رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. هلا السعيد

مساحة إعلانية

مقالات

624

د. هلا السعيد

النعمة في السر والستر

30 سبتمبر 2025 , 03:30ص

كيف نحمي فرحنا من الحسد كثيرًا ما نسمع العبارة التي توارثناها عن أهل الخبرة والتجربة: “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان”، وكأنها قاعدة ذهبية لحماية أحلامنا وأهدافنا قبل أن تخرج إلى النور. الكتمان هنا ليس خوفًا ولا ضعفًا، بل هو نوع من الذكاء والوعي؛ لأن ليس كل ما نملكه أو نخطط له يصلح أن يكون على مرأى ومسمع الجميع.

الحسد ..... وإن حاول البعض إنكاره فهو حقيقة لا يمكن تجاهلها. هو شعور خفي يتسلل إلى القلوب، قد يحرق النعمة في عيون الناس قبل أن تذبل بأيدينا. نحن لا نتحدث هنا عن أوهام، بل عن أثر واضح يلمسه كل من جرب أن يفرح بإنجاز صغير ثم فجأة وجد أن خطواته تعطلت أو طاقته انطفأت. الحسد أو تأثير العين قد يسبب ضررًا كبيرًا، وقد يكون قاتلا لو استهان به.

لكن الملفت أن البعض حين ننبه على خطورة الإفراط في نشر تفاصيل حياتنا، يردون بقولهم: “وأما بنعمة ربك فحدث”. وهنا تكمن المشكلة، لأن الكثيرين فهموا الآية الكريمة على غير معناها الصحيح. الحديث بالنعمة لا يعني أن نعرض صور بيوتنا، وسفرياتنا، وأطباقنا، وهدايانا، وحتى نجاحات أولادنا على الفيسبوك والإنستجرام ليل نهار. الآية أعمق بكثير من هذا الفهم السطحي.

“وأما بنعمة ربك فحدث” معناها أن تُشكر النعمة بالعمل الصالح: بالصدقة، بذكر الله، بخدمة الناس، وبأن يرى الناس أثرها في سلوكك وأخلاقك. أن تكون شاكرًا، متواضعًا، رحيمًا، فهذه أبلغ طريقة للحديث عن النعمة. أمّا أن نحول حياتنا الخاصة إلى عرض عام على المنصات، فهذا في حقيقته تبذير للفرحة وتعريض للنعمة للخطر.

الحقيقة أن العالم اليوم صار مكشوفًا أكثر من اللازم. نكتب كل ما يخطر في بالنا، نصور كل ما نعيشه، ونشارك حتى تفاصيل لا تحتمل المشاركة. لكننا ننسى أن ليس كل من يرانا يتمنى لنا الخير. البعض يبتسم في وجهك وهو يخفي في قلبه غيرة أو حسدًا، والبعض يتابعك بصمت لكن عينه لا تحتمل رؤية الفرح عندك.

لهذا، الحكمة أن نعيش نعمنا في ستر، ونحمد الله عليها سرًا وعلانية، لكن دون أن نُسرف في كشفها للناس. فالبركة لا تأتي من عدد اللايكات والتعليقات، بل من شكر الله، ومن أن نحفظ ما أعطانا بالحمد والدعاء.

ليست كل نعمة تصلح أن تُعرض… فبعضها لا يعيش إلا في ستر القلوب.

فلنحكِ عن نعمنا لله شكرًا، لا للناس تفاخرًا. ولنشارك الخير على شكل ابتسامة أو صدقة أو كلمة طيبة، بدل أن نعرض حياتنا في واجهة معرض مفتوح لكل عابر. السعادة الحقيقية لا تحتاج جمهورًا يصفق لها، بل قلبًا شاكرًا يحميها.

مساحة إعلانية