رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
نحتت علوم اللغة المعاصرة مفهوماً مبدعاً هو: حركية المصطلحات أو حركيّة الدليل اللغوي؛ فالمصطلحات وحمولتها الدلالية - حسب هذا المفهوم- لا تثبت على حال بل تتغير بتغير السياق، وتلك قاعدة ثابتة ومطردة في نظام اللغة التي هي الإطار الحامل للمفاهيم.
ويترتب على ذلك توافر الغنى الدلالي للمصطلحات باستمرار، مما يُظهر عبثية محاولة فرض مضمون مفاهيمي أو دلالي لمصطلح معين، من خلال الوقوف به عند لحظة من لحظات تطوره التاريخي.
ثم إن أي عملية للتعامل مع المصطلحات والمفاهيم - ومن ثم مع المعرفة العلمية والإنسانية - عملية خلاقة؛ أي عملية تفكيك وإعادة بناء، أو بلغة عالم النفس السويسري جون بياجيه هي "عملية التكيف"، الذي هو حاصل علاقة جدلية تفاعلية بين الاستيعاب (التفكيك) والتلاؤم.
ومن خلال توظيف هذه النظرية، أي نظرية حركيّة الدليل اللغوي والطابع الخلاق للغة والإبداع المتواصل للمصطلحات أو إغناء المصطلحات، التي تنتقل في الزمان والمكان بمفهومها ودلالتها الجديدة باستمرار؛ نتساءل: هل بالإمكان استنساخ العلمانية في العالم الإسلامي؟ وأي موقف هو الأقرب إلى الصواب من هذا المنتَج الفكري الإنساني؟
الحاصل أننا - بالتأمل في العلمانية مصطلحا ومفهوما- نلاحظ أننا إزاء موقفين غير تاريخييْن ولا جدلييْن، ولا يستحضران هذه الحقائق العلمية كما تُقرّ بها علوم اللغة وعلم النفس التكويني، وكما تؤكدها الحركة التاريخية في مجال التفاعل بين الثقافات والحضارات.
أما الموقف الأول فهو موقف الذين يتبنَّوْن تصوراً شمولياً للعلمانية، وهؤلاء لا يضعون المصطلح في سياقه التاريخي، أي من حيث إنها صورة من صور العلمانية، أو مجرد مقطع تاريخي هو في حد ذاته مجرد تأويل للعلمانية كما ظهرت للمرة الأولى.
فالصراع اللاحق في القرن التاسع عشر بين الإكليركيين والعلمانيين اليعقوبيين، وبين الريفيين والمدنيين، وبين الملكيين والجمهوريين؛ هو المسؤول عن إعادة بناء ما يسميه بالمر بـ"أسطورة" مليئة بـ"الغلو والشطط"، تتحدث عن أن الثورة الفرنسية قد "كانت على الوجه الأخص تهجما على المسيحية وعلى الديانات كافة".
إن أصحاب الموقف الأول لا يقرأون العلمانية ويفهمونها بالوظيفة التاريخية التي اضطلعت بها، ويتعاملون معها كمنظومة عقائدية مغلقة وشاملة، تتجاوز الدعوة إلى مناهضة الحكم الثيوقراطي، والفصل بين الدين والدولة إلى الفصل بين الدين والحياة، وبين المجال العام والمجال الخاص؛ بل وتفرض رؤيتها الكونية حتى على الحياة الخاصة للناس.
إن هؤلاء -رغم أن كثيرا منهم يدعي أنه يتبنى التحليل التاريخي والجدلي- بعيدون عن التحليل التاريخي، وعاجزون عن التسلح بالفكر النقدي، ومن ثم ينتهون إلى مواقف منغلقة وشمولية، بادعائهم أنه لا سبيل للنهضة في العالم الإسلامي إلا باستعارة العلمانية بحذافيرها؛ بل وباستعارة مقطع تاريخي ورؤية من بين عدة رؤى داخل العلمانية ذاتها، أي العلمانية الشاملة.
وفضلا عن ذلك؛ فإنهم يتجاهلون أن مثل هذه الاستعارة القاصرة هي مستحيلة من ناحية قوانين العمران البشري، ومن ناحية أن كل استعارة لابد أن تؤول - في نهاية المطاف - إلى عملية تكيف أي إلى عملية استيعاب وتلاؤم، استيعاب يقوم على وعي تاريخي بحركية المفهوم وتحولاته، والتغيرات التي طرأت عليه خلال تاريخه الطويل.
ومن ناحية أخرى؛ فإن كل عملية تكيف تفرض تلاؤماً أي نقداً للذات واستفادة من التجربة البشرية، وبالأخص مما أصبح عاما ومشتركا وقابلا كي ينتقل عبر الثقافات والحضارات، أو ما يمكن تسميته بالمشترك العابر للثقافات، أو مشترك ما بين الثقافات، وما يُعرف اليوم أيضا بالمبادئ الكونية المتعارف عليها عالميا. وللإشارة فإن التجربة الغربية قد استفادت من عدة مكاسب من الحضارة الإسلامية بعد أن أخضعت تراثها لعملية استيعاب وتلاؤم.
أما أصحاب الموقف الثاني فإنهم لا يختلفون عن أصحاب الموقف الأول في منهج النظر والتعامل مع المصطلح، وإن كانوا يخلصون إلى نتيجة مخالفة - أي إلى الرفض الشامل للعلمانية - دون أن يميزوا بين العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية.
أما من حيث المنهج؛ فإنهم يتعاملون مع العلمانية كحزمة متكاملة ولا يميزون بين مستوياتها، كما أنهم لا يستحضرون الوظيفة التاريخية التي اضطلعت بها في سياقها التاريخي، أي من حيث إنها في الجوهر سعي إلى أنْسَنَةِ الدولة وجعلها دولة الإنسان، في مقابل دولة الكهنوت المتسلط ظلما على رقاب العباد باسم الله، والذي كان يشتري بآيات الله ثمنا قليلا.
ولو وقفوا عند تلك الوظيفة وذهبوا إلى جوهر العلمانية - بعيدا عن التأويلات التاريخية والانزلاقات التطبيقية - لوجدوا أنها تلتقي في كثير من الجوانب مع الإسلام.
انطلاقا من ذلك؛ تبدو إعادة تعريف العلمانية -بالعودة بها إلى الأصول قبل ظهور الخلاف- مسألة جوهرية، وهو التعريف الذي ينتقل بالعلمانية من نسق مذهبي مغلق إلى النظر إليها نظرة وظيفية ومقاصدية، أي تسعى للوقوف عند مقاصد العلمانية كما تبلورت في المجتمعات الغربية.
ومن هذه الزاوية؛ يبدو تعريف الدكتور محمد عابد الجابري صائبا، حين رفض من جهة تعريف مصطلح العلمانية باعتباره فقط فصلا للكنيسة عن الدولة، مؤكدا عدم ملاءمته للواقع العربي الإسلامي؛ وحين ذهب -من جهة ثانية- إلى استبداله بفكرة الديمقراطية القائمة على حفظ حقوق الأفراد والجماعات، والعقلانية الضامنة للممارسة السياسية الرشيدة.
فمن الواضح أن الدكتور الجابري أكد -في تعريفه- الوظيفة التاريخية لهذا المصطلح، ولم يقع أسير التعريف الشمولي للعلمانية؛ أي أنه لم ينظر إليها كنسق مغلق أو معتقَد أو مذهب ديني جديد، بل وقف -في تعريفه للعلمانية- عند مقاصدها ووظيفتها التاريخية.
وإذا أردنا أن نرجع إلى السؤال الذي طرحناه، أي: هل يقبل الإسلام بالعلمانية؟ فأستطيع أن أقول إنه يرفضها بالمعنى الشمولي غير التاريخي؛ وهو معها بالمعنى الوظيفي.
أي أن الإسلام مع العلمانية إذا كان يُقصد بها الديمقراطية القائمة على ضمان حقوق الأفراد والجماعات، والعقلانية الضامنة للممارسة الرشيدة، وإذا كان يُقصد بها بناء دولة الإنسان في مقابل الحكم اللاهوتي المطلق، والدولة القائمة على أساس المواطنة والإقرار بحق غير المسلمين في هذه المواطنة وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، والدولة القائمة على سيادة الأمة.
فكل ذلك لا يتعارض مع المرجعية الإسلامية للدولة، بل إن المرجعية الإسلامية نفسها هي التي تؤكد أن تكون الدولة دولة إنسان، وترفض أن تعطي للحاكم فيها أية سلطة مطلقة مستمدة من التفويض الإلهي؛ وذلك يتطلب رفع التعارض الموهوم بين فكرة السيادة وفكرة الحاكمية، وبين الطبيعة الإسلامية للدولة وفكرة المواطنة.
«الجزيرة نت»
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
1977
| 24 ديسمبر 2025
حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي والريان دون استئذان. هذا اللقاء يحمل في طيّاته أكثر من مجرد ثلاث نقاط؛ إنها مواجهة تاريخية، يرافقها جدل جماهيري ممتد لسنوات، وسؤال لم يُحسم حتى اليوم: من يملك القاعدة الجماهيرية الأكبر؟ في هذا المقال، سنبتعد عن التكتيك والخطط الفنية، لنركز على الحضور الجماهيري وتأثيره القوي على اللاعبين. هذا التأثير يتجسد في ردود الأفعال نفسها: حيث يشدد الرياني على أن "الرهيب" هو صاحب الحضور الأوسع، بينما يرد العرباوي بثقة: "جمهورنا الرقم الأصعب، وهو ما يصنع الفارق". مع كل موسم، يتجدد النقاش، ويشتعل أكثر مع كل مواجهة مباشرة، مؤكدًا أن المعركة في المدرجات لا تقل أهمية عن المعركة على أرضية الملعب. لكن هذه المرة، الحكم سيكون واضحًا: في مدرجات استاد الثمامة. هنا فقط سيظهر الوزن الحقيقي لكل قاعدة جماهيرية، من سيملأ المقاعد؟ من سيخلق الأجواء، ويحوّل الهتافات إلى دعم معنوي يحافظ على اندفاع الفريق ويزيده قوة؟ هل سيتمكن الريان من إثبات أن جماهيريته لا تُنافس؟ أم سيؤكد العربي مجددًا أن الحضور الكبير لا يُقاس بالكلام بل بالفعل؟ بين الهتافات والدعم المعنوي، يتجدد النقاش حول من يحضر أكثر في المباريات المهمة، الريان أم العربي؟ ومن يمتلك القدرة على تحويل المدرج إلى قوة إضافية تدفع فريقه للأمام؟ هذه المباراة تتجاوز التسعين دقيقة، وتتخطى حدود النتيجة. إنها مواجهة انتماء وحضور، واختبار حقيقي لقوة التأثير الجماهيري. كلمة أخيرة: يا جماهير العربي والريان، من المدرجات يبدأ النصر الحقيقي، أنتم الحكاية والصوت الذي يهز الملاعب، احضروا واملأوا المقاعد ودعوا هتافكم يصنع المستحيل، هذه المباراة تُخاض بالشغف وتُحسم بالعزيمة وتكتمل بكم.
1338
| 28 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
1143
| 22 ديسمبر 2025