رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أمينة الجابر

د. أمينة الجابر

مساحة إعلانية

مقالات

599

د. أمينة الجابر

عمرة هند والوداع الأخير

27 سبتمبر 2011 , 12:00ص

الحمدلله.. الذى لا يحمد على مكروه سواه..

والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله الرحمة المهداه وعلى آله وصحبه ومن اقتدى بهداه..

لك الحمد ربنا على ما أوليتنا من النعم..

ولك الحمد ربنا على ما قسمت لنا من المصاعب والمحن ولك الحمد ربنا على نعمة الإيمان بالقضاء والقدر نعم.. ان عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره من أعظم النعم التى أنعم الله بها على المؤمن.. يتكل عليها الإنسان فيما يعتريه من مصاعب ونكبات فى حياته..فيجدها تنزل على قلبه بردا وسلاما ينهل من كأس الصبر ويرشف من مصابه إيمانا بربه وثقة بتقديره وعدله فيصبر طائعا صابرا حامدا شاكرا طامعا فيما عنده من خير وأجر مصدقا لقوله: (إنما يوفى الصابرون آجرهم بغير حساب) اللهم ارزقنا الصبر على فراق هند.. واجعل فراقها بردا وسلاما على قلوب والدتها وأخوتها وزوجها وأولادها وأهلها وأحبائها وأصدقائها وزملائها ومحبيها.. وكل من فاضت عيناه، وانفطر قلبه، واختلجت مشاعره وأحاسيسه، ولهج لسانه بذكرها والدعاء لها..

اللهم انهم شفعاؤك فى أرضك فاقبل شفاعتهم فيها. ولكن.. من هي.. هند؟.. التى رزقها الله كل ذلك الحب والثناء فى نفوس عباده، وكأن حديث الصادق المصدوق يتمثل فى هذا الموقف حين قال: (إذا أحب الله عبدا نادى أهل السماء، انى احب فلانا فأحبوه ثم ينادى أهل الأرض، أن الله وملائكته يحبون فلانا، فأحبوه فيحبه أهل الأرض) نحسبها كذلك.. ولا نزكى على الله أحدا..

ونعيد السؤال.. من هى هند؟..

انها تلك الطفلة التى أطلت على الدنيا فى سنة 1975 فأسمتها جدتها هندا، وكانت أحب أحفادها إليها.. انها بذرة هذه الارض الطيبة (قطر) ونبتتها التى تفتحت واينعت وازهرت وتغنت بحبها واجتهدت فى ان تقلع الأشواك التى نبتت لتحول دون رقيها وتقدمها وجاهدت فى تقزيم وصد كل من يحاول التسلق على أكتاف المخلصين من أبنائها، فساهمت بقلمها الرشيق فى الدفاع عن مكتسبات وطنها وأبنائه، والتفاخر بمآثره وعطائه، وأخلصت فى عملها حتى بكاها كل من تعامل معها من قريب أو بعيد رجل أو امرأة شاب أو شابه كانت اختا وبنتا وأما للجميع فلا عجب أن بكاها الجميع.

تلك السيدة التى تشع عيناها بريقا وجسدها حيوية ونشاطا وعقلها دهاء وذكاء.. فقد جمعت حولها القلوب فى صغرها.. وفارقتهم وهم مجمعون على حبها واحترامها عند شبابها.

انها هند.. التى فاجاءنا رقادها على السرير الابيض فى المستشفى وهى التى لم تشتك قط من مرض ولم يكن لها ملف صحى سوى بطاقة التطعيم فى صغرها، وملف ولاداتها بعد زواجها.. بل كانت دائمة الحيوية والنشاط عذبه الابتسامة الصافية.. وبعد بضعة أيام تغادرنا على السرير الأبيض بعدتها وأجهزتها الى بلد الضباب (لندن) فى سيارة الإسعاف مقيدة بالأجهزة الطبية يحيط بها الأطباء والممرضات والمسعفون لا تستطيع حراكا ولكن وجهها الشاحب ما زال مضيئا وابتسامتها الوادعة ما زالت صافية وان خفت صفاؤها قليلا حتى حملت إلى الطائرة فغابت عن ناظرى وكان ذلك الوداع الأخير والنظرة الأخيرة إلى هند بنت السادسة والثلاثين ربيعا.. وبعد بضعة أيام عادت إلينا جسدا بلا روح فقد فاضت روحها الطاهرة إلى ربها.. فلم ينفع معها دواء ولا دعاء.. ولا رجاء ولا بكاء.. فقد حان الأجل وأزفت ساعة الرحيل وصدق الله العظيم (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) للأسف.. رفعت الأقلام وجفت الصحف.. وسقطت ورقة حياتها وأصبحت ممن قال الله عز وجل فيهم (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتي) صدق الله العظيم.

انها هند.. التى رفعت من أجلها الأكف العديدة، واغرورقت بالدموع العيون الحزينة،راجين متضرعين لله الواحد الأحد الفرد الصمد أن يشفيها ويعافيها ويعيد إليها نضارتها وحيويتها وابتسامتها فكم لهجت بالدعاء الألسن الكثيرة.. حتى فى الديار المقدسة فى المسجد الحرام.. بجوار البيت العتيق رفعت الأكف بالدعاء لها من محبيها بالشفاء لها وكأن تلك العمرة — عمرة هند — فقد كانت حاضرة فى قلوب الكثيرين ممن رزقهم الله زيارة بيته العتيق ولكن أمر الله نفذ، وقضاؤه وقدره قد سبق، والحمدلله رب العالمين على قضائه وقدره، فإن العين لتدمع، وان القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، إننا لله وإنا إليه راجعون، وإنا لفراقك ياهند لمحزونون، فلنصبر ولنحتسب الأجر من الله ولتصبرى يا أخيتى فقد عهدناك دائما صابرة محتسبة رزقك الله عز وجل أجر الصابرين الحامدين الشاكرين وحسبنا الله ونعم الوكيل.

اللهم اغفرلها وارحمها، وعافها واعف عنها، ووسع مدخلها، وأكرم نزلها، واغسلها بالماء والثلج والبرد ونقها من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس..

اللهم ابدلها دارا خيرا من دارها وأهلا خيرا من أهلها..

اللهم يمن كتابها ويسر حسابها، واجعلها فى جناتك جنات النعيم.. مع الأبرار والمتقين وحسن اولئك رفيقا.

اللهم اجعلها ممن قلت فيهم (وجوه يومئذ ناعمة، لسعيها راضية، فى جنة عالية، لا تسمع فيها لاغية، فيها سرر مرفوعة، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابى مبثوثة)

اللهم اجعلها ممن يفاخر باستلام كتابه بيمينه (وأما من أوتى كتابه بيمينه، فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه أنى ظننت أنى ملاق حسابيه).

اللهم اجعلها ممن خاطبتهم فى كتابك العزيز (يا أيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه، فأما من أوتى كتابه بيمينه، فسوف يحاسب حسابا يسيرا، وينقلب إلى أهله مسرورا)... اللهم آمين.. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

مساحة إعلانية