رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لم تشهد دولة قطر ثورة سياسية على غرار بعض البلدان العربية مثل تونس ومصر ، لكنها شهدت ربيعاً عربياً ديمقراطيا ً حقيقياً على طريقتها، من خلال المبادرة الجريئة التي أقدم عليها حضرة صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بتخليه عن الحكم لمصلحة نجله سمو الشيخ تميم، يوم الثلاثاء 25 يونيو الجاري. وجاء هذا الانتقال السلس للسلطة في مرحلة تاريخية حساسة جدا تشهدها المنطقة العربية، إضافة إلى ، تنامي الدور المتزايد والمؤثر الذي تلعبه القوة الناعمة في العلاقات الخارجية لدولة قطر علي المستويين الإقليمي والدولي، وذلك في ظل العولمة وثورة المعلومات والاتصالات. لذا، كانت قناة الجزيرة إحدى أهم- إن لم تكن أهم- أدوات القوة الناعمة التي اعتمدت عليها السياسة الخارجية لقطر في تعزيز مكانتها إقليميا ودوليا.
ففي عهد حضرة صاحب السمو الأمير حمد بن خليفة آل ثاني،الذي استلم السلطة في عام 1995، تحولت قطر أصغر دولة في منطقة الخليج ، إلى إحدى الدول الخليجية الساعية إلى لعب دور إقليمي مؤثر، إذ حرصت على إيجاد مكان لها على جدول أعمال القوى الدولية والإقليمية ذات الصلة والمصالح في منطقة الشرق الأوسط، وبدأت قطر منذ ذلك التاريخ بنسج شبكة من العلاقات الإقليمية والدولية من أجل تحقيق ذلك الهدف. فقد تحولت قطر في عهد الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى اسم عالمي ، وهي تنافس حاليا على استضافة الألعاب الاولمبية سنة 2014. ويعتبر المتحف الإسلامي في الدوحة نموذجاً لوضع المال في خدمة الثقافة.
وبعد أن كانت خزينة قطر خاوية، حولها الشيخ حمد دولة قطر إلى أكبر مصدر للغاز المسال ، مع ترسانة مالية ضخمة ، إذ بلغ اجمالي ناتجها القومي 189 بليون دولار في العام الجاري، واحتلت المرتبة الاولى عالمياً في معدل دخل الفرد الذي بلغ 102800 دولار العام الماضي، مع نمو اقتصادي بلغت نسبته 6.4 في المئة عام 2013 نزولاً من 16 في المئة عام 2011 وهي النسبة الاعلى في العالم، بعد ان احتلت قطر المرتبة الاولى عالمياً في انتاج وتصدير الغاز الطبيعي. وهذا ما جعل الكاتب الفرنسي المعروف أوليفييه دالاج في كتابه الجديد "قطر، سادة اللعبة الجديدة" يقول : إن الأمير حمد استعمل ترسانته المالية ببراعة لإجبار دول العالم على احترام قطر". لقد ترك تراجع الحضور السياسي العربي الفاعل من جانب الحوامل الإقليمية التقليدية في منطقة الشرق الأوسط فراغاً كبيراً ، سعت كل من القوى الإقليمية الجديدة الصاعدة على غرار تركيا و قطر أن تملأه ، حيث تربط كل من تركيا و قطرعلاقات وطيدة مع حركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية. و في هذا السياق يقول أوليفييه دالاج ، إن السياسة الخارجية التي انتهجها الأمير حمد أسهمت في تغيير الخريطة السياسية العربية، من خلال ما يتمتع به من حس استراتيجي، كما يقول دالاج:" لم يتردد في دعم المقاومة ضد إسرائيل ، فكان أن سجل لقطر حضوراً مؤثراً من الجنوب اللبناني إلى قطاع غزة، ثم سارع بجسارة إلى قيادة رياح الربيع العربي، فكان أول من دعم الثورات في تونس و ليبيا و مصر وسوريا".
في أول خطاب ألقاه أمير قطر الجديد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يوم الأربعاء 26 يونيو الجاري، وخصص الشيخ تميم قسماً كبيراً من خطابه للاشادة بدور وشكر والده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي وصفه بأنه "فارس ترجل في أوج عطائه". وأكد الشيخ تميم رفض الطائفية والمذهبية في العالم العربي، وقال "نحن كمسلمين نحترم التنوع في المذاهب ونحترم كل الديانات في بلداننا وخارجها، وكعرب نرفض تقسيم المجتمعات العربية على أساس طائفي ومذهبي ذلك لأن هذا يمس بحصانتها الاجتماعية والاقتصادية ويمنع تحديثها وتطورها على أساس المواطنة بغض النظر عن الدين والمذهب والطائفة".
واعتبرالشيخ تميم أن الانقسام الطائفي "يسمح لقوى خارجية بالتدخل بقضايا الدول العربية وتحقيق النفوذ فيها". وأكد الشيخ تميم البالغ من العمر 33 عاماً، أن بلاده "تلتزم التضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق في نضاله لنيل حقوقه المشروعة وتعتبر تحقيقها شرطاً للسلام العادل الذي يشمل الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية التي احتلت في 1967 بما في ذلك القدس الشرقية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقبلية وعودة اللاجئين ولا تسوية من دون سلام عادل". وإذ ذكر بأن قطر "انحازت الى قضايا الشعوب العربية وتطلعاتها للعيش بحرية وكرامة بعيداً عن الفساد والاستبداد"، أكد مستعيداً جملة لأسلافه أن قطر "ستبقى كعبة المضيوم".
السؤال الذي يطرحه المحللون الغربيون ، بعد أن أصبح أمير قطر الجديد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني (33 عاماً) أصغر حاكم في العالم العربي، هل سيواصل النهج الذي وضعه والده .
يجمع المراقبون المتابعون للشؤون القطرية ، أن الشيخ تميم الذي يتقن اللغتين الفرنسية و الإنجليزية ، سيواصل السياسية الخارجية عينها لوالده ، و إن بنوع من الاجتهاد الشخصي الذي يحافظ على الاستمرارية ، معتمدا في ذلك ، أولاً ، على القوة/الناعمة، ومستغلا القدرات الاقتصادية والمالية لدولة قطر، و استخدامها في النشاط الديبلوماسي لتعظيم مصالح قطر وتأثيرها في بلدان ومناطق كانت تقع تحت نفوذ منافسيها في السابق، وتنشيط دور قطر في لعب دور الوسيط في النزاعات الإقليمية، والمشاركة بدور ريادي في المؤسسات الدولية، معتمداً على الإرث الذي تركه له والده في هذا المجال ، حيث نجحت قطر عام 2008 في التوسط لإبرام "اتفاق الدوحة»"لإنهاء الأزمة السياسية في لبنان. وفي عام 2010، توسطت من أجل وقف إطلاق النار في السودان بين حكومة الخرطوم ومتمردي دارفور، الأمر الذي عزز من سمعتها كوسيط . أما النوع الثاني، فهو الدبلوماسية العامة من خلال الإعلام، حيث قدمت الجزيرة نفسها على أنها صوت الشعوب والمنبر المفتوح لكل من لا صوت له.
إن تأملت حوادث التاريخ، ستجدها تتكرر بنفس السيناريوهات تقريباً، أو أحياناً بشكل تكاد تكون طبق الأصل من بعضها... اقرأ المزيد
312
| 02 أكتوبر 2025
اعذروني ولكني أبدو متخوفة جدا من خطة ترامب بشأن غزة حتى وإن مالت الدول العربية ودول العالم ككل... اقرأ المزيد
180
| 02 أكتوبر 2025
في قطر، كما في غيرها من مجتمعات الخليج، لم تكن الهوية يوماً مجرد رواية موروثة، بل كانت دومًا... اقرأ المزيد
162
| 02 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
5916
| 26 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
5595
| 25 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4470
| 29 سبتمبر 2025