رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثير من الناس يشكون من مشكلة "وقت الفراغ" ويصفونها بأنها أعقد مشكلة واجهتهم أو تواجههم، وقد يكون المرء مطالباً بإنجاز بعض الأعمال فيهملها ويجلس للثرثرة مع الآخرين شاكياً متألماً من "وقت الفراغ" الذي لا يعرف كيف يزجيه؟!
والذين يكثرون من شكوى وقت الفراغ هم في الحقيقة أناس ضعاف القدرات، ليست لديهم القدرة على الإبداع، فما أكثر الحيل التي يمكن للمرء أن يقضي بها وقته مفيداً للآخرين أو مستفيداً من الوقت الزائد عن حاجته.
ومهما يكن نوع العمل الذي نلجأ إليه كوسيلة لقضاء وقت الفراغ، فإنه – وإن كان بالنسبة إلينا هواية – من جهة أخرى "عمل" أو وسيلة الحياة لأناس آخرين، فالرياضة البدنية يلجأ إليها الهواة لتجديد نشاطهم، وتحريك عضلاتهم، وتنشيط دوراتهم الدموية، وإراحة أعصابهم، فهي بالنسبة للهواة عملية مزاجية ممتعة تخفف عن هواتها عناء أعمالهم التقليدية التي غالباً ما تكون ذات طابع عقلي كالكتابة والقراءة والعمل في دواوين الحكومة.
ولكن هذه الرياضة البدنية نفسها بالنسبة لمزاوليها المحترفين هي بدورها "عمل تقليدي" ممل، مرهق، يحتاج إلى البحث عن "هواية" أخرى تخفف من عنائه ولتكن هذه الهواية هي القراءة مثلاً أو المسرح أو الصيد أو التمثيل أو التجارة... إلخ.
وأحياناً يلجأ بعض الناس إلى الرحلات، وركوب القطارات أو السفن أو وسائل النقل المختلفة والسفر لمسافات طويلة بغرض التنزه أو الفسحة، والمتعة في مثل هذا السفر تنبع من كون المسافر مختلياً بنفسه أو بمن يحب مرافقتهم متحللاً من المسؤولية الرسمية التي تأخذ بخناقه طوال وقت العمل الرسمي. ولكن هذه الرحلة الترفيهية بالنسبة للسائقين وطاقم الخدمة في السفينة أو القطار، أو الباصات، أو غيرها عذاب ومشقة وعمل رسمي ممل، يتطلعون بلهفة إلى الانتهاء منه، حتى يخلدوا إلى الراحة!
والقراءة متعة، أو هي أكبر متعة لأنها المصدر الأكثر شيوعاً للمعرفة، والإنسان الناجح يجب أن يسعى في بداية شبابه إلى تكوين مجموعة من " الأصدقاء " الصامتين من المؤلفين فيدقق في اختيارهم كما يدقق في اختيار أصدقائه الأحياء، ويعود إليهم في أوقات فراغه ليدير معهم حواراً من طرف واحد ينتهي بفائدة محققة له دون شك.
وإذا نظر الإنسان إلى القراءة على أنها " وجبة غذائية " عقلية، كان عليه أن يحسن اختيار مفردات هذه الوجبة، فلا يرهق نفسه بالأغذية – الكتب – الدسمة عسيرة الهضم، ولا يضيع وقته في النشويات التي تستقر في الكرش ولا تصل إلى الدم.. وأعني بها الكتب الفارغة الضئيلة القيمة، وكما يتناول الإنسان وجبته الغذائية التقليدية في جو من الاحترام هيئة وجلوساً وإضاءة وتهوية، يجب عليه أن يعامل وجبته الغذائية العقلية ذات المعاملة من الاحترام والوقار فلا يقرأ وهو متكئ أو مستلق على بطنه أو ظهره حتى لا يرهق عينيه وتصبح القراءة بالنسبة له عملاً شاقاً سرعان ما يمله وينفر منه ولا ينبغي للعاقل أن يخلط بين الغث والسمين فيقفز من مجلة إلى صحيفة إلى كتاب بلا تخطيط أو تنظيم حتى لا يتشتت ذهنه بل عليه أن يتخير الوقت الهادئ.. وليكن الليل المتأخر – ليخلو إلى كتاب بعينه وذهنه متفتح للاستفادة.
ومتعة القراءة قد تصبح عملاً رسمياً مملاً بدوره وشاقاً وذلك بالنسبة للباحثين والعلماء الذين يقضون ثلاثة أرباع وقتهم مع الكتب فهم في أمس الحاجة إلى التخلص منها من حين لآخر وترويض أجسادهم بالرياضات البدنية المنشطة للدم والعضلات حتى يعودوا مرة ثانية إلى عذابهم اللذيذ الممتع!
إن النظرة إلى العمل – أي عمل – على أنه " فن " تيسر على كل إنسان يتبنى هذه النظرة أداء عمله، إن المرأة العاملة أو الموظفة حين تحصل على إجازة من عملها يوماً أو يومين تجد نفسها مثقلة بأعباء منزلية أكثر جسامة من أعباء عملها وتؤديها ببراعة وحب وألفة لأنها " تتفنن " في خدمة بيتها، ولا يمكنها أن تمارس أعمالها المنزلية بشكل رتيب لا أثر فيه للفن ولا فرصة فيه للمتعة.
وكلما استشعر الإنسان أن العمل فن، زادت لذة العمل عنده وأصبح مدمناً لهذه اللذة التي تجلب إليه مزيداً من الراحة النفسية والرزق أيضاً. واليابانيون في هذا العصر أصدق مثال على ذلك، فهم يقبلون على العمل بحب وروح عالية، حتى ضجت حكوماتهم مراراً من عدم قدرتها على خفض الإنتاج !! لأن اليابانيين لا يحصلون على أي إجازات، بل إن الحكومة لجأت منذ سنوات إلى إعطاء حوافز مالية لمن يطلب إجازة دون جدوى!!
إن العمل – أي عمل – مهما يكن بسيطاً أو معقداً يمكن أن يكون فناً ومصدراً للمتعة أو اللذة إذا أداه صاحبه أداءً متقناً.
والعمل – بوصفه فناً – لا يبعث على الراحة النفسية فقط، بل إنه يثمر ثماراً أخرى، فهو ينقذ صاحبه من آفات الكسل وأهم هذه الآفات الخمول، والخمول بدوره يستدعي الشعور بالصداع والآلام الجسدية الأخرى، فضلاً عن أن العمل إذا ما أحبه الإنسان ينقي صدره من آفات نفسية كثيرة كالحسد والبغضاء والنفاق والرياء وذلك لأن الإنسان إذا أحب عمله ووضع كل اهتمامه فيه، لم يجد وقتاً للتفكير في شؤون الآخرين ولا الاهتمام بتفاهات التافهين.
ويتأتى ذلك بأن ينظم الإنسان وقته بحيث يستثمر ما يزيد على ساعات عمله الرسمي، في هوايات أخرى يعطيها نفس القدر من الاهتمام فتصبح هي بدورها مجالاً للإتقان والكسب إلى جانب وظيفتها الأصلية وهي الترفيه والمتعة والحصول على اللذة،،،.
مكافحة الفساد مسؤولية عالمية
تعكس جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد والتي دخلت عامها العاشر، الأهمية... اقرأ المزيد
27
| 15 ديسمبر 2025
كأس العرب من منظور علم الاجتماع
يُعَدّ علم الاجتماع، بوصفه علمًا معنيًا بدراسة الحياة الاجتماعية، مجالًا تتفرّع عنه اختصاصات حديثة، من أبرزها سوسيولوجيا الرياضة،... اقرأ المزيد
33
| 15 ديسمبر 2025
في زحمة الصحراء!
يُخطئ كثيرون في الظنّ بأن الصحراء مجرد رمال وحصى وحرارة تُنهك الجلد وتخدع الروح، كأنها مكان مُفرغ من... اقرأ المزيد
30
| 15 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2292
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1200
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
792
| 10 ديسمبر 2025