقظ الضمائر وأسقط الأقنعة، الضربة الصهيونية التي استهدفت مقرًا لقيادات المقاومة أثناء اجتماع لبحث مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير، لم تكن مجرد اعتداء عسكري جبان، بل إعلانًا صريحًا بأن هذا الكيان الغاصب قد فقد أوراقه السياسية، ولم يعد يملك سوى منطق العصابة المنفلتة التي لا تعبأ بالقوانين ولا تحترم سيادة الدول ولا تراعي أبسط الأعراف الإنسانية. لقد انكشفت البربرية على حقيقتها، الدولة التي حاولت أن تفرض هيبتها بالحديد والنار، كشفت عن ضعفها وانكسارها أمام العالم، لم يعد في جعبتها إلا لغة الغدر وضربات عشوائية لا تفرّق بين مدني وعسكري، ولا بين أرض محايدة وأرض محتلة، ولا بين عدو ووسيط، تلك العلامات الواضحة لا تعني إلا شيئًا واحدًا: الانهيار من الداخل بعد سقوط صورتها في الخارج. نحن أمام لحظة فارقة، لحظة اختبار للتاريخ: هل سنرتقي إلى مستوى المسؤولية ونحوّل هذا الحدث غير المسبوق إلى بداية لصحوة عربية وإسلامية؟ هل سنشكّل جبهة موحّدة مع شرفاء العالم لنضع حدًا للتواطؤ والتطبيع، ونطرد سفراء الاحتلال من عواصمنا، ونغلق الأبواب التي فُتحت لهم تحت شعارات مضللة لم تجلب سوى الوهم والعار؟ أم سنمضي كأن شيئًا لم يكن؟ إنها فرصة ذهبية لإعادة ترتيب البيت العربي من الداخل، ليست القضية قضية قطر وحدها، بل قضية كل شبر عربي مهدّد اليوم بانتهاك السيادة، وغدًا بالاحتلال الصريح، لقد أثبتت التجارب أن هذا الكيان لا يفهم إلا لغة الردع، ولا يقرأ إلا معادلات القوة، وكل لحظة تأخير تعني مزيدًا من الاستباحة والاستهانة بحقوقنا وكرامتنا. نحن أمة تمتلك أغلب موارد الطاقة ومفاتيح طرق التجارة العالمية، ومع ذلك تُعامل كأطراف ضعيفة في معادلة الصراع، آن الأوان أن نتحرك لا بخطابات رنانة ولا بيانات جوفاء، بل بمواقف عملية تُعيد الهيبة إلى هذه الأمة. لقد أراد الاحتلال من وراء هذه العملية الغادرة أن يوجّه رسالة مرتبطة بمقترح ترامب، مفادها أن لا صوت يعلو فوق صوته، لكن الرد الحقيقي يجب أن يكون أوضح: السيادة لا تُستباح، والقرار لا يُملى من واشنطن ولا من تل أبيب. الغدر هو آخر أوراقهم… فلنجعل وحدتنا أول أوراقنا.
1176
| 10 سبتمبر 2025
على رمالها وسواحلها الهادئة كهدوء أهلها الطيبين حيث لا يعلو صوت فوق هدير وأزيز المعدات والآلات، وعلى منصات النفط والغاز العملاقة العائمة فوق أمواج مياه الخليج، تتجسد قصة إنسان صنع بجهده وعرقه وتضحياته جزءًا من مجد هذا الوطن الغالي. يجلس اليوم في عقده السابع، هادئًا ممسكًا بسبحته على إحدى أريكات كورنيش الدوحة الاسمنتية، يناظر الأفق البعيد وناطحات السحاب، بينما تتلون السماء بوهج الغروب وأطياف الشفق الساحرة، شارد الذهن في ذكريات الماضي الجميل يلفها عباءة الفخر والعزة والحنين. إنها رحلة “مهندس قطري”، امتدت لأكثر من أربعة عقود، سطر خلالها ملحمة من التحدي والصبر والإصرار، وكان شاهدًا على أبرز التحولات في تاريخ بلاده الصناعي. لم تكن تلك المرحلة مفروشة بالورود والرياحين؛ ففي سبعينيات القرن الماضي، كانت قطر تضع لبناتها الأولى في التنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما بكميات تجارية. وكان هذا المهندس الشاب جزءًا من تلك النخبة، فلم تكن شهادته الأكاديمية وحدها سلاحه، بل كانت همته العالية وإرادته الصلبة. عمل جنبًا إلى جنب مع زملائه من العرب والآسيويين والأوروبيين، وعمالقة الشركات الصناعة العالمية IOCs, مثل بي بي، يارا (هيدور )، كوبي ستيل،شل، توتال، إكسون موبيل، وشيفرون، وغيرهم، لم تكن هذه الشركات مجرد جهات عمل، بل كانت بحق جامعات ميدانية نقلت إليه وإلى أبناء قطر المخلصين أعلى معايير الدقة والاحترافية والإبداع. في القطاع الصناعي، تعلم فنون الإدارة والإشراف على تلك المصانع العملاقة بكل إتقان وكفاءة على سبيل المثال، اكتسب من الإدارة اليابانية مبدأ “كايزن” (Kaizen)، وتشرب من الادارة الأمريكية “التصنيع الرشيق” (Lean Manufacturing)، ومن الإدارة الأوروبية أجاد أتقان مبدأ “السلامة أولًا” (Safety First). ولكن الأهم من ذلك كان ترسيخ قيم الالتزام، والتسامح، والرقي في التعامل مع الآخرين، فكانت هذه الأسس التي صنعت بيئة عمل متماسكة كالعائلة الواحدة، على الرغم من اختلاف مشاربها الثقافية والعرقية ”Ethnicity”. كانت التحديات هي المحك الحقيقي؛ فالعمل في قطاع الطاقة والصناعة يعني التصدي للمخاطر المهنية اليومية.كالتعامل مع غازات ذات الضغوط العالية التي قد تتجاوز 1000 بار، ودرجات الحرارة التي قد تصل وتتجاوز 900 درجة مئوية، بالإضافة إلى التعامل مع المواد السائلة شديدة الخطورة والصلبة، والعمل تحت لهيب حرارة الصيف ورطوبته العالية. ومرورًا بالظروف القاسية والعزلة العائلية والاجتماعية لفترات طويلة على المنصات البحرية والجزر الصناعية العائمة ( Production Offshore Platforms ). وفي تلك الظروف، كانت اليقظة والدقة هاجسًا دائمًا من أجل السلامة والعودة إلى الأهل والأحبة.هناك، بعيدًا عن دفء الأسرة تذوب الفوارق بين الجنسيات والألوان والثقافات، ليصبح الزميل أخًا وشريكًا في الهدف. لم تكسر هذه الظروف الرجال، بل صقلتهم، وحولتهم إلى قادة قادرين على اتخاذ القرارات المصيرية والحاسمة. ولا نستثني في هذا السياق الإداريين الأفاضل، حيث كان الوصول إلى أعلى هرم الادارة متاحًا بلا حواجز ولا مواعيد مسبقة، فكانوا هم السند الحقيقي والخفي الذي جعل الإدارة حلقةً داعمة وفاعلة تكمل منظومة الجهد الجماعي بين العمل الميداني والمكتبي. ولم تتوقف رحلة هذا المهندس عند حدود الوطن؛ فبعد أن اكتسب خبرة واسعة، حمل راية بلاده إلى أنحاء العالم، من أمريكا إلى آسيا وأوروبا، مشرفًا على مشاريع كبرى، وكان خير سفير للكفاءات القطرية. كانت تلك البعثات والمهمات اغترابًا طوعيًا، وثمنًا دُفع في سبيل اكتساب معاير الريادة العالمية. ورغم صعوبات البعد عن الوطن وحواجز اللغة، أثبت أن “المهندس القطري” قادر على المنافسة وإضافة قيمة في أي مكان ومشروع يذهب إليه. يجلس هذا المهندس الخبير المخضرم اليوم ليس كشاهد على عصر فحسب، بل كمدرسة ومرجعية وطنية يجب استغلالها ومهمته الحالية لا تقل أهمية عن سابقاتها؛ فهو ينقل للأجيال الحاضرة العلم والتقنية الهندسية، ومعهما ينقل إرثًا من القيم: الأخلاق، والإخلاص، والولاء، والدقة، والابتكار. لقد غدا جسرًا انتقلت عبره أفضل الممارسات العالمية لتندمج مع الهوية القطرية الأصيلة، وتشكل نموذج المهندس العالمي الذي لا يتخلى عن جذوره. إن قصة هذا المهندس هي دليل على أن الثروة الحقيقية لا تكمن في باطن الأرض، بل في عقول أبنائها. لقد حول ذاك الجيل الرائد التحدي إلى فرصة، والفرصة إلى إنجاز، والإنجاز إلى إرث خالد تفتخر به الأجيال القادمة. أخيرًا وليس اخرا، تحية إجلال وتقدير إلى رواد الصناعة والطاقة في بلادنا. الذين حوّلوا الصحراء وسواحلها إلى مصانع شامخة ببهائها تتلألأ ليلًا كالجواهر واللآلئ الثمينة، أُقبّل جباههم التي خاضت التحديات وحملت مسؤولية بناء صرح نفخر به امام الجميع والأجيال القادمة، بكل شموخ وأنفة. وأسأل الله أن يتغمد من رحل منهم بواسع رحمته، وأن يوفق الأحياء منهم والأجيال القادمة، ليواصلوا حمل راية العز والفخر. دام عز هذا الوطن ودامت سواعد رجاله الأوفياء ودمتم ……والسلام.
1125
| 08 سبتمبر 2025
في السنوات الأخيرة، غَصَّت الساحة التدريبية بأسماء وشعارات و»مدربين» يملأون الفضاء ضجيجًا أكثر مما يملأونه أثرًا والسؤال المؤلم: (هل ما زال المدرب هو من يقود منهجية التدريب، أم صارت المنهجية تقوده؟) لقد تحوّل التدريب عند بعضهم إلى مهنة بلا هوية؛ نسخة باهتة من دورات مقتبسة، عناوين رنانة، ومحتوى مكرّر يُساق من قاعة إلى أخرى دون تطوير أو إضافة، ( كعلكة تم مضغها ويعاد تغليفها) مدربون يبحثون عن الأضواء قبل أن يبحثوا عن الفائدة، وعن الشهادات الورقية قبل أن يسألوا (ماذا سأترك من أثر في عقل المتدرب)؟ الأدهى من ذلك، أن «سوق إعداد المدربين» صار يفرخ مئات ممن يظنون أن الحصول على دورة قصيرة – لا تتجاوز أحيانًا أيامًا معدودة – يجعلهم مؤهلين لحمل لقب «مدرّب» وما إن ينالوا الشهادة حتى يهرعوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليعلنوا أنفسهم «معدّين»، ويبيعوا وهمًا جديدًا لمن بعدهم فتجد من لم يُجرّب التدريب يومًا، يعلن عن برامج لإعداد مدربين جدد! إنها دائرة مفرغة من التقليد، تُشبه إلى حدٍّ بعيد بيع الماء في (حارة السقّائين). لقد فقدت بعض القاعات هيبتها، وصارت أشبه بمسرح استعراض شخصي، حيث يتفنن البعض في الإلقاء أكثر مما يتقن جوهر التدريب، والأنكى أن هؤلاء لا يستندون إلى فلسفة واضحة أو رؤية متكاملة لا يعرفون شيئًا عن المنهجيات الحديثة مثل: • التعلم القائم على المشروعات (Project-Based Learning). • التدريب المدمج (Blended Training) • التعلم بالخبرة (Experiential Learning) كل ما يعرفونه هو إعادة تدوير شرائح «باوربوينت» مرّ عليها عقد من الزمن. في الدول المتقدمة، لا يُمنح المدرب صفة «مدرب محترف» إلا إذا امتلك سجلًا معرفيًا وتجربة عملية مدعومة بمشاريع حقيقية. ففي كندا مثلًا، لا يُعتمد المدرب المحترف إلا بعد اجتياز معايير صارمة، منها الساعات التدريبية الفعلية، والتقييم الدوري، والالتزام بأخلاقيات المهنة أما عندنا، فالمسألة – للأسف – صارت في بعض الأحيان مجرد رسوم تُدفع، وشهادة تُطبع، وصورة تُنشر على «إنستغرام»! فهل يمكن أن نسمي هذا تدريبًا؟ أم هو أقرب إلى وهمٍ جماعي تُسوّقه دورات عابرة بلا هوية؟ إن المدرب الحقيقي هو من يمسك بزمام المنهجية، لا من تنساق خطواته خلف موضة أو برنامج مستورد، هو من يبني هويته على رؤية، وفلسفته على علم، وممارسته على تراكم تجربة أما أولئك الذين يستبدلون «المعرفة» بالعروض الدعائية، و»المسؤولية» بالبحث عن الألقاب، فهم لا يصنعون تدريبًا، بل يساهمون في إفراغ المهنة من مضمونها. اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تحتاج الساحة التدريبية إلى غربلة، إلى إعادة الاعتبار لمنهجية التدريب بوصفها علمًا ورسالة، لا تجارة موسمية والسؤال الذي يجب أن يطرحه كل مدرب على نفسه قبل أن يقف أمام المتدربين: هل أنا أملك زمام المنهجية… أم أنني مجرد تابع في قافلة بلا هوية؟
921
| 04 سبتمبر 2025