رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لم يكن سليمان الرجل المسالم العاطل عن العمل يدري أنه أثناء خروجه المعتاد من بيته باحثا عن عمل سوف يفاجَأ بما سيغير حياته للأبد.
بعد أن قطع مسافة طويلة من المشي مفتشاً عن جهة يعمل بها، تعثرت قدماه بشيء ملقى فوق التراب.. انحنى على الأرض، لينظر في الشيء الذي تعثر به فإذا به — وبعد أن أزال بيديه التراب — يجد كيساً، به بضع عملات نقدية وقليل من العملات الورقية.. رفع رأسه وبيده كيس النقود الصغير، ونظر للسماء يشكر الله على هذه الهبة العظيمة.. عاد مسرعاً إلى بيته وهناك بحث عن الصندوق الخشبي الكبير المتواري في الركن الصغير بجانب ستارة غرفته القديمة.. أزال التراب مسرعاً عن باب الصندوق ثم فتحه وبكل عناية، وحب وضع كيس النقود والفرح الغامر يملأ جنبات نفسه.. وبعد أن اطمأن لمكان الصندوق قرر أن يعود للسير من جديد، فلعله يعثر على كيس نقود آخر سقط من أحدهم واندس في التراب ينتظره، نعم ينتظره هو بالتحديد ليزيح عنه التراب ويأخذه إلى بيته، إلى الصندوق الخشبي ليستقر هناك إلى جانب صرة المال الأولى، التي افتتح بها رحلته مع كنوز الطريق!!.. مشى ومشى حتى ارتفعت حرارة الشمس، ولم يجد أمله، فعاد لبيته.. أسفاً على أنه لم ينل بغيته.. في اليوم الثاني نهض من النوم مسرعاً وفتح الباب خفيف الخطى منتشياً مسروراً، وقرر معاودة المحاولة ثانية فغنيمته التي نالها أمس، ما زالت تشعره بالفرح.
انطلق مسرعاً يمشي ثم ينحني على الأرض كلما شعر بأن هناك شيئا فوق التراب أو تحته.
بعد عشرات الأمتار التي قطعها سيرا على الأقدام، عثر على خيوط قديمة، وبعد مسافة تالية عثر على كرة صغيرة من ألعاب الأطفال!! بعد ساعة من المشي المتصل شعر من جديد، بأن هناك شيئاً تحت التراب.. انحنى إلى الأرض وأخذ يزيح التراب مفتشا عن ذلك الشيء الثمين، فإذا بعملات نقدية معدنية لا تساوي إلا القليل من المال، أخذها فرحاً مغتبطاً مذكراً نفسه بأنه على الطريق الصحيح.. في اليوم الثالث كان قد بدأ بإقناع نفسه بأنه قد عثر على هدف أهم من البحث عن وظيفة، فيكفيه أنه يبحث عن السعادة السهلة التي تنتظره تحت الأتربة في الطرقات والحواري والأزقة.
نعم سعادة سهل نيلها.. تنتظره بفارغ الصبر، لتكون معه، هو الذي يقدر جيداً قيم الكنوز المخبوءة تحت الأتربة المغبرة، والأحجار المتناثرة في الطرقات.
مر الأسبوع الأول وصندوقه الخشبي الذي يجلس ساكنا سكوت الموتى في قبورهم ما زال ينتظر المفاجآت السارة، والأموال التي ستدرها رحلة السير نحو كنوز الطرقات.
مر الأسبوع الثاني وليس سوى عملات نقدية بسيطة وخيوط وأقلام قديمة ومحافظ فارغة.
حتى المحفظتين اللتين عثر عليهما تحت التراب، وكان قلبه حينها يرقص فرحاً، لم تكونا سوى قطعتين من الجلد الصناعي الفارغ من أي مال!!.. مر شهر كامل نقص فيها وزنه كثيراً، لكن عزيمته كانت أقوى من الحديد.
كان يكتفي بالقليل من الطعام والشراب حتى لا يفقد مدخراته سريعاً، هو الذي صار عاطلاً عن العمل منذ شهور عدة!!
مر عام كامل وكل حصيلته لم تتجاوز كرات الصوف وعملات معدنية، ودمى صغيرة للأطفال، وخيوط لمكائن الخياطة، وأشياء أخرى شبيهة بها.. كان جسده قد أنهك من المشي غير المنظم، والتعرض المستمر لأشعة الشمس الحارقة، دون أدنى تحفظ، فتضاعف عليه السعال الذي بدأ خفيفا ومع الإهمال صار مزمنا
افتقده جاره خليل الذي نصحة كثيرا بالتوقف عن السير العبثي في الشوارع والطرقات، لكنه لم يكن يراه أكثر من حاسد بل كان يخشى أن يترك عمله وينافسه في رحلته نحو كنوز الطريق!!
ثلاثة أيام توقف فيها سليمان عن الخروج والمشي في الشوارع؛ مما أكد لخليل أن هناك أمراً جللاً منع سليمان من الخروج اليومي والتسكع في الطرقات.. طرق الباب ولم يجبه أحد، كسر الباب مضطرا فوجد سليمان ممدداً على الأرض نائماً حاول إيقاظه لكنه كان غارقاً في المرض والحمى.
اتصل بالمستشفى وطلب الإسعاف وهناك شخّص الأطباء حالته بأنه مصاب بالتهاب رئوي حاد.
حاول الأطباء إسعافه طيلة أسبوع كامل لكن جسده المنهك لم يبد أي إشارة على تحسنه، وفي اليوم الثامن مات وانتقلت روحه إلى خالقها.
بعد أن أنهت الأستاذة قراءة قصة (كنوز على الطريق) لطالباتها رفعت رأسها وسألتهن: ما الذي تسبب بموت بطل القصة سليمان، هل هي حمى الالتهاب الرئوي، أم تقديره الغريب للأمور، أم اندفاعه نحو الكسب الذي ظنه سهلا ميسرا؟!
فاطمة: تقديره الغريب للأمور هو الذي تسبب بموته، ورغبته الجارفة بالكسب بطرق واهية وضعيفة.
هند: أراد الكسب السهل، وقبل بخداع نفسه عامداً متعمداً.
سارة: إن الدرس الذي نتعلمه من القصة ببساطة، هو أن الزمن إذا ابتسم لك لحظة وأعطاك كسبا سهلا، فلا تجعل من تلك اللحظة قصة حياتك، بل ابحث عن مغزى ما تفعل وقيمة ما تفعل.. سعاد: السير في طريق الأوهام عاقبته الكثير من الآلام.. رؤى: من أراد خداع نفسه فلن تغنيه مواعظ العالم..
هدى: المقدمات الصحيحة وحدها تؤدي لنهايات صحيحة.. جويرية: من لم يفكر في العواقب يندم.. جميلة: اجعل همتك معلقة بالحقائق، وليس بالأوهام.. منى: الصحة والزمن مسؤولية، وعلينا أن نستثمر مواردنا بطريقة صحيحة.. أمل: كيف يقبل المرء أن يضيع العمر، وهو يأتي مرة واحدة في حسابات خاطئة، العمر لا يحتمل المجازفات الحمقاء؟!. وفاء: حاطب الليل يضرب ويضرب ويضرب لكن ضرباته في الغالب طائشة؟.. ماجدة: لا تدع الوهم يقودك، فهو لن يؤدي إلا للسراب، احذر السراب وانظر للحقائق وقوانين الحياة.. سلامة: العاقل من اتعظ بغيره، والأحمق من وعظ بنفسه.. المعلمة: شكراً لكُنّ يا طالبات، علمنا الله وإياكن الحكمة، شكراً لتعليقاتكن الذكية، فالأهداف الجيدة وحدها هي التي تستحق أن يصرف لها الجهد والأيام.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
756
| 16 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
717
| 11 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، بظهور بعض الشخصيات والحركات، المدنية والمسلحة، التي تحاول القيام بأدوار إيجابية أو سلبية، وخصوصا في مراحل بناء الدول وتأسيسها. ومنطقيا ينبغي على مَن يُصَدّر نفسه للقيام بأدوار عامة أن يمتاز ببعض الصفات الشخصية والإنسانية والعملية والعلمية الفريدة لإقناع غالبية الناس بدوره المرتقب. ومن أخطر الشخصيات والكيانات تلك التي تتعاون مع الغرباء ضد أبناء جلدتهم، وهذا ما حدث في غزة خلال «طوفان الأقصى» على يَد «ياسر أبو شباب» وأتباعه!. و»أبو شباب» فلسطيني، مواليد 1990، من مدينة رفح بغزة، وَمَسيرته، وفقا لمصادر فلسطينية، لا تُؤهّله للقيام بدور قيادي ما!. ومَن يقرأ بعض صفحات تاريخ «أبو شباب»، الذي ينتمي لعائلة «الترابية» المستقرة في النقب وسيناء وجنوبي غزة، يجد أنه اعتُقِل في عام 2015، في غزة، حينما كان بعمر 25 سنة، بتهمة الاتّجار بالمخدّرات وترويجها، وحكم عليه بالسجن 25 سنة. وخلال مواجهات «الطوفان» القاسية والهجمات الصهيونية العشوائية على غزة هَرَب «أبو شباب» من سجنه بغزة، بعدما أمضى فيه أكثر من ثماني سنوات، وشكّل، لاحقا، «القوات الشعبية» بتنسيق مع الشاباك «الإسرائيلي»، ولم يلتفت إليها أحد بشكل ملحوظ بسبب ظروف الحرب والقتل والدمار والفوضى المنتشرة بالقطاع!. وبمرور الأيام بَرَزَ الدور التخريبي لهذه الجماعة، الذي لم يتوقف عند اعترافها بالتعاون مع أجهزة الأمن «الإسرائيلية» بل بنشر التخريب الأمني، والفتن المجتمعية، وقطع الطرق واعتراض قوافل المساعدات الإنسانية ونهبها!. وأبو شباب أكد مرارًا أن جماعته تَتَلقّى الدعم «دعماً من الجيش الإسرائيلي»، وأنهم عازمون على «مواصلة قتال حماس حتى في فترات التهدئة»!. وهذا يعني أنهم مجموعة من الأدوات الصهيونية والجواسيس الذين صورتهم بعض وسائل الإعلام العبرية كأدوات بديلة لتخفيف «خسائر الجيش الإسرائيلي باستخدامهم في مهام حسّاسة بدل الاعتماد المباشر على القوات النظامية»!. ويوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2025 أُعلن عن مقتل «أبو شباب» على يد عائلة «أبو سنيمة»، التي أعلنت مسؤوليتها عن الحادث: وأنهم «واجهوا فئة خارجة عن قيم المجتمع الفلسطيني». وبحيادية، يمكن النظر لهذا الكيان السرطاني، الذي أسندت قيادته بعد مقتل «أبو شباب» إلى رفيقه «غسان الدهيني» من عِدّة زوايا، ومنها: - الخيانة نهايتها مأساوية لأصحابها، وماذا يَتوقّع أن تكون نهايته مَن يَتفاخر بعلاقته مع الاحتلال «الإسرائيلي»؟ - دور جماعة «أبو شباب» التخريبي على المستويين الأمني والإغاثي دفنهم وهم أحياء، مِمّا جعل مقتل «أبو شباب» مناسبة قُوْبِلت بالترحيب من أكثرية الفلسطينيين وغيرهم. - مقتل «أبو شباب» يؤكد فشل الخطة «الإسرائيلية» بجعل مجموعته المُتَحكِّم بمدينة «رفح» وجعلها منطقة «حكم ذاتي» خارج سيطرة المقاومة، وبهذا فهي ضربة أمنية كبيرة «لإسرائيل» التي كانت تُعوّل عليهم بعمليات التجسّس والتخريب. - قد تكون «إسرائيل» تَخلّصت منه، قبل إرغامها، بضغوط أمريكية، على المضي بالمرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار وذلك بتركه ليواجه مصيره كونه قُتِل بمنطقة سيطرة جيشها!. - الحادثة كانت مناسبة لدعم دور المقاومة على أرض غزة، ونقلت هيئة البثّ «الإسرائيلية»، الأحد الماضي، عن مصادر فلسطينية أن «مسلحين ينتمون لمليشيات عشائرية معارضة لحماس سَلّموا أنفسهم طواعية لأجهزة (حماس) الأمنية في غزة». منطقيًا، لو كانت جماعة «أبو شباب» جماعة فلسطينية خالصة ومنافسة بعملها، السياسي والعسكري، للآخرين بشفافية وصدق لأمكن قبول تشكيلها، والتعاطي معه على أنه جزء من المشاريع الهادفة لخدمة القطاع، ولكن حينما تَبرز خيوط مؤكدة، وباعترافات واضحة، بارتباط هذا الكيان وشخوصه بالاحتلال «الإسرائيلي» فهنا تكون المعضلة والقشّة التي تَقصم ظهر الكيان لأن التعاون مع المحتل جريمة لا يُمكن تبريرها بأيّ عذر من الأعذار. مقتل «أبو شباب» كان متوقعا، وهي النهاية الحتمية والسوداء للخونة والعملاء الذين لا يَجدون مَن يُرحب بهم من مواطنيهم، ولا مَن يَحْتَرِمهم من الأعداء، ولهذا هُم أموات بداية، وإن كانوا يمشون على الأرض، لأنهم فقدوا ارتباطهم بأهلهم وقضيتهم وإنسانيتهم.
648
| 12 ديسمبر 2025