رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كتبت يوم الأحد الماضي مقالة تحت عنوان "محاولة تغيير المسار!" وتطرقت فيها لعدد من المواضيع الهامة التي تمس الوطن والمواطن والمقيم، في أهم القطاعات التي تقدمها أهم وزارات الدولة كالصحة والتعليم والأوقاف.
وقد حاولت بقدر الإمكان أن أنقل الصورة كما هي، دون أي تدخل أو رتوش، وقد لاقى المقال ردودا طيّبة أسعدتني، إلا أن التركيز تمحور حول موضوع الأوقاف، بل وصلتني معلومات من وزارة الأوقاف نفسها، خاصة من قبل بعض القطريين والمقيمين العاملين فيها، وقد أبدوا إعجابهم بالمقالة وأن ما تم ذكره من خلالها كان يلامس مشاعرهم وأحاسيسهم، وكأنهم هم من كتبوا المقال، مع التأكيد على كثير من المواضيع التي تمنوا أن أتطرقها، ولكن لا أريد التحدث عنها الآن؛ لأنني وبكل صراحة أريد التركيز على أمر مهم وخطير في نفس الوقت!
نشرنا في ملف التحقيقات يوم الأربعاء الماضي تحقيقا بعنوان "مساجد تعاني من عيوب إنشائية وتصدعات بالأسقف والجدران" ويدور حول إهمال وزارة الأوقاف لبيوت الله، وعوضا عن أن يتم التواصل مع الشرق وأخذ المعلومات الكافية عن المسجد، ومحاولة شكر الجريدة على ما تقوم به، حدث ما هو غير متوقع؟! فقد اتصل على الصحيفة أحد الاخوة وحاول أخذ معلومات عن المسجد، وللأسف طلب رقم جوال أحد المشتكين، وأعطاه الصحفي رقم أحدهم، وحاول الاتصال عليه ولامه وعاتبه بأن تواصل مع صحيفة الشرق، ولماذا لم تتقدم بالشكوى لمركز الصيانة؟! بعدها اتصل بنا المشتكي ليشرح الموقف، ويعاتبنا عتابا شديدا وهو ما دعانا لتقديم الاعتذار له؟! والسؤال هو: هل كان من المفترض بالشخص أن يحاول منع أي مواطن أو مقيم من تقديم شكوى مشروعة فيما يراه تقصيرا كبيرا، خاصة إذا كان الأمر متعلقا ببيوت الله! أليس من المفترض أن يقوموا بمتابعة شؤون المسجد والعمل على ترميمه وإصلاحه؛ حتى يجد صاحب الشكوى اهتماما لشكواه، التي أعلنها لغيرته على مسجد يأتي إليه لأداء فريضة من الفرائض الخمس! أليس العمل على الاهتمام بمعالجة أوجه القصور، هو أبلغ رد دون كلمة واحدة، وتوضيح أن ما تم التقصير فيه تم العمل على إنهاء جميع مشاكله، من الطبيعي أن يتصلوا بنا في الشرق لزيارة المسجد بعد عمل اللازم، ومن حقهم علينا العمل على نشره، وتأكيدنا بأن التجاوب كان سريعا من جهة تحترم المواطن وتعمل على إرضائه خدمة للوطن وإتماما لم تم إنشاؤه من أجله، وأهمها بيوت الله! ولكن كان الأمر معكوسا، بل كانت تساؤلاتهم: لماذا قمتم بتكبير صورة المسجد في التحقيق؟ ولماذا كان تركيز الصور على أماكن التصدعات بالأسقف والجدران؟! هل تصدقون ذلك، أليس من الحكمة والمصداقية أن ننشر الصور التي توضح ما تم طرحه! ولو أننا نشرناه دون صورة واحدة لقالوا أين دليلكم، فالصورة كانت أكبر معبر عن الكثير من الكلام.
الأمر المضحك المبكي في وزارة الأوقاف في موضوع آخر كان يوم الأربعاء الماضي في حفل تكريمها لشركات تقوم بإخراج زكاتها السنوية من خلالها، وأوضح أن عدد الشركات التي تخرج زكاة أموالها بحسب إحصائيات 2013م بلغت نحو 103 شركات، فيما كان عددها في 2012م 57 شركة، بنسبة زيادة 100 %، وهذا أمر مفرح وجميل، ولكن المحزن أن النسبة التي بلغت 100 % كان من المفترض أن تكون حافزا للفخر والنجاح لما قاموا ويقومون به، ولكن كان العكس وكأن المتحدث يتفاخر بالأرقام والواقع عكس ذلك تماما! فقد أضاف في حفل (التكريم) أن الصندوق يعاني من فجوة كبيرة في أموال الزكاة، على الرغم من أن الصندوق حقق نسبة في زيادة الإيرادات بلغت 100 % بالمقارنة مع العام الذي قبله! وذكر أن حجم أموال الزكاة عام 2013 بلغت نحو 4 مليارات ريال!؟ فكيف تبلغ الإيرادات هذا المبلغ وتكون هناك فجوة كبيرة في الأموال! بل الأدهى والأمر أنه أوضح بأن الصندوق يدرس اقتراحا باستقطاع يوم أو يومين من راتب العاملين في المؤسسات الحكومية تطوعا لدعم خزينة الصندوق!؟ بل وأوضح أن هذا المقترح سيتم رفعه للوزارات والمؤسسات الحكومية! وبحسبة بسيطة لو تم ذلك فمجموع عدد الأيام المقطوعة للتبرع للصندوق خلال عام هو 24 يوما، أي ما يعادل راتب شهر تقريبا!؟ فسمو الأمير يدعو إلى رفاهية المواطن، ومن يتحدث عن الصندوق يريد مخالفة أن يتمتع أي مواطن براتبه وأن يترفّه به!؟ كم هو مؤلم هذا المقترح الذي يُنمّي في ذهن المتابع بأن هذا الصندوق الخاص بالزكاة تم تحويله لجمعية خيرية تستقطع من رواتب العاملين لدعمه، حتى الدول الفقيرة لم تفكر بهذا الأمر، فيأتي شخص من صندوق الزكاة ويطرح هذا المقترح في دولة غنية وصلت أعمالها الخيرية إلى مشارق الأرض ومغاربها، دون أي ضجيج أو حفل للتكريم في زكاة واجبة على كل مسلم، بل هي ركن من أركان الإسلام الخمسة!؟ كما أن أهل قطر معروف عنهم الدعم والمساهمة في الأعمال الخيرية دون أن يطلب أحد منهم ذلك، والدليل راجعوا إيرادات الجمعيات القطرية لتعرفوا مدى مساعدة القطريين لأعمال الخير والمساجد وحفر الآبار وكل عمل خيري ساهموا وشاركوا فيه، فكيف يريد أن يستقطع من رواتبهم الشهرية، وكيف يمكن تصور ذلك مع من يعمل من غير المسلمين في القطاع الحكومي!؟
أمر محزن، وللأسف من جهة حكومية نحمل الكثير من الحب والتقدير لكل ما تقوم به، ولكن للأسف كانت الفاجعة المؤلمة بأن الصندوق يعاني من فجوة مالية بل يعاني من قيود تمنعه من القيام بواجبه كما أوضح المتحدث في حفل التكريم، وكأن الوزارة تسعى لذلك، وإلا لما لا تعمل على دعمه وحل جميع القيود التي ذكرها رئيس قسم خدمات الزكاة، بل تم سؤاله عن هذه القيود فلم يشرحها!؟
والأكثر إيلاما هو محاولته التقليل من دور الجمعيات الخيرية القطرية التي أقولها بكل فخر واعتزاز، بأنها تقوم بأعمال جليلة سواء في الداخل أو الخارج، وأصبحت مضربا للمثل في جميع ما تقوم به من تبرعات عاجلة لدول شقيقة وصديقة، بل دائما ما تكون في مقدمة أكثر الأماكن عوزا وحاجة جرّاء فيضانات أو زلازل أو حروب ومجاعات، وأصبح يتردد اسمها في كل فضاء، وأنا متأكد لو حصلت على ربع الدعم الذي وجده الصندوق في الداخل لقامت بأضعاف ما يقوم به الصندوق في الداخل، ولكن عندما تعرف السبب يبطل أمر العجب، فرئيس قسم يقوم بأعمال من كان من المفترض عليه الحضور والمشاركة، ولكن عندما تكون هناك إشكالات ودعم يؤثر على السير الطبيعي للهيكل فلا ترتجي أي أمر يكون ذا منفعة! ولقراءة الموضوع الذي تم نشره يوم الخميس الماضي تحت عنوان ("الزكاة" تعتزم الطلب من الوزارات استقطاع راتب يومين من العاملين تطوعا).
وأخيرا وليس آخر، تلقيت صباح يوم الخميس الماضي اتصالا، وكان من أحد الجنسيات العربية وقال لي أنه من الأوقاف، فقلت له أهلا وسهلا، تفضل أخي العزيز، قال أريد أن أحصل على إيميلك؟ قلت له ستجده مرافقا لمقالاتي على موقع الشرق، وعندما التقيت بزملائي الصحفيين قالوا لي بأنه اتصل بهم وأنه يعمل في إحدى الصحف المحلية! وقالوا أيضا بأنهم عاتبوه كيف تعمل في صحيفة زميلة وتخدم في الوزارة وتحاول الحصول على معلومات لصحفيين بإمكان أي إعلامي الحصول عليها؟ قال لهم كنت أتعاون معهم وقد قدمت استقالتي لهم لأنني مللت من تعاملهم! لدى الوزارة كادر من الشباب القطري المؤهل لخدمة الوطن بشكل أفضل، وهم كفاءات ولكن محاولة منعهم التواصل مع الصحافة بأي شكل من الأشكال، كان حاجزا أمام تواصلهم، ولا أرى سببا لذلك سوى أمرين هما:
أولا: أن تواصلهم يكشف مدى قدرتهم على تحمّل المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، وبالتالي محاولة تهميشهم ومنعهم من التواصل حتى لا يظهروا في الصورة ولا يعلم بهم أحد! لخوفهم من أن يتبوّأوا مناصب قيادية هم أهل لها.
ثانيا: أنهم غير مؤهلين والواسطة جعلتهم يجلسون مكان أشخاص أحق منهم، ولا يريدون أن ينكشف أمرهم بأنهم غير أكفاء، خاصة أن الصحافة ومن خلال نشرها لحواراتهم ومتابعة القرّاء لهم ستعمل على إظهار الحقيقة، وللأمانة أن من أعرفهم جادون في عملهم ويريدون أن يخدموا جهة عملهم كما ينبغي، لكن مخالفة أمر المسؤول تعوق ذلك! فلهم كل العذر لأن ما قدموه لي من أعذار تدعوني للوقوف بجانبهم، لأن الخلل ليس فيهم بقدر ما هو من المسؤول الذي قام بوضع شخص من إحدى الجنسيات العربية مسؤولا عن جميع أمور الصحافة والتعامل معها! فيكون عائقا أمام بروز الكوادر القطرية وتهميشها، بل يسعى للتواصل مع قنوات فضائية حتى يعلم العالم قبل أبناء الوطن بكل ما يقومون به ويكون هو صاحب اللمسات التي ترضي المسؤول!.... وآآآآآآحسراتاه
في منتدى الدوحة 2025 وسط حضور كبير تجاوز ستة آلاف شخص وفي التنوع في الجلسات الحوارية التي ناقشت... اقرأ المزيد
150
| 17 ديسمبر 2025
تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم
وصلت صباحا وكلي همة وتفكير من أين سوف أبدأ، فإذا بي أدخل المكتب وأجد مكتب زميلتي ليس على... اقرأ المزيد
171
| 17 ديسمبر 2025
قطر.. قصة وطن يتألّق في يومه الوطني
في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، تكون دولة قطر على موعدٍ مع ذاكرتها الوطنية، وتفتح صفحات... اقرأ المزيد
114
| 17 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
828
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025