رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

وجيدة القحطاني

• ناشطة اجتماعية

مساحة إعلانية

مقالات

408

وجيدة القحطاني

هل الأخ سند فعلًا ؟

28 يوليو 2025 , 12:35ص

تتردد عبارة «الأخ سند» على ألسنة الكثيرين، كأنها حقيقة راسخة لا تقبل الجدل، لكنني أجد نفسي أطرح سؤالًا صريحًا: هل ما زال الأخ فعلًا كما كان في السابق؟ هل ما زال يحمل هذا المعنى العميق والدافئ الذي كنا نتربى عليه ونراه في حياة الأجداد والآباء؟ أم أن تغيّرات الزمن قد سلبت من هذه العبارة معناها الحقيقي، وأبقتها فقط مجرد كلمات نرددها دون أن نشعر بها؟ لقد كان الأخ في الزمن الماضي حصنًا منيعًا، كتفًا يُستند إليه عند الانكسار، وصوتًا يصدح بالحق حين تخفت الأصوات، أما اليوم، فكثيرًا ما أرى الأخوة وقد باتت علاقتهم شكلية، ضعيفة، تفتقر إلى الدفء والاحتواء، وكأنها واجب اجتماعي أكثر منها رابطة وجدانية.

في ذاكرة الزمن الجميل، كانت الأخوة من أقوى الروابط الإنسانية، لا تعني فقط المشاركة في النسب والاسم، بل كانت تعني الشراكة في كل تفاصيل الحياة، من الأفراح إلى الأتراح، من الأحلام إلى الأزمات، كان الأخ هو الرفيق في الطريق، والحامي في الخصام، والناصح في الحيرة، بل وكان مستعدًا للتضحية دون مقابل.

من لا يتذكر كيف كانت العائلات تتكافل في أبسط الأمور؟ كيف كان الأخ الأكبر يحمل عبء الأسرة، ويكون قدوة لإخوته؟ لقد كانت الأخوة تعني الانتماء، وتعني أن لك ظهرًا لا ينكسر مهما عصفت بك الأيام، كان يكفي أن تقول «أخي معي» لتشعر بالطمأنينة.

لكننا لا نعيش في الأمس، بل في زمن تغيّر فيه الكثير، وأصبح من الصعب أن نجد بين الإخوة ذلك الارتباط العميق الذي عرفناه سابقًا، السبب ليس واحدًا، بل تتعدد العوامل التي أضعفت هذه الرابطة، أول ما يخطر ببالي هو تلك الوتيرة السريعة التي فرضتها الحياة العصرية، أصبح كل فرد منشغلًا بنفسه، يركض خلف العمل، والطموحات، والضغوط المالية والنفسية، حتى بات لا يملك وقتًا للجلوس مع أسرته، ناهيك عن لقاء إخوته.

ولا يمكن إنكار تأثير الزواج على هذه العلاقة، فالزوجة أحيانًا، وبدون قصد، قد تصبح حاجزًا بين الأخ وأهله، خصوصًا إذا لم تكن العلاقة متوازنة تحكمها المودة والتفاهم، نرى بعض الأزواج يختارون الابتعاد عن إخوتهم لتفادي المشكلات أو إرضاء الشريك، فيخسرون بذلك رابطًا لا يُعوّض، وهناك أيضًا المال، ذلك الفتّاك الصامت، الذي كثيرًا ما يعصف بالأخوة، حين تتقاطع المصالح أو تتشابك الحقوق.

أما وسائل التواصل الاجتماعي، التي يُفترض بها أن تقرّب الناس، فقد ساهمت للأسف في جعل العلاقة بين الإخوة سطحية، مقتصرة على رسائل مقتضبة أو إعجابات عابرة على منشورات، بدلًا من الحديث العميق واللقاء الحقيقي، التواصل أصبح إلكترونيًا لا إنسانيًا، وانحسر دفء اللقاءات في زحمة الرسائل والمكالمات المؤجلة.

وسط هذه الصورة المتغيرة، قد يتساءل البعض: هل فقد الأخ قيمته كسند؟ أقول: ليس تمامًا. فالأخ لا يزال سندًا إذا أردنا نحن أن نحافظ على هذه الصفة فيه، لا بد أن نعيد تعريف علاقتنا بإخوتنا، ونعيد إحياء المودة القديمة التي ماتت اختناقًا بضغوط العصر، لا يجب أن ننتظر الأزمة لنمد يد المساعدة، بل ينبغي أن يكون الحضور مستمرًا، والمودة دائمة، والمبادرة دائمًا حاضرة.

أحيانًا لا يحتاج الأخ منا سوى مكالمة صادقة، أو زيارة بلا مناسبة، أو سؤال بسيط يشعره أننا ما زلنا نراه جزءًا من حياتنا، لا يمكن أن نقيم علاقات أخوية حقيقية دون أن نمنحها من وقتنا وجهدنا واهتمامنا، الأخوة ليست معادلة حسابية، بل رابطة روحية تحتاج إلى تغذية دائمة.

ولا بد أن نتعلم ثقافة العفو بين الإخوة، فالخلافات أمر طبيعي، لكن الخطر هو أن تتركها تكبر حتى تصبح حاجزًا دائمًا، كم من أخ وأخ انقطعت بينهما العلاقة لسنوات بسبب سوء تفاهم بسيط؟ وكم من مواقف صغيرة كبُرت لأن الكبرياء غلب على المحبة؟ لو كنا نؤمن حقًا بأن الأخ سند، لما تركنا الخلافات تسرق منا هذه النعمة.

في الإسلام، الأخوة لها مكانة عظيمة، سواء كانت أخوة في الدم أو في الدين. قال النبي صلى الله عليه وسلم م: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسلمه»، أي لا يتخلى عنه ولا يسلمه للضياع، فكيف إذًا بالأخ الحقيقي، شقيق الروح والدم؟ لقد شدد الإسلام على صلة الرحم، وعلى احترام الأخ وتقديره، وعلى حفظ الود والحقوق. لهذا، فإن العودة إلى قيمنا الدينية والإنسانية الأصيلة هي السبيل لإعادة الأخوة إلى مكانتها.

ختامًا، أقول إن عبارة «الأخ سند» لا يجب أن تكون مجرد شعار نردده في المناسبات، بل ينبغي أن تكون حقيقة نحياها ونحافظ عليها، الأخوة لا تسقط بالتقادم، ولا تضعف إلا إذا أهملناها، وإذا كانت الحياة قد فرّقت بين الإخوة بالمكان أو المشاغل، فإن القلوب وحدها قادرة على أن تُبقي الرابط قويًّا إذا وُجد فيها الحب الصادق.

نحن من نُقرر: إما أن نُبقي الأخوة مجرد ذكرى جميلة من الماضي، أو أن نعيد إليها رونقها في الحاضر، فالأخ الذي يسندك في أوقات الشدة، ويقف إلى جوارك حين يبتعد الجميع، هو نعمة لا تقدر بثمن، فلنتمسك بها، ونغرسها في أبنائنا، لعلنا نُعيد للمجتمع تلك الروح العائلية التي نفتقدها اليوم.

اقرأ المزيد

alsharq قضايانا المتسارعة تباعاً

السودان يستغيث وسوريا تستغيث وفلسطين تستغيث واليمن يستغيث وليبيا تستغيث وماذا بعد؟! وأنا جادة في السؤال لأنني بتُّ... اقرأ المزيد

276

| 29 أكتوبر 2025

alsharq قطر.. حين تتحدث الحكمة في زمن الحرب

في زمنٍ ارتفعت فيه أصوات الصواريخ، اختارت قطر أن يكون صوتها سلاماً يعلو على الضجيج، ليُثبت للعالم أن... اقرأ المزيد

288

| 29 أكتوبر 2025

alsharq المثقف في محكمة التاريخ.. الحقيقة أم الولاء؟

منذ أقدم الأزمنة، كان المثقف يقف على خط النار بين السلطة والجماهير، بين إغراء الولاء وضغط الضمير. وفي... اقرأ المزيد

156

| 29 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية