رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

300

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة

مدرسةٌ بلا جرس

27 أغسطس 2025 , 04:44ص

مع اقتراب العودة للمدارس، ما زلت أذكر جدتي – رحمها الله – وهي تمسك بيدي وأنا طفل صغير في الروضة، تسير معي كل صباح حتى محطة الباص، كنت أبكي وأحاول الهرب منها كي لا أذهب، لكنها كانت تدفعني دفعًا إلى الداخل، وتظل واقفة لا تغادر حتى يغلق السائق الباب وتنطلق الحافلة، لم تكن تكتب، لكنها كانت تقرأ القرآن، ومن نور هذا الكتاب أدركت بفطرتها أن العلم هو الطريق، وأن الطفل الذي لا يتعلم يظل تائهًا في ظلام الحياة.

وأذكر يومًا آخر حين قررت النزول من الباص في محطة كنت أظنها الأقرب إلى بيتنا، وإذا بوالدي يمرّ مصادفة في تلك اللحظة، سألني لماذا أنزل هنا؟، لم أعرف حينها لماذا، ولكنني أعتدت أن أنزل في تلك المحطة وأسير على قدمي لمسافة ما حتى أصل البيت، أعادني إلى الباص رغم دموعي وخوفي، وأنا أظن أن الحافلة ستأخذني بعيدًا، فإذا بها تقف بعد دقائق أمام منزلنا مباشرة، يومها بكيت لأنني لم أدرك خطأي.

وفي تلك الروضة ما زلت أذكر بعض الأناشيد التي كنا نرددها ببراءة، ومنها:

أنا في الروضة... ويا أصحابي... ساعة لعبي... ساعة كتابي... أعرف أصور... وأرسم صورة... فيها شجرة... وعليها عصفورة...

كانت كلمات بسيطة، لكنها زرعت فينا حب المدرسة، وجعلت الكتاب قرين اللعب، والرسم قرين الخيال، والعلم قرين الفرح، كانت أشبه بجرس طفولي يرنّ في قلوبنا كلما عدنا بالذاكرة إلى تلك البدايات.

لم يكن جرس المدرسة هو تلك القطعة المعدنية المعلقة على جدارها فحسب، بل كان يتجسد في يد جدّةٍ تدفعك بحب، وأب يوجّهك بحزم، وأناشيد تبهج القلب وتزرع أولى بذور التعلّم، لم تكن لدى الأهل خرائط واضحة للمستقبل، بعضهم لم يعرف القراءة، وبعضهم كان أميًّا، لكنهم آمنوا أن التعليم هو طوق النجاة، وفي زمن كانت دول الخليج تخطو خطواتها الأولى مع النفط، كان الطلاب يسيرون في طرق غير معبدة، يختارون تخصصاتهم أحيانًا بالصدفة أو بتقليد صديق، ومع ذلك وجد ذلك الجيل فرصًا للعمل، ثم تعلّم أكثر أثناء العمل أو عبر البعثات، وصاروا صناع نهضة.

أما اليوم، فالصورة بدت أوضح، فالأب والأم غالبًا جامعيون، والأبناء يملكون وعيًا أوسع، يناقشون آباءهم في الخيارات، ويطّلعون على ما لم يكن متاحًا لنا، الاستعداد للمدرسة لم يعد دفترا وقلم رصاص وبرّاية، بل أجهزة وأدوات حديثة وخططا مستقبلية مرسومة على ضوء متطلبات سوق العمل.

ويبقى السؤال: أين الجرس؟ في الماضي كان الجرس هو صوت الجدّة ويد الأب اللذين يدفعان الطفل إلى المدرسة، كان الخوف من العقاب أكثر من الخوف من المستقبل بلا تعليم، أما اليوم فالمدرسة بلا أجراس، لم يعد هناك من يفرض عليك النظام من الخارج، بل صار الجرس داخليًا في ضمير الطالب، في وعيه، في طموحه، وعسى أن لا يغيب ذلك الجرس بين أصوات الهواتف وضجيج الإشعارات.

لسنا هنا لنجلد الماضي ولا لنمجد الحاضر، بل لنقارن بين دفء البدايات ووضوح الحاضر، فالماضي صنع رجالًا ونساءً على قدر المسؤولية رغم بساطته، والحاضر يمنح أبناءنا آفاقًا واسعة رغم تعقيداته، الفرق أن الجرس تبدّل: من جرسٍ خارجي يرنّ في ساحة المدرسة، إلى جرس داخلي يرنّ في القلب.

وأمنيتي أن يبقى هذا الجرس حاضرًا في نفوس أبنائنا، يذكّرهم أن المدرسة ليست مبنى ولا حقيبة ولا شهادة، بل هي قيمة متجذرة، وصوت داخلي لا يخفت، يوقظ فيهم حب العلم كلما حاولوا النوم في حضن الكسل أو التيه في ضجيج الدنيا.

اقرأ المزيد

alsharq تأثير التعاون العربى في الأمن والسلامة

تأثير الاستقرار الأمني في القدرة على بناء علاقات قوية مع الدول الأخرى والمشاركات الفعالة المؤثرة السليمة الهادفة الإيجابية... اقرأ المزيد

123

| 12 سبتمبر 2025

alsharq صلاة في إثر صلاة.. كتاب في عليّين

حين يرفع المؤمن يديه إلى السماء، ويؤدي صلاته بخشوع، فإنه لا يضع حجرًا في بناء يومه فحسب، بل... اقرأ المزيد

84

| 12 سبتمبر 2025

alsharq مؤسساتنا.. 30 ثانية تصنع الفارق!

تفيض منصات التواصل الاجتماعي اليوم بملايين المنشورات والمقاطع القصيرة؛ يلقى بعضها صدى واسعاً، بينما يتلاشى كثير منها دون... اقرأ المزيد

48

| 12 سبتمبر 2025

مساحة إعلانية