رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
للإنسان قدرة هائلة على اكتساب المعرفة واستخدامها في معالجة الأزمات وحل المشاكل والقضايا التي يتصدى لها الإنسان جنبا إلى جنب مع خبرته في الحياة وتقديره للمواقف المتعددة، فالقدرة على التعلم واكتساب المعلومات والفهم سمات مميزة للذكاء البشرى. وينشأ ذلك من خلال التجارب التي يمر بها الإنسان والخبرة التي يكتسبها المرء ويساعده ذلك على التمييز الدقيق بين القضايا والخروج من الجزئيات إلى الكليات، وعملية احتفاظ العقل البشري بالمعلومات يسهل عليه التوصل إلى حل للمشاكل والقضايا التي تواجهه، فيقوم المرء باسترجاع الخبرات السابقة والاستعانة بها في المواقف الحياتية الجديدة وحسن التقدير للموقف والمعالجة المنطقية للمعطيات وصولا إلى الحلول الجيدة، فالمعرفة لدى البشر تراكمية قائمة على القياس والاستنباط والاستنتاج.
إن الذكاء سمة اتصف بها الكائن البشري منذ نشأة الخلق، فكان من أكبر الأدلة على اصطفاء الخالق للكائن البشري على سائر المخلوقات الأخرى، ومن الطبيعي أن يكون هناك صفات تدعم هذا الاصطفاء فكان العقل البشري أهم دلائل هذا الاصطفاء ومقوماته. ويمكن القول إن الذكاء الطبيعي بشكل ما يكمن في قدرة الإنسان على اكتشاف أسرار وقوانين الكون والقدرة على إبداع الأفكار وإيجاد حلول المشكلات وتفسير الظواهر الكونية وفهم العلاقات بين الأشياء واختراع العديد من الوسائط التي تساعده على تطوير حياته، وقد توجت بصناعة الحاسوب الذي أدى إلى مضاعفة الأداء الذهني والابتكاري عند الإنسان مما جعل البعض يطلق عليه العقل الإلكتروني.
نشأ الذكاء الاصطناعي في ظل اتجاه جديد هو الاتجاه التعددي، حيث إن البحث العلمي لم يعد مجهودا فرديا ذاتيا يقتصر على مجال واحد في تخصص علمي واحد. ويأتي علماء الذكاء الاصطناعي من تخصصات مختلفة منها الحاسب الآلي والرياضيات والمنطق وعلم اللغة والفلسفة وعلم النفس، والذكاء الاصطناعي حقل من الدراسة القائمة على فرضية أنه يمكن اعتبار التفكير الذكي شكلا من أشكال الحوسبة ويمكن تنميطها بل وميكنتها في نهاية الأمر، ولتحقيق ذلك هناك مسألتان رئيسيتان يجب التصدي لهما، تمثيل المعرفة ومعالجة المعرفة.
يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي بأنه نمذجة جوانب من التفكير البشري على أجهزة الحواسيب، فهو الحقل الفرعي لعلوم الحاسب والمعنية بمفاهيم وأساليب الاستدلال الرمزي بواسطة الحاسب وتمثيل المعرفة الرمزية للاستخدام في صنع الاستدلالات. وتحاول برامج الذكاء الاصطناعي التعامل مع رموز تعبر عن معلومات غانمة مثل: الجو اليوم بارد، والطعام له رائحة زكية وهو تمثيل يقترب من شكل تمثيل الإنسان لمعلومات في حياته اليومية.. إذاً يحاول الذكاء الاصطناعي إضفاء إحدى السمات المميزة للعقل البشري وهي القدرة على التعامل مع المنطقة الغائمة غير الواضحة وغير المحددة الكامنة في الكثير من الأمور الحياتية لدى البشر كالتفكير، والحوار، والتي يصعب على الآلة بشكلها التقليدي التعامل معها.
الذكاء الاصطناعي لا يطبق على الأجهزة، والآلات (الروبوتات) فحسب، بل يتم كذلك داخل أنظمة الحاسوب (البرامج الذكية، أو الخوارزميات)، كما تعتمد تقنيات الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات، وفي القلب منها البيانات المتاحة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث إن تطبيقات الذكاء الاصطناعي هي مزيج من التقنيات المختلفة سواء كانت برامج، أو أجهزة، أو مزيجًا بين الاثنين. فبعض هذه التقنيات قائمة على البرمجيات، والشبكات العصبية الاصطناعية، والحوسبة التطورية، والنظم الخبيرة، والتعلم الآلي. وهناك تقنيات تستند إلى البرامج الذكية، والبرمجيات التي تعمل على استخراج البيانات، والنصوص، وتحليل المشاعر، بالإضافة إلى تقنيات تعتمد على الأجهزة وبالأخص الروبوتات، والمركبات المستقلة، والرؤية الاصطناعية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8853
| 09 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
5385
| 14 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
4992
| 13 أكتوبر 2025