رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تتسع دوائر الرفض العالمي لحرب الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وعلى وجه التحديد في قطاع غزة، إن سلطة الاحتلال الصهيوني تمارس كل أنواع الحروب على أهلنا في فلسطين، حرب مسلحة فتاكة بأسلحة أمريكية، حرب تجويع، حرب تعطيش، حرب الأمراض ونشر الأوبئة، حرب منع الدواء وتلويث البيئة، حرب إعلامية. إن إسرائيل تمارس حرب إبادة وليس حربا ضد حركة حماس أو حركة الجهاد الإسلامي إنها حرب شاملة بكل معنى الكلمة. هذه الحرب هي أطول حرب خاضتها إسرائيل منذ نشأتها عام 1948م، هذه الحرب ليست ضد دولة وجيش نظامي وإنما ضد حركة وطنية فلسطينية تكافح من أجل استرداد حقوقها المشروعة وإقامة دولتها المستقلة على ترابها الوطني السليب.
(2)
شهادات إسرائيلية على ما يجري في غزة .. يقول غولان أولمرت رئيس وزراء إسرائيل الأسبق: «إن ما تفعله إسرائيل في غزة قريب جدا من جريمة الحرب»، طيار إسرائيلي سابق يونيتان شابيرا يقول «جيشنا منظمة إرهابية»، طبيب إسرائيلي سابو عاموس عمل في حرب غزة يقول «مهمتنا القضاء على الصراصير، أي سكان غزة»، حاخام يهودي يأمر بقتل الأطفال الفلسطينيين «طبقا لسفر التثنية الكتاب المقدس»، البروفيسور عاموس جولد برج أستاذ التاريخ في إسرائيل يقول «إن ما تقوم به إسرائيل في غزة هو عمل إبادة جماعية ولا يمكن الهروب من هذا الاستنتاج ويؤكد أن وتيرة القتل العشوائي والدمار والترحيل الجماعي والتهجير والتجويع والإعدامات والقضاء على المؤسسات الثقافية والدينية وتصفية النخب بمن في ذلك الصحفيون والتجريد الكاسح من إنسانيتهم إنما يخلق صورة شاملة للإبادة الجماعية وللسحق المتعمد والواعي للوجود الفلسطيني في غزة. إن غزة الفلسطينية كما يقول كمركّب جغرافي سياسي ثقافي إنساني لم تعد موجودة والنتيجة بلا شك إبادة جماعية». يائير غولان رئيس حزب الديمقراطيين الإسرائيلي نائب رئيس الأركان الأسبق يقول «ما نراه اليوم في غزة مأساة غير عادية وعلينا أنها الحرب فورا، ويقول أيضا إن الدولة العاقلة لا تشن حربا على المدنيين ولا تقتل الأطفال كهواية ولا تنتهج سياسة التهجير».
نستنتج من هذا أن الحرب الإسرائيلية على غزة ليست دفاعا عن النفس وليست من أجل القضاء على المقاومة الإسلامية في غزة (حماس والجهاد الإسلامي) كما يتمنى بعض العرب وإنما هي إبادة جماعية بهدف التوسع وإبادة أي وجود للشعب الفلسطيني يمكن أن يطالب بحقوقه المشروعة في مستقبل الأيام.
(3)
غزة يسكنها أكثر من 2 مليون إنسان ليس كلهم حماس والجهاد الإسلامي والحرب على قطاع غزة ومن عليه من الكائنات الحية بشراً كانوا أو غير ذلك لا تفريق بينهم عند حكومة الاحتلال الصهيونية قتلت منهم إسرائيل أكثر من 70 ألف إنسان أعلن عن البعض والبعض الآخر في عداد المفقودين تحت أنقاض الدمار الشامل الذين لا يستطيع أحد الوصول إليهم وأكثر من 130 ألف جريح بعضهم في عداد الموتى لأنهم هياكل بشر من فرط الجوع والتعطيش والمرض، فهل يدرك العرب الميامين هول الجريمة التي ترتكبها إسرائيل على إخواننا وأهلنا في غزة ؟!
(4)
ثار في أوروبا وكندا وأمريكا اللاتينية بركان سياسي يكاد يغرق إسرائيل من شدة فورانه، سبع دول هي فرنسا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا والأورغواي والمكسيك وكندا استدعت سفراء الكيان الصهيوني المعتمدين لديها لإبلاغهم احتجاج هذه الدول حكومات وشعوبا على ارتكاب إسرائيل حرب إبادة جماعية في غزة وعدواناً بشكل يومي على سكان الضفة الغربية الفلسطينية، كما أن تلك الدول احتجت على إسرائيل يوم الأربعاء الموافق 21 مايو 2025 على ما فعله الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية تجاه وفد دبلوماسي مكون من 35 دبلوماسيا يمثلون 30 دولة بإطلاق النار نحوهم إرهابا لهم من الاقتراب نحو الدمار الذي أحدثه الجيش هناك، لقد كان الوفد في زيارة تفقدية إلى محافظة جنين شمال الضفة الغربية للاطلاع على ما تفعله إسرائيل من دمار واعتقالات شملت أطفالا دون الحادية عشرة من أعمارهم.
إنه عدوان توسعي متجدد منذ 21 يناير عام 2025، العدوان الإسرائيلي شمل مدينة جنين ومحيطها وقرى مجاورة ومدينة طولكرم ومخيم اللاجئين فيها وكذلك مخيم نور شمس المجاور لقد أحدث الجيش الإسرائيلي في هذه المناطق دماراً في الممتلكات والبنية التحتية وتهجير أهلها كي لا يكون للجوء أثر من جراء العدوان الإسرائيلي علما أنه لا وجود يذكر لتنظيم حركة حماس أو الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية.
(5)
مسيرات شعبية احتجاجية في معظم دول العالم على الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، واحتجاجات رسمية قد تصل إلى مقاطعة إسرائيل وفرض عقوبات عليها وعواصم العرب صامتة بلا حراك باستثناء اليمن والأردن، لحد علمي دول في أمريكا اللاتينية قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل وعواصم عربية ما برحت تعمل على تقوية علاقاتها معها، المجتمع الإسرائيلي ثائر ضد حكومته من أجل إيقاف الحرب. ويا للهول!! لتحركات محمود عباس المشبوهة يطالب بنزع سلاح المقاومة في غزة ومصادرة سلاح سكان مخيمات اللجوء في لبنان حتى لا تكون لهم قدرة للدفاع عن أنفسهم من أي عدوان تشنه إسرائيل عليهم في لبنان كما فعلوا في ثمانينيات القرن الماضي عندما جردت المخيمات من سلاحها حصلت مذبحة صبرا شاتيلا الشهيرة.
كلمة أخيرة: إذا تضامن القادة العرب مع القيادات الغربية والجبهة الداخلية في إسرائيل فلا جدال أن الحرب ستقف وستسقط حكومة اليمين الصهيوني المتطرف في تل أبيب فهل تدب النخوة العربية في عقول وقلوب أمتنا المنكوبة؟
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
1686
| 24 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
1116
| 22 ديسمبر 2025
«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتّى تتمّ فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدّين والدّنيا». يؤصل ابن خلدون في تاريخه بهذه العبارة، قاعدة بالغة الأهمية في دراسة التاريخ، مفادها أن استدعاء صفحات الماضي والنظر في التاريخ، لا يكون بغرض التسلية بحكايات الغابرين، ولا للانحباس في حالة انبهار بصفحات مجد تليد، إنما هو أداة لتغيير الحاضر والتهيئة لتحديات المستقبل. لكن أمتنا قد دبّ فيها داء الهروب إلى التاريخ، نعم نحن نهرب من مواجهة واقعنا باستدعاء التاريخ وأمجاده والاكتفاء بذلك، فهي حيلة نفسية نواري بها عجزنا عن مسايرة الغرب الذي أخذ بأسباب القوة والتقدم بينما توقفنا نحن عند حدود الماضي، وأسعد بلادنا حظًا من قطعت بضع خطوات في مجالات محددة، دون أن تكون هناك نهضة شاملة تجعلها على قدم المساواة مع وحوش العالم. نحن نعاني فوضى التفاخر بالماضي، أصبح المجد السابق هو بضاعتنا في التعريف بأنفسنا، مع أن التفاخر بالتاريخ لن يدفع عجلة الاقتصاد، ولن يحل المشكلات والأزمات الاجتماعية، ولن يسهم في التطور التقني والتكنولوجي، ولن يجعل القوى العسكرية في مصاف القوى الكبرى. ما فائدة أن يتراشق أهل كل بلد من بلدان الأمة بسالف أمرها، هذا يتفاخر على هذا بأن له حضارة عمرها كذا ألف سنة، وهذا يتفاخر على ذاك بأن أجداده هم من اخترعوا كذا، وأصبحت كلمة «كنا، وكنا» ديباجة في خطاب الشعوب. أجدادكم فعلوا، فماذا فعلتم أنتم؟ كان هذا ماضيكم فأين حاضركم؟ ليست المشكلة في أن تعتزّ الأمم بتاريخها، فالتاريخ هو الذاكرة الجماعية والرصيد الرمزي الذي يمنح الشعوب هويتها ومعناها، لكن المعضلة الكبرى التي تعانيها أمتنا تكمن في أنّها حبست نفسها داخل الماضي، واكتفت بالنظر إلى تاريخها المجيد نظرة تمجيد وتقديس، دون أن تحوّل هذا التاريخ إلى مصدر للعبرة، أو إلى جسر يعينها على فهم واقعها ومواجهة تحديات عصرها والعبور بثقة نحو المستقبل. لقد علّمنا التاريخ ذاته أن الحضارة لا تُورّث، وأن المجد لا يُستعاد بالتغنّي به، بل بالعمل وفق السنن التي أقامته أول مرة: العلم، والعمل، والهوية، فأسلافنا لم يتقدموا لأنهم عاشوا على أمجاد من سبقهم، بل لأنهم واجهوا واقعهم بشجاعة، وأبدعوا حلولًا تناسب زمانهم، واستثمروا معارف الأمم الأخرى. إنّ أخطر ما تواجهه أمتنا اليوم هو تحويل الماضي إلى بديل عن الحاضر، وإلى مبرر للعجز بدل أن يكون دافعًا للنهوض. فالعالم من حولنا يتغيّر بسرعة هائلة، تُقاس فيها قوة الأمم بقدرتها على الابتكار، وعلى استيعاب التحولات العلمية والتكنولوجية، بينما لا تزال كثير من مجتمعاتنا أسيرة النظر المجرد إلى الماضي انبهارًا واكتفاءً. التذكير بالماضي والأجداد العظام يفلح فحسب مع من يعتبر بذلك الماضي ويتخذ منه نبراسًا ويقتبس منه ما يضيء به الطريق نحو المستقبل المزهر، وهذا هو منهج القرآن الكريم، فهو يذكر بتاريخ الأمم السابقة التي هلكت رغم إغراقها في النعم وأوجه التقدم بسبب حيدتها عن طريق الله، يذكر بذلك من أجل الاتعاظ والاعتبار بأن القوة لابد وأن تُساس بالمنهج الإلهي. يذكرنا القرآن الكريم بالتاريخ المشرق والأجداد العظام حتى نسير سيرهم ونحذو حذوهم لا لنقف عند قول الشاعر: أولئك آبائي فجئني بمثلهم، إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ. فالله تعالى يقول في سورة الإسراء: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}، وحولها يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: «تقديره: يا ذرية من حملنا مع نوح. فيه تهييج وتنبيه على المنة، أي: يا سلالة من نجينا فحملنا مع نوح في السفينة، تشبهوا بأبيكم، {إنه كان عبدا شكورا}. فالقرآن هنا لم يذكر سلالة نوح بأبيهم ليتفاخروا به ويقفوا عند هذا التفاخر، بل من أجل التشبه به في خصاله وأفعاله وقيامه بشكر المُنعم على ما أنعم به من النعم. النظر إلى التاريخ لا يصلح أن يكون مهجعًا للاستغراق في النوم، وإنما هو منطلق لأن نستلهم من الماضي لإصلاح الحاضر والعبور المتزن الآمن إلى مستقبل مزهر.
690
| 21 ديسمبر 2025