رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أنا شخصيا كنت من المتخوفين أن يقدم نتنياهو وأوباما خطابات في هذه الفترة تغري السلطة الفلسطينية بإطلاق عملية مفاوضات جديدة تكون ضارة وضرة للمصالحة الوطنية الجارية بين فتح وحماس، وكنت متخوفا أيضا أن يبلغا في لغة الإنشاء الأخلاقي ولغة الخداع السياسي ومغازلة الثورات العربية حدا لا تقوى عاطفتنا على مدافعته فيفرغها من المضمون السياسي ومن امتداداتها في القضية الفلسطينية كمكون أساسي لهذه الثورات.. ما حدث هو أن الخطيبين جاءا على وجه آخر تماما؛ وكأنهما أرادا أن يفشلا في كل ذلك.. السؤال هنا: هل كانا معنيين بتجسير الفجوة التي تتسع كل يوم بين الشعوب العربية وبين الغرب، ثم بين الثورات العربية وعملية ومفاهيم التسوية؟ وبتعبير آخر: هل أوباما ونتنياهو هما بالفعل من القوة السياسية والمواقفية بحيث لا يأبهان بمردود خطابيهما المستفزيْن على الشعوب العربية وعلى الفلسطينيين وعلى عملية التسوية؟ وأقول:
الخطيبان وما قالاه لا يمكن فصله عن خمسة استحقاقات ماثلة في هذه الفترة أمام ناظري كل سياسي وتلقاء كل تحرك؛ الاستحقاقات الخمسة هي: 1- الثورات العربية وما يفترض أن تتمخض عنه تجاه القضية الفلسطينية ابتداء وعلاقة وأثر ذلك على إستراتيجية اللاحرب واللاسلم مع العدو، وإستراتيجية توسيع دائرة الاندماج والتطبيع في المنطقة، 2- استباق دورة الأمم المتحدة في سبتمبر القادم والتي من المتوقع أن تكون القضية الفلسطينية على أجندتها.. المقصود منع الفلسطينيين من التقدم بطلب الاعتراف بدولة لهم على حدود الـ67 وهو الأمر الذي لو تم فسيكون مكسبا تاريخيا وسيكون له واقعه على أية مفاوضات وأية تغييرات ديموغرافية أو جغرافية أو حقوقية قادمة، 3- المصالحة الفلسطينية وما يفترض أن يترتب عليها من تغيير في المعادلات الفلسطينية ومن تسويغ صورة حماس وتشريع وجودها واستفادتها من علاقات حركة فتح إقليميا وعربيا ودوليا.. 4- ما بات يعانيه الرأي العام الصهيوني من قلق بسبب احتمالات العزلة السياسية وانغلاق سياسي وتعطل عملية التسوية وتحميل " إسرائيل " عالميا ومحليا وحتى صهيونيا المسؤولية عن ذلك، وقلق أيضا من التطور النووي الإيراني ومن التغييرات العربية بالأخص بعد سقوط نظام حسني مبارك الذي كان حليفهم (أو كنزهم الإستراتيجي) كما يصفونه.. وغير ذلك من أزمات يواجهها الكيان الصهيوني تفقده زمام المبادرة والقدرة على المناورة.. كل هذا كان يقتضي أن توجه رسالة إلى الشعب الصهيوني تطمئنه وتؤمله 5- الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتحضيرات أوباما لها والانتخابات الصهيونية التي ستأتي متزامنة معها تقريبا وتحضيرات نتنياهو لها، ولكل من أوباما ونتنياهو قراءته في كيفية الوصول إلى ذلك وعبر أي ممر ينبغي أن يسلك إليه..
أما ما جاء على لسان الخطيبين ومهما اتكأ على لغة إنشائية ونفاق أخلاقي أو بدا كأنه عرض جديد فهو لم يحل إشكالا واحدا مما يؤزم الكيان ؛ فلم يقدم شيئا عمليا واحدا على صعيد التعامل مع الثورات العربية واحتوائها، ولم يقدم للسلطة الفلسطينية ما يغريها بنفض يدها من المصالحة مع حماس أو بتعطيل مساعيها تجاه الأمم المتحدة وتدويل القضية.. ولا يستطيع أوباما الثقة بأنه استطاع اختراق الرأي العام الصهيوني لترقية فرصه للفوز بأصوات اللوبي اليهودي ودعمه المالي مهما تقطع في تبني الأجندة الصهيونية وبالأخص عندما يكون خصمه أو منافسه في تلك الانتخابات أكثر قربا من الكيان وأقل معاندة له.. يبدو أن أوباما فاته الكثير في معرفة اللوبي الصهيوني وأدواته في تطويع الرؤساء دون تطمينهم.. ربما الشيء الوحيد الذي حققه الخطيبان هو إقناع الرأي العام الصهيوني الذي لا يبحر إلا في الدماء والاعتداء بأن أمريكا ستبقى في قعر التحيز الفج للعنصرية الصهيونية وستبقى تقدم مصالح هذا الكيان على ذاتها ومصالحها وكل علاقاتها، أما نتنياهو فإن نجح في شيء فهو الحديث مع نفسه وأمثاله من المتطرفين والخرافيين الصهاينة، والتدليل على أنه موغل ومغال في تبني الأساطير المؤسسة للعقيدة اليهودية ولمقولاتها وأكاذيبها منذ ثلاثة آلاف سنة..
هذا المستوى من الطرح اللاحقوقي واللا أخلاقي الذي ورد على لسان الرئيسين أو الخطيبين يحتم علينا - نحن العرب والفلسطينيين – أمورا لا يجوز تأخيرها أو التردد في تبنيها ؛ أولا: أن نصعد بالقضية الفلسطينية إلى مستوى الثورات العربية كمستجد تجب المراهنة عليه ويجب أن يكون رافعة للقضية ولإمكانات التحرك بها، وأن نصعد بها أيضا إلى مستوى الأمم المتحدة ومقتضى إخراج القضية من ثنائية المفاوضات أو اللاشيء وإخراج الحقوق الفلسطينية من أن تبقى رهنا بقبول أو عدم قبول أمريكا وحكام الدولة العبرية بها.. ثانيا: تأكيد المصالحة الفلسطينية وتوطيدها بالممارسات على أرض الواقع ؛ فمن جهة فتح عليها أن تنخرط فورا في مستوجبات هذه المصالحة من إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وحتى من تسميهم الأمنيين والاتفاق فورا على آلية تحرك سياسي وميداني بين الفصيلين الأكبر على الساحة.. ومن جهة حماس أن تبلور جملة من المعطيات والمواقف واللغة الخطابية التي تمكن السلطة من ممارسة المزيد من الإحراج لنتنياهو وطروحاته على شاكلة ما ورد على لسان السيد خالد مشعل يوم توقيع المصالحة.. ذلك يقتضي المزيد من التفاهم الداخلي في داخل كل من فتح وحماس ورسم محددات وخطوط المسموح والممنوع من الخطاب السياسي.. والأمر في غاية الجدية والطروئية التي لا تحتمل التأخير، ثالثا: إطلاق موقف صريح وحاسم وحازم بقدر صراحة وحسم وحزم موقف أوباما – نتنياهو لتأكيد الثوابت الفلسطينية التي أنكراها أو تجاهلاها أو وضعاها موضع مساومة، رابعا: إبقاء نتنياهو في مأزق أنه المسؤول عن تعطيل عملية التسوية وأنه يفتقد روح المبادرة وهوامش المناورة والإمكانات المهنية وأن إبداعه فقط في الجانب الكلامي الخطابي، وهو كذلك بالفعل في نظر كثيرين داخل الكيان وخارجه.. المطلوب هنا تحديدا ألا يقدم الفلسطينيون والعرب طوق نجاة مجانا له بإطلاق مفاوضات على غير أساس، وأن يتذكروا أن اللغة الإنشائية التوددية التي كان تكلم بها في خطابه كانت موجهة للكونجرس ولشعب " إسرائيل " وليس لهم.. نعم لا يجوز إطلاق المفاوضات لمجرد المفاوضات ولا على ذات الأسس والمعايير السابقة ولكن إن حدث فلا بد أن يكون وفق معطيات جديدة وضوابط ومرجعيات وسقوف جديدة أيضا.. وعلى ألا تكون على حساب المقاومة كما حدث دائما، خامسا: لا يجوز اعتبار إطلاق مواقف حاسمة وصريحة نهاية المطاف أو أنه الانتصار الأكبر، ولا يجوز انتظار ردات الفعل من العدو الصهيوني أو من أمريكا بنفسية وعقلية المخطئ الهارب أو المذنب الخائف، كما لا يجوز استعجال الخروج من المعركة السياسية والدبلوماسية وانتظار انهيار مفاجئ وسريع لمواقف هذين الحليفين ؛ ولكن المطلوب هو اتباع التصعيد بتصعيد وإلحاق الموقف القولي بموقف عملي.. هذا أمر مفهوم في عالم المفاوضات والعمل السياسي ولن يستنكر أحد على الفلسطينيين والعرب – حتى بمنطق عملية التسوية – أن يكون لهم موقف ومساع مخالفة لما عليه الخصوم.. وخارج ما يتوقع الخصوم.
آخر القول: أوباما قال ونتنياهو أيضا قال.. ولم ينجحا إلا في تثبيت الصورة الذهنية عن عنصرية الكيان الصهيوني الموغل في الأوهام والأساطير ولغة الماضي الحجرية والخشبية، نجحا أيضا في تأكيد انحياز أمريكا إلى الظلم والعدوان وتبديد أي أمل في إطلاق عملية تسوية مقنعة، وفي وضع نفسيهما في جهة وفي مسلك مناقض لمستجدات وطموحات الفلسطينيين والعرب أكثر من أي وقت مضى.. فإذا كان هذان قد تكلما؛ فمتى سنتكلم نحن؟ وإن تكلمنا فماذا سنقول؟
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
774
| 16 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
717
| 11 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، بظهور بعض الشخصيات والحركات، المدنية والمسلحة، التي تحاول القيام بأدوار إيجابية أو سلبية، وخصوصا في مراحل بناء الدول وتأسيسها. ومنطقيا ينبغي على مَن يُصَدّر نفسه للقيام بأدوار عامة أن يمتاز ببعض الصفات الشخصية والإنسانية والعملية والعلمية الفريدة لإقناع غالبية الناس بدوره المرتقب. ومن أخطر الشخصيات والكيانات تلك التي تتعاون مع الغرباء ضد أبناء جلدتهم، وهذا ما حدث في غزة خلال «طوفان الأقصى» على يَد «ياسر أبو شباب» وأتباعه!. و»أبو شباب» فلسطيني، مواليد 1990، من مدينة رفح بغزة، وَمَسيرته، وفقا لمصادر فلسطينية، لا تُؤهّله للقيام بدور قيادي ما!. ومَن يقرأ بعض صفحات تاريخ «أبو شباب»، الذي ينتمي لعائلة «الترابية» المستقرة في النقب وسيناء وجنوبي غزة، يجد أنه اعتُقِل في عام 2015، في غزة، حينما كان بعمر 25 سنة، بتهمة الاتّجار بالمخدّرات وترويجها، وحكم عليه بالسجن 25 سنة. وخلال مواجهات «الطوفان» القاسية والهجمات الصهيونية العشوائية على غزة هَرَب «أبو شباب» من سجنه بغزة، بعدما أمضى فيه أكثر من ثماني سنوات، وشكّل، لاحقا، «القوات الشعبية» بتنسيق مع الشاباك «الإسرائيلي»، ولم يلتفت إليها أحد بشكل ملحوظ بسبب ظروف الحرب والقتل والدمار والفوضى المنتشرة بالقطاع!. وبمرور الأيام بَرَزَ الدور التخريبي لهذه الجماعة، الذي لم يتوقف عند اعترافها بالتعاون مع أجهزة الأمن «الإسرائيلية» بل بنشر التخريب الأمني، والفتن المجتمعية، وقطع الطرق واعتراض قوافل المساعدات الإنسانية ونهبها!. وأبو شباب أكد مرارًا أن جماعته تَتَلقّى الدعم «دعماً من الجيش الإسرائيلي»، وأنهم عازمون على «مواصلة قتال حماس حتى في فترات التهدئة»!. وهذا يعني أنهم مجموعة من الأدوات الصهيونية والجواسيس الذين صورتهم بعض وسائل الإعلام العبرية كأدوات بديلة لتخفيف «خسائر الجيش الإسرائيلي باستخدامهم في مهام حسّاسة بدل الاعتماد المباشر على القوات النظامية»!. ويوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2025 أُعلن عن مقتل «أبو شباب» على يد عائلة «أبو سنيمة»، التي أعلنت مسؤوليتها عن الحادث: وأنهم «واجهوا فئة خارجة عن قيم المجتمع الفلسطيني». وبحيادية، يمكن النظر لهذا الكيان السرطاني، الذي أسندت قيادته بعد مقتل «أبو شباب» إلى رفيقه «غسان الدهيني» من عِدّة زوايا، ومنها: - الخيانة نهايتها مأساوية لأصحابها، وماذا يَتوقّع أن تكون نهايته مَن يَتفاخر بعلاقته مع الاحتلال «الإسرائيلي»؟ - دور جماعة «أبو شباب» التخريبي على المستويين الأمني والإغاثي دفنهم وهم أحياء، مِمّا جعل مقتل «أبو شباب» مناسبة قُوْبِلت بالترحيب من أكثرية الفلسطينيين وغيرهم. - مقتل «أبو شباب» يؤكد فشل الخطة «الإسرائيلية» بجعل مجموعته المُتَحكِّم بمدينة «رفح» وجعلها منطقة «حكم ذاتي» خارج سيطرة المقاومة، وبهذا فهي ضربة أمنية كبيرة «لإسرائيل» التي كانت تُعوّل عليهم بعمليات التجسّس والتخريب. - قد تكون «إسرائيل» تَخلّصت منه، قبل إرغامها، بضغوط أمريكية، على المضي بالمرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار وذلك بتركه ليواجه مصيره كونه قُتِل بمنطقة سيطرة جيشها!. - الحادثة كانت مناسبة لدعم دور المقاومة على أرض غزة، ونقلت هيئة البثّ «الإسرائيلية»، الأحد الماضي، عن مصادر فلسطينية أن «مسلحين ينتمون لمليشيات عشائرية معارضة لحماس سَلّموا أنفسهم طواعية لأجهزة (حماس) الأمنية في غزة». منطقيًا، لو كانت جماعة «أبو شباب» جماعة فلسطينية خالصة ومنافسة بعملها، السياسي والعسكري، للآخرين بشفافية وصدق لأمكن قبول تشكيلها، والتعاطي معه على أنه جزء من المشاريع الهادفة لخدمة القطاع، ولكن حينما تَبرز خيوط مؤكدة، وباعترافات واضحة، بارتباط هذا الكيان وشخوصه بالاحتلال «الإسرائيلي» فهنا تكون المعضلة والقشّة التي تَقصم ظهر الكيان لأن التعاون مع المحتل جريمة لا يُمكن تبريرها بأيّ عذر من الأعذار. مقتل «أبو شباب» كان متوقعا، وهي النهاية الحتمية والسوداء للخونة والعملاء الذين لا يَجدون مَن يُرحب بهم من مواطنيهم، ولا مَن يَحْتَرِمهم من الأعداء، ولهذا هُم أموات بداية، وإن كانوا يمشون على الأرض، لأنهم فقدوا ارتباطهم بأهلهم وقضيتهم وإنسانيتهم.
648
| 12 ديسمبر 2025