رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

خولة البوعينين


[email protected]
@Khawlalbu3inain

مساحة إعلانية

مقالات

267

خولة البوعينين

جوهر النبل

26 أغسطس 2025 , 02:52ص

جليلٌ أمرُ من يملك تلك الحكمة الفذّة، والقدرة الفريدة على ضبط النفس، والتروّي في لحظات احتدام النقاش وتشعّب الآراء. فما أكثر ما تنكشف معادن الناس عند اشتداد الحوار، حيث يعلو الصوت حيناً على الحجة، وتغلب الرغبة في الانتصار على الفطنة. ويبقى من امتلك من الحكمة قبساً ثابتاً متّزناً، يُوطن نفسه على كظم الغيظ، وسعة الخاطر لاحتواء الاختلاف، والانتقال به لآفاقٍ رحبة للرؤية من زوايا أخرى، وتقبّل وجهات نظر قد يجدها في منهجه غير منطقية، أو ليست ذات معنى!

فالاختلاف في حقيقته ليس خلافاً، والتنوع في جوهره ليس خصومة، بل هو باب لفهمٍ أعمق، ورؤية أوسع، وللحفاظ قبل كل شيء على الود والاحترام لشخص من يختلف معه، دون تسفيهٍ لرأيه، أو تمجيد لوجهة نظره هو ! 

فمهما بدت للمرء أن وجهة نظره منطقية، فهي تظل محدودة بحدود تجربته، ويظل علمه – على سعته – لا يساوي شيئاً أمام ما يجهله. لذلك، لا ينظر إلى الرأي الآخر على أنه تهديد، ولا يُقدّر ما اختلف معه أنه وعيد، بل يعد الأمر كله فرصة يلتقط منها ما يعينه على النمو، وما يقويه على الاتساع.

والرحابة الأعظم بأن يكون مسرور الخاطر للتعلم أكثر، والارتقاء للأعلى والأسمى، لأنه يُدرك أن ما يجهله يفوق بمراحل علمه المحدود، ووجهة نظره القاصرة!

فلا يرى في التراجع عن رأيه هزيمة، بل ارتقاءً لأنه يعلم علم اليقين أن الحق ليس حكراً على أحد، وأن اكتمال الرؤية يحتاج إلى عيون متعددة، حينها مجالس الحوار بالنسبة إليه مدارس لا معارك، والجدل فيها مجال لتلاقح الأفكار لا لتناحرها، وساحات للارتقاء والتوسع لا للضيق والتحجر.

ولكي يبلغ المرء هذا المقام من الحكمة، لا بد أن يمتلك من السماحة ما يجعله يعرف كيف يتفطّن للسياقات التي تُطرح فيها الآراء. فما يراه غير منطقي، قد يكون في سياق صاحبه وجيهاً ومفهوماً. وما يظنه بلا معنى، قد يكون نتيجة لتجربة عاشها الآخر بعمق. فما التبصّر في الدوافع الخفي منها والبيّن إلا فتح لقلب المرء لأبواب من الرحمة، وكوة ينساب منها اللطف، فلا يلبث أن يحيله ألين حكماً وأبعد عن القسوة والتسرع.

ومن هنا تتجلى أسمى معاني النبل، بأن تسعى في اختلافك إلى بناء الجسور لا هدمها، إلى الفهم لا القطيعة، إلى التكامل لا الإقصاء. أن تحفظ كرامة من تخالفه، وتحترم حقه في رؤيته، حتى وإن تبدت لك بعيدة عن المنطق أو غير ذات وزن، فالقيمة الكبرى ليست في كسب النقاش، بل في كسب الإنسان، وفي التسامي معاً إلى مستوى أرقى من الفهم والرحابة.

لحظة إدراك: 

 جوهر الحكمة والنُّبل أن نعلو في لحظة الخلاف بقلوبنا لا بأصواتنا، وأن نحول اختلافنا، ذاك المكتوب في سطر الأزل، إلى ساحة للنمو المشترك، وللتعارف والتآلف، لا إلى معارك دامية تُثقِل الأفئدة بأغلالٍ لا طاقة لها بحملها.

وما أسعد من أُوتي قبساً من تلك الفِطنة، ورشفةً من ذاك الفن، فقد امتلك جوهرةً تضيء حياته وحياة الأنام من حوله، وترتقي بإنسانيته إلى مقامات المكارم، حيث يعلو الإنسان بالرحمة قبل الرأي، وبالود قبل الغلبة، وبالنبل قبل كل شيء.

مساحة إعلانية