رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مع بلوغ الحرب بين إيران وإسرائيل ذروتها التصعيدية بدخول واشنطن على الخط وضرب المنشآت النووية بقاذفات البى-2، عجت وسائل الإعلام بعناوين عريضة عن التدخل الوشيك لحلفاء طهران وخاصة روسيا والصين في خط المواجهة لحماية حليفهم الرئيس في المنطقة، وعند هذا التدخل الضروري ستكون ساعة الصفر للحرب العالمية الثالثة، وما لبث أن مر فقط 48 ساعة حتى توقفت الحرب، واتضح أن كل تلك العناوين كانت مجرد هراء فارغ.
قبل الولوج في موقف الصين، واستحالة الانخراط في هذه الحرب تحت أية ظروف، من الجدير تسليط الضوء على عمل أو منطق التحالفات والحلفاء والذهاب للحروب.
التحالفات ومن بينها التحالفات العسكرية جزء أصيل في السياسة الدولية منذ قرون، وتنشأ التحالفات العسكرية لمواجهة تهديد قائم وردعه والدخول معه في حرب في الضرورة، وللتحالفات العسكرية أنماط متعددة، أبرزها النمط التقليدي الجماعي مثل حلف الناتو، ونمط تحالفات الحماية وهو الشائع ويكون بين دولة عظمى أو إقليمية ومجموعة من الدول الصغيرة، أو دولة واحدة ليست قوية، وأبرز مثال على ذلك التحالف الأمريكي مع اليابان، والأمريكي مع فيتنام، والفلبين.
الشاهد في الأمر من كل أنماط التحالفات أمران رئيسيان، أولهما أن تجمع مجموعة دول في تحالف عسكري يكون لمواجهة تهديد خطير يهدد مصلحة حيوية مشتركة تجمعهم، وبالتالي فالانجرار للحرب يكون قراراً مصيرياً خطيراً لا بديل غيره لحماية تلك المصلحة. والثاني، أن القوى العظمى في تحالفات الحماية قد مضت في التحالف لحماية مصلحة شديدة الحيوية لها، وبالتالي أيضا لن تنجر في الحرب لأجل حماية حلفائها بل ذلك مجرد ذريعة لتقويض التهديد الخطير لمصلحتها.
هذا هو واقع ومنطق التحالفات العسكرية، لا شيء مجاني خاصة إذا تعلق الأمر بالذهاب للحرب، وسوابق التحالفات العسكرية مليئة بتلك المفارقات المصلحية، ففرنسا وألمانيا على سبيل المثال رفضتا مشاركة واشنطن في حرب العراق رغم أنهما عضوان في الناتو، في حين ترددت إدارة أوباما أسابيع قبل التدخل في ليبيا للإطاحة بالقذافي رغم مشاركة الناتو السريعة. وفى مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا، قادت واشنطن تحالفا أوروبيا لدعم أوكرانيا عسكريا لأن روسيا أصبحت تهديداً خطيراً للنظام الدولي الليبرالي ذاته وليس أمن أوروبا فقط.
في المقام الأول لا ترتبط الصين بأية تحالفات عسكرية أو اتفاقات دفاع مشترك مع طهران، يربط فقط بين الجانبين علاقات استراتيجية واسعة قوامها الاقتصاد وبخاصة النفط، وفي 2021 تم التوقيع على اتفاق التعاون الاستراتيجي الشامل لمدة 25 عاما ارتكز على توطيد التعاون الاقتصادي مع توسيع التعاون الأمني.
لكن هذا لا يعكس جوهر موقف الصين من الحرب، بقدر ما يعكس موقف الصين العام من الحروب والصراعات، وحساباتها الاستراتيجية الكبرى ومنطق الانخراط في الحروب في إطار هذه الحسابات.
ترتكز السياسة الخارجية الصينية على عدة مبادئ رئيسية ومنها الحياد الإيجابي وعدم التدخل في الصراعات، إقامة علاقات متوازنة مع الجميع. ومنذ تولي الرئيس شي جين بينج السلطة عملت الصين على ترسيخ وضعها في النظام الدولي كـ «قوى مسؤولة» تسعى جاهدة لنشر السلام ومنع اندلاع الصراعات وأولوية الدبلوماسية والحلول السلمية. وهذا من حيث المبدأ يبرر انحصار دور الصين في الحرب في الجانب الدبلوماسي ووسط هذا الجانب تبدى الموقف التقليدي الحيادي للصين الداعم لإنهاء الحرب والتعقل ودعوة الأطراف للحوار ونزع جذور الصراع.
لأن الصين من موقعها كقوى مسؤولة لا يمكن تصور تبنيها موقفا منحازاً خاصة لإيران رغم أهميتها الاستراتيجية لها، بعكس روسيا التي أطلقت تحذيرات مباشرة لأمريكا وإسرائيل بشان تدمير البرنامج النووي، واغتيال المرشد الأعلى، وهي مجرد تصريحات إعلامية لا أكثر. وعلى الجانب العملي البرجماتي حافظت الصين على الحياد الإيجابي الذي أفاد الصين فوائد جمة، فالصين ترتبط بعلاقات استراتيجية واسعة مع إسرائيل ومعظم خصوم إيران.
ما سبق كفيل وحده لتبرير استحالة تدخل الصين في الحرب لمساندة طهران؛ لكن ثمة حسابات استراتيجية أوسع تعكس الصورة كاملة.
من حيث المبدأ، إن فكرة انخراط الصين في حرب لصالح طرف آخر أو حليف استراتيجي غير واردة تماما عند الصين، لأن تلك الحروب ستعطل مسيرتها للقيادة الدولية، وتضرب الاقتصاد الصيني في مقتل العمود الفقري لصعودها. علاوة على ذلك، حددت الصين في عقيدتها الاستراتيجية حتمية خوض الحروب في حالات الضرورة القصوى للدفاع عن مصالحها الأساسية وخصوصاً تايوان وبحر الصين الجنوبي، والعدو المحتمل المهدد لتلك المصالح هو واشنطن.
وعلى الجانب الآخر، أن سقوط النظام الإيراني على أسوأ افتراض سيضر الصين ومصالحها بلا شك، لكن ذلك ليس مبررا كافيا أو تهديدا خطيرا يستدعي الانجرار في حرب قد تتوسع لحرب عالمية ثالثة.
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء. فالتعليم يمنح الإطار، بينما التدريب يملأ هذا الإطار بالحياة والفاعلية.... اقرأ المزيد
24
| 16 أكتوبر 2025
في أروقة التوظيف ومجالس اتخاذ القرار، يتكرر سؤال محوري: هل تكفي الشهادة الأكاديمية لتحديد من يستحق المنصب؟ أم... اقرأ المزيد
36
| 16 أكتوبر 2025
بعد اتفاق إنهاء الحرب في غزة الذي لعبت فيه دولة قطر دورا محوريا في دعم التوافق على خطة... اقرأ المزيد
174
| 15 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
9021
| 09 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
6516
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
5694
| 14 أكتوبر 2025