رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إذا أردت أن تعرف الفئة التي أعنيها في هذا المقال وتتعرف عليها وعلى طريقة تفكيرها وأسلوب حوارها وفهمها للإسلام بل وإذا أردت أن تستدعيهم من أوكارهم وخنادقهم أو توقظهم من نومهم العميق وسباتهم الطويل.. ما عليك إلا أن تكتب مقالاً في جريدة أو نحوها أو تكتب تغريدة في تويتر ونحوه دفاعاً عن أي حاكم مسلم "منتخب من شعبه" أو بداية لمشروع "حاكم مسلم عادل" مثل تجربة "الرئيس الشرعي محمد مرسي" في مصر أو أن تكتب نقداً لحاكم مجرم ظالم فاسق خائن "متغلّب" مثل "عبدالفتاح السيسي" أو أن تكتب دفاعاً عن مظاهرة أو ثورة غضب لشعب ضد حاكم جائر سارق محسوب على طائفة المسلمين اسماً وشهادة ميلاد.. أما الأفعال فهي محسوبة على الصهاينة والنصارى والمنافقين الجدد "الشيعة"، فأنت عندما تفعل ذلك وتكتب ما أوصيتك بكتابته فإنك سترى عدداً من الردود والأقلام التي انبرت للدفاع عن "الحمل الوديع" و"الوجه الطفولي البريء" الذي من فرط "براءته ونعومته" يحرص على "حلق ذقنه" وفي نطق المصريين "حلق دقنه" أملطاً متشبهاً بالأطفال في "نعومة خدودهم" أو ربما متشبهاً بالنساء أيضاً "في كيدهن العظيم".. المهم أنه لا يتشبه بمن يدافعون عنه من أهل اللحى الذين انبروا صفوفاً في طابوره الخامس أو ربما "الأول" مدافعين عن "الإمام الأكبر" أو "خادم الأزهر الشريف" أو "الحاكم بأمر الله" أو "المعتصم بالله" أو "المنتصر بالله" أو "الفقير إلى الله".. أو نحوها من الألفاظ التي اتخذها بعض حكّام المسلمين في سالف العهود أو ربما وصفهم بها أمثال هذه الفئة التي نتحدث عنهم وطالما أن الكلام والألفاظ "ببلاش" فماذا يخسرون بتلك التسميات التي تنزل الناس "منازلهم ومكانتهم" بعد أن أصبحت ألفاظ "يا بيه" و"يا باشا" و"يا سيادة الريّس".. موضة قديمة!!
إن أشدّ ما يغيظ وأكثر ما نستغرب منه هو تلك الفئة التي تدّعي فهمها للدين واستدلالها بالأحكام من الكتاب والسنّة والأدلة من أقوال وأفعال السلف الصالح فيما يتعلّق بتحريم المظاهرات وتحريم الخروج على حاكم ظالم "أفسد دين الناس ودنياهم" حتى أصبحت الحياة عند الناس أشبه بالموت بل إن الكثيرين أصبحوا يتمنون الموت على الحياة بلا كرامة وبلا لقمة عيش وبلا مأوى ناهيك عن أن يكون لهم حريّة تعبير أو رأي لأنها مرحلة لم يصل إليها الناس أصلاً لانشغالهم في اتخاذ المقابر بيوتاً لهم "كما في منطقة المقطّم بمصر التي يقطنها الأحياء إلى جوار الأموات وسط القبور" أو لانشغالهم في البحث عن فتات خبز أو بقايا عظم خروف أو دجاجة بين أكوام القمامة، حيث أن هذه الفئة من أدعياء الفهم الصحيح للإسلام لايجدون فيما سبق وصفه من جرائم ضد الإنسانية ناهيك عن أنها جرائم ضد إخوانهم المسلمين المستضعين.. فهم لايجدون في ذلك أدنى إحساس!! أو تحريك لمشاعرهم!! التي ينبغي أن تصرخ في وجه الطاغية "كفى ظلماً" رغبة في نيل رتبة "سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" بل على العكس من ذلك فقد تبلّدت مشاعرهم فلم يعودوا يشعرون بمعاناة إخوانهم المسلمين ولم ينبروا دفاعاً مستميتاً عن المظلومين والفقراء والمحتاجين من إخوانهم المسلمين وإنما انبروا دفاعاً مستميتاً عن الحاكم السارق القاتل الذي أهدر دماء المسلمين! وانتزع حجاب المسلمات! واعتقل أهل المساجد! ونصر أهل الكنائس! وأخرس قنوات القرآن والحديث والخير والدعوة والإصلاح! وأطلق قنوات الأغاني والأفلام والشر والفساد والعهر والنفاق!
إني لأعجب كيف أن هذه الفئة قد جنّدت نفسها في جيوش الظلمة مستدلّين بأحاديث الطاعة للإمام ولو كان عبداً حبشياً بلا استيعاب عميق لمدلول تلك الأحاديث التي ضربت "صفة" العبد الحبشي أو الأسود مثالاً للصفة الجسمية أو الجسدية التي لا تتعلق بشخص الحاكم ولا بعقليته ولا بتفكيره، لأن المراد منها هو ضرورة الاتباع - فيما لايخالف الشرع - لهذا الحاكم المسلم أو ذاك دون النظر في الصفة "الخَلقية" التي خلقه الله تعالى بها وإنما النظر في الصفة "الخُلقية" التي تربى وتعلّم ونشأ الإنسان عليها، فالاتباع الواجب - عند اكتمال الصفات الخُلقية "أي الأخلاق" دون الصفات الخَلقية "أي الشكل واللون والهيئة" - مشروط بأن يحكم بالإسلام وأن تنطبق عليه شروط الحكم والإمامة لا أن يُدلّس الحاكم على الناس وأن يكذب عليهم بأنه "مسلم" ظاهراً بينما أفعاله لاتنتمي للإسلام بصلة!! إلا عند ممارسة بعض الصلوات "الرسمية" كصلاة الجمعة مرّة واحدة في الأسبوع في أحد مساجد "الحكومة الرسمية" وسط جيوش من المصوّرين الذين يلتقطون صوراً له في كل ركعة وسجدة ويسترقون سمع كلماته في كل تنهيدة أو تسبيحة "بحمد الأميركان طبعاً" لكي تتصدر صوره في اليوم التالي في الجريدة الرسمية ليظهر للناس بأنه "عابدٌ زاهد" بينما الواقع يقول كما قال الشاعر: (قد بلينا بأمير ذبح الناس وسبّح..فهو كالجزّار فينا.. يذكر الله ويذبح).
إن هذه الفئة محاسبة أمام الله تعالى عن كل كلمة دافعت فيها عن الطغاة افتراء على الإسلام وتجنّياً عليه بشكل يظهر الإسلام والمسلمين بأنهم قومٌ أذلّة لا يستطيعون اختيار حاكم عادل يقودهم وإنما يتعلّقون بالأعذار الواهية ويتواكلون عليها ويلقون عليها فشلهم الذريع في اختيار حاكم مسلم عادل من بينهم بشكل يتوافق مع أساليب العصر وتغيّر الزمان بل وفي الوقت نفسه يؤيّدون مبدأ "قطّاع الطرق" الذين يسلبون الناس حقوقهم وأموالهم وأوطانهم بأي طريقة كانت، كل ذلك من أجل أن يشفى "غليلهم" في جماعة الإخوان المسلمين أو أي جماعة أخرى من جماعات المسلمين من أهل السنة والجماعة الذين امتلأت بهم السجون وحكم عليهم الطغاة بالإعدام الجماعي وسط مباركة وتأييد من هذه الفئة من المطبّلين والمصفقين.. ولاحول ولاقوة إلا بالله.. وحسبي الله ونعم الوكيل.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4581
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3396
| 29 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون أعمق، لكن الوجدان لا يتحمل كل هذه الأوجاع. في الوقت الذي نقف في قلب الحسرة ونحن نطالع ذلك الجرح النازف في غزة دون أن نستطيع إيقاف نزفه، يتملكنا الشعور أحيانًا بأنها المأساة الوحيدة في أمتنا وذلك من فرط هولها وشدتها، ويسقط منا سهوًا الالتفات إلى مصائبها الأخرى، تأتي أزمة السودان في صدارة هذه المآسي. أوجاع السودان كثيرة ومتعددة، كلها بحاجة لأن تكون حاضرة دائما في الوجدان العربي الإسلامي، لكن أولاها في الوقت الراهن مأساة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تخضع منذ العاشر من يونيو/حزيران 2024 لحصار خانق فرضته قوات الدعم السريع للضغط على الجيش الوطني السوداني. سكان مدينة الفاشر يفتك بهم الجوع والقصف المدفعي اليومي الذي يحول دون دخول المساعدات الإنسانية، في ظل ضعف التعاطي العربي مع القضية وتجاهل دولي تام لهذه المأساة، على الرغم من أنها تقترب من الإدراج في صفحات الإبادة الجماعية. قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) التي تحاصر الفاشر، تسيطر على أربع ولايات من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور، لذا تقصف بوحشية مدينة الفاشر عاصمة الولاية الخامسة (شمال دارفور)، التي تمثل أكثر من نصف مساحة الإقليم وتعادل حوالي 12 بالمائة من مساحة السودان، وذلك بهدف إتمام السيطرة على الإقليم بأسره. إضافة إلى الوضع الكارثي للمدنيين في الفاشر بسبب الحصار والقصف الهمجي، ينذر سقوط الفاشر ووقوعها بقبضة ميلشيات الدعم السريع، بكارثة عظمى للسودان بشكل عام. الفاشر ليست مدينة عادية في أهميتها، فهي مفتاح السيطرة على مساحات إستراتيجية واسعة تصل إلى حدود تشاد وليبيا، وهي كذلك تقع على الطرق المؤدية بين شرق وغرب السودان، بما يعني أن سيطرة قوات الدعم عليها سيحول دون قيام دولة مركزية، وفرض واقع عسكري يتحكم في جغرافيا المنطقة، إضافة إلى أن السيطرة عليها ستؤمن لقوات الدعم ممرات تهريب الأسلحة. سيطرة قوات حميدتي على الفاشر يؤمن لها كذلك خطوط الإمداد ويقوي شوكتها ويجعل الولاية مركزا لمهاجمة الولايات الأخرى والسيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني. لذا نستطيع الجزم، بأن الفاشر هي آخر الخطوط الفاصلة بين سودان موحد وسودان مجزأ، ولن يكون مجرد سقوط مدينة، بل انهيار وحدة الدولة السودانية، والذي سيتحول إلى شمال مركزي تحت سيطرة الجيش، وغرب تحت سلطة الميلشيات، وشرق تتجاذبه الانقسامات والنزعات القبلية، وجنوب منهك مهمش. إذا سقطت الفاشر، فإن الخطورة ستتجاوز حينئذ القتال بين الجيش وميليشيات الدعم، فمن أخطر تداعيات سقوط الفاشر – لا قدر الله - انفجار الصراع الإثني في السودان الذي يكتظ بالتنوع الإثني والقبائل المسلحة مختلفة الولاءات، لأن هذا البلد يرقد على بركان تسليح الهوية، وفي هذه الحال سيمتد الصراع الإثني بلا شك إلى الدول المجاورة. الدول العربية، والدول المحيطة بالسودان وعلى رأسها مصر، منوطة بالعمل الفوري الجاد على منع سقوط الفاشر والذي يعني تفتيت وحدة السودان وما له من تداعيات على الجوار، وذلك عبر مسارين، الأول هو كسر هذا الحصار على المدينة وإدخال المساعدات، والثاني تقدم الدعم العسكري واللوجستي للجيش السوداني المنهك لفرض سيطرته التامة على ولاية شمال دارفور ومنع سقوطها في أيدي حميدتي، والضغط كذلك على الدول والجهات التي تدعم ميلشيات الدعم السريع المتمردة. وعلى المستوى الشعبي، يتعين على نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وضع مأساة الفاشر والملف السوداني بشكل عام في بؤرة الاهتمام، وتسليط الضوء على الأحوال الكارثية التي يعانيها أهل المدينة، وأهميتها الإستراتيجية وخطورة سقوطها في أيدي قوات الدعم على وحدة السودان، لتكوين رأي عام عربي ضاغط على الأنظمة والحكومات العربية لسرعة التدخل، إضافة إلى لفت أنظار الشعوب الغربية إلى هذه المأساة لإحراج حكوماتها والعمل على التدخل الفوري لإدخال المساعدات الإنسانية.
1356
| 28 سبتمبر 2025