رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كتبت يوم الأحد الماضي مقالة تحت عنوان "محاولة تغيير المسار!" وتطرقت فيها لعدد من المواضيع الهامة التي تمس الوطن والمواطن والمقيم، في أهم القطاعات التي تقدمها أهم وزارات الدولة كالصحة والتعليم والأوقاف.
وقد حاولت بقدر الإمكان أن أنقل الصورة كما هي، دون أي تدخل أو رتوش، وقد لاقى المقال ردودا طيّبة أسعدتني، إلا أن التركيز تمحور حول موضوع الأوقاف، بل وصلتني معلومات من وزارة الأوقاف نفسها، خاصة من قبل بعض القطريين والمقيمين العاملين فيها، وقد أبدوا إعجابهم بالمقالة وأن ما تم ذكره من خلالها كان يلامس مشاعرهم وأحاسيسهم، وكأنهم هم من كتبوا المقال، مع التأكيد على كثير من المواضيع التي تمنوا أن أتطرقها، ولكن لا أريد التحدث عنها الآن؛ لأنني وبكل صراحة أريد التركيز على أمر مهم وخطير في نفس الوقت!
نشرنا في ملف التحقيقات يوم الأربعاء الماضي تحقيقا بعنوان "مساجد تعاني من عيوب إنشائية وتصدعات بالأسقف والجدران" ويدور حول إهمال وزارة الأوقاف لبيوت الله، وعوضا عن أن يتم التواصل مع الشرق وأخذ المعلومات الكافية عن المسجد، ومحاولة شكر الجريدة على ما تقوم به، حدث ما هو غير متوقع؟! فقد اتصل على الصحيفة أحد الاخوة وحاول أخذ معلومات عن المسجد، وللأسف طلب رقم جوال أحد المشتكين، وأعطاه الصحفي رقم أحدهم، وحاول الاتصال عليه ولامه وعاتبه بأن تواصل مع صحيفة الشرق، ولماذا لم تتقدم بالشكوى لمركز الصيانة؟! بعدها اتصل بنا المشتكي ليشرح الموقف، ويعاتبنا عتابا شديدا وهو ما دعانا لتقديم الاعتذار له؟! والسؤال هو: هل كان من المفترض بالشخص أن يحاول منع أي مواطن أو مقيم من تقديم شكوى مشروعة فيما يراه تقصيرا كبيرا، خاصة إذا كان الأمر متعلقا ببيوت الله! أليس من المفترض أن يقوموا بمتابعة شؤون المسجد والعمل على ترميمه وإصلاحه؛ حتى يجد صاحب الشكوى اهتماما لشكواه، التي أعلنها لغيرته على مسجد يأتي إليه لأداء فريضة من الفرائض الخمس! أليس العمل على الاهتمام بمعالجة أوجه القصور، هو أبلغ رد دون كلمة واحدة، وتوضيح أن ما تم التقصير فيه تم العمل على إنهاء جميع مشاكله، من الطبيعي أن يتصلوا بنا في الشرق لزيارة المسجد بعد عمل اللازم، ومن حقهم علينا العمل على نشره، وتأكيدنا بأن التجاوب كان سريعا من جهة تحترم المواطن وتعمل على إرضائه خدمة للوطن وإتماما لم تم إنشاؤه من أجله، وأهمها بيوت الله! ولكن كان الأمر معكوسا، بل كانت تساؤلاتهم: لماذا قمتم بتكبير صورة المسجد في التحقيق؟ ولماذا كان تركيز الصور على أماكن التصدعات بالأسقف والجدران؟! هل تصدقون ذلك، أليس من الحكمة والمصداقية أن ننشر الصور التي توضح ما تم طرحه! ولو أننا نشرناه دون صورة واحدة لقالوا أين دليلكم، فالصورة كانت أكبر معبر عن الكثير من الكلام.
الأمر المضحك المبكي في وزارة الأوقاف في موضوع آخر كان يوم الأربعاء الماضي في حفل تكريمها لشركات تقوم بإخراج زكاتها السنوية من خلالها، وأوضح أن عدد الشركات التي تخرج زكاة أموالها بحسب إحصائيات 2013م بلغت نحو 103 شركات، فيما كان عددها في 2012م 57 شركة، بنسبة زيادة 100 %، وهذا أمر مفرح وجميل، ولكن المحزن أن النسبة التي بلغت 100 % كان من المفترض أن تكون حافزا للفخر والنجاح لما قاموا ويقومون به، ولكن كان العكس وكأن المتحدث يتفاخر بالأرقام والواقع عكس ذلك تماما! فقد أضاف في حفل (التكريم) أن الصندوق يعاني من فجوة كبيرة في أموال الزكاة، على الرغم من أن الصندوق حقق نسبة في زيادة الإيرادات بلغت 100 % بالمقارنة مع العام الذي قبله! وذكر أن حجم أموال الزكاة عام 2013 بلغت نحو 4 مليارات ريال!؟ فكيف تبلغ الإيرادات هذا المبلغ وتكون هناك فجوة كبيرة في الأموال! بل الأدهى والأمر أنه أوضح بأن الصندوق يدرس اقتراحا باستقطاع يوم أو يومين من راتب العاملين في المؤسسات الحكومية تطوعا لدعم خزينة الصندوق!؟ بل وأوضح أن هذا المقترح سيتم رفعه للوزارات والمؤسسات الحكومية! وبحسبة بسيطة لو تم ذلك فمجموع عدد الأيام المقطوعة للتبرع للصندوق خلال عام هو 24 يوما، أي ما يعادل راتب شهر تقريبا!؟ فسمو الأمير يدعو إلى رفاهية المواطن، ومن يتحدث عن الصندوق يريد مخالفة أن يتمتع أي مواطن براتبه وأن يترفّه به!؟ كم هو مؤلم هذا المقترح الذي يُنمّي في ذهن المتابع بأن هذا الصندوق الخاص بالزكاة تم تحويله لجمعية خيرية تستقطع من رواتب العاملين لدعمه، حتى الدول الفقيرة لم تفكر بهذا الأمر، فيأتي شخص من صندوق الزكاة ويطرح هذا المقترح في دولة غنية وصلت أعمالها الخيرية إلى مشارق الأرض ومغاربها، دون أي ضجيج أو حفل للتكريم في زكاة واجبة على كل مسلم، بل هي ركن من أركان الإسلام الخمسة!؟ كما أن أهل قطر معروف عنهم الدعم والمساهمة في الأعمال الخيرية دون أن يطلب أحد منهم ذلك، والدليل راجعوا إيرادات الجمعيات القطرية لتعرفوا مدى مساعدة القطريين لأعمال الخير والمساجد وحفر الآبار وكل عمل خيري ساهموا وشاركوا فيه، فكيف يريد أن يستقطع من رواتبهم الشهرية، وكيف يمكن تصور ذلك مع من يعمل من غير المسلمين في القطاع الحكومي!؟
أمر محزن، وللأسف من جهة حكومية نحمل الكثير من الحب والتقدير لكل ما تقوم به، ولكن للأسف كانت الفاجعة المؤلمة بأن الصندوق يعاني من فجوة مالية بل يعاني من قيود تمنعه من القيام بواجبه كما أوضح المتحدث في حفل التكريم، وكأن الوزارة تسعى لذلك، وإلا لما لا تعمل على دعمه وحل جميع القيود التي ذكرها رئيس قسم خدمات الزكاة، بل تم سؤاله عن هذه القيود فلم يشرحها!؟
والأكثر إيلاما هو محاولته التقليل من دور الجمعيات الخيرية القطرية التي أقولها بكل فخر واعتزاز، بأنها تقوم بأعمال جليلة سواء في الداخل أو الخارج، وأصبحت مضربا للمثل في جميع ما تقوم به من تبرعات عاجلة لدول شقيقة وصديقة، بل دائما ما تكون في مقدمة أكثر الأماكن عوزا وحاجة جرّاء فيضانات أو زلازل أو حروب ومجاعات، وأصبح يتردد اسمها في كل فضاء، وأنا متأكد لو حصلت على ربع الدعم الذي وجده الصندوق في الداخل لقامت بأضعاف ما يقوم به الصندوق في الداخل، ولكن عندما تعرف السبب يبطل أمر العجب، فرئيس قسم يقوم بأعمال من كان من المفترض عليه الحضور والمشاركة، ولكن عندما تكون هناك إشكالات ودعم يؤثر على السير الطبيعي للهيكل فلا ترتجي أي أمر يكون ذا منفعة! ولقراءة الموضوع الذي تم نشره يوم الخميس الماضي تحت عنوان ("الزكاة" تعتزم الطلب من الوزارات استقطاع راتب يومين من العاملين تطوعا).
وأخيرا وليس آخر، تلقيت صباح يوم الخميس الماضي اتصالا، وكان من أحد الجنسيات العربية وقال لي أنه من الأوقاف، فقلت له أهلا وسهلا، تفضل أخي العزيز، قال أريد أن أحصل على إيميلك؟ قلت له ستجده مرافقا لمقالاتي على موقع الشرق، وعندما التقيت بزملائي الصحفيين قالوا لي بأنه اتصل بهم وأنه يعمل في إحدى الصحف المحلية! وقالوا أيضا بأنهم عاتبوه كيف تعمل في صحيفة زميلة وتخدم في الوزارة وتحاول الحصول على معلومات لصحفيين بإمكان أي إعلامي الحصول عليها؟ قال لهم كنت أتعاون معهم وقد قدمت استقالتي لهم لأنني مللت من تعاملهم! لدى الوزارة كادر من الشباب القطري المؤهل لخدمة الوطن بشكل أفضل، وهم كفاءات ولكن محاولة منعهم التواصل مع الصحافة بأي شكل من الأشكال، كان حاجزا أمام تواصلهم، ولا أرى سببا لذلك سوى أمرين هما:
أولا: أن تواصلهم يكشف مدى قدرتهم على تحمّل المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، وبالتالي محاولة تهميشهم ومنعهم من التواصل حتى لا يظهروا في الصورة ولا يعلم بهم أحد! لخوفهم من أن يتبوّأوا مناصب قيادية هم أهل لها.
ثانيا: أنهم غير مؤهلين والواسطة جعلتهم يجلسون مكان أشخاص أحق منهم، ولا يريدون أن ينكشف أمرهم بأنهم غير أكفاء، خاصة أن الصحافة ومن خلال نشرها لحواراتهم ومتابعة القرّاء لهم ستعمل على إظهار الحقيقة، وللأمانة أن من أعرفهم جادون في عملهم ويريدون أن يخدموا جهة عملهم كما ينبغي، لكن مخالفة أمر المسؤول تعوق ذلك! فلهم كل العذر لأن ما قدموه لي من أعذار تدعوني للوقوف بجانبهم، لأن الخلل ليس فيهم بقدر ما هو من المسؤول الذي قام بوضع شخص من إحدى الجنسيات العربية مسؤولا عن جميع أمور الصحافة والتعامل معها! فيكون عائقا أمام بروز الكوادر القطرية وتهميشها، بل يسعى للتواصل مع قنوات فضائية حتى يعلم العالم قبل أبناء الوطن بكل ما يقومون به ويكون هو صاحب اللمسات التي ترضي المسؤول!.... وآآآآآآحسراتاه
في خطابه السنوي أمام مجلس الشورى استهل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد... اقرأ المزيد
198
| 22 أكتوبر 2025
لم يعد مشهد الاحتجاجات والحراك الشبابي مفاجئًا لنا وللمراقبين في عالمٍ يتغير بسرعة مذهلة، وحيث تتقاطع الأزمات الاقتصادية... اقرأ المزيد
276
| 22 أكتوبر 2025
جاء خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، في افتتاح دور الانعقاد... اقرأ المزيد
114
| 22 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
4803
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3561
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء. فالتعليم يمنح الإطار، بينما التدريب يملأ هذا الإطار بالحياة والفاعلية. في الجامعات تحديدًا، ما زال كثير من الطلاب يتخرجون وهم يحملون شهادات مليئة بالمعرفة النظرية، لكنهم يفتقدون إلى الأدوات التي تمكنهم من دخول سوق العمل بثقة. هنا تكمن الفجوة بين التعليم والتدريب. فبدلاً من أن يُترك الخريج يبحث عن برامج تدريبية بعد التخرج، من الأجدى أن يُغذّى التعليم الجامعي بجرعات تدريبية ممنهجة، وأن يُطرح مسار فرعي بعنوان «إعداد المدرب» ليخرّج طلابًا قادرين على التعلم وتدريب الآخرين معًا. تجارب ناجحة: - ألمانيا: اعتمدت نظام التعليم المزدوج، حيث يقضي الطالب جزءًا من وقته في الجامعة وجزءًا آخر في بيئة العمل والنتيجة سوق عمل كفؤ، ونسب بطالة في أدنى مستوياتها. - كوريا الجنوبية: فرضت التدريب الإلزامي المرتبط بالصناعة، فصار الخريج ملمًا بالنظرية والتطبيق معًا، وكانت النتيجة نهضة صناعية وتقنية عالمية. -كندا: طورت نموذج التعليم التعاوني (Co-op) الذي يدمج الطالب في بيئة العمل خلال سنوات دراسته. هذا أسهم في تخريج طلاب أصحاب خبرة عملية، ووفّر على الدولة تكاليف إعادة التأهيل بعد التخرج. انعكاسات التعليم بلا تدريب: 1. اقتصاديًا: غياب التدريب يزيد الإنفاق الحكومي على إعادة التأهيل. أما إدماج التدريب، فيسرّع اندماج الخريج في السوق ويضاعف الإنتاجية. 2. مهنيًا: الطالب المتدرب يتخرج بخبرة عملية وشبكة علاقات مهنية، ما يمنحه ثقة أكبر وفرصًا أوسع. 3. اجتماعيًا: حين يتقن الشباب المهارات العملية، تقل مستويات الإحباط، ويتحولون من باحثين عن وظيفة إلى صانعين للفرص. حلول عملية مقترحة لقطر: 1. دمج التدريب ضمن المناهج الجامعية: أن تُخصص كل جامعة قطرية 30% من الساعات الدراسية لتطبيقات عملية ميدانية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص واعتماد التدريب كمتطلب تخرج إلزامي لا يقل عن 200 ساعة. 2. إنشاء مجلس وطني للتكامل بين التعليم والتدريب: يضم وزارتي التعليم والعمل وممثلي الجامعات والقطاع الخاص، ليضع سياسات تربط بين الاحتياج الفعلي في السوق ومخرجات التعليم. 3. تفعيل مراكز تدريب جامعية داخلية: تُدار بالشراكة مع مراكز تدريب وطنية، لتوفير بيئات تدريبية تحاكي الواقع العملي. 4. تحفيز القطاع الخاص على التدريب الميداني. منح حوافز ضريبية أو أولوية في المناقصات للشركات التي توفر فرص تدريب جامعي مستدامة. الخلاصة التعليم بلا تدريب يظل معرفة ناقصة، عاجزة عن حمل الأجيال نحو المستقبل. إنّ إدماج التدريب في التعليم الجامعي، وإيجاد تخصصات فرعية في إعداد المدربين، سيضاعف قيمة التعليم ويحوّله إلى أداة لإطلاق الطاقات لا لتخزين المعلومات. فحين يتحول كل متعلم إلى مُمارس، وكل خريج إلى مدرب، سنشهد تحولًا حقيقيًا في جودة رأس المال البشري في قطر، بما يواكب رؤيتها الوطنية ويقودها نحو تنمية مستدامة.
2871
| 16 أكتوبر 2025