رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

توفيق المديني

توفيق المديني

مساحة إعلانية

مقالات

423

توفيق المديني

تَفَجُّر أزمة هيئة الحقيقة والكرامة في تونس

26 سبتمبر 2015 , 01:26ص

تشكلت هيئة الحقيقة والكرامة في تونس بناء على القانون رقم53 لسنة 2013، والمؤرخ في 24 ديسمبر 2013، المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية، التي تم تعريفها على النحو التالي: إنها مسار متكامل من الآليات والوسائل المعتمدة لفهم ومعالجة ماضي انتهاكات حقوق الإنسان بكشف حقيقتها، ومحاسبة المسؤولين عنها، وجبر ضرر الضحايا، ورد الاعتبار لهم بما يحقق المصالحة الوطنية، ويحفظ الذاكرة الجماعية ويوثقها، ويرسي ضمانات عدم التكرار، والانتقال من حالة الاستبداد إلى نظام ديمقراطي يسهم في تكريس منظومة حقوق الإنسان.

وترأست هيئة الحقيقة والكرامة في تونس السيدة سهام بن سدرين، وهي شخصية مثيرة للجدل في تونس، بسبب ماضيها في العهد السابق خلال مرحلة النضال ضد الديكتاتورية، حيث كانت متحالفة مع الرئيس السابق لحزب المؤتمر منصف المرزوقي المقيم في باريس آنذاك، ومع زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي، الذي كان مقيما بلندن. وبعد انتخابات 23 أكتوبر 2011، التي أوصلت حركة النهضة الإسلامية إلى السلطة، ما مكنها من تشكيل حكومة الترويكا بمشاركة حزبين علمانين صغيرين، هما حزب المؤتمر بزعامة المنصف المرزوقي، وحزب التكتل بزعامة الدكتور مصطفى بن جعفر، توطدت علاقة السيدة سهام بن سدرين مع النهضة الإسلامية، ومع الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي، اللذين لعبا دورا رئيسيا في إيصالها إلى رئاسة الهيئة، حين كان المجلس الوطني التأسيسي تهيمن عليه حركة النهضة.

بدأت أزمة هيئة الحقيقة والكرامة، حين قامت السيدة سهام بن سدرين بغزو قصر قرطاج يوم الجمعة 26 ديسمبر 2014، بهدف الحصول على أرشيف القصر الذي يعود إلى300 سنة مضت، أي منذ بدايات تأسيس الدولة الحسينية من قبل البايات سنة 1705، حيث تمسكت بن سدرين بحقها في نقل الأرشيف من القصر إلى مقر الهيئة، وهذا ما رفضه الأمن الرئاسي. واتفق معظم المحللين في تونس، أن ما قامت به سدرين يعدّ عملاً غير لائق، وغير بريء، ويحتوي على نية سيئة مسبقاً، ولاسيَّما أنها اختارت توقيتا مريباً جداً، وتحديداً قبل فترة قصيرة من تسلم الرئيس الباجي قائد السبسي مقاليد رئاسة الدولة التونسية من الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي في قصر قرطاج بعد أداء اليمين الدستورية في مجلس النواب يوم الأربعاء 31 ديسمبر 2014، وهو ما يدل على وجود مخطط للتلاعب بالأرشيف من قبل بعض الأطراف السياسية وإدخال البلاد في حالة من الفوضى والبلبلة وتصفية الحسابات الشخصية. وبهذه الحادثة وضعت سهام بن سدرين رأسها برأس الرئيس المنتخب السيد الباجي قائد السبسي، وهو أمر لا يمكن غفرانه.

وعلى خلفية هذه الأزمة، تتجه رئاسة مجلس النواب نحو تشكيل لجنة برلمانية للنظر في الوضع الداخلي لهيئة الحقيقة والكرامة على خلفية الشكوى التي رفعها للغرض العضو البارز بالهيئة السيد زهير مخلوف، والذي دعا ضمنيا إلى ضرورة تدخل مجلس نواب الشعب، للاطلاع على ما اعتبره حقائق تتعلق بالتصرّف الإداري داخل الهيئة موجها انتقادات قوية إلى رئيستها سهام بن سدرين والتي اتهمها بتقديم تصريحات ومعطيات مغلوطة حول عمل الهيئة.

هناك شبه إجماع لدى الرأي العام التونسي، بأن رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين تهدر المال العام، وتتخذ قرارات فردية دون الرجوع إلى مجلس هيئة الحقيقة والكرامة. ويتساءل الرأي العام التونسي، كيف يمكن أن نطمئن على هيئة الحقيقة والكرامة في يد سهام بن سدرين وهي مشتبه بها في أكثر من ملف فساد؟.

في ظل احتدام الأزمة الداخلية لهيئة الحقيقة والكرامة، وقع حوالي 70 نائبا، على نص عريضة تطالب بفتح تحقيق برلماني حول وجود شبهة فساد مالي وإداري لابن سدرين وهيئة الحقيقة والكرامة. وتتجه أحزاب سياسية نافذة وذات أغلبية واضحة داخل مجلس نواب الشعب المكلف بالإشراف على هيئة الحقيقة والكرامة والتي ليست «هيئة دستورية» كما يشاع لإيجاد «توافق» على تجاوز المشاكل التي تمرّ بها هيئة الحقيقة والكرامة، والتي تصاعدت وتيرتها بشكل لافت للغاية وذلك باتجاه «تغيير» رئيستها سهام بن سدرين والبحث عن شخصية «توافقية» حتى تتمكن الهيئة من مواصلة ما هو منوط بعهدتها من مهام. ومن الأسماء التي يجري تداولها كـ«خليفة» لابن سدرين المحامي مختار الطريفي والزعيم المعارض نجيب الشابي وغيرهما، وحسب ذات المعلومات أيضا فإن حركة النهضة تسعى إلى «تمرير» اسم رئيس حزب التكتل مصطفى بن جعفر ليتولى «خلافة» بن سدرين، لاسيَّما أن بن جعفر لم تعد لديه «شواغل سياسية» كبيرة وحزبه غير ممثل في البرلمان ويكاد يكون «غائبا» عن الساحة السياسية؟! لكن تسمية ابن جعفر على رأس هيئة الحقيقة والكرامة ليست مقبولة، باعتباره كان جزءًا من الترويكا الحاكمة سابقًا، وبسبب«وقوعه» هو نفسه في نفس «المواقف المسبقة» التي وقعت فيها ابن سدرين، والتي تعكس بشكل جلي وواضح «تفكيره» في كل ما له علاقة بنظام الرئيس الأسبق ابن علي ونظام الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.

إذا أرادت هيئة الحقيقة والكرامة أن تحقق مسار العدالة الانتقالية بصورة ناجحة في تونس، بعد مرور أربع سنوات على الثورة، فعلى هيئة الحقيقة والكرامة أن تواجه العديد من التحدّيات لكي تثبت استقلاليتها في تعاطيها مع الملفات بكل موضوعية وبكل تجرد، وتدحض كل الشبهات التي تهدف لجعلها آلية للتشفي والانتقام وتصفية الحسابات، وهو رهان كبير ويستوجب مواقف جريئة لكي تبعث برسائل واضحة للجميع.

موضوع العدالة الانتقالية مطلب تاريخي وعادل للشعب التونسي بكل أطيافه، الذي انتقل من حكم نظام تسلطي إلى حكم ديمقراطي، وتبقى القضية المركزية لتونس تتمثل في موضوع العدالة الانتقالية وكيفية التعامل مع الماضي بالتشدّد أو بالمرونة لكن مع الحفاظ على قيم العدالة والتضامن الاجتماعي وتعويض الضحايا والعمل على إصلاح النظام القانوني، وأولاً وقبل كل شيء كشف الحقيقة الكاملة والتمكّن من معرفة حجم الأضرار التي لحقت بالمجتمع التونسي، والأفراد، جراء سياسة التسلط وسوء استخدام السلطة والنفوذ. ولكن ماذا نعني بالعدالة الانتقالية؟ هل هي عدالة خاصة؟ أم عدالة للمرحلة الانتقالية تختلف عن القواعد العامة للعدالة؟ أم أنها شيء آخر؟

هذا ما يجب أن تجيب عنه هيئة الحقيقة والكرامة المعنية بتحقيق مسار العدالة الانتقالية وفق أسس احترام قيم وأعراف حقوق الإنسان، والقانون الدولي.

اقرأ المزيد

alsharq قطر أول مــن يمنح ولا يمنع

(70 مليون طن من الركام والأنقاض وأكثر من 20,000 من القنابل التي لم تنفجر في قطاع غزة) ربما... اقرأ المزيد

207

| 19 أكتوبر 2025

alsharq ثورة المسيّرات: تحوّلات القوة في زمن الذكاء الاصطناعي

أعادت الطائرات المسيّرة رسم مشهد الحروب الحديثة، فلم تعد مجرد أدوات تقنية، بل أصبحت قوة بنيوية تغيّر موازين... اقرأ المزيد

138

| 19 أكتوبر 2025

alsharq التهدئة التي تسبق العاصفة

المرحلة الثانية من وقف الحرب لا تُشبه الهدوء، بل تشبه الصمت الذي يسبق الانفجار. هي مرحلة تتزيّن بالحديث... اقرأ المزيد

123

| 19 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية