رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إذا كان للنجاح عنوان، فإنه سيكون بلا أدنى شك في قطر الشقيقة، تلك الدولة الخليجية الفتيِّة، التي صنعت لنفسها مجداً لم يستطع غيرها أن يصنع مثله في بضع سنين، وحجزت لشعبها مكانة بارزة بين الشعوب المتقدمة والأمم المتحضرة، وأصبحت - بحق - قبلة الباحثين عن التطوير والتحديث والنهضة الشاملة.
قطر التي يشهد لها القاصي والداني بأنها سابقت الزمن لتنتقل من بلد صغير إلى بلد يقود ولا يُقاد، ويصنع الأحداث ولا يكون لها تابعاً، أصبحت الآن ملء السمع والبصر لا في المنطقة الخليجية وحدها، ولا بين شقيقاتها العربيات من المحيط إلى الخليج، بل على مستوى العالم بأسره.
قطر التي شهدت خلال السنوات الماضية تحولات اجتماعية واقتصادية عميقة، وحركة عمرانية واسعة النطاق، وتحديثاً هائلاً في المرافق والمنشآت، لم تكن لتحقق ذلك إلا بقيادة سياسية شابة طموحة ممثلة في حضرة صاحب السمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني - حفظه الله تعالى ورعاه- والذي يتمتع بقوة الإرادة وحداثة الأفكار، وبالإيمان العميق بأن الجد والمثابرة والمصابرة تصنع المستحيل وبأنه:
لا يستعصي على قوم منال
إذا الإقدام كان لهم ركابا
لقد خطط سمو الأمير، وفكَّر وقدَّر منطلقاً من الثوابت الإسلامية ومن قيم المجتمع وعاداته وتقاليده، فوثب بالبلاد وثبة هائلة في مختلف المجالات، حتى غدت قطر مضرب المثل في قدرة الإنسان العربي على صُنع المعجزات إذا أتيحت له الفرص وفُتِّحت أمامه الأبواب.
وخلال أيام وفي الثامن عشر من ديسمبر المقبل تحديداً تحتفل الدولة القطرية الشابة الفتية بيومها الوطني، وهي ترفل في ثوب العزة والمجد والفخار، متألقة متأنقة تقول للدنيا بملء فيها: إن قيمة الدول ليست بحجمها، ولا بعدد سكانها، ولا بموقعها الجغرافي، وإنما بمدى تأثيرها فيمن حولها وفيما حولها، وبمدى قدرتها على القيادة الواعية واستثمار قوتها الناعمة في الإسهام الفاعل والسعي الجاد لإنهاء المشكلات الإقليمية والدولية العالقة التي قد تعجز عن خوض غمارها دول أكثر أموالاً وأعز نفراً.
وليس أدل على ذلك من الدور القطري البارز الذي لعبته الدوحة في المسألة الفلسطينية، ووساطتها المؤثرة بين «حماس» والكيان الصهيوني المحتل من أجل وقف إطلاق النار، وتمكين فرق الإغاثة من القيام بواجباتها في قطاع غزة، ووضع حد للمذابح اليومية التي تعرض لها الشيوخ والنساء والولدان، وراح ضحيتها آلاف الشهداء، وعشرات آلاف الجرحى والمصابين والمشردين.
إن قطر عندما قامت بهذا الدور لم تكن تابعة ولا مأمورة، وإنما كانت قائداً حكيماً ووسيطاً أميناً يريد للجراح أن تندمل، ويريد للحرب أن تنتهي، ويصبو إلى حقن الدماء، ويتطلع كأشقائه في سائر الدول العربية إلى إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية التي أصدرتها الأمم المتحدة على مدار السنين.
ومن المعروف أن الدور القطري المؤثر لم يعد مقصوراً على المنطقة الخليجية أو العربية، وإنما تخطاه بكثير، فصوت الدوحة أصبح مسموعاً حول العالم لأنها سلكت الطريق الصحيح، وآمنت بأن الطريق إلى العالمية يبدأ من بناء الداخل، فراحت تستثمر في الإنسان القطري، ووضعته على رأس سلم أولوياتها، ولم تهمل البحث عن النهضة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية، وبقية المجالات.
وبالفعل نجحت قطر - كلّ النجاح - فيما خططت له، وسعت إليه، وحرصت عليه، ففي المجال السياسي حدِّث ولا حرج إذ أصبحت الدوحة تعمل كتفاً بكتف ورأساً برأس مع العواصم الكبرى في المنطقة والعالم، كما كان لها إسهام واضح في معالجة القضايا الدولية، والسعي الجاد لإحلال الأمن والاستقرار في المناطق التي تتنازعها المشكلات والأحداث، وتظهر فيها الإحن والخلافات.
وإذا عرجنا إلى الناحية الاقتصادية، فيكفي أن نشير إلى أن حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني استطاع أن ينتقل بالاقتصاد القطري إلى مستوى متقدم، حيث يواصل ذلك القطاع قفزاته الهائلة، في الوقت الذي يعاني فيه العالم من تراجع في الأداء وارتفاع كبير في معدلات التضخم، كما يشهد الخبراء بالمكانة التي استطاعت قطر أن تحتلها في مجال الطاقة، خاصة فيما يتعلق بالغاز المسال، حتى غدت على رأس مصدريه، مستفيدةً من زيادة الطلب مع تحول العالم من الاعتماد على النفط والفحم إلى الطاقة النظيفة.
وإذا تركنا السياسة والاقتصاد جانباً والتفتنا إلى الداخل القطري، فسوف يلمس كل متابع استمرار عمليات التنمية الشاملة في مختلف أرجاء الدولة، استكمالاً لبناء الهياكل الدستورية، وتعزيزاً للمشاركة الشعبية في صُنع القرار من خلال مجلس الشورى الذي يمارس مهامه بطريقة ديمقراطية تستمد جذورها وأصولها من العقيدة والتاريخ، ثم من العادات والتقاليد التي ارتضاها الآباء والأجداد، وتربى عليها الأبناء والأحفاد.
وعن المجال الرياضي قل ما تشاء، فقد شهد العالم بأسره أن مونديال 2022 الذي نظمته قطر فاق كل ما كان قبله من جهة الاستعداد والتنظيم والبث والاستضافة والسلوك الجماهيري الذي صبغته الدوحة بصبغتها، فجاء على أعلى مستوى من الالتزام والروح الرياضية التي لا تفت في عضدها الهزيمة، ولا يؤدي إلى فقدها فوز أو انتصار.
لقد عكست قطر خلال فعاليات كأس العالم هويتها الخاصة، وأظهرت الهوية العربية والثقافة الإسلامية اللتين أذهلتا العالم، وكانتا مثار إعجابه ودهشته، وجديرة بمديحه وثنائه على العرب والمسلمين.
الحديث عن قطر، وعن نهضة قطر وإعجاز القطريين لا يمكن أن تكفيه مقالة أو اثنتان، ولا كتاب أو كتابان، فالأمر يحتاج إلى دراسات ودراسات لأن ما حدث في دوحة الخير في بضع سنين فوق التصور وفوق الخيال في كل مجال وفي كل ميدان.
تحية إلى قطر الشقيقة أميراً شاباً ذكياً فطناً يقود شعبه إلى الرفعة والسؤدد والمجد.
وتحية إلى أشقائنا في قطر الذين جعلوا من بلدهم أيقونة ومثالاً يحتذي به الباحثون عن التقدم والتطور والمستقبل الذي يجب أن يكون خيراً من الحاضر.
حفظ الله قطر الشقيقة قيادة وشعباً من كل شر ومكروه، متمنين لها المزيد من التقدم والازدهار في ظل القيادة الشابة الحكيمة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2265
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2208
| 25 سبتمبر 2025
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
1593
| 26 سبتمبر 2025